كان ياما كان في سالف العصر والأوان.. بهلوان، يضع علي وجهه كل الأصباغ والألوان وبعد حياة مليئة بالعروض والمسرحيات، قرر هذا البهلوان أن يقدم عرضا خاصا له لوحده أمام مرآة. صبغ وجهه بخطوط زرقاء وبيضاء، ووضع علي أنفه كرة حمراء.. وضع علي رأسه قبعة طويلة مزركشة الألوان. لبس ملابسه الفضفاضة وانتعل حذاءه الطويل العريض، وأمسك في يده عصا صغيرة وتحرك بطريقة حلزونية مثل دون كيشوت الذي يحارب طواحين الهواء. رقص فوق السلك ولعب بالنار، وشرع في تقديم أحسن عروضه. ضحكت المرآة ولم يضحك البهلوان! عن البهلوانات نتحدث.. إنها سلالة الهوان التي أصبحت هذه الأيام تتصدر عناوين الصحف وأعمدتها، وحفلات المجتمع الراقي، وكواليس صناعة القرار السياسي، وملاعب كرة القدم، وحفلات توقيع الكتب، والاتحادات والنقابات.. وغيرها من الخيبات. والبهلوان في مصر خرج من حدود السيرك وانتشر وتكاثر وأصبح نجم الموسم في كل مكان. سار البهلوانات فوق كل الحبال، وانتقلوا من حبل إلي حبل، مثل لاعبي السيرك تماماً، ولكن ليس لأداء حركات أكروباتية أو أراجوزية تسعد الجماهير، وإنما لطعن هذا والنيل من ذاك، وسط ضحكة أو ابتسامة تشبه خنجرا حادا. بعضهم استغل منابر الإعلام وبعضهم الآخر اتخذ من الدعاوي القضائية سبيلاً، وفريق ثالث لجأ إلي التشهير والإساءة إلي الآخرين، والهدف في النهاية واحد: المكاسب الشخصية.رأينا من بهلوانات العصر من يصفق لقدمي القيصر حتي عندما تكونان ملطختين بدماء الضحايا أهلنا.. ومن يبتهل إليه أن يعينه علي بني قومه الذين لم يفقهوا قط أن الحاكم هو القضاء والقدر، وكل ما عداه عدم بعدم. ربما لأن البهلوانات ملأوا الساحة، وتفوقوا علي أشباههم الذين تحدث عنهم يوسف إدريس في مسرحيته «البهلوان»، فقد قررنا أن نختار منهم عينة.. والعينة بينة. عشرة نماذج قد تكفي للاستدلال علي الظاهرة المؤسفة في عصرنا ومصرنا. لن نشير إلي أسماء، ولسنا مسئولين عن تشابه هذه النماذج مع أكثر من شخص، فالقلم مسئوليتنا.. والتشابه إلي حد التطابق مسئوليتهم هم! الزميل الكبير ياسر ثابت قدم عرضاً مدهشاً لعشرة بهلوانات في سيرك الحياة السياسية الإعلامية في مصر الآن وحذفنا العاشر واعذرونا لأنك ستجده موجوداً في النماذج التسعة أيضاً. 1.«مؤلف الأغاني الشعبية» رئيس تحرير يطلب من الساعي الاستلقاء علي الأرض ليضع الكرسي الخشبي القديم فوقه ثم يجلس بجسده الثقيل كان يتربص بأعداء سيده رئيس التحرير السابق حتي إنه اعتدي بالضرب علي أحدهم كي ينال الرضا من جانب رئيسه رجل وظيفته الشتم والردح لكل من تسول له نفسه ويفكر مجرد تفكير في معارضة السياسات القائمة أو ينادي بالإصلاح والتغيير وبأسلوب لا يخلو من السوقية، تجده يتصدي للمهمة، وقد يتبرع بذلك حرصاً علي إثبات الولاء لدي أهل الحكم. غير أنه ينسي أن أهم أدوات الصحفي هو موهبة الكتابة، وأمضي أسلحته دقة المعلومة