"هو وهي".. خرج أحدهما من ضلع الآخر، فهم في الأصل شريكان في طريق مالهوش آخر، ولكنهما رغم كل ما سلف لا يكفان عن التناحر.. ناقر ونقير.. ثنائي بحق مفزع وخطير. "هو وهي".. طرفا المعادلة الثنائية، معادلة لا حل لها، وإجابتها دائما غير منطقية، وشعارهما دائما: "نعم للخناق ولا للاتفاق"!!
عشان كده قررنا نطرح حلول لمشاكلهم المستعصية، حتى تصبح الحياة مية مية، كل أسبوع مشكلة وحلها بكل وضوح، من غير ما "هي" كرامتها تتهان، ولا "هو" يحس إنه مجروح. ********************************* على الأنغام الهادئة لأغنية we will be together للمطربة Ashley tisdale يجاهد نادل مطعم البيتزا الأشهر في منطقة المقطم للإفساح لنفسه طريقاً بين الموائد المتراصّة يميناً ويساراً، واضعاً على يده اليمنى طبقين من البيتزا البيبيروني، قبل أن يصل أخيراً لمقصده عند الطاولة رقم 5 ويضع الطبقين على الطاولة بسرعة وحرفية لاعبي السيرك، موزعاً ابتسامته بين مازن ومنة، حديثي الخطوبة متمرسي الخناق مبدعي التكشيرة، ممن لهم قدرة مذهلة على العراك اللفظي لأتفه الأسباب.
يلتقط مازن ورقة فئة 5 جنيهات جديدة "مخربشة" تفوح منها رائحة البنكنوت، وبتلقائية شديدة ألقاها بجيب قميص النادل الأيمن، ويعاود مجلسه الأول كأنه لم يتحرّك قط، التكشيرة ذاتها والتحفز ذاته، ولكن تكسر منة صمت الحديث بمحاولات مستميتة لإنهاء النزاع دون خسائر.
منة: لا أرى سبباً مقنعاً لانفعالك.. مي صديقتي منذ الطفولة يعرفني أهلها قبل أن أعرفك.
مازن: مع احترامي الكامل للأميرة مي سليلة الأسرة المالكة بقلعة الكبش، ولكن اعتراضي ليس على أسرتها، بل على ذلك العيل "الرزيل" الذي يتمتع بسنس استظراف منفلت، ولديه قناعة تامة بأنه "حساس الحارة"، ولا ينفكّ عن مداعبتك وملاطفتك وكأن تلك الدبلة التي تعتنق بنصرك الأيمن هي إعلان خطوبة لخروف بلدي من غير ليّة كمان.
منة: أنا أعرف متى أوقف كل شخص عند حده، عندما يخرج الكلام عن الإطار المألوف سوف أتحول لوحش كاسر.
مازن: بلا إطار بلا عربية، لا أصدق حرفاً مما تقولين، في المرة الماضية أُحرجتِ منه عندما طلب رقم هاتفك، ومررتِه له وكأنك تكافئينه على ظرف شكله المتناهي، هل تساهلت معك للحد الذي يجعل من احترامك لي في غيابي في ذيل قائمة أولوياتك؟
تتناول منّة زجاجة الهوت سوس وتوزّعها على شريحة البيتزا التي قطّعتها لتوها في تناغم لا يتناسب مع توتر إيقاع الحديث، قبل أن ترفع رأسها في هدوء مفتعل ولكنه مُركّز.
منة: لا بأس، أحرجت منه وأعطيته رقم هاتفي، هو في النهاية موقف مفروض عليّ لم أسْعَ نحوه، ولكن ما قولك فيمن يوزع أرقام هاتفه على كل من هبّ ودبّ وكأنه افتتح لتوّه محل لبن ويسوّق له بأي صورة!
مازن: كذب وافتراء، لم يحدث سوى مرة واحدة مع صديقتك بسمة، وكان ذلك من أجل مشورة طلبتها هي تتعلق برغبة والدها في التعاقد مع عمال يومية؛ لإنهاء تشطيب ما تبقى من عمارته وقد كان.
منة: وهل قلت لي وقتها إنك أعطيتها الرقم من الأساس؟
مازن: لم تكن الفرصة مواتية، وربما نسيت، الأمر غير متعمد، يمكنني أن أخونك دون أن تعرفي بالمناسبة، ولكن الركّ على الأصل والحب.
منة: إذن طالما كان الركّ على الأصل لماذا تفتعل مشكلة من لا شيء؟، أعطيته رقمي دون قصد، وأنا أحبك في كل الأحوال وأصونك في كل الأحوال فلا تحدثني وكأنك عثرت لتوّك بحوزتي على ختم الخيانة الأبدي؟
مازن: من يحب يقدّر من يحبه ويصونه في غيابه؟
منة: صدقت ومن يحب لا يكذب ولا يخفي الحقائق؛ لأنه لا يكذب من يخطئ، وأنت كذبت وأخطأت.
مازن: لست يسوعا ولست مريم.
منة: كرر الجملة على مسامعك أنت وليس على مسامعي.
مازن: يكفي هذا القدر، لم يعد بإمكاني تحمّل سخافاتك، إليك دبلتك أيتها القديسة ما دمت لم أعد مناسباً لك ربة الصون والعفاف.
منة: احتفظ بها.. وخذ أنت دبلتك بالمرة، فبالتأكيد أمك "ستطين عيشتك" إذا علمت أنك فسخت الخطوبة دون أن تعود بها.
انتفض مازن من على مقعده ونادى فيما يشبه الصياح طالباً الشيك، ولم ينتظر وصوله بل وضع مبلغاً أكثر من المطلوب ورحل، في حين بقيت منة في مكانها، وأخرجت من حقيبة يدها أجندة ملاحظات صغيرة كتبت فيها: "1/ 4/ 2012 فسخنا خطوبتنا للمرة الثالثة خلال عامين لنفس الأسباب التافهة".
هكذا هي الأمور دائماً، تنتهي قبل أن تبدأ، من أجل تفاهات رومانسية تتعملق حتى تصبح وحشا يلتهم الحب والعلاقة، وكله بسبب عدم التفاهم، ذلك الشعور القاتل، الذي يجعل تفسير تصرفات كل طرف دائما سيئة النية، فهو لم يتصل بي لأنه لا يحبني ليس لأنه بالفعل في أزمة، وهي أعطته رقم هاتفها لأنه "عاجبها" وليس لأنها أحرجت، وكلاهما يريد أن يتكلم دون أن يسمع، وإن سمع لا يصدق، وإن صدّق لا ينسى ولا يسامح.