بإعلان السلطات المصرية مؤخراً كشف شبكة تجسس جديدة لحساب إسرائيل، تضم طالبا بجامعة الأزهر حاصلا على الجنسية الكندية، وثلاثة ضباط في المخابرات الإسرائيلية، يكون هذا الشخص هو الجاسوس رقم 66 في سلسلة الجواسيس الذين جندتهم تل أبيب ضد مصر منذ عام 1990.. ووفقا لمصادر مصرية تم مؤخراً ضبط أكثر من 25 شبكة تجسس إسرائيلية في مصر، منها 9 شبكات تم ضبطها خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حتى بلغ عدد جواسيس الموساد الذين تم تجنيدهم والدفع بهم إلى مصر حوالي 64 جاسوساً بنسبة 75 في المائة من المصريين و25 في المائة من الإسرائيليين، ولاحقا تم ضبط شبكتين أخريين عام 2002، ثم عام 2007 ليصبح المجموع 27 شبكة تجسس في 17 عاما تضم 66 جاسوسا.. وحسب التقارير الأمنية فإن 86% من جرائم التهريب وتزوير العملات في مصر ارتكبها إسرائيليون، في حين بلغت أعداد قضايا المخدرات المتهم فيها إسرائيليون خلال 10 سنوات نحو 4457 قضية، فأي سلام هذا الذي صنعته اتفاقية "كامب ديفيد" مع أولاد أعمامنا اليهود بحكم علاقات النسب التاريخية التي أفرزتهم من نسل سيدنا إسحاق بينما جئنا نحن من نسل أخيه سيدنا إسماعيل؟ وما الذي كان يفعله "جواسيس السلام" في مصر ما دمنا لسنا في حرب، وهل يمكن أن نذيب كل تلك الخلافات والعداء التاريخي بيننا ونحن نمزق صفحة الماضي باعتبارنا "ولاد النهارده" حتى نعيش في حب ووفاق؟
كلها أسئلة يحاول أن يغوص فيها ويجيب عنها فيلم "ولاد العم". سلوى تكتشف أن زوجها ضابط مخابرات إسرائيلي جاء إلى مصر في مهمة استخباراتية! أغرب من الخيال لأن "ولاد العم" عمل فني في المقام الأول، وليس تحقيقا صحفيا أو مقالا تحليليا، فلا بد وأن يجيب عن هذه الأسئلة من خلال قصة إنسانية، وحبكة درامية مليئة بالمشاعر والأحاسيس والآلام والتساؤلات التي نتشارك فيها مع الأبطال، من هنا "يخطفك" الفيلم منذ أول دقيقة بصرخة "سلوى - مني زكي" وهي تكتشف في رحلتها الأسرية البحرية ببورسعيد مع أطفالها وزوجها "عزت - شريف منير" الذي تزوجته منذ ما يزيد عن الثلاث سنوات وأنجبت منه طفلين، أنه ضابط مخابرات إسرائيلي جاء إلى مصر في مهمة استخباراتية، وحان الوقت العودة إلى وطنه الأم "إسرائيل"!
ولأن الشر -أي شر- دائماً ما يجند له الله الحكم العدل فريقاً من الخير للتصدي له، وردعه إلى الجحيم، ها هو "مصطفى - كريم عبد العزيز" مقدم البرنامج العبري بالإذاعة المصرية -كمهنة فرعية يغطي ويموه بها عمله الأصلي في المخابرات المصرية- يتلقى تعليمات واضحة وصريحة من رؤسائه باستعادة سلوى وطفليها، فما الذي يحدث؟
ربما عليك أن تشاهد الفيلم بنفسك للاستمتاع بتفاصيله الشيقة، ومغامراته المثيرة!
مباراة فنية أكثر من رائعة تبارز فيها النجمان كريم عبد العزيز وشريف منير حمد الله ع السلامة يأتي "ولاد العم" ليكون بمثابة العودة لنخبة من الموهوبين والمبدعين سواء كريم عبد العزيز، أو شريف عرفة، أو شريف منير، أو حتى مني زكي الذين اختفوا في ظروف غامضة، بحكم غدر السوق الفني الذي لا يرحم، ولا يوجد عزيز لديه، ثم عادوا بتحفة فنية أنستنا غيابهم، وأعادتنا لتذكّر فنهم الجميل، ومعهم كاتب موهوب اسمه عمرو سمير عاطف، اختار أن تكون بدايته الأولى في عالم السينما بموضوع جديد، وفكرة مختلفة تماماً عن أفلام الجاسوسية التي كانت تجبرنا دوماً على العودة لحقبة الستينيات والسبعينيات حيث زمن الصراع العربي الإسرائيلي، والنكسة والعبور، دون أن نجد من ينتبه ويتنبه لظاهرة "جواسيس السلام" التي تعدّ أخطر وأشرس وأعمق بكثير من "جواسيس الحرب"، حيث التجسس طبع من طبائع اليهود بحكم تجربتهم التاريخية؛ إذ كانوا على الدوام يعيشون وسط مجتمعات غريبة عنهم، ومن ثم هواجس التجسس على الأمم شاغلهم الأساسي؛ لأن الشك جزء أصيل في شخصية اليهودي الذي يعتبره منهج حياة، لذا نرى "إسرائيل" استغلت اتفاقية السلام لتكثيف عمليات التجسس على مصر بهدف جمع المعلومات في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية واستخدامها ضد مصر في حالات السلم، أو ادّخارها إلى وقت الحرب، ومن ثم تصبح لديها قاعدة كبيرة من الجواسيس جاهزة ومدربة بكفاءة عالية؛ لإمدادها بما تريد من معلومات في أي وقت لتنفيذ أي مخطط!
