نفتش سويا في ذاكرة الثورة -29 يناير 2011 في يوم 29 يناير.. خامس أيام الثورة وثاني أيام انقطاع الإنترنت، لم أجد بديلا لاستقاء المعلومات أمامي مع الأسف سوى القنوات الفضائية التي كنت دائما ما أقلّب فيها باستمرار؛ لأقرأ خبرا عاجلا على إحداها، أو أسمع آخر حصيلة تظاهرات اليوم، وإذ بي أجدني أضغط على القناة الأولى التي قلما أو نادرا ما كنت أراها.. لأجد ولأول مرة "عاجل.. الرئيس مبارك يوجه بيانا مهما للأمة". معقول.. يطل علينا الرئيس -سابقا والمخلوع حاليا- بعد الساعة الثانية عشرة صباحا ليوجه للأمة خطابا ومهما.. ترى ماذا سيقول فيه؟! وكيف سيكون ردّ الثوار على خطابه؟؟! ربنا يستر..
إضغط لمشاهدة الفيديو: أخيرا عادت خدمة الهواتف المحمولة التي كانت مقطوعة لطبيعتها؛ لكي أتحدث مع أصدقائي الموجودين بالميدان وقتها، وأطمئن منهم على موقف الجيش الذي نزل لأول مرة بدباباته ومدرعاته.. هل هو معنا أم علينا أم ماذا؟؟ صحيح أنه حتى الآن لم يطلق رصاصة واحدة على أي مدني؛ ولكن موقفه ليس محددا بعد. أجابني أصدقائي وقتها بإجابة أدمعت عينيّ.. ألا وهي هتاف "الجيش والشعب إيد واحدة".. فتحت التليفزيون الذي كان قلما يغلق، ووجدت المتظاهرين يحيّون أفراد الجيش، ويلتقطون صورا تذكارية معهم فوق الدبابات.. بعدها اطمأنّ قلبي كثيرا.
سرعان ما تحول الاطمئنان إلى خوف رهيب؛ فبعد انسحاب الشرطة من مواقعها عشية "جمعة الغضب" حدث انفلات أمني مخطط في جميع المحافظات.. أقسام شرطة تحرَق ويقطّع جميع ما بها من محاضر، وسرقة بالجملة للسيارات، وهروب جماعي للمساجين من سجون أبو زعبل والفيوم والقطا الذي لقي فيه اللواء محمد البطران -رئيس قطاع مصلحة السجون- حتفه بطلق ناري خلال محاولته منع المساجين من الهروب. أعمال السلب والنهب تنتشر في كل مكان بعد انسحاب الشرطة، وفي هذا اليوم لم يكن هناك تواجد كثيف لقوات الجيش؛ لكي يؤمّن المنشآت العامة والخاصة، والمراكز التجارية تُنهب بأكملها، أضف إلى ذلك شائعات كثيرة جدا تقول إن المساجين الهاربين سيدخلون بيوتنا لنهبها، صور لبلطجية يحملون أسلحة بيضاء وهم يسرقون مراكز تجارية معروفة، أشكالهم غريبة جدا وترعبنا.. القناة الأولى تعرض فيديوهات لسرقة ونهب هذه المراكز، الوضع تحوّل إلى الأسوأ.. أصبحنا نجلس في بيوتنا مرتدين ملابس الخروج؛ استعدادا لطلة الضيوف "اللي هما الحرامية والبلطجية اللي بنسمع عنهم". وصل الأمر إلى تفجير مبنى مباحث أمن الدولة بسيناء، والذي أسفر عن مقتل شخص وإصابة ما لا يقل عن 12 شخصا.. ووصل الأمر إلى محالة لاقتحام مطبعة البنك المركزي، وتصدى الجيش لهذه المحاولة. الخوف بدأ يتملكني.. فوضى مُدبّرة لم أرها في بلدنا من قبل.. دبابات الجيش لا أراها إلا في الميدان فقط.. من الذي سيحمينا إذن؟؟!!
إضغط لمشاهدة الفيديو: فجأة رأيت مشاهد عظيمة بمعنى الكلمة لأول مرة أسمع وأرى بأم عيني اللجان الشعبية.. شباب ورجال المنطقة التي أسكن فيها جميعهم مسلحين.. مطاوي وشوم وسكاكين؛ ليحمونا ويحموا أهاليهم.. اتصلت على الفور بأصدقائي لأطمئن على أحوالهم، فوجدت المشهد واحد، جميعهم يروون لي ماذا تفعل اللجان الشعبية، التي أثبتت بجدارة قوة وبسالة شباب هذا البلد الأمين، يا للعجب شباب يهتفون بالحرية وإسقاط النظام في ميادين مصر.. وآخرون يحمون أهلهم..
عصر هذا اليوم.. أعلن التليفزيون المصري في خبر عاجل قرار مبارك بتعيين عمر سليمان -رئيس المخابرات وقتها- نائبا له، وتكليف الفريق أحمد شفيق برئاسة الحكومة الجديدة.. ورفض المتظاهرون هذا القرار واعتصموا بالميدان؛ ليخبرنا التليفزيون المصري يإعلان قبول استقالة أحمد عز -عضو أمانة السياسات في الحزب الوطني المنحل- وبعدها يعلمنا بتمديد حظر التجول؛ ليصبح من الرابعة عصرا إلى الثامنة صباحا.. ربما هناك شيء ما وراء هذا الخبر.. عموما أنا عملت بمقولة "يا خبر بفلوس بكره يبقى ببلاش".. الحمد لله باستثناء كل ما حدث في هذا اليوم.. فأستطيع النوم.. بعد ما رأيت هذه اللجان الشعبية.