"صورة ل8 ضباط إسرائيليين مسئولين عن تنفيذ القصف الإسرائيلي للمفاعل النووي العراقي عام 1981"، هذه الصورة التي وضعتها مجلة "أيكونوميست" البريطانية الشهيرة في تقرير لها حول احتمال نشوب حرب بين إسرائيل وإيران، خاصة في ظل تصاعد التوتر بين البلدين بسبب برنامج طهران النووي. وتحاول "أيكونوميست" أن تذكرنا بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي قامت بعملية عسكرية على الأرض لضرب مفاعل نووي، كما أنها الدولة الأكثر قلقاً من البرنامج النووي الإيراني، وهي حاليا الدولة الوحيدة المستعدة لاستخدام السلاح ضد البرنامج النووي الإيراني، بعد التراجع الأمريكي الواضح في هذا الصدد مع تولي أوباما لمقاليد الأمور في بلاده. وهناك العديد من المؤشرات التي تدعم الحديث عن عمل إسرائيلي محتمل ضد إيران، أولى تلك المؤشرات هو قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمضاعفة الميزانية العسكرية بشكل غير مسبوق، وبشكل يدفع للتساؤل عن أسباب زيادة اعتمادات الجيش بهذا الشكل، الذي لم يكن قائما حتى في حربي إسرائيل ضد كل من "حزب الله" وغزة. كما قامت إسرائيل أيضاً بتوزيع الأقنعة على عدد كبير من سكانها مع إقرار برنامج قومي يهدف لتوزيعها على كافة السكان في غضون الأشهر المقبلة، مما يؤكد أيضا وجود استعداد إسرائيلي لمواجهة مع قوة تمتلك أسلحة كيميائية، كما ستجري تل أبيب خلال أشهر أكبر مناورات على استخدام الصواريخ الدفاعية بالاشتراك مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. والملاحظ هنا أن هذا كله أتى مع الحادثة الغامضة التي تم فيها اغتيال عالِم إيراني نووي في قلب طهران، إذ اتهمت الأخيرة إسرائيل بالتورّط في مقتله، وهو اتهام يبدو منطقيا، وإن لم يكن مؤكدا؛ لأن العالِم الإيراني تم قتله بالطريق المُفضلة للإسرائيليين، وهي التفجير عن بُعد، ولم تعلن أية جهة عن مسئولية قتله، فلو كانت جهة إيرانية، لأعلنت مسئوليتها في محاولة لكسب الحرب الدعائية ضد الحكومة الإيرانية. ويتزامن هذا الاغتيال مع التقرير الذي نشرته صحيفة هاآرتس في أواخر العام الماضي، حول أن التخوّف الرئيسي لإسرائيل من أن تتمكن من تدمير البنية التحتية للبرنامج النووي الإيراني، ليبقى العلماء الإيرانيون قادرين على إقامة برنامج نووي آخر في الخفاء، لتستحوذ على القنبلة النووية دون ضغط دولي، وهو ما تراه تل أبيب أخطر على أمنها. والغريب أن مناقشة ضرب إيران على "أيكونوميست" امتدت لتشمل وجهة نظر جديدة لم تكن قائمة من قبل، ويعتقد أصحاب وجهة النظر هذه أن ضرب إيران في هذه الفترة قد يكون مفيدا من ناحية تأجيل البرنامج النووي لسنوات إلا أن أثره السلبي سيكون أعمقاً؛ لأنه سيسمح للنظام الإيراني أن يتجاوز أزمته الداخلية، بالتأكيد على عداوته للغرب، وربما التخلص من كافة معارضيه بحجة مناصرتهم للغرب. كما تمحورت حجة الرافضين لضرب إيران على أنها ستكون قادرة على إلحاق أذى يفوق بكثير ما يمكن أن تحقق بامتلاكها للقنبلة النووية، خاصة إذا ما أقدمت على غلق مضيق هرمز الذي يتدفق النفط عبره، وقامت بضرب القواعد العسكرية الأمريكية في الخليج، وربما آبار البترول هناك مما يعني ارتفاع أسعار البترول بشكل قياسي في وقت يعاني فيه العالم أجمع من أزمة اقتصادية شديدة. أما المؤيدون لقصفها فأشاروا إلى أن استمرار النظام الإيراني دون "عقاب" لجهوده لامتلاك الأسلحة النووية، سيشجع "آخرين" في الشرق الأوسط على محاولة الحصول على أسلحة نووية، كما سيجعل النظام الإيراني "متبجحا" وفقا ل"إنديك برومر" في مواجهته للغرب لعلمه أن أحدا لن يستطيع أن يواجهه حتى النهاية، وأن أي محاولة لإسقاط النظام الإيراني سيكون لها رد عنيف و"نووي". واللافت هنا أن غالبية الآراء التي قدّمها الناس العاديون حول ضرب إيران عارضت المسألة بالكامل، فعلى الرغم من تخوفهم الشديد من امتلاك إيران لأسلحة نووية إلا أنهم ما زالوا يتذكرون في كلماتهم تأثير الحروب التي خاضها بوش ضد العراق وأفغانستان على العالم ككل، ليتأكد أن الرئيس الأمريكي الحالي قدّم لإيران أعظم هدايا في تاريخها، مثلما قال المفكر الأمريكي الكبير ناعوم تشوميسكي، سواء أثناء وجوده أو حتى بعد رحيله.