هل يحتاج محمد مرسي وجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة إلى تذكيرهم بأنه لولا أصوات أهل الميدان لما حصل مرسي على هذه الأصوات التي وضعته في صدارة السباق الرئاسي؟! الواقع يقول إن جولة الإعادة كانت معركة بين الثورة وخصومها، ومن ثم ذهبت الأصوات إلى الأقرب شبها للميدان، حيث قال المصريون "لا" لفلول مبارك وللمجلس العسكري ولرموز النظام الساقط، قبل أن يقولوا "نعم" لمحمد مرسي، فالذين أسقطوا رجل مبارك كانوا يسطرون بأصواتهم قصة أشرس وأخطر مقاومة خاضتها ثورتهم ضد خصومها وأعدائها. لقد أظهر المصريون في هذه الملحمة أجمل معاني التضحية وإنكار الذات والصبر على المكاره لكي يدرأوا عن حلمهم النبيل خطرا داهما يهدد باقتلاع ثورتهم من جذورها، وكانت قمة مغالبة النفس والتسامي فوق جراح الخلافات والخيانات، حين صوّت أكثر من سبعة ملايين مصري من خارج الكتلة التصويتية للإسلاميين ضد مرشح الثورة المضادة، ولصالح مرشح الإخوان، على الرغم من مرارات الشهور الطويلة السابقة. وباختصار يمكن القول إنه لولا روح وأخلاق الميدان النبيلة لما وصل مرسي إلى ما وصل إليه، ولأن فضل الميدان عظيم على الدكتور مرسي فلا بد من احترام تركيبته الروحية ونسيجه المجتمعي، وهذا لن يتأتى إلا من خلال معرفة تامة بالجغرافيا الإنسانية والاجتماعية لميدان الثورة، ولقد كان شيئا مبشرا بالخير حين أكد مرسي مدنية الدولة المصرية في خطابه الأول عند الرابعة فجرا وهو يعلن اقترابه من حسم النتيجة. ومن هنا لو صح أن حزب الحرية والعدالة أعلن أن الدكتور محمد مرسي سوف يتوجه إلى الميدان بعد غد الجمعة لأداء الصلاة خلف الشيخ محمد حسان خطيبا، فإن من الواجب هنا أن نوجه عناية الجميع إلى أن هذا يعني عبثا في تركيبة الميدان ونسيجه وتاريخه، الذي يقول إن لميدان الثورة خطيبا اسمه مظهر شاهين بقي قابضا على الجمر ولم يعرف عنه أنه انضم يوما إلى معسكر الجنزوري وفايزة أبو النجا وسريحة الأمن القومي في الهجوم على الثوار واتهامهم بالعمالة والقبض، ولم يشارك في مسخرة ابتزاز البسطاء بذريعة جمع أموال الاستغناء عن المعونة الأمريكية ولم يقدم غطاء دينيا وأخلاقيا لجرائم البطش العسكري بشباب الميدان وشاباته. وإذا أراد مرسي أن يقدم نفسه رئيسا لكل المصريين فعليه أن يُبقي ميدان المصريين على حالته العبقرية الفريدة التي أوصلته إلى المنصب، ففي هذا الميدان يتعانق الخطيب والواعظ الكنسي وتتجاور صلاة الجمعة مع القداس دون افتعال أو تصنع. لتكن جمعة مصرية خالصة وليست احتفالية إخوانية بصعود مرشح الجماعة على أكتاف الثورة، وعلى ذلك فالصلاة في الميدان تكون خلف خطيب الثورة وليس وراء خطيب المعونة. إن معارك كثيرة قادمة في الطريق ولن يقوى الميدان على خوضها إلا بتلك الكيمياء المصرية الجبارة رغم بساطتها التي علّمت العالم كله معنى الثورة النقية خلال 18 يوما مضيئة بالوحدة والاحتشاد. نشر بالشروق بتاريخ: 20/ 6/ 2012