أجمل ما في الفيلم * تلك المباراة الفنية الأكثر من رائعة التي تبارز فيها النجمان الكبيران كريم عبد العزيز وشريف منير، بشكل ينسيك تماماً كونهما فنانين، ويجعلك تشاهدهما -حتى بعد الخروج من الفيلم- كضابط مخابرات مصري يتمتع بقوة وشجاعة المصريين، وخفة ظلهم في أحلك المواقف، وضابط موساد ثعلب الملامح والتفكير، يحمل داخله خبث ودهاء اليهود واستعدادهم التام للتضحية بكل ما هو غالٍ أو "شريف" في سبيل تنفيذ أهدافهم "الرخيصة"، رافعين شعار "الغاية تبرر الوسيلة".
* الإتقان التام لكريم عبد العزيز وشريف منير وانتصار للغة العبرية بشكل جعلني أشك أنها كانت لغتهم الأولى في دراستهم الإعدادية والثانوية، أو ربما كانوا خريجي "العبرية سكول" ونحن لا نعلم!
* الدراسة المتأنية والعميقة التي قام بها الكاتب عمرو سمير عاطف للمجتمع الإسرائيلي، من حيث طريقة التفكير، والحديث، والعادات والتقاليد، بشكل جعلنا نشعر -للمرة الأولى في تاريخ السينما المصرية- أننا نعيش بالفعل في المجتمع الإسرائيلي ونتنقل بين أفراده ومنشآته رغم أن الفيلم أصلاً لم يتم تصويره في "إسرائيل"!
* الإخراج الأكثر من رائع للمبدع و"الأستاذ" شريف عرفة، والذي بذل قصارى جهده حتى يغزل ب"رجل حمار"، في ظل نقص الأسلحة، والأجهزة والمعدات التكنولوجية اللازمة حتى يخرج الفيلم بالمستوى اللائق، بخلاف صعوبة خروج عمل يمسّ "إسرائيل" والموساد في الوقت الحالي حيث تسعى الأجهزة الرفيعة للدولة إلى "تحجيم" الثورة الاجتماعية والفنية ضد "إسرائيل".
* الجودة الفنية "المحترمة" التي اجتمع عليها الفنانون مع المخرج والمؤلف دون أن نرى مشهداً واحداً ساخناً، رغم أن الفكرة كان من الممكن ترويجها في الجانب الجنسي الساخن باعتبار الفيلم يدور في المجتمع الإسرائيلي.
الحلو ما يكملش رغم جودة الفيلم، وقيمته الفنية الرائعة، فإنه لم يكتمل بنسبة مائة بالمائة، وشابته بعض الأخطاء. معظم الجمهور حولي في دور العرض أبدوا إعجابهم الشديد بدور منى زكي، إلا أن متابعتي لكل أدوارها، خاصة دورها الأخير في "إحكي يا شهرزاد" -بغض النظر عن غضب الجمهور من بعض المشاهد- يجعلني أجزم أنها أقوى من ذلك بكثير، وكان بوسعها أن تخرج ما هو أفضل وأكثر تأثيراً في نفوس المشاهدين خاصة أن مساحة الانفعالات والحيرة والخوف في دورها كانت أرضاً خصبة لزرع أفضل وأجود الثمار الفنية.
كلمة أخيرة 27 شبكة تجسس إسرائيلية تضم 66 جاسوسا تم كشفهم في العشرين عاماً الأخيرة، فكم عدد الشبكات والجواسيس الذين تم القبض عليهم في الخفاء دون أن نعلم عنهم شيئاً؟ والأهم والأخطر من ذلك.. كم عدد الذين لم يقعوا بعد وما زالوا يعيثون فساداً في مجتمعنا المصري والعربي؟ وما هي مخططاتهم السرية؟ وما حجم الخسائر والكوارث التي تسببوا فيها؟!