على مدار مشوارها الفني.. قدمت حنان ترك مشاهد صعبة ومهمة، لكن سيبقى أبد الدهر أهمهم وأعظمهم هو ذلك المشهد الحقيقي الذي وضعت فيه نفسها أمام مرآة الحقيقة، لتتجرد من قناع الشهرة، وتبتعد عن صنعة الكلام والقدرة على المراوغة والتلاعب بالألفاظ، وهي تترك لضميرها ومشاعرها الداخلية العنان في لحظة صدق كانت مفاجئة لها شخصيا قبل أن تكون مفاجئة لجمهورها. حنان وهي تجلس أمام الإعلامي نيشان في برنامج "أنا والعسل" ليسألها: هل وصول الإخوان إلى الحكم معناه أن الزمن القادم سيصبح زمن حنان ترك في السينما والدراما، وقد امتلكت بحجابها -من وجهة نظر البعض- "أوبشن" يجعلها من المقربين للسلطة الحاكمة التي تريد أن تحكم بالشريعة الإسلامية؟ فإذا بالسؤال يخرج كل ذلك التناقض والصراع النفسي الداخلي والشيزوفرينيا الكامنة في أعماقها. فتنسى أنها أمام الكاميرات وتحت الأضواء ويشاهدها الملايين، لتخرج كل ما في جعبتها في وصلة صراحة نادرة لا يختارها البشر أو يحددون موعدها؛ بل تأتيهم بغتة من لدن الهادي العليم. أربع سنوات عاشت فيهم تلك الفنانة الجميلة -والجمال هنا جمال النفس- في صراع أقسم أن غالب الوسط الفني يعيشه في كل يوم وكل ساعة وكل ثانية، حول مدى أهمية ما يقدمونه، وهل سيحاسبون عليه بالثواب أم العقاب عند الوقوف أمام رب العالمين، لتؤكّد حنان -في الوقت الذي يحسدها فيه البعض على حجابها والتزامها- أنها أخطأت حين حولت الحجاب إلى مجرد طرحة شكلية تستر شعرها فقط، بينما لا تزال تقوم بأفعال هي سليمة ومباحة في نظر الفن؛ لكنها لا ترقى إلى منزلة الحجاب الحقيقي الذي يرضي رب العالمين، عندما تجسد دور عنف أو مشهد "أكشن" يمسكها فيه أحدهم أو يجذبها للضرورة الدرامية ليس أكثر؛ لكنها أمام رب العالمين "مسكة" تلامست فيها اليد مع الذراع أو الكتف، ليهنئها الجمهور على دورها في حين تحمل داخلها خجلا وضيقا وصراعا لا ينتهي ما دام لا تجد لتلك الأسئلة أي إجابة: - هل هذا صواب ما دام الضرورة الدرامية تقتضي ذلك؟ - ماذا لو شاهدتني فتاة محجبة وقلدت أدائي وسلوكي، وسمحت لزميلها أو حبيبها أن يمسكها أو يجذبها باعتبار أن الفنانة الملتزمة المحجبة حنان ترك قد فعلت ذلك؟ - هل هذا هو الحجاب الحقيقي والأداء الفني الذي كنت أصبو إليه وأنا أتخذ قرار الحجاب؟ ومع استمرار الصراع فكرت حنان في مسلسلها الأخير "أخت تريز" أن تستعين في بعض المشاهد بفتاة أخرى تشبهها في الحجم والجسم، لتؤدي بدلا منها مشاهد التعذيب والاستجواب في أمن الدولة، ليطفح بها الكيل من هذا الصراع الشديد بين ما هو فني وما هو ديني. وكما يقول الحكماء فالضمير هو صوت الله في الإنسان، وكما يقول المولى عز وجل: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}، ليختار الله لهذه الإنسانة النقية التي أخلصت في نيتها لحظة لم تخترها أو تحددها لتحاسب نفسها، وتسمح لهذا الصراع المحموم داخلها أن يخرج إلى النور، ويتجاوز لسانها وشفتيها إلى العالم كله دون أن تبالي بسهام الحاقدين التي ستنغرس فيها، ولا دهشة المحبين لها حين تصارحهم بأنها ليست قدوة، وأن ما تفعله بعيدا عن الحجاب.. فإذا برغبتها في كسر القدوة أمام الناس -كما أكّدت في الحلقة- تجعلها نموذجا حرفيا للقدوة حين شاهدنا فنانة ناجحة، وإنسانة نبيلة رفضت الأضواء والشهرة في أوج مجدها، أو ربما في الزمن الذي يؤكّد فيه البعض أنه الأنسب لبزوغ نجمها الفني، ليكون موقفها المشرف على حساب الدنيا الفانية التي يتكالب عليها غيرها ويلهث خلفها.. فإذا بها ترميها وراء ظهرها وتتطهر مما علق بها منها من ذنوب وخطايا حتى ترضي نفسها وضميرها وربها، فتثير رهبة وقشعريرة في كل من في قلبه مثقال ذرة من الإيمان والرغبة في الفرار إلى الله. استنطق الله الهادي حنان ترك ليحدثنا على لسانها بهداه الذي يكافئ به من يشاء، ليرى الوسط الفني -لا سيما الفنانات- كيف أن السلام النفسي والتصالح مع خالقنا وتنفيذ تعاليم الدين أغلى بكثير من المجد والشهرة والمال ولهاث المعجبين.. فإذا بالإعلامي نيشان الذي طالما داعب الفنانات بوصلات المديح والغزل، والتقط على وجنتيه قبلات بعضهن على الهواء أمام الجمهور، يقف أمام حنان ترك في تلك الاعترافات الصادقة والمتصالحة مع النفس مشدوها مبهورا وكلاهما من دين مختلف؛ لكن النفس الإنسانية في النهاية لها رب واحد يوجّه رسالته لكل البشر، ليثني نيشان على صدق حنان وصراحتها، بل ويشجعها أن تستمر في رحلتها مع الإيمان والسلام النفسي، مؤكّدا أنه فخور بمعرفتها وموقفها، وهو الذي فعل كل ما هو متناقض مع ذلك من قبل في حلقات مضت. وبعد هذه الحلقة المثيرة.. عادت حنان لتتصل بنفس الإعلامي، وذات البرنامج في حلقة أخرى لتشكره وتثني عليه مؤكّدة أن سؤاله لها: هل وصول الإخوان إلى الحكم معناه أن الزمن القادم سيصبح زمن حنان ترك في السينما والدراما؟ كان سببا لتصل إلى قرارها باعتزال الفن؛ مرضاة لرب العالمين الذي قدمت مرضاته على إرضاء شهوة الشهرة والمجد وجمع خيرات الدنيا الزائلة، وكان ذلك في حضور سمية الخشاب التي لمعت عينيها متأثرة بهذا الكلام، وأُجزِم أنه في تلك اللحظات قد لمعت أعين كثيرة من نساء ورجال أخذتهم الدنيا، وتمنوا لو بلغ حظهم مثل حظ الفنانين.. فإذا بالفنان يكشف ما يعيشه هذا الوسط من ازدواجية وألم روحي، وعذاب ضميري بين الدنيا التي تجذبه والآخرة التي يخشى حسابها وعذابها. قالتها حنان ومن بعد قولها لا أجد ما يقال، وقد تركت آخر حلقاتها نموذجا للحظات الاعتراف والتطهر وإظهار ما بهذا الوسط -مثل باقي الأوساط والمجالات- من تناقضات وصراعات؛ لكنها أقامت الحجة علينا حينما برهنت بالفعل والقول إن كل منا يملك الاختيار.