أعده للنشر: عمرو حسن - أحمد فؤاد خلال الأسابيع الماضية قدّم تنظيم القاعدة في اليمن تسجيلا قديما جديدا لعملية فاشلة قام بها التنظيم منذ أكثر من عام ونصف، وهي عملية محاولة اغتيال الأمير "محمد بن نايف" -مساعد وزير الداخلية السعودي- فما الذي دفع تنظيم القاعدة للبحث في دفاتره القديمة وإعادة إنتاج شريط فيديو مدّته أكثر من ساعة عن عملية قديمة فاشلة؟ وما الذي يمكن أن يخرج به الباحثون من تحليل هذا الشريط؟ ومن ثم الخروج بدلالات قد تفيد في تحليل وقائع أخرى في ساحة العنف والإرهاب.. هذه بعض التساؤلات التي نحاول الإجابة عنها من خلال متابعة حلقة مهمة من برنامج "صناعة الموت" الذي تبثّه قناة العربية. الكاتب الصحفي السعودي المهتمّ بشئون الجماعات الإسلامية "خالد المشوح" رأى أن هناك تركيزا واضحا من قبل تنظيم القاعدة على هذه العملية؛ لأكثر من سبب.. أولا، أنها المرة الأولى التي تُستهدف فيها شخصية كبيرة بحجم مساعد وزير الداخلية السعودي، مما يعطي زخما إعلاميا كبيرا للتنظيم من خلال استغلال الحدث رغم فشله الذريع. السبب الثاني، أنه يظهر في هذا التسجيل تركيز واضح على استغلال العملية في محاولة استعراضية؛ لجذب عناصر جديدة للتنظيم، من خلال عنصر الإخراج الذي حاول إبراز بطلي الفيلم "رشيد" و"أثيري" على طريقة أفلام هوليود، وبالتالي زرع هذه القيم التي تلصق بها سمات "البطولة" وهو ما قد يستهوي شريحة معينة من الشباب المغامر المُحبّ للأحداث البوليسية، والمشتّت ذهنيا ونفسيا، خاصة باللعب على وتر العاطفة الدينية وفكرة الشهادة والجنة. ومن الجدير بالذكر أن القاعدة تميل دائما إلى استخدام الكوادر السعودية في التنفيذ؛ لاستغلال العاطفة الدينية العالية لدى كثير منهم، من قبل قيادات التنظيم في العمليات الانتحارية، وفي عملية الأمير "بن نايف" أقنعوا الشاب السعودي بأنه يقوم بشيء في سبيل الله، لاغين عقله تماما. الشباب المجنّد في القاعدة بين التخيير والتيسير يؤكد "المشوح" أن من يدخل تنظيم القاعدة يصبح مُسيّرا وليس مخيّرا، خاصة من سيصل لمراحل متقدمة، حيث يصبح بلا اختيار أو قرار، وحوادث عامي 2006 و2007 (عندما تمّت تصفية أفراد من التنظيم على يد أعضاء من التنظيم ذاته؛ لعدم طاعتهم الأوامر) دليل على ذلك، ويتّضح ذلك من خلال البيعة التي يتم إعطاؤها للقائد، والتي تلزم التابع بالسمع والطاعة، مهما كلّفه الأمر، حتى لو كان سيجني على نفسه أو عائلته. ويتضح من خلال الفيلم حيث كان "العسيري" (منفّذ العملية) يتحدّث في عموميات الموت في سبيل الله والشهادة، دون الدخول في تفاصيل عقلانية دقيقة حول العملية، وهو ما يدلّ على أنه كان مجرد منفّذ في العملية لا ينمّ حديثه عن حماس حقيقي أو قناعة تامة. القاعدة في اليمن والتنقل في العلن يتّضح من التحليل المتأنّي للتسجيل أن عناصر التنظيم تتحرّك على هواها في اليمن وهو أمر -حسب ما يرى "المُشوّح"- ليس غريبا على المتابعين لعمليات القاعدة في اليمن، فقد رأيناهم يهاجمون مركزا للقيادة العسكرية في اليمن، ودبلوماسيين، ومحاكم، وتهرّب مساجين في أكثر من مرة، مما يدلّ على أن تحرّكاتهم تتمتع بالحرية رغم الملاحقة الأمنية التي لم تفلح مع خبرة