كتبت: أ. د سحر طلعت من أهم المشكلات التي تُواجه الزوجين في الأيام الأولى من الزواج حدوث حالة من الضعف الجنسي المؤقت، وعادة ما يحدث هذا في "ليلة الزفاف"، أو في الأيام القليلة التي تليها، وهي مشكلة كبيرة ومتكررة، ولها آثار نفسية كبيرة على الزوجين إذا لم يُحسِنَا التصرُّف حيالها، وسنحاول في هذا الدرس أن نتعرّف على أسباب هذه المشكلة، وكيفية التغلّب عليها.
التعريف تعارفت البشرية من فترات طويلة على تسمية هذا الخلل ب"العجز الجنسي" (Impotence)، ولكن التسمية الأدق Erectile dysfunction، وفي هذه الحالات يعاني الرجل من فقد القدرة على حدوث الانتصاب أو استمراره، وهو ما يعيق عملية الإدخال وإتمام عملية الجماع.
وضعف أو اضطراب الانتصاب ليس له علاقة بفقد الرغبة الجنسية أو فقد القدرة على الوصول للقذف أو الأورجازم، وكذلك ليس له علاقة بفقد الرجولة.
كيف يحدث الانتصاب حدوث الانتصاب يحتاج إلى سلامة وانضباط مستويات الهرمونات، وسلامة الأجهزة العصبية المختلفة، والأوعية الدموية، والصحة النفسية والعقلية التي تسيطر على كل هذه العمليات الحيوية.
والوصول للانتصاب والمحافظة عليه يحتاج إلى: - المخ (الجهاز العصبي المركزي). - الأعصاب الطرفية التي تتصل بالعضو الذكري. - الشرايين التي تحمل الدم إليه، والأوردة التي تمنع خروج الدم من العضو الذكري أثناء الانتصاب.
حدوث الانتصاب يحتاج إلى سلامة وانضباط مستويات الهرمونات، وسلامة الأجهزة العصبية المختلفة، والأوعية الدموية، والصحة النفسية والعقلية التي تسيطر على كل هذه العمليات الحيوية، والعوامل العاطفية والنفسية تُؤثّر على المخ؛ محدثة نوعا من ضعف الانتصاب النفسي، وهو ضعف طارئ ومؤقت ووقتي، ويمكن التخلّص منه عندما تتغيّر الظروف المحيطة بالإنسان، والتي تُسبّب له التوتر والقلق أو الإحباط.
تبدأ عملية الانتصاب من المخ، وتشمل الأجهزة العصبية والأوعية الدموية، وتلعب الموصلات العصبية دورا أساسيا في هذه العملية والمثيرات الحسية الجنسية المستقبلة من حواس السمع والشم والبصر واللمس أو المثيرات النفسية تدفع الأعصاب لإرسال رسائل للأوعية الدموية، وهو ما يؤدّي إلى انبساط في عضلات هذه الأوعية الدموية، وتدفّق الدم بقوة إلى أنسجة الانتصاب (الأجسام الأسفنجية والكهفية)، ولأن الدم لا بد أن يبقى بداخل هذه الأوعية حتى يستمر الانتصاب.. يتسبّب ارتفاع ضغط الدم داخل العضو الذكري وانتفاخ الأنسجة الكهفية والأسفنجية في الضغط على الأنسجة الليفية المحيطة بأنسجة الانتصاب؛ وهو ما يضغط على الأوردة، ويُعيق تدفق الدم خارج العضو الذكري، ويؤدّي إلى حدوث الانتصاب الكامل.
ويختفي الانتصاب عندما يقلّ تركيز "النيتروز أوكسيد" (موصل عصبي) والمواد الأخرى بعد حدوث الأورجازم والقذف، وهذا يؤدّي إلى انبساط العضلات وفتح الأوردة وتدفق الدم خارج الأجسام الكهفية والأسفنجية.
