بريطانيا وإيطاليا وهولندا وألمانيا يعلنون طرد البعثات الدبلوماسية الإيرانية.. وإيران تهدد بالتصعيد والمعاملة بالمثل والعواقب الوخيمة.. وأمريكا ترد: الضربة العسكرية ضد إيران قريبًا.. هل ستندلع الحرب؟!! الإجابة بكل وضوح: لن تندلع أي حرب.. إنها باختصار اللعبة السياسية (Political game) بين الغرب وإيران.. فكلاهما يريد أن يُبدي للعالم أنه الأقوى.. وفي نفس الوقت تربطهما العلاقات الدبلوماسية والسياسية والتجارية...
باختصار هي لعبة المصالح.. ولنبدأ في سرد الأحداث من البداية..
بدأ الأمر بقيام بريطانيا بقطع العلاقات المالية مع المصارف والبنوك الإيرانية الأسبوع الماضي، بعد اتهامها بتسهيل البرنامج النووي الإيراني الذي يسعى -من وجهة نظر بريطانيا- إلى إنتاج سلاح نووي...
عندها قرر مجلس صيانة الدستور في إيران -وهو مجلس له الصلاحيات في إصدار قرارات واجبة التنفيذ في الدولة- خفض مستوى العلاقات مع بريطانيا، وهو قرار يؤدي إلى طرد السفير البريطاني وخفض مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وبعدما انتشر هذا القرار في إيران؛ نظم الطلبة الإيرانيون (وهو تنظيم إيراني شبابي) تظاهرة أمام السفارة الإيرانيةبطهران الثلاثاء 29 نوفمبر تصاعدت حدتها إلى اقتحام الطلبة مقر السفارة مطالبين بإغلاقها، مما أثار استياء دوليا وزاد من حدة التوتر القائم مع العواصمالغربية بشأن الملف النووي الايراني.
وعلى الرغم من أن قوات الأمن الإيرانية قد أوقفت هذا العدوان.. واعتقلت بعضًا من الطلبة الإيرانيين، وأفرجت عنهم في نفس اليوم، إلا أن أن الطلاب الإيرانيين أعادوا الكرَّة وصادروا وثائق سرية داخل مقر السفارة البريطانية، وقاموا بنزع علم بريطانيا ووضعوا مكانه علم إيران..
الأمر الذي أثار الدهشة وأثار الاستياء الدولي أيضًا أن قوات مكافحة الشغب التي تحمي السفارة لم تتدخل لمنع هذا الهجوم الطلابي!! واقتصر الرد الإيراني الرسمي على هذا الحادث بأن أعربت وزارة الخارجية الإيرانية عن أسفها للهجوم على السفارة البريطانية.
وهنا يجب التركيز في البيان الرسمي لوزارة الخارجية الإيرانية: إيران تعرب عن أسفها "للسلوك غير المقبول" الذي قام به "عدد صغير" من المتظاهرين على رغم "جهود الشرطة".. وأكدت أنها طلبت من السلطات أن تتخذ على الفور التدابير الضرورية لإنهاء "احتلال السفارة".
بيان الخارجية يصف جريمة -وفقًا للقانون الدولي- لاقتحام سفارة بأنها "سلوك غير مقبول"، وأن من قام بهذا العدوان "عدد صغير" حيث قاموا -وفقًا لبيان الخارجية الإيرانية- ب"احتلال السفارة"!!
هذا البيان -الذي يُعتبر اعترافا رسميا بالإدانة- اتخده مجلس الأمن كدليل على وجوب فرض عقوبات على إيران، وخرج قرار مجلس الأمن بتوجيه الإدانة بأشد اللهجات إلى الهجوم على مقرات البعثة الدبلوماسية البريطانية..
توالت بعد ذلك ردود الفعل الدولية، التي اتسمت جميعها بشدة اللهجة وشدة الإجراءات أيضًا.. فالبيت الابيض أدان بأشد العبارات الهجوم على السفارة البريطانية، ووجوب ملاحقة المسئولين عنه والقيام بما من شأنه الحيلولة دون تكرار هذه الحوادث، سواء في السفارة البريطانية أو في بعثات دبلوماسية أخرى في إيران.. وهنا ينبغي ذكر أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تقيم أصلاً علاقات دبلوماسية مع إيران منذ العام 1979 بسبب حادث مشابه، وذلك عندما هاجم طلاب إيرانيون مقر السفارة الأمريكية في طهران، واحتجزوا 52 شخصًا من العاملين فيها بعد بضعة أشهر على قيام الثورة الإسلامية في إيران، وتواصل احتجاز الرهائن 444 يومًا.