وموضوعية الأسلوب. أما صاحبنا فهو لا يجد حرجاً في فرش الملاءة وانتقاء ما لذ وطاب من قاموس يمكن أن نسميه «المغني في الكلام المتدني». يكفي أن نشير إلي أن من عاداته المزاح الثقيل بالأيدي مع الصحفيين والعاملين في مؤسسته. وذات مرة استخدم يده الثقيلة في ضرب أحد العاملين علي سبيل المزاح السخيف، الأمر الذي أدي إلي سقوط الرجل - الذي كان يعاني متاعب في القلب - ونقله إلي المستشفي للعلاج. غير أن هذا لم يردع صاحبنا عن مواصلة تهريجه بالأيدي مع أبناء مؤسسته الصحفية. ويحكي أبناء المؤسسة الصحفية كيف كان هذا الرجل حريصاً علي ضرب الساعي الذي يعمل لديه، وكان يعمد في مراتٍ كثيرة إلي أن يطلب منه الاستلقاء علي الأرض ليضع الكرسي الخشبي القديم فوقه، ثم يجلس علي هذا الكرسي بجسده الثقيل، فيما الساعي يجأر بالألم ويطلب منه الصفح ووقف «اللعبة» اليومية السخيفة التي يمارسها رئيس التحرير، حتي يستلقي علي ظهره من الضحك. سخافة تلتقي مع السادية في منتصف الطريق! أيام زمان، كان يطالب زملاءه العاملين في صالة التحرير في مؤسسته الصحفية بأن يتركوا أقلامهم ويدعوا أوراقهم ويستغنوا عن عقولهم قليلاً - أو كثيراً - كي يتحفهم بآخر مقتنياته من الأغاني الشعبية، التي يهواها سائقو الميكروباصات ومن لف لفهم. وفي أوقات فراغه، كان يتربص بأعداء سيده ولي نعمته رئيس التحرير السابق، حتي إنه اعتدي بالضرب علي أحدهم كي ينال الرضا من جانب رئيسه. لم يتورع يومها عن الإساءة إلي زميله، لفظاً وفعلاً، لعل الرجل الكبير يجد في ذلك دليلاً علي الطاعة العمياء. وبالفعل، أثمرت تلك الخطة، فإذا برئيس تحريره يرشحه لدي السلطات لخلافته، مطمئناً إلي أنه سيضع رجله في مكانه. إلا أن البهلوان طبق نظرية «ازرع رجلاً.. يقتلعك»! «ندالة»! هكذا وصفه رئيس تحريره الذي يقول في حسرة إنه «اكتشف» متأخراً حقيقة رجله السابق. واليوم، يطل علينا هذا البهلوان بكتابات ركيكة وأسلوب فج يعكس ضحالته، في مساحة احتلها بحكم وضع اليد، وقادها كالسيارة الملاكي ينجرف ويتحرك بها تارة ويناور بها تارة أخري. المهم أن يستمر عطف أولي الأمر ويواصل أداء وظيفته كبهلوان يرتدي الزي الرسمي. 2.«شاحنة الطريق الصحراوي» يستغل مواسم انتخابات نقابة الصحفيين كي يلعب دور قلب الدفاع لحماية رئيس التحرير من شغب المشاغبين ومعارضتهم بهلوان آخر، تم تعيينه مندوباً لصحيفته في وزارة الداخلية، فاختلط عليه الأمر وأصبح مندوباً للداخلية لدي صحيفته القومية! أوراق «الدشت» التي اعتاد الصحفيون كتابة موضوعاتهم عليها زمناً طويلاً، كان لها غرض آخر بالنسبة له. فقد دأب علي كتابة التقارير عن زملائه والإبلاغ عن أي حوارات أو مواقف تظهر معارضة لرئيس التحرير، «الذي طال بقاؤه في منصبه بالمخالفة لكل القوانين»، أو تفوح منها رائحة التحفظ علي سياسات الحكم والحكومة. وبحبر أسود تماماً مثل قلبه، كان