(مقال للكاتب الإسرائيلي بوعاز بيسموت تحت عنوان "السيطرة على المستقبل"، نشر بصحيفة إسرائيل اليوم بتاريخ 22 /1 /2012) العنوان الكبير للنتائج الرسمية للانتخابات في مصر هو انتصار حاسم للإسلاميين، حيث فازوا بنحو 70% من مقاعد مجلس الشعب. والعنوان الصغير هو هزيمة ساحقة منيت بها الكتلة الديمقراطية وشباب التحرير، الذين حصلوا على سبعة مقاعد فقط (أقل 1.5%)، وبذلك يكون شباب الثورة، الذين أحدثوا ثورة بطولية في فبراير 2011، قد قاموا -دون قصد بتأسيس دولة مصر الإسلامية!!! مصر بكل تأكيد سيتغير مستقبلها، حتى وإن كان هذا التغيير سيجرى تدريجيًا، فقد أثبت الإخوان المسلمون لنا أنهم يعرفون جيدًا كيف يكونون براجماتيين (عمليين) عند الضرورة، حتى ولو تطلب ذلك تقديم تنازلات أيديولوجية، إضافة إلى حركات أخرى، أثبتوا أيضا خلال الانتخابات كيف أنهم يعرفون تكييف أنفسهم مع الوقت وطبيعة الأحوال؛ لتحقيق أهدافهم. الإخوان يشكّلون الآن أكبر حزب في البرلمان بحصولهم على 235 مقعدًا من أصل 498، واليوم (الإثنين) سيختار البرلمان رئيسه بالانتخاب من بين أعضاء البرلمان، وغالبًا سيتم ذلك في اجتماع احتفالي، سيحضره المشير طنطاوي -أقوى رجل في مصر- وبذلك يكون قد أكمل التحالف غير الطبيعي مهمته، وخسر شباب التحرير. المعركة القادمة ستكون بين الإخوان والجيش، ولكن ليس غدًا؛ فالبرلمان سيختار 100 شخصًا لكتابة الدستور وغالبًا -مثل تونس- سيُكتب الدستور بالحبر الإسلامي؛ فالدستور هو المستقبل، وهذا ما يهم الإخوان. وإذا كان المستقبل هو الدستور، فالحاضر هو المشاكل المالية، وبالتالي تجد تصريحاتهم تتضمن الحفاظ على اتفاق السلام مع إسرائيل وحتى العلاقات الأخوية مع الجيش، وغدًا عندما ستحل تلك المشاكل سنسمع نغمات مختلفة، وسيبقى عندها الصراع مسألة وقت. في السنوات الأخيرة نمت بين الإخوان الأصوات المعتدلة، ولكنها تمثل أقلية صغيرة داخل الجماعة، وقد أدى الإنجاز الكبير والمذهل الذي حققه السلفيون الراديكاليون (الأصوليون المتشددون) في الانتخابات البرلمانية، إلى أن يكون الإخوان أكثر اعتدالاً، وهو ما وجّه ضربة شديدة للكتلة العلمانية الديمقراطية، كما أن غالبية كبيرة من سكان مصر يُعربون عن عدم ثقتهم في حزب الوفد الليبرالي (الذي حصل على 9% من المقاعد) وشباب التحرير (الذين حصلوا بالكاد على 1.5% من إجمالي عدد المقاعد). مؤخرًا التقى وليام بيرنز -مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية- محمد بديع -زعيم جماعة الإخوان المسلمين- في القاهرة، حيث سمع منه وعودا حول استقرار اتفاق السلام، وحتى ضمانات ضد الطائفة القبطية، وعاد إلى واشنطن بعد هذه المقابلة وهو متفائل. الخلاصة أن الإخوان المسلمين يريدون أن يعبروا بمصر إلى الغد، فيسمحون للجيش بأن يرتكب تجاوزات في الحاضر، وانتخابات الرئاسة -المقرر إجراؤها في الصيف- ليست على برامجهم، فبديع أظهر في حوار له مطلع الأسبوع أن جماعته لا تسعى لإظهار أي صدام مع النظام العسكري، تمامًا كما كان موقف الجماعة في أحداث الشغب التي جرت خلال شهري نوفمبر إلى ديسمبر، كما أعلن بديع أيضا، لمَ لا؟ وقد حصل على سلطة البلاد.