تتسم منطقة الشرق الأوسط بالتعقّد والتداخل الشديدين بين القضايا والمشكلات المختلفة، وقد ظهر ذلك التعقّد في الأيام القليلة الماضية؛ بسبب الملف النووي الإيراني، خاصة مع بداية قيام تركيا بدور مهم في قضية المباحثات النووية الإيرانية، خاصة مع عقد اتفاق بين تركيا والبرازيل وإيران بغرض تبادل الوقود النووي بمستلزمات تشغيل المفاعل الطبي الإيراني، ثم اشتراط إيران أن تتم الجولة القادمة من المفاوضات على أراضي تركيا. في وسط هذه التطوّرات نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية مقال بعنوان "إيران تدفع المحادثات بشأن ملفها النووي باتجاه تركيا"، بتاريخ 8 نوفمبر 2010، وينطلق المقال من افتراض أن موافقة إيران على إجراء محادثات مع الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي، واشتراطها أن تستضيف تركيا هذه المفاوضات، يعدّ خطوة بقصد تسليط مزيد من الضغط الدبلوماسي على الولاياتالمتحدة وحلفائها. فوفق المقال من البديهي أن تعقد تلك المحادثات في فيينا؛ باعتبارها مقر الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حيث يوجد العديد من الدبلوماسيين الملمّين بكل جوانب البرنامج النووي الإيراني. وفي هذا الإطار يُذكّر المقال بأن تركيا الدولة العضو في منظمة حلف شمال الأطلسي، قد عارضت العقوبات الأخيرة التي فرضتها الأمم المتّحدة على إيران، كما أزعجت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما عندما أعلنت هي والبرازيل عقد اتفاق مع طهران، بمقتضاه ترسل طهران نصف إمداداتها من الوقود النووي إلى تركيا، مقابل المعدات اللازمة لتشغيل مفاعل طبي إيراني؛ إذ دفع ذلك الاتفاق الولاياتالمتحدة إلى اتهام تركيا والبرازيل بتقويض المحاولات الأمريكية والأوروبية لإنشاء جبهة دبلوماسية دولية موحدة في مواجهة طموحات إيران النووية. من ناحية أخرى فإن العلاقات بين تركيا وإسرائيل، التي تعتبر أن البرنامج النووي الإيراني هو المصدر الأول لتهديد أمنها القومي، قد تدهورت بشكل كبير خلال الفترة السابقة، لدرجة أن أنقرة قامت مؤخرا بإضافة إسرائيل إلى قائمة التهديدات الاستراتيجية التي تواجهها، وذلك طبقا لما نشرته بعض أجهزة الإعلام التركية. كما تُذكّر الصحيفة بأن المحادثات بين إيران والمجتمع الدولي توقّفت قبل أكثر من سنة بعد رفض إيران لاتفاق يقضي بإرسال نصف مخزونها من الوقود النووي إلى روسيا مقابل وقود لتشغيل المفاعل الطبي. وكردّ فعل تمكّنت إدارة الرئيس أوباما من الحصول على دعم روسيا والصين للعقوبات الدولية الجديدة المفروضة على إيران، كما قامت بالضغط على أوروبا وعدد آخر من الدول لفرض قيود أكثر صرامة على التجارة مع إيران، إلا أن إيران واصلت تخصيب اليورانيوم وإنتاج الوقود النووي، وبالفعل تمكّنت إيران من إنتاج وقود يورانيوم مخصّب بمعدلات نقاء تقدّر ب20%، بما يتلاءم مع أغراض المفاعل الطبي، إلا أن تلك المعدلات مقلقة لخبراء الحدّ من التسلّح، فاليورانيوم المخصّب بذلك النقاء يمكن استخدامه لإنتاج قنبلة نووية. ومن الناحية الدبلوماسية تتنبأ الصحيفة بأن تقوم الولايات المتّحدة والمجتمع الدولي مع استئناف المحادثات مع إيران بتقديم اقتراح يشبه اقتراح العام الماضي، المتعلق بمقايضة الوقود النووي بتشغيل المفاعل الطبي الإيراني، ولكن الصحيفة تتوقّع أن يضمن الاقتراح الجديد لإيران الحصول على كميات أكبر من الوقود، وذلك في مقابل توقّفها عن إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20%. وتختتم الصحيفة بإبداء قدر كبير من التشكك في فرص نجاح الجولة الوشيكة من المحادث بين إيران والدول الخمس العظمى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، بشأن الملف النووي الإيراني، وتحاول الصحيفة إثبات وجهة نظرها في هذا الإطار، بالإشارة إلى تصريحات المسئولين الإيرانيين التي تتّهم القوى الفاعلة في المجتمع الدولي بالتعنّت في مواجهة الجمهورية الإيرانية من خلال تعقيد شروط المفاوضات بين الجانبين وطرح مقترحات متعددة للتفاوض.