وأي مشكلات تعترض هذه التفاعلات بين الأعصاب والأوعية الدموية تؤدّي إلى مشكلات في الانتصاب؛ ومنها ارتفاع ضغط الدم وداء السكري وارتفاع دهون الدم والتدخين.
ضعف الانتصاب يعتبر واحدا من أهم الاضطرابات التي تعيق الحياة الجنسية السوية بين الزوجين، وأسباب ضعف الانتصاب كثيرة جدا ومختلفة، ومعظم الحالات (حوالي 80%) تنتج من أسباب عضوية؛ مثل: داء السكري، وتصلّب الشرايين، وأمراض العمود الفقري... وغيرها، و 20% الباقية تنتج من أسباب نفسية، وهذه المجموعة هي التي تعنينا هنا في بدايات الزواج؛ حيث يُصاب الكثير من الأزواج في ليلة الزفاف أو في الأيام التي تليها بما يعرف ب"توتّر الأداء" (Performance anxiety)؛ حيث يتسبّب القلق من عدم القدرة على إتمام العلاقة الجنسية أو فقد الثقة وعدم الرضا عن صورة الجسم (حجم العضو الذكري مثلا) في حدوث حالة من ضعف الانتصاب المفاجئ والمؤقّت، وهذا الضعف قد ينتج من أسباب تتعلّق بالعريس أو العروس، أو أسباب اجتماعية.
أولا: أسباب عند الرجل: قبل يوم الزفاف: إن يوم العرس هو يوم تعب وإرهاق؛ خاصة أن الكثير من مستلزمات العرس يتم إنجازها قبل يوم الزفاف بأيام قليلة؛ وهو ما يؤدّي إلى حدوث إرهاق للعريس. وقد يسمع العريس من بعض أصدقائه عن الفشل في الليلة الأولى؛ وذلك لأنه "مربوط" أو غير ذلك مما يُوتّر الأجواء، ويجعل الأمر الفطري الطبيعي مثل الامتحان الصعب مما يزيد من القلق.
وبذلك يضعف الانتصاب، وتفشل المحاولة الأولى وهو ما يوحي للعريس بأنه عاجز ويستسلم لذلك، ويزيد الضعف يوما بعد يوم، ونادرا ما نجد أسبابا حقيقية عند الشاب تؤدّي إلى الضعف، مثل ارتفاع هرمون الحليب (برولاكتين)، أو نقص الهرمون الذكري (تستوستيرون)، وهنا نُؤكّد مرة أخرى على أهمية استشارة الطبيب دون تردّد أو حرج.
أسباب متعلّقة بيوم الزفاف: السبب الرئيس للفشل هو "الجهل" بكيفية المعاشرة من قِبل الزوجين؛ وهو ما يُؤدّي إلى فشل المحاولة الأولى، ويزداد الضعف في المحاولات التالية؛ بسبب القلق الزائد، وفقد الثقة بالنفس.
ثانيا: أسباب اجتماعية: السبب الرئيسي الذي يتكرّر -إذا كانت العروس هي السبب- هو الخوف؛ وهو ما يُؤدّي إلى عدم تعاون الزوجة مع الزوج، وذلك للجهل وعدم توعية الأم للعروس، والسكوت عن هذا الأمر، والتقصير في تبصير الفتاة بحقيقة الأمور، تاركين خيالها البريء لتصوّرات خاطئة أو ثرثرة الصويحبات اللاتي يزعمن الدراية. وقد يكون الخوف شديدا لدرجة أن الزوجة لا تسمح للزوج بالاقتراب، وتتقلّص عضلاتها، وتصرخ كلما اقترب منها (تشنّج الفرج المهبلي الأوّلي)، وهي حالة معروفة نتيجة الحساسية الزائدة المصاحبة بالألم والخوف، وفي مثل هذه الحالة نجد أن العريس هو الذي يزور الطبيب؛ حيث إنه لم يستطِع الدخول بزوجته، وحيث إن هذا الفشل كافٍ لإحباط الرجل في المحاولات التالية.