يكتب ويكتب عن سلوكيات زملائه، ويستغل مواسم انتخابات نقابة الصحفيين كي يلعب دور قلب الدفاع لحماية رئيس التحرير من شغب المشاغبين ومعارضتهم له. كان يستميت علي الصناديق ويراقب الناخبين، ويقود حملة لتلميع قائده، حتي إنه هتف ذات يوم في قلب نقابة الصحفيين: «خيانة.. خيانة» بعد اكتشاف تصويت عدد لا بأس به من صحفيي مؤسسته لصالح مرشح آخر غير مرشحه الأوحد. ودارت الأيام، وانتقل صاحبنا من الصحافة المكتوبة إلي الصحافة المرئية، مع أنه يفتقد القبول من حيث الشكل والموهبة من حيث المضمون، لكن يا لحظ «من كان الأمن خاله»! ولا يحتاج أحدهم لجهد كبير يذكر كي يلاحظ ضعف قدرات صاحبنا علي الشاشة، فلا هو مذيع لبق ولا هو مقدم برامج ناجح، وإنما هو مجرد «رقيب أول»، وبالتالي فهو يتعثر ويتلعثم كلما تكلم، ويرتكب الكوارث إذا انطلق في حديثه مثل شاحنة ترتج علي الطريق الصحراوي، فيقع في المحظور ويثير دعوات أصابها العفن بالتحريض والكراهية بين أبناء الوطن الواحد.. وأبناء الأمة الواحدة إن لزم الأمر! 3.«المثيرة للغبار» وقفت ذات مرة لتعادي موكلتها وتنكر عليها حقها في الدفاع عن كرامتها وشرفها بدعوي تبين للجميع لاحقاً أنها كاذبة تحدث البعض عن حصولها علي أموال تبرعات مقابل تغيير قناعاتها الدينية لكنها نفت ذلك من خانة إلي خانة ومن ديانة إلي ديانة، تبدو هذه المرأة لغزاً كبيراً، وهناك من يفسر الأمر ببساطة علي أنه رغبة في الشهرة والاستئثار بالأضواء. وقفت ذات مرة لتعادي موكلتها، وتنكر عليها حقها في الدفاع عن كرامتها وشرفها، بدعوي تبين للجميع لاحقاً أنها مزاعم كاذبة وادعاءات ملفقة. هوايتها إثارة الغبار، وهي قد تهيل التراب علي أي شخص أو إنجاز، لمجرد تسليط الأضواء عليها ولفت انتباه المراسلين وعدسات المصورين، فمن أجل التليفزيون.. كله يهون! تحدث البعض عن حصولها علي أموال تبرعات مقابل تغيير قناعاتها الدينية، لكنها نفت ذلك، مع أنها شنت هجوما حادا علي شخصيات بالاسم فقيل إنهم هم من يقومون بدور الوساطة لأنها أرادت أن تحرقهم أمام من يدفعون، ولترفع الوسطاء من طريقها، لتحصل هي مباشرة علي التبرعات، فلا داعي للسمسرة في منتصف الطريق. وما أصعب أن تجد أمامك إنساناً لا يهمه سوي الجري وراء أهواء شخصية، من المال والشهرة والأضواء. في مناسبة حديثة، قامت من مقعدها غاضبة أثناء انعقاد مؤتمر، لتحتج علي أنهما لم تتلق دعوة للمشاركة والإدلاء برأيها. إنها اللغة الوحيدة التي تتقنها «الصراخ» أما أبجدية هذه اللغة فيمكن اختصارها في كلمة واحدة «التقلب» انتهت الحكاية.. وبقي البهلوانات. ..ولا عزاء للمصريين! 4.