عناصر التنظيم بطرق القبائل والجبال، وقدرتهم على اختراق بعض الجيوب الأمنية باعتراف "رشيد" نفسه داخل الفيلم، بأن لهم آذانا موجودة بالداخل، وبالتالي فالمطلوب هو أن تستعين اليمن بدول صديقة لها كالسعودية، فيما يتعلق بتتبّع التنظيم والتضييق عليه وسدّ منافذه. كيف أصبحت سنّة محمد وسيلة لترويع أمة محمد من أهم الدلالات التي نخرج بها من تحليل هذا التسجيل لتنظيم القاعدة ما يقوله الداعية الإسلامي الشيخ الدكتور "راشد الزهراني"، من ضرورة أن تكون أقوالنا وأفعالنا متماشية مع منهج رسول الله، وضرورة الاستدلال السليم بالقرآن أو الحديث، مصداقا للحديث الشريف الذي رواه ابن مسعود، رضي الله عنه: "كم من مريد للخير لم يبلغه" أو "لم يصبه"، فالاستشهادات الخاطئة هي الوسيلة التي يستخدمها التنظيم لتجنيد عناصر جديدة، وهو أمر محزن جدا، فكما يقول الشيخ "ابن تيمية" إن الاستدلال بالنص ليس كافيا؛ إذ يجب أن يكون الدليل صحيحا، وتنزيل النصوص على الوقائع هو الأمر الصحيح؛ فالخوارج مثلا كانوا يستخدمون الآيات التي أنزلت في المشركين، ويضعونها في المسلمين؛ لخدمة مقاصدهم. ومن أمثلة هذه الأحاديث، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لما طُعن حرام بن ملحان قال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه، ثم قال: فزت ورب الكعبة". وهو في الحقيقة حديث صحيح خاص ب"حرام بن ملحان" -رضي الله عنه- في صحيح البخاري، وهو كان في واقعة واضحة، حيث كان "حرام بن ملحان" -رضي الله عنه- في صفوف المسلمين، وكان يقاتل المشركين وأعداء الإسلام، لكن عندما نأتي بهذه النصوص ونضعها على المسلمين، فهذا هو ما قصده شيخ الإسلام "ابن تيمية". المشكلة هنا هي إساءة الفهم؛ فحينما يُقتل المسلم وهو يدافع عن القرآن والسنة والأمة الإسلامية، ويدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم في حرب واضحة وشريفة يقودها النبي الكريم لا شك أنه شرف للإنسان عظيم، ولكن أن تستخدم قول "حرام بن ملحان" لتفسير قتل رجل مسلم مؤمن مسالم، وأنت ترجو في نفس الوقت الجنة كما يزعم، فهذا خطأ وإضلال. وهناك حديث آخر عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كانوا قد تعجّلوا ثلثي أجورهم، وما من غازية أو سرية تخفق وتصاب إلا تمّ أجورهم" (رواه مسلم). لا شك أن هذا الحديث هو من الأحاديث التي بيّن فيها الرسول أهمية وقيمة الجهاد في سبيل الله، ولا يستطيع أحد أن يلغيه، ولكن يجب أن يكون هذا الجهاد منضبطا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهنا يقول العلماء إن منهج التلقي والاستدلال هو منهج متميز للغاية، وأفضل ما يكون؛ لأنه يعتمد على منهج القرآن والسنة وإجماع أهل العلم، لكن القرآن والسنة والإجماع لا يتم الاستناد عليها إلا من خلال 3 ركائز مهمة، أولاها تعظيم أوامر الله وأوامر النبي صلى الله عليه وسلم، والثانية أن يكون الحديث الذي نستدلّ به حديثا صحيحا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والثالثة وهي من أعظم الأمور وأهمها وهو الذي يقع فيه أكبر الخطأ عند هذا التنظيم، وهو فهم النص فهما صحيحا واضحا، وهنا كلمة جميلة لعالم جليل وهو "ابن القيم": "صحة