يبدو أن الحزب الوطني قد أفرغ ما في جعبته من بلالين العيد وهدايا المناسبات ولمّ الأصوات، وكذلك أخفقت وسائله الأمنية في فرض طوق الرهبة على المعارضين حتى يتخلّوْا عن أماكنهم في مساندة المعارضة والحركات المحظورة؛ فتحوّل إلى سلاح جديد، هو الإعلان بكل "بجاحة" أنني موجود؛ حتى وإن لم ولن أقدم ما فيه الصالح العام؛ المهم أنني موجود، وأنكم أيها الرعاع لا تزالون تسبّحون بحمدي وتعيشون ببركات ملاحظتي وعنايتي "من بعيد لبعيد". خلال الأسبوع السابق حدث على مشهد من كل أبناء منطقة "الشرابية" إغلاق المستوصف الوحيد فيها؛ المستوصف الوحيد الذي يقدّم لهم خدمة العلاج شبه المجاني لأنه يتقاضى مبالغ زهيدة مقابل الكشف وإجراء العمليات والرعاية الطبية، التي لم يستطع المستشفى العام في المنطقة أن يقدمها. حظِيَ المستشفى بالإقبال الجماهيري ومحبة الأهالي؛ لأنه راعى ظروفهم المادية وأوجد لهم متنفساً من ألف ضغط لا يجدون له متنفساً، من أزمة تعليم إلى أزمة غذاء إلى أزمة رأي إلى أزمة وطن.. إلخ. وعندما سألت عن الجريمة التي أحدثها هذا المستوصف حتى تأتي قوات الأمن المركزي لإغلاقه بهذه الكثافة وجدتُ أن الإجابة بسيطة وهي أنه من تأسيس "الإخوان المسلمين" يسعوْن به لمحبة الناس!! فقط المساعدة ومن ثَمّ المحبة! فتطوعوا بأوقاتهم وبأجورهم لمساعدة تلك الطبقة الكادحة. هل تُقام فيه تنظيمات سرّية؟ لم يحدث بالتأكيد.. هل يطلبون من كل مريض أن يصوّت لهم في الانتخابات القادمة مقابل العلاج المجاني؟ لا أعتقد أن هذا منهجهم؛ فضلاً عن أن أي عاقل لا يقوم بذلك، ناهيك عن شهادة الناس بالنفي لكل ذلك. وإن كانت الحكومة أو الحزب -أياً كان فكلاهما مسمى واحد- تخاف حقاً من هذا التجمهر حول "الإخوان"؛ فلماذا لا تتعامل مع الأمر بمسئولية أكبر وهو إحالة هذا المستوصف للجنة من وزارة الصحة، أو لإشراف خاص تابع للحزب الوطني أو حتى لوزارة الداخلية، أو أي من الحلول التي يتعامل بها الأب عندما يريد منع أولاده