«الذي استسلم للنداهة» الرجل الذي كان يفترض به أن يكون باحثاً كبيراً انتهي به الأمر سياسياً صغيراً الرجل الذي كان يفترض به أن يكون باحثاً كبيراً، انتهي به الأمر سياسياً صغيراً. فلا الحصانة تنفع، ولا ضخامة اللقب تخفي الثقوب التي أصابت ثوب هذا الذي كان في طريقه إلي أن يصبح أستاذاً جامعياً مرموقاً، فإذا به ينزلق إلي متاهة التوزير، فيصير وزيراً يتقن لغة برقيات التهنئة إلي أصحاب المقام الرفيع من ساكني قصور الحكم، أكثر مما يجيد إدارة شئون وزارته. لقد استسلم الرجل لنداء «نداهة» السياسة وغواية المنصب، فإذا به يستغني عن حلمه العلمي ومشروعه الفكري، فيتضاءل تارة ويتضخم تارة أخري... يغيب بضعة أعوام بقرار، ثم يعود إلي الصورة بعدها بقرار ثان، كأنه أداة يسهل استخدامها وقت اللزوم. ومصيبة الأرنب أنه يخرج من قبعة الساحر، ليصفق الجمهور! 5.«رجل كل العصور» يهوي استرضاء السلطان وكبح جماح طموحه السياسي إذ مازالت في القلب غصة من هزائم الماضي بعد قضية مراكز القوي في عام 1971 في ملاعب السياسة، هناك من يجيد التلون والتحول، حتي طلبت منه الحرباء تعليمها دروساً في التنكر وتغيير الجلد. فها هو الرجل القادم من رحم التنظيم الطليعي في عصر مضي، يقود حملة الدفاع عن سياسات تخالف قناعات الأمس. لقد كان أحد الصاعدين في التنظيم الطليعي الذي أسسه الرئيس جمال عبدالناصر عام 1962 كأحد تنظيمات الاتحاد الاشتراكي العربي لتطويره، وقياس الرأي العام ونقل اتجاهاته ومشكلاته، إلي أن قام الرئيس السادات بحله عام 1971. غاب صاحبنا زمناً عن الأضواء واختفي في أروقة الجامعة، قبل أن يعاود الظهور مع مطلع ثمانينيات القرن الماضي مدافعاً ومنافحاً، حتي بايعه كثيرون كأفضل «مبرراتي» في البلد. رجل لكل العصور، كأن الزيني بركات يعود إلي الحياة من جديد. يهوي استرضاء السلطان، وكبح جماح طموحه السياسي، إذ مازالت في القلب غصة من هزائم الماضي بعد قضية مراكز القوي في عام 1971. وعندما تولي رئاسة جامعة عريقة، تم اعتقال الطلاب من داخل الحرم الجامعي، ويومها أنحي باللائمة علي الطلاب أنفسهم لمخالفتهم اللائحة! وهتف الطلاب ضده «يا.. يا.. هتروح فين يوم الحساب» بعدما وافق علي شطب الطلاب المنتمين لقوي سياسية معارضة من كشوف المرشحين لانتخابات الاتحادات الطلابية. لكن الرجل أغلق عينيه وأصم أذنيه حتي لا يري أو يسمع ما يؤرق ضمير رجل العلم والقانون. فهو يقدم نفسه دائماً كموظف مطيع مثالي يجيد تنفيذ التكليفات، حتي وإن اتهمه رجل الشارع بأنه أحد «ترزية» القوانين. إنه من النوع الذي يستدعي إلي الذاكرة فوراً مقولة وزير الإسكان الأسبق حسب الله الكفراوي «اللي بيقولوا لأه خلصوا». بل إنه لا يتورع عن التصدي لكل من يرغب في ممارسة حقه الديمقراطي في الترشح خارج إطار الحزب الحاكم، ويشير كثيرون إلي أنه لم يجد بأساً في استنكار فكرة ترشح د. محمد البرادعي لمنصب الرئيس بعد أن أخذ عليه عدم تعرضه للمرمطة في مصر. ولم يكن أحد يعرف من قبل أن المرمطة شرط أساسي للترشح لمنصب الرئيس! حين قال إن مشروع قانون جرائم النشر يهدف إلي تحقيق مزيد من الحريات، كتب أحمد رجب في «1/2 كلمة» مردداً جملة صاحبنا، قبل أن يعلق بذكاء قائلاً: «انتهت النكتة!» يمكنك أن تجده متحدثاً عن كل شيء: أمن الخليج، الرياضة، موسم الحج، وإنفلونزا الخنازير! ويبدو أنه مفيد جداً للحكومة.. ضار جداً بنفسه! 