الفهم وصحة المقصد" من أعظم النعم التي يمنّ بها الله سبحانه وتعالى على أحد من عباده. لكن المشكلة أن حُسن الفهم لا يتأتّى إلا من خلال العلم، وهذا التنظيم لا شك أن الفهم فيه قاصر جدا، والدليل على ذلك يمكنك أن تجده في المراجعات التي تمّت، على غرار مراجعة "سيد إمام"، وهو أحد المراجع في تنظيم القاعدة، والمراجعات التي قامت بها الجماعة الإسلامية في مصر، والمراجعات التي قام بها مجموعة من طلبة العلم في المملكة العربية السعودية، وأيضا تلك الحلقات التي تُبثّ في تليفزيون المملكة العربية السعودية في برنامج "مفاهيمنا"، التي من خلالها يُقدّم الفهم الصحيح لكتاب الله وسنة رسوله. عندما يُطوّع القرآن لقتل من حُرّم قتلهم {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدا عَلَيْهِ حَقّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. طبعا الآية في سورة التوبة فيها بيان على أهمية أن يعمل الإنسان لله عز وجل في أقواله وأفعاله، لكن هذه الآية التي تشير إلى بيع الإنسان نفسه لله لا تعني أن ذلك يكون فقط بالموت، حيث يمكن أن يكون أيضا بصناعة الحياة التي هي أهمّ وأصعب فعلا من صناعة الموت. الوصايا الأخيرة لمنتحر "أرجو منكم أن تدعوا لأخي "رشيد"، حيث رتّب للعملية كاملة، وبإذن الله التفاصيل سوف تأتيكم، ثم آثرني بهذه العملية لمصلحة الإسلام، فادعوا له وأكثروا من الدعاء له؛ ليلحقك الله بي ويمنّ عليك بعملية خير منها، كما أرجو أن تدعوا لإخواننا "بدر المشرع" و"سالم النهدي" الذين قُتلوا في صنعاء". (من وصية منفذ العملية حسب الشريط المسجل). يقول الشيخ "راشد الزهراني" تعليقا على الوصايا الرنانة التي يحملها التسجيل إنه يمكن أن نفهم هذه الوصايا في إطار قول رسول الله حينما قال: "يخرج عليكم في آخر الزمان أقوام تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وعبادتكم مع عبادتهم، ويمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ولا يجاوز إيمانهم حناجرهم"، فحينما زار ابن عباس -رضي الله عنهما- الخوارج ذكر عنهم الشيء الكثير من العبادة، حيث ذكر صلاة الضحى وقراءة القرآن وصيام ثلاثة أيام، وذكر أيضا تعظيم حرمات الله، مع رفضهم وضع أي شيء عليه اسم الله في الأرض كما يوجد في الصحف، ولكن يمكن القول أيضا إن من تعظيم حرمات الله عدم استحلال دماء الأبرياء؛ حيث يقول الرسول: "ما يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما"، كما أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالحفاظ على جماعة المسلمين، والحفاظ على وحدتهم وكلمتهم، و{ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ}، ومن هنا وجّه "الزهراني" دعوة لكل من انضمّ إلى هذا التنظيم أن يعودوا لبلادهم، ويعملوا على رفع راية بلادهم ودينهم بمعاول البناء لا الهدم، فإن ذلك من أعظم ما يمكن للمرء أن يتقرّب به إلى الله عزّ وجلّ. إن صناعة الحياة أصعب بكثير من صناعة الموت؛ فالموت ما أسهله، والشراء المجاني للجنة ما أيسره، ولكن في الحياة ومجاهدة النفس والتغيير ومقاومة الظلم الصناعة الحقيقية، والواجب الذي خُلقنا من أجله، وهو تعمير الأرض، ونشر كلمته فيها لو يعلمون.