وسبب آخر يتكرر وهو زفّ العروس لعريسها في أيام الدورة الشهرية، ولذلك تكون المشكلة أن العريس لا يستطيع الدخول بها، إلا بعد انتهاء هذه الأيام.
ثالثا: أسباب اجتماعية: أبرزها بعض العادات المرتبطة بالاطّلاع على دم البكارة والمباهاة به، والزيارة الأسرية الجماعية في يوم الصباحية، وهو ما يضع تحديا أمام الزوجين، ويُمثِّل ضغطا على أعصابهما، رغم أن الأمر لو ترك بشكل طبيعي وأخذ يوما أو يومين حتى يألف الزوجان بعضهما ويتعرّفا بالتدرج على جسديهما فلن تكون هناك مشكلات، وبذلك نترك المساحة والوقت -لمن يحتاجهما- كي يأنس الزوجان لبعضهما البعض، ويصلا إلى كمال السكن في مودة ورحمة.
تأثير هذا الضعف على الحياة الزوجية: عندما يحدث هذا الضعف في بدايات الزواج ومع غياب الوعي الصحيح والتواصل السليم بين الزوجين، خاصة لو انتشر الخبر وذاع بين الأهل والأصدقاء، يشعر الزوج عند حدوث هذا الأمر بالمهانة والعجز وفقد الثقة بالنفس، واليأس من إتمام عملية الإيلاج في المرات القادمة، ويزداد القلق والتوتر، وبالتالي يدور الزوج في دائرة مفرغة من التوتّر والقلق المؤدّي للفشل، والباعث على مزيد من القلق والتوتر.
وفي الوقت نفسه تعاني الزوجة من عدم قدرتها على فهم واستيعاب ما يحدث حولها، وتخشى أن تتكلم ولا تحتمل الصمت، ويتردّد التساؤل الحائر في جنبات نفسها: هل خدعها زوجها؟ وهل كان يعلم بعجزه ولكنه أخفى عنها؟ وإلى متى تحتمل هذا الوضع؟ ولأن الزوج بعد عدة محاولات فاشلة يُحاول تجنّب تكرار تجربة الفشل؛ فإنه يبتعد عنها، وبالتالي تشعر بأنه لا يرغب فيها ولا يُحبّها، وبالتالي تفقد الرغبة في العلاقة الجنسية، وتتوتّر العلاقة بين الزوجين.
أساطير شائعة حول ضعف الانتصاب مجتمعاتنا كانت وما زالت تعتبر الذكورة مرادفة للرجولة، وهي تعبير عن القوة والرخاء والسيطرة أو العلو، وبالتالي فأي مشكلة في القدرة الجنسية تعني فقد الرجولة، والأمثلة الآتية تمثّل بعضا من الأساطير الشائعة حول اضطراب الانتصاب:
1- الرجل الحقيقي لا يُعاني من اضطراب الانتصاب: وهذه مقولة غير حقيقية؛ فكل الرجال يمكنهم أن يعانوا من اضطرابات مؤقتة في الانتصاب، والدراسات تشير إلى وجود أعداد كبيرة جدا من الرجال تعاني من هذه المشكلة (150- 300 مليون) في جميع أنحاء العالم، وهذه النسبة تمثّل قمة جبل الجليد؛ لأن الدراسات تُؤكّد أيضا على أنه لا يطلب العلاج إلا حوالي 2 من 10 ممن يعانون من المشكلة بالفعل.