6.«رجل الكشافة» من بوابة لجنة الكشافة والرحلات اكتشف هذا الشاب طرقاً وألاعيب للتسلق والوصولية والاستفادة الشخصية التصق بمن هم أعلي منه منصباً وصار خادمهم المطيع ولم يتقدم كثيراً في مهنته الأصلية التي أبقاها علي الهامش هذا بهلوان طبق استراتيجية اتحاد الطلاب علي الحياة، فحقق نجاحاً جعله الآن محمولاً علي أكتاف أنصاره، فيما يضرب غيرهم أخماساً في أسداس متسائلين: من أين خرج لنا هذا البهلوان؟ والذين يعرفون هذا البهلوان يضحكون كثيراً حتي تدمع أعينهم عندما يتذكرون كيف استفاد هذا الرجل من تجربته الجامعية، ليس في مجال تحصيل العلم، وإنما في مجال تحصيل آخر. ومن بوابة لجنة الكشافة والرحلات اكتشف هذا الشاب طرقاً وألاعيب للتسلق والوصولية والاستفادة الشخصية.. فإذا خرج وصحبه من رحاب الجامعة إلي فضاء الحياة، سقط عدد من رفاقه تحت حافر تهمة تقاضي الرشوة أو «الزيس» في مغارة ماسبيرو المذهلة، أما هو فقد آثر السلامة، وبني شعبيته بطريقة اتحاد الطلاب في كليته الذي كان أحد أعضائه لسنوات. التصق الرجل بمن أعلي منه منصباً وصار خادمهم المطيع، في حين لم يتقدم كثيراً في مهنته الأصلية التي أبقاها علي الهامش وأجلسها علي مقاعد البدلاء، مفضلاً عليها استرضاء رؤسائه في المبني الكبير المترهل. ومن «بيت الطاعة» إلي بيت أصغر حجماً، ارتضي لسنوات أن يبقي رجل الظل لرجل أكبر وأكثر نفوذاً، حتي إذا حان الوقت كي يغادر الرجل الكبير المشهد، جاء بساعده الأيمن لكي يدير شئون البيت، علي رغم افتقار الأخير لأي إنجاز في هذه الصناعة، فإذا به يقتنص لقب صاحب البيت.. وليذهب أهل الدار إلي الجحيم! 7.«المتغوّل» لم يكتف بالشهرة في الصندوق الصغير فإذا به يتطلع إلي حصة أكبر من الكعكة عبر دهاليز الحزب وكواليس الانتخابات سقط في فخ النميمة والحكايات المذمومة وسرعان ما صنع لنفسه أعداء أكثر مما ربح من الأصدقاء من بيته الريفي المتواضع كان يحلم بالمجد الذي ينتظره. من حق أي شخص أن يحلم. المهم هو كيفية تحويل الحلم إلي حقيقة. الأهم هو ما الذي سنفعله بتلك الحقيقة الجديدة. مشوار طويل قطعه في ميادين الرياضة، هذا الشاب القادم من الأقاليم، حتي أصبح من أشهر نجوم اللعبة. وبعد ممانعة، أقر بأن الوقت حان كي يترك الساحة لمن هم أصغر سناً وأكثر لياقة. وبعد الاعتزال، بدأ النزال. ومن بوابة الإعلانات والتوكيلات الرياضية صنع مزيداً من المال والتربيطات، حتي بدأ يشتهي مجداً آخر، فحاول مرة واثنتين حتي تحقق له ما أراد. ولأن الإعلام ليس له صاحب في بلادنا، وجدناه يطل علينا معلقاً وناقداً في الرياضة أولاً وغيرها تالياً. المجموعة