محمد هشام عبيه قد يبدو الأمر مثيرا للدهشة إذا عرفنا أن السينما المصرية لم تهتم برصد أحداث حرب 1967 وتداعياتها إلا في أفلام نادرة ربما لايزيد عددها مجتمعة عن عشرة أفلام، بل إن الحرب نفسها لم تكن هي القصة الأساسية التي يقوم عليه الفيلم سوى في فيلمي "أغنية على الممر"، و"العصفور" الأول بشقها الحربي والثاني بشقها السياسي والإجتماعي والنفسي على القادة والشعب والوطن كله. والشاهد أن نظام "عبد الناصر" كان من الصعب أن يسمح بتجسيد هزيمته على شاشة السينما حتى تبقى مسجلة بالصوت والصورة لأجيال وأجيال، بل لعل الملاحظ أن السينما المصرية بعد هزيمة 1967 غرقت في موجة من أفلام الهلس لاتقارن مطلقا حتى بموجة الأفلام الكوميدية التي نشاهده هذه الأيام، والمقارنة لصالح الأفلام الحالية بالطبع، لأن معظم الأفلام التي تم إنتاجها بعد يونيو 1967 كانت تستهدف بشكل أساسي تغييب الشعب المصري وإدخاله في حالة من اللاوعي لعله ينسى ماحدث، وفي نفس الوقت لا يملك من الوعي مايمكنه بأن يطالب بحرب لاستعادة الأرض، وسرد عينة من أسماء أفلام تلك الفترة "شنبو في المصيدة" "أخطر رجل في العالم" حسناء المطار"، "بنت شقية"، "سكرتير ماما"، "أنت اللي قتلت بابايا" كفيل بتأييد وجهه النظر هذه، وأن تدرك بأن "للمبي"و"حاحا وتفاحة" رحمة بما انتجته السينما المصرية عقب النكسة! من الإنصاف أيضا أن نقول بأن السنوات الست الواقعة مابين نكسة يونيو وحرب أكتوبر مثلما حفلت بهذه النوعية من الأفلام التغيبية، قدمت مجموعة من الأفلام الرائعة، صحيح أنها تجنبت الحديث بشكل مباشر عن النكسة إلا أنها قامت بتشريح المجتمع المصري في هذه السنوات الصعبة، وبطبيعة الحال فإن للهزيمة القاسية في الحرب أكبر التأثير، من هذه الأفلام "الرجل الذي فقد ظله" ل"كمال الشيخ" عام 1968 و"السيرك" في نفس العام ل"عاطف سالم" ، إضافة إلى أفلام كوميدية جيدة مثل "عفريت مراتي" ل"فطين عبد الوهاب" عام 1968، وافلام آخرى تجاوزت الحدث والوقت الحالي وعادت إلى سنوات ماقبل الثورة وإن لم يغب عنها ظل ما حدث في النكسة مثلما في "الأرض" ليوسف شاهين عام1970. اللافت أنه قبل الهزيمة بعام واحد بالضبط- في 5يونيو1966- قام المخرج الكبير "توفيق صالح" ببدء تصوير فيلمه الأكثر جرأة "المتمرودون" ، ويحكي قصة قيام مجموعة من المرضى بالثورة على إدارة المستشفى التي يعالجون فيها بعد أن تدنت الخدمة فيها بشكل كبير- طبعا يتضح الرمز المقصود بالمرضى والإدارة وطبعا هذا الأمر لم يفت على الرقابة آنذاك فتم تأجيل عرضه لعامين كاملين!- وبعد أكتوبر عام1973 كان من المنطقي أن تتطرق السينما المصرية إلى تجسيد النصر، فتم بذلك بشكل دعائي فج في أغلبية الأفلام القليلة أصلا التي اهتمت برصد نصر أكتوبر، وبالطبع تمت الإشارة إلى النكسة في خلفية هذا الأفلام إلا أن ذلك جاء بشكل عابر وغير مهتم بتفاصيل ماجرى. غنى عن الإشارة طبعا أن الفترة التي أعقبت حرب أكتوبر حفلت فيها أيضا السينما المصرية بطوفان من الأفلام التافهة التي لايقل تأثيرها الغيبوبي عن تآثير الأفلام التي أعقبت