وجاء الرد الفرنسي عنيفًا أيضًا على لسان آلان جوبيه -وزير الخارجية الفرنسي- فبعد تصريحه بالإدانة الشديدة لاقتحام السفارة البريطانية، أعلنت فرنسا استدعاء سفيرها بإيران للتشاور كإجراء تصعيدي يهدد بقطع العلاقات بين البلدين.. واشترك في رد الفعل هذا كل من أيطاليا وهولندا وألمانيا..
أما بريطانيا فقد أعلنت عزمها على استدعاء جميع أعضاء بعثتها الدبلوماسية في طهران، وطرد جميع الدبلوماسيين الإيرانيين من لندن..
الوضع ببساطة يختصر في ثلاثة كلمات: لعبة المصالح المشتركة كان هذا ملخصًا للمشهد المتوتر بين بريطانيا وإيران... فما الذي يحدث؟!!
الوضع ببساطة يُختصر في ثلاثة كلمات: "لعبة المصالح المشتركة".. وهي لعبة سياسية أصيلة.. قواعدها أنه مسموح بفعل أي شيء يحقق مصالحك.. وفعل أي شيء يرفع عنك ضررا يهدد مصالحك.
الدول الغربية ووسائل إعلامها تتغنى منذ عدة أيام بنشيد واحد؛ مطلعه أن إيران تسعى لصناعة قنبلة نووية.. ونهايته اقتراب ضربة عسكرية لمنشآت طهران النووية...
الدول الغربية من ناحيتها ضد التطور النووي لأي دولة شرق أوسطية –باستثناء "إسرائيل"- وخاصة أن تكون هذه الدولة هي إيران ذات الطموح التوسعي في دول الشرق الأوسط، وهذا يضر بمصلحة الغرب، من ثم فعليها أن تجتهد -من خلال مؤسسة دولية مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية- لأن تثبت أن إيران تزيد من معدلات تخصيب اليورانيوم، وبالتالي فهي تسعى لإنتاج قنبلة نووية، لتأتي بعدها ردود الأفعال الدولية ضد إيران تصل ذروتها لتهديد إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية..
وينتج عن هذا في نهاية الأمر أن تطلب الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إيران أن تزور منشآتها النووية للتفتيش، فتقوم طهران بالحد من تخصيب اليورانيوم المشع، وبالتالي يتأخر التقدم النووي الإيراني.. وهو المطلوب....
لكن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي.. ولديها من اللعَب السياسية ما يمكّنها من رفع الضغوط الدولية على برنامجها النووي واستبدال هذا الضغط بردود أفعال قد تصل إلى استدعاء سفراء لعدة أيام، وما يلبث الأمر إلا أن يزول وينتهي.... وهذا ما فعلته إيران بصورة غير رسمية.. اندفع مجرد طلبة –وعلى وصف الخارجية الإيرانية "أعداد قليلة"- نحو سفارة بريطانيا -الدولة الغربية الأكثر ضغطًا على إيران بسبب البرنامج النووي- وقاموا باقتحامها وإنزال العلم البريطاني ورفع الإيراني.. دون تدخّل ملحوظ من الأمن..
ومن هنا تبدأ الأزمة.. وتستمر إلى عدة شهور تكون ردود الفعل الدولية جميعها بسبب عدم حفاظ السلطات الإيرانية على البعثات الدبلوماسية لديها، وتبدأ موجة من استدعاءات السفراء.. وربما تتصاعد إلى قطع العلاقات.. وفي خضم هذه الأحداث والردود.. ينكبّ الإيرانيون على تطوير برنامجهم النووي الذي قلّ ذكره على لسان المسئولين؛ لانشغالهم باقتحام السفارة البريطانية...
هذه هي اللعبة السياسية التي يطلق عليها "نظرية المواجهة" التي تبدأ بافتعال أزمة وتنتهي بحل هذه الأزمة.. وأثناء ذلك تجد المسئولين الاقتصاديين الإيرانيين والغربيين يجلسون على مائدة واحدة يبحثون تبادل النفط والغذاء... فالمصلحة أولاً.. وأي شيء آخر يأتي بعد ذلك..