هل سمعتم عن تلك القاعدة الذهبية التي تؤكد أن المبدعين تعساء أشقياء في حياتهم الشخصية؟ الأمر جد حقيقى بشكل يدعوك للحزن والتعاطف مع أي مبدع حتى وإن كان يملك ملء الأرض ذهباً وشهرة، بدلاً من أن تحسده أو تحقد على ما حققه من نجاح، لكن هل يمكن لمؤلف شهير تعس الحظ، تسبب بتربيته الخاطئة في موت ابنه، أن يتخلص من آلامه بسيناريو فيلم يتحدث فيه عن مأساة حياته ليصحح أوضاعها الخاطئة؟ أعتقد أنه أمر "ماحدش سمع عنه حاجة"! كلاكيت تالت مرة بعد إخفاقه في فيلميه السابقين "أحلام الفتى الطائش" و"شبه منحرف"، وتأكيد النقاد أنه لا يصلح لتحمل مسئولية البطولة المطلقة؛ لأنه لا يملك القبول الذي يؤهله ليصبح نجم شباك، يعود الفنان رامز جلال في شخصية "سامي" موظف العلاقات العامة الذي يعمل بإحدى الشركات الكبرى، ويحب ابنة صاحب الشركة، ويعاني من سماع صوت خفي يتردد دوماً في عقله ليخبره بأشياء تحدث بالفعل، فيلجأ لطبيب نفسي ليبحث له عن حل، لكن المشكلة الحقيقية أن الجميع باءت محاولاتهم بالفشل فنياً، ولم يسمع عنهم أحد أي شيء في خضم زحام موسم عيد الأضحى المليء بالضجيج والمنافسة الشرسة!
بره الصندوق فكرة الفيلم جيدة بالفعل، ويحاول فيها المؤلف أحمد عبد الله أن يخرج من الصندوق السينمائي السائد إلى الخيال الرحب والتفكير المختلف، لكنه لم يوفّق خاصة وأنه اقتبس خليطا من مشاهد من عدة أفلام أجنبية مثل "Hitch" بطولة ويل سميث الذي تم اقتطاع مشاهد بالنص منه، ومقاطع فيديو شهيرة على موقع ال"Youtube" مثل ذلك المقطع الشهير لمذيعة "ميلودي" التي كانت تقول فزورة للمشاهدين عن حاجة في غرفة النوم تبدأ بحرف النون، فإذ بأحد المشاهدين يباغتها بإجابة خارجة، وغيرهم من المشاهد التي أخذها "أحمد عبد الله" ودمجهم في "حد سامع حاجة" بعد أن ضربهم في الخلاط في محاولة لعمل فيلم جديد يحمل طابعا ونكهة مختلفة فجاءت النتيجة "سمك لبن تمر هندي"، وضاعت الفكرة الجديدة؛ لأنها لم تعالج جيداً، ولم تأخذ حقها على الورق!
من هنا بدأت المشكلة بالطبع لا بد وأن يرتبط إخفاق الفيلم بعدة مشاكل تسببت في ضعف الإقبال عليه، أولها أن رامز جلال لا يتمتع بالقبول والكاريزما الجماهيرية التي تؤهله لخوض بطولة سينمائية مطلقة، فلم يبدُ موفّقاً في رسم الضحكة في المواقف الكوميدية، ولم يستطع أن يخطف اهتمام الجمهور أو تعاطفه في المواقف المليئة بالإثارة والحيرة، وثانيها كما سبق وأن أشرت ضعف الورق ومطّ إيقاع الفيلم الذي صار بطيئاً أكثر من المعتاد، وتمادى في الحبكة بشكل أصاب الجمهور بالملل والسأم في دور العرض، حتى فقدوا الإحساس بالفيلم، ولم يعد يعنيهم ما الذي سيحدث للبطل، وهذا أخطر سبب كفيل بإحجام الجمهور عن شباك التذاكر، بخلاف وجود بعض المواقف الغنية بالإسفاف والابتذال سواء مشاهد الديسكو وما بها رقصات خليعة، أو تلك المشاهد التي نسمع فيها أصواتا وألفاظا خارجة نوعاً ما.
عشرة على عشرة رغم كل المشكلات التي ذكرتها فإن هناك بعض العناصر التي تستحق التصفيق الحاد، ولا يُسأل القائمون عليها عن إخفاق الفيلم، وضعف إيراداته؛ لأنهم أدّوا ما عليهم على أكمل وجه، وعلى رأسهم المخرج سامح عبد العزيز الذي تفوّق على نفسه، وقدم لنا صورة وشكلا راقيا يجعلك تتصور أنك تشاهد فيلماً أجنبياً، وتألق معه مهندس الديكور إسلام يوسف الذي أبدع في ديكورات الفيلم بطريقة سرقت عين المشاهد، وأمتعت بصره طوال الأحداث..
وبالطبع يكفي أن "حد سامع حاجة" قد أعاد لنا فناناً موهوباً ظلمته عبقريته الفنية، بحجم محيي الدين إسماعيل، بعد أن أوحشنا كثيراً بغيابه الطويل رغم أن موهبته كان من المفترض أن تؤهله ليصبح الند العنيد لكل الكبار، والذي استطاع بظهوره القليل أن يمتع الجميع، ويكسر حاجز الملل ويرتقي بإيقاع الفيلم البطيء، بخلاف دور ماجد الكدواني الذي قدّم شكلاً جديداً غيّر صورة الطبيب النفسي النمطية لدى الجمهور، ووضعته في إطار مختلف تماماً كإنسان يخطئ وتتحكم فيه غرائزه بطريقة تجعله هو شخصياً في حاجة لطبيب نفسي!
صفر من عشرة بعض الأشخاص كان من الممكن الاستغناء عنهم تماماً في الفيلم، ولم يكن لوجودهم أية إضافة تُذكر، حتى أنك تشعر أن أدوارهم التي ظهروا فيها قد سحبت من رصديهم الفني، وعلى رأسهم الراقصة دينا، وعلاء مرسي، وإدوارد، ولا أدرى كيف وافقوا على الظهور بهذه الطريقة.
كلمة أخيرة قدم رامز جلال "حد سامع حاجة" مع أحمد عبد الله وسامح عبد العزيز وماجد الكدواني الذين تفوّقوا من قبل في "كباريه" و"الفرح" وأسمعوا الجمهور نجاحهم، فلم يسمع عنهم الجمهور حاجة، فهل سمعت النصيحة يا رامز؟