النكسة، وكان الهدف هذه المرة هو تغييب الشعب المصري فلايطالب بحصد نتائج الحرب، إضافة إلى التأكيد على سياسة الانفتاح التي دشنها الرئيس "السادات". وفي الثمانينات انكبت السينما المصرية في محاولاتها من أجل تجسيد الأثار السلبية للانفتاح ولضياع الفرصة على المصريين في أن يحصدوا ثمار النصر التي اقتطفها زمرة محددة من رجال الحكم ورفاقهم، يظهر ذلك في أفلام من عينة "سواق الأتوبيس "ل"عاطف الطيب" عام 1983 العوامة رقم 70 ل"خيري بشارة"، فغابت عن ذاكرة السينما في هذا الوقت تجسيد حرب 1967، وهو ذات الأمر الذي تكرر في سينما التسعينات التي احتل نصفها الأول أفلام منخفضة التكاليف والقيمة عرفت باسم "أفلام المقالاوت"، بينما كان نصفها الثاني مهتم برصد تغييرات المجتمع المصري والعلاقة بين الشعب والنظام مثلما حدث في الثلاثينات التي جمعت بين "عادل إمام" و"وحيد حامد" و"شريف عرفة"، وذلك قبل أن يتم تدشين مرحلة جديدة عام 1997 التي شهدت إنتاج فيلم "إسماعيلية رايح جاي" والذي فتح الباب أمام موجة أفلام الكوميدية التي سادات لما يقرب من خمس سنوات قبل أن يحدث جزء من التنوع الحالي الذي تشهده السينما حاليا، وطول كل هذه السنين غابت نكسة يونيو عن السينما مثلما غابت حرب أكتوبر وبقيت بعض الأفلام القليلة التي يمكن نرصد بعضها في السطور القادمة. أغنية على الممر إخراج :"علي عبد الخالق" بطولة :"محمود مرسي"- "محمود ياسين"- "صلاح السعدني" انتاج :1972 القصة: مجموعة من الجنود الذين تبقوا في سيناء أثناء حرب يونيو توكل إليهم مهمة الدفاع عن أحد الممرات العسكرية في سيناء وعدم تسليمه للقوات الإسرائيلية مهما كانت الظروف، هذاالفيلم يُعد واحدا من أهم الأفلام العسكرية في تاريخ السينما المصرية وتقريبا هو الفيلم الوحيد الذي تدور أحداثه كلها أثناء حرب 1967. أبناء الصمت المخرج: "محمد راضي" بطولة: "محمود مرسي"- "نور الشريف"-"ميرفت أمين"- انتاج : 1974- مصري القصة: تدور الاحداث من خلال مجموعة من الشباب المجند من ذوي الأصول والطبقات الاجتماعية المختلفة لكل منهم مشاكله الخاصة يجمعهم خندق واحد على الجبهة أثناء حرب الاستنزاف، وكان بعضهم قد عايش هزيمة 1967 لذلك يحس بعضهم بالمرارة لكرامتهم المهانة ويركز الفيلم على الوهم الذي عاشه كل هؤلاء على خلفية ما حدث في حرب 1967 الرصاصة لاتزال في جيبي المخرج: "حسام الدين مصطفى" بطولة: "محمود ياسين"- "حسين فهمي"- "نجوى إبراهيم" انتاج: 1974- مصري القصة: مجند عايش لحظات النكسة وشهد بعينه المجازر التي ارتكبها الجنود الإسرائيلين مع الأسرى المصريين وذلك قبل أن ينجح في العودة إلى مصر مرة آخرى حاملا في جيبه رصاصة يقسم ان تبقى في جيبه حتى تعود سيناء إلى أحضان الوطن. العصفور المخرج: "يوسف شاهين" بطولة: "محمود المليجي"- "علي الشريف"- "محسنة توفيق" انتاج: 1974- مصري- جزائري القصة: يرصد التأثير النفسي الكارثي على أسرة مصرية بسيطة، ملقيا الضوء على الفساد السياسي الذي أدى إلى احتلال الأرض، لايهتم برصد التفاصيل العسكرية بقدر مايرصد التفاصيل الإنسانية الإجتماعية.