يبدو الغرب وكأنه مصاب بلوثة عقلية جعلته يكره العرب والمسلمين ويراهم أقواما من اللصوص والإرهابيين!! ويرى الإسلام وكأنه مصدر للإرهاب والتعصب ولذلك أعطى لنفسه الحق في أن يتعامل معهم بوحشية مستهينا بأرواحهم وعقائدهم بداية من الرسوم المسيئة للرسول الكريم "صلى الله عليه وسلم"، مرورا بمنع الحجاب في فرنسا، وأخيرا وليس آخرا قرار حظر المآذن في سويسرا!!! ففي سابقة خطيرة من نوعها لترويج أفكار اليمين المتطرف ضد الإسلام والمسلمين أجري استفتاء شعبي في سويسرا لمنع بناء مآذن جديدة للمساجد في البلاد بحجة أنها رمز للإرهاب!! عاصفة قوية جديدة لمحاربة الإسلام ولممارسة أشكال التمييز العنصري ضد المسلمين.. بالأمس رسوم كاريكاتورية ومنع حجاب واليوم حظر المآذن؛ لخوفهم من ازدياد الإرهاب!! فكلمة الإرهاب أصبحت تلتصق بأي فعل يتعدى على حرية العقيدة الإسلامية.. اعتقال مسلمين بالخارج بحجة الإرهاب.. وحظر مسلمين من السفر بنية الإرهاب.. حتى المآذن أصبحت إرهابية؟! فالإرهاب أصبح هو الحجة التي يبرر بها الغرب إهاناته للمسلمين في قدس أقداسهم هي حجج واهية وغير صحيحة وهو ما يؤكده د. أحمد عمر هاشم رئيس اللجنة الدينية بمجلس الشعب أن "المآذن شعار الإسلام، وليست رمزا للإرهاب، والمساجد دور عبادة للمسلمين مثل أي دين آخر، يكون له دور عبادة ونحن كدول إسلامية نحترمه ونقدره ونعلم جيدا أنه رمز للدين". ووجّه هاشم "رسالة إلى العالم الغربي" قائلا: لا بد أن يعلموا أننا في مصر وجميع بلاد المسلمين نسمح بحرية ممارسة كل الأديان، ونسمح بكل دور العبادة الخاصة بكل دين، كما أننا لا نفرق بين دور العبادة, فلماذا يطالبون هم بذلك؟!! كما طالب هاشم سويسرا بأن تتراجع عن قرارها. وأشار إلى أنه أصدر بياناً في لجنة الشئون الدينية بمجلس الشعب يطالب فيه جميع الدول الإسلامية بأن تقف وقفة تطالب بالرجوع بالحق؛ لأن هذا الإجراء فيه تمييز عنصري وبعيد عن الحق. هل تستجيب الدول الإسلامية لدعوة "إيسيسكو"؟!! وردا على النتائج التي أسفر عنها الاستفتاء الذي جرى هناك والقاضية بحظر بناء المآذن في البلاد، وذلك بعد أن عبّر الشعب السويسري في الاستفتاء عن روح الكراهية والعداء للإسلام وللمسلمين دعا الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري -المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)- دول العالم الإسلامي إلى مقاطعة سويسرا تجاريا وسياحيا، وإلى سحب الأرصدة المالية من بنوكها.. فهل تستجيب الدول الإسلامية لدعوة "إيسيسكو"؟!! وما هي إمكانية حدوث ذلك؟!! وما مدى الخسائر التي ستعود على العالم الإسلامي إذا قطع علاقاته مع سويسرا؟! وما تداعيات ذلك إذا استجابت الدول الإسلامية للدعوة؟!! يقول د. حمدي عبد العظيم -رئيس أكاديمية السادات الأسبق- إن سويسرا تعتمد على أموال العرب الموجودة في بنوكها وبالتالي المقاطعة لن تكون فعالة، إلا إذا كانت من جانب الدول الثرية التي تضع أموالها في بنوك سويسرا، وإذا سحبت أموالها من سويسرا ووضعتها في أكثر من بلد -ويا حبذا إذا كانت دولا إسلامية- وبالتالي ستكون وسيلة من وسائل الضغط على سويسرا. وبشأن المقاطعة التجارية من الدول الإسلامية -ومصر من ضمن هذه الدول- يقول "عبد العظيم": "إحنا بنستورد أكثر ما بنصدر, فإذا تخيلنا أن كل الدول الإسلامية أصبحت لا تستورد من سويسرا شيئا وقاطعتها فسوف نسبب لها خسارة فادحة وألما في اقتصادها، فالمقاطعة التجارية عنصر ثانٍ للضغط وهو مؤلم تجاريا وهو فعال ومؤثر بدليل أننا عندما قاطعنا الدانمارك تجاريا أثّر ذلك بالسلب على الاقتصاد الدانماركي بل تسبب في حالة هلع بالدانمارك من حجم الخسائر بسبب المقاطعة. أما بالنسبة للعنصر الثالث وهو حرمان سويسرا من النفط أو الغاز أو أي موارد طبيعية وهنا ستشعر بمرارة ما فعلته وسيكون ذلك العنصر بمثابة ضربة قوية لاقتصاد سويسرا. ورابع وسيلة مؤلمة أيضا للضغط عليها هي مقاطعتها سياحيا؛ فالسياحة إلى سويسرا إذا انقبضت من جانب العرب والمسلمين فسوف يحرم الاقتصاد السويسري من دخل السياحة. فكل هذه وسائل ضغط إذا طبقناها ستتراجع عن قرارها خلال ساعات بل لن تجرؤ مرة أخرى بالمساس بالمسلمين، ويشير "عبد العظيم" قائلا: طالما سويسرا لا تحب المسلمين ولا تريد التعامل معهم فمن باب أولى ألا تتعامل معهم لا اقتصاديا ولا سياحيا ولا تجاريا!!! فلنستورد من دول أخرى وبناقص سويسرا!! ولدى سؤال "عبد العظيم" حول قدرة الدول الإسلامية ومصر على الاستغناء عما تستورده من سويسرا أم أن تلك المقاطعة التجارية ستؤثر علينا؟ فرد قائلا: "نحن نستورد منها ساعات وآلات هندسية ومن الممكن استيرادها من أي بلد؛ لأنها ليست سلعا أساسية كالمأكل والمشرب، وبالتالي فالمقاطعة ستؤثر بالسلب فقط على سويسرا، ونحن كدول إسلامية يمكننا أن نتجه للدول المنافسة لها بالاستيراد منها". وأضاف: أكبر دليل على أن المقاطعة أتت بثمارها ما فعلته ليبيا مع سويسرا، فتجربة القذافي معها -حينما قاطعها تجاريا شريطة ترك ابنه- لم تنسها سويسرا حتى اليوم واضطرت إلى المصالحة.. وهنا تساءل حمدي: هذا كان موقف سويسرا عندما قاطعتها دولة إسلامية واحدة، فما بالنا إذا قاطعتها جميع الدول الإسلامية؟!!! كما أوضح عبد العظيم أن المشكلة عند العرب تكمن في أن أصحاب الأموال منهم مهربون أموالهم إلى سويسرا؛ لأن أغلبها تم الاستيلاء عليها بطرق غير مشروعة ومن هنا فهؤلاء لا يقبلون فكرة المقاطعة. لكل مجتمع محظوراته! الغريب في الأمر أن كل ما هو ذو صلة بتاريخ اليهود في أوروبا محظور حظرا تاما، بينما كل ما هو ذو صلة بالإسلام والمسلمين فهو مباح التعدي عليه، فليس خافيا أن قاعدة ازدواجية المعايير هي التي حكمت ولا تزال تحكم؛ فالحجة التي تساق في حالة العرب والمسلمين هي عدم الاعتداء على قيمة حرية التعبير، أما في حالة إسرائيل فذبح هذه القيمة يكون حلالا حتى لا تغضب إسرائيل "الصديقة المدللة للغرب"، وهو ما يتبين عندما أبدت إسرائيل انزعاجها من نتيجة استطلاع الرأي الذي تبين منه أن 95% من الشعوب الأوروبية ترى أن إسرائيل بممارساتها العدوانية تمثّل خطرا على الأمن والسلم الدوليين, لم تتردد المفوضية الأوروبية في تقديم الاعتذار إلى حكومة إسرائيل، وأكدت أن استطلاعات الرأي في عمومها -رغم أنها أحد أشكال الممارسة الديمقراطية المباشرة- لا تؤثر على القرارات السياسية الأوروبية.. كما تعالت الاعتذارات من حكومات الدول الأوروبية التي سارعت بالتنصل من نتيجة الاستطلاع، ولم تتذرع كما هو الحال في أزمة الرسوم الدانماركية، وأيضا حظر المآذن بأنها يجب ألا تتدخل في أمر كهذا؛ لأنه يمثل اعتداء على حرية الرأي!!!!!! عندما أصدر وزير التعليم الفرنسي قانون جايسو الشهير الذي يجرّم أي باحث أو كاتب يعالج من قريب أو بعيد قضية المحرقة "الهولوكوست" لم يبكِ الباكون في الغرب على حرية البحث العلمي التي أهدروا دمها.. ولم ينبس أحد عندما سحبوا من الباحث روبير فوريسون وزميله هنري لوك لقب دكتور وطردوهما من مواقعهما العلمية في جامعتي لون ونانت في فرنسا عقابا لهما على أبحاثهما في تاريخ اليهود. ولقد دفع أستاذ فرنسي آخر منصبه كأستاذ للتاريخ المعاصر ثمنا لعناده عندما صرخ قائلا: "إن أحدا ليس فوق البحث العلمي والأكاديمي".. وغاب عن باله أن زميلا له سبقه في العناد فلقي حتفه مخنوقا في سريره!.. وكانت صحيفة "لوموند الفرنسية" مثلت أمام المحكمة بسبب بيان نشره الفيلسوف الفرنسي المسلم روجيه جارودي يدين فيه المجازر الإسرائيلية ويجرّم الفاعلين. الغريب أن الفرنسيين لم يعترضوا على ذلك، وأقروا كل الإجراءات التي يتخذها اليهود ضد من تسول له نفسه أن يناقش "سرا أو علانية" أصولهم التاريخية. ومرة أخرى نتساءل أين حرية الرأي في كل ما سبق؟!! أم إن ما يتعلق باليهود يكون دائما فوق القانون أما ما يتعلق بالعرب والمسلمين فترسانة القواعد والقوانين لا يمكن تجاوزها؟! ومن هنا فالتعدي الصريح الواضح على الإسلام والمسلمين يحتاج إلى وقفة بل مقاطعة العالم الإسلامي بأسره لسويسرا ولأي بلد آخر يتعدى على الإسلام.