المحيطة به تقول إنه تغوَّل، ولم يعد قطاره قادراً علي التوقف في أي محطة، كأنما أصابت المكابح مشكلة، وغابت القدرة علي وقف هذا الاندفاع. لم يكتف بالشهرة في الصندوق الصغير، فإذا به يتطلع إلي حصة أكبر من الكعكة عبر دهاليز الحزب وكواليس الانتخابات. المشكلة أنه سقط في فخ النميمة والحكايات المذمومة، وسرعان ما صنع لنفسه أعداء أكثر مما ربح من الأصدقاء، ووَّرطته زلات لسانه مثلما أوقعت به شراهته إلي مزيد من النجاح. وبدأت التهم تلاحقه والشائعات تطارده، وهو لا يأبه لخصومه ويستخف بهم. غير أنه أخرج الجنيّ من القمقم، وفشل في إعادته إلي مكانه، فإذا بالجنيّ يقف أمامه عملاقاً، وهو يتضاءل ويصغر في ظل الحلفاء الذين انفضوا عنه وباعوه بأبخس الأثمان. "تهم كيدية". هذا ما كرره الرجل في معرض دفاعه عن نفسه ومصالحه، وكاد البعض يصدق ذلك لولا أن جانباً من هذه التهم مثبت بالصوت.. والصورة! موقف اضطر معه في النهاية إلي رفع راية الاستسلام طالباً الصفح ومنادياً بأن الصلح خير. وما بين حكماء يرون أنه أخطأ التدبير والتقدير، وشامتين يرون أنه «من أعمالكم سلط عليكم»، يقف الرجل أمام مفترق طرق، باحثاً عن مخرج من المصائب التي قلبت حياته رأساً علي عقب، بعد أن ظن أن الدنيا شطبت اسمه من سجلات الأزمات. 8.«بتاع كله» مهنته الأصلية محام لكن القضاء بريء من إزعاج هذا الرجل الذي يسعي إلي إقامة دعاوي قضائية علي الآلاف من عباد الله تراه جالساً إلي مكتبه المكدس بأوراق قضايا وهمية حريصاً علي إبراز نفسه في ثوب المدافع عن القيم والأخلاق البعض قد يهوي القراءة، البعض الآخر قد يهوي السباحة، وفريق ثالث قد يفضل مشاهدة الأفلام. أما هذا الرجل فهوايته الأولي، - وربما الوحيدة - هي التنغيص علي الآخرين وإثارة الضجيج حول أي شيء وكل شيء. «بتاع كله»! مهنته الأصلية محام، لكن القضاء العالي والنزيه يبدو بريئاً من إزعاج هذا الرجل الذي يسعي إلي إقامة دعاوي قضائية علي الآلاف من عباد الله، ربما بسبب تصريح أو قرار، وربما أيضاً بسبب حوار تليفزيوني أو حتي مشهد سينمائي. وفي كل مرة، نراه يصرخ متحدثاً عن الملابس الداخلية لهذه أو تلك. النتيجة لا تهم، فالمهم بالنسبة له هو الضجة في حد ذاتها. وفي إحدي القضايا المثارة حديثاً، ظهر وسط الزحام بصوته الجهير كأحد رافعي الدعاوي في القضية بالأصالة عن نفسه، وطلب تعويضًا مقداره مليارا جنيه مع أن أحدًا من أطراف القضية لم يوكله بها ولا علاقة له من قريب أو من بعيد بالقضية وأطرافها. ويتندر كثيرون بالحديث عن طرافة الدعاوي التي يرفعها أو البلاغات التي يقدمها للنائب العام وتكون في الغالب في موضوعات لا تعنيه وليس طرفاً فيها ولم يكلفه أحد بها.. وليس مستغرباً أن نجده مطالباً بتطليق كاتبة من زوجها وتقطيع أرجل ممثلة وطرد معلق رياضي. لم يسلم منه أحد، خصوصاً نجوم الفن والفكر والرياضة. تراه جالساً إلي مكتبه المكدس بأوراق قضايا وهمية، حريصاً علي إبراز نفسه في ثوب المدافع عن القيم والأخلاق، في حين أن معظم القضايا التي تم توكيله للترافع عنها لا تخرج عن جرائم يكون فيها المتهم متورطاً حتي النخاع في مخالفات مهنية وأخلاقية جسيمة، أو حتي جرائم قتل تثير شبهاتٍ لا تحصي وعلامات استفهام لا تنتهي. زعيقه أمام عدسات المصورين في القضايا الكبري التي لم يدع إليها أصلاً، وحديثه عن العفة والأخلاق، يتناقضان كثيراً مع دفاعه عمن أصابوا المجتمع بجراح الطائفية حيناً، والصدمات غير الأخلاقية حيناً آخر. الرجل - بحسب كثيرين - شبه عاطل عن العمل ويتكسب من خلال الدعاية لنفسه عن طريق إقحام نفسه في أي موضوع إعلامي أو شخصية مشهورة طلبا للشهرة. اسمه ليس علي مسمي، والله أعلم! 9.«ملك الحسبة» أدمن المزايدة علي التحدث باسم الدين بما يخفض من سقف الحريات أكثر فأكثر ويحاصر الإبداع والمبدعين حين نزلت قضايا الحسبة علي أرض مصر المعاصرة، صعد نجم هذا الرجل بطريقة عجيبة وغريبة. يفاخر الشيخ - كما يلقب - بأنه «التطور الطبيعي للحاجة الساقعة».. فهو الذي يقاتل للتفريق بين الأزواج وتكفير هذا وذاك، وهو الذي يصادر الأثاث ويقاضي الشعراء والمفكرين وأصحاب المؤلفات وكُتاب المقالات. حروبه ضد التفكير تقوده دائماً إلي التكفير. تراه يقود حملة ضد مثقفي مصر ورموز إبداعها وضد كل فكرة من شأنها التجديد في الفكر والممارسة الإسلامية بدءاً من إعادة تفسير النص الديني وصولاً إلي حظر ختان الإناث. كلما اختفت زوبعة من الزوابع التي يثيرها هذا الشيخ في الإعلام بسبب ملاحقته لهذا المفكر أو المثقف أو الفنان حتي يثير زوبعة أخري. أدمن المزايدة علي التحدث باسم الدين بحيث يظهر بمظهر حامي الدين بما يخفض من سقف الحريات أكثر فأكثر ويحاصر الإبداع والمبدعين. وعندما أراد بعضهم اصطياده بالسلاح نفسه وافتضاح أمره وطرق متاجرته باسم الدين، أرغي وأبد، وعاد إلي مزاولة هوايته المفضلة: إقامة دعاوي قضائية ضد خصومه. لم يتورع هذا الرجل عن إقامة دعاوي قضائية حتي ضد غيره من علماء الدين رجالاً ونساء. الطريف أنه في برنامج تليفزيوني عرضته إحدي قنوات التليفزيون في مصر، اتصلت ممثلة معروفة بأدوار الإغراء التي تؤديها، وكان الشيخ حاضراً في الاستوديو، فابتسم وتهلل وجهه قبل أن يقول: «..... تلميذتي، سلمولي عليها». «فتح الله عليك يا عم الشيخ»! يومها تساءل البعض عن سر إعلان هذا الشيخ علي الملأ بفرح طفولي أن هذه الممثلة تلميذته، وهذا يفتح الباب أمام أحد احتمالين لا ثالث لهما: إما أن الشيخ لا يري أفلاماً أو حتي إعلانات الأفلام التي تقوم هذه الممثلة ببطولتها، أو أنه يري أدوار الممثلة بصفة دائمة ويوافق علي كل ما تقدمه. وكلا الأمرين مثير للاهتمام، خصوصاً إذا علمنا أنهما - كما قالت الممثلة- جيران وأبناء حي واحد. والجيرة قد تزيل أسباب الحيرة!