2- اضطرابات الانتصاب منشؤها نفسي: وهذه المقولة غير صحيحة؛ حيث إن العوامل النفسية تساهم في حدوث حوالي 20 % فقط من الحالات، أما باقي ال80% فتعود لأسباب عضوية (وفي هذه الحالات تحدث المشكلات النفسية؛ مثل القلق والتوتر وفقد الثقة بالنفس كنتيجة للاضطراب العضوي). 3- اضطراب القدرة الجنسية يحدث كنتيجة حتمية مع تقدّم العمر: وهذه المقولة أيضا غير صحيحة، والمشكل فقط أن تقدّم العمر يصاحبه الكثير من الأمراض العضوية التي تؤدّي إلى اضطراب القدرة على الانتصاب؛ ومنها: داء السكري وضغط الدم وتصلب الشرايين وأمراض القلب، والكثير من الأدوية التي تستخدم في علاج هذه المشكلات يمكن أن تساهم في حدوث الاضطراب. 4- لا يوجد علاج لضعف الانتصاب: رغم وجود الكثير من الوسائل التي تساعد المريض على التغلّب على مشكلته؛ ومنها العلاجات الدوائية والجراحية. 5- ضعف الانتصاب هو مشكلة الرجل وحده: وهذه المقولة غير صحيحة؛ لأن ضعف الانتصاب المصحوب بإنكار المشكلة، وعدم التواصل بين الزوجين يؤدّي إلى توتر العلاقة بينهما، ويترتّب على هذا حدوث الاكتئاب والقلق وفقد الثقة بالنفس عند طرفي العلاقة، وتجنّب الزوج للممارسة الجنسية حتى لا يشعر بعجزه يجعل الزوجة تشعر أنها غير محبوبة وغير مرغوب فيها ولا تتمتع بالإثارة الكافية. 6- ضعف الانتصاب يعتبر مشكلة خاصة جدا، ويجب ألا تناقش مع أي مخلوق على وجه الأرض وعلى الرجل أن يكتم سره بداخله ولا يبوح به لأحد: وهذه المقولة خاطئة؛ لأن ضعف الانتصاب يعتبر عرضا كأي عرض آخر لمجموعة من الاضطرابات والأمراض النفسية والعضوية، وإدراك وجود وأبعاد المشكلة يساعد الطبيب على التعرف على مسبباتها ووصف العلاج الملائم. 7- الرجل يعرف كل شيء عن الجنس ومشكلاته: وهي مقولة يؤكد الواقع دوما على عدم صحتها؛ حيث تحدث الكثير من المشكلات كنتاج لعدم فهم طبيعة وميكانيزمات العلاقة الجنسية؛ حيث يتصوّر الكثيرون أن ممارسة العلاقة الجنسية من السهولة بمكان، وهو ما يجعلهم يحجمون عن التماس المعلومات الطبية والعلمية الموثقة من مصادرها الصحيحة.
الرجال دائما يريدون المعاشرة الجنسية، وهم دائما مستعدّون وراغبون وقادرون على هذه الممارسة: هذه النظرة للرجل على أنه وحده هو المسيطر على العلاقة تؤدّي إلى الكثير من المشكلات النفسية والجنسية والفسيولوجية عند الكثير من الرجال، والعلاقة الصحية لا بد أن تتميّز بالمشاركة العادلة بين الزوجين مع تواصل جيّد واحترام لمشاعر واحتياجات كل طرف، ومن الشائع أن تتفاوت الرغبة الجنسية بين الزوجين، ومع الوقت ومع تغيّر الظروف النفسية والحياتية، وبالتالي يمكن أن يكون لأحد طرفي العلاقة احتياج أكثر من احتياج الطرف الآخر، وكل هذه المشكلات يمكن أن تحلّ بالمناقشة والحوار؛ بحيث يتفهّم كل من الزوجين احتياجات الآخر، وهو ما يضمن علاقة جنسية صحية وسعيدة.
وإلى هنا تنتهي حلقتنا.. فانتظرونا في الحلقة القادمة لنتحدّث معا عن علاج وضعف الانتصاب، والتدريبات التي تقضي على هذه المشكلة. عن كتاب أ. ب فراش زوجية