لن تكفي كل السطور وكل الكلمات أن تصف ما أشعر به من غيظ وغل ودعوة من القلب أن ينتقم الله تعالى من كل من نزل للتظاهر سواء سلفيين أو إخوان أو ثوار أو طبعا بلطجية اندسّوا بينهم. كلهم في نظري سواء من يقول إنه تيار إسلامي هو طامع في السلطة ومتاجر بالدين.
ومن يقول إنه ثائر هو مجرد حنجرة فارغة متعالٍ على شعب احتضنه ومتكبّر عليه، ومتاجر بدم من قُتِلوا ويحسبهم شهداء حتى لو كانوا من البلطجية.
لم أنتخب مرسي في الجولة الأولى، وكنت مع الأسف من منتخبي حمدين صباحي، واضطررت آسفة لانتخاب مرسي في الجولة الثانية، ولم أقاطع ولم أبطل صوتي.
كان لديّ أمل في مرسي وأن تتصالح النخبة مع نفسها ومع الشعب، وأن يعود الثوار لرشدهم ويستقطبوا الشارع والأغلبية الشعبية بحوار هادئ ومتزن وبقلب يهمه مصلحة البلد وتقدّم الشعب، لكن بعد انتخاب مرسي مباشرة وقبل حتى أن يقوم بمهام منصبه اعترض الثوريون عليه، رغم أنه أخذ الأغلبية، وكانت الانتخابات باعترافهم جميعا بلا تزوير، صحيح أننا انتخبناه آسفين وغير مقتنعين به تمام الاقتناع، لكن هذا كان حال كل المرشحين، فلم يكن هناك واحد تجتمع عليه الأمة، وكنت أتوقع من الثوريين الاتحاد بعد انتخاب الرئيس؛ حتى لا يتركونا لقمة سائغة في فم الإخوان، لكن طمعهم وجشعهم وتغليبهم لمصلحتهم الشخصية جاءت فوق أي اعتبار آخر، والنتيجة أنا لم لنجد ملجأ إلا الإخوان، ولم نهرب منهم إلا لنتّجه إليهم.
أخذت النخبة البلهاء في شحن مشاعر الشباب الثوري بعد أقل من ساعات من ظهور النتيجة، وكان المتوقع أن يخرج الناس مرة أخرى للميادين وتنطلق القوة الثورية مرة أخرى، ولن يستطع أي نخبوي أناني أن يوقف المارد الذي ساهم بشكل أو بآخر في إطلاقه، بدلا من العمل على الاستفادة من طاقته في جذب الشعب إليه وتعريفه بالحق وبالباطل، لا بالتعالي عليه واتهامه تارة بأنه شعب جاهل ولا يدرك شيئا، وتارة بأنه حزب كنبة سلبي لا يهمه سوى كيلو سكر وباكو شاي.
نعم كل شعوب الدنيا تضع المطالب الاقتصادية في المقام الأول، فلا تكلمها عن حرية إعلام ولا صورة ذهنية خارجية ولا أي اعتبارات أخرى إلا بعد أن توفر السلع الأساسية، حتى أمريكا عندما قامت بغزو العراق وأفغانستان برّرت ذلك لشعبها بلغة الاقتصاد سواء لتوفير البترول أو للقضاء على الإرهاب.
وقد نجح الإخوان في معرفة مفتاح الشعب المصري واستغلوه ليس لمصلحة مصر ولكن لمصلحتهم هم، ولكن إذا كانوا في سبيل تحقيقهم لمصلحتهم سيمنحون الشعب أولى مطالبه وأولوياته فأهلا بهم.
لم يتعالَ الإخوان على الشعب مثلما يتعالى الثوار ولم يتعاملوا معه بوقاحة مثل ما تعامل معه الثوار لمجرد أنه لم يأخذوا من كعكة الحكم، وكانت الاتهام الأسهل أن من يتبع الشرعية ويريد الاستقرار هو "خروف كبير" أو "حزب كنبة"، وهذه طبعا أنظف الشتائم وأشدها رقيا.
ومن جهة أخرى ألوم الرئيس بشدة على تخييبه لآمالي في فترة قياسية للغاية، والسماح للإخوان بفرض غرورهم وعنجهيتهم والتعامل على أنهم الأغلبية المطلقة، وهذا غير صحيح على الإطلاق، فحتى لو لم يأخذ الأوامر منهم إلا أنهم محسوبون عليه، وكل تصرف يفعلونه سيتهم فيه على الأقل؛ لأنه لم يحجمهم ولم يوقفهم عند حدهم.
افترضت أن الرئيس كان يعرف ما هو مقدم عليه قبل انتخابه وما أمامه من تحديات، وأنه سيستعين بقوة الإخوان الضاربة في الأرض لدحض معارضيه والسيطرة عليهم، والتأكيد لهم على أن الإخوان بيدهم إصلاح الأحوال مهما كانت التحديات، وذلك اعتمادا على قدرتهم التنظيمية، وبسبب التمويل وبسبب الكوادر وبسبب التعاطف الشعبي معهم، وبسبب أشياء كثيرة أخرى.
لكن أن يظهر كل فترة بحجة مختلفة تبرر عدم وجود أي تطورات اقتصادية مهمة يشعر بها الشارع والمواطن البسيط، وأهمها المعارضة السياسية له في البرامج والجرائد، ثم بالطبع زادت الحجج بعد قيام التظاهرات ضده، وتوقف التطور تماما، ودخلنا جميعا في ممر ضيق ومظلم نتخبط فيه جميعا ولا بصيص أمل في نهاية الطريق.
هذه ليست دعوة لأن يلتزم الجميع بالعقل؛ حيث إنه اختفى، وليست دعوة أن يخاف الجميع على الوطن؛ لأنه واضح أنه ليس من أولوياتهم، لكنها مجرد شرارة غضب وجدت منفذا للتعبير عنها، عكس ملايين الشرارات المصرية التي تنتمي لشعب بسيط ليس له توجهات سياسية، فلا هو ينتمي للخمسة ملايين مؤيدي الرئيس ولا ينتمي للمليونين أو الثلاثة من المعارضين، بل هو أعمق من ذلك وأكثر عراقة، وكل ما يريده هو العيش بسلام وبحد أدنى من الكرامة غير راضٍ عن الإخوان وغرورهم، وكره الثوار بأصواتهم، وأصبح لسان حاله يقول: "اللهم أهلك الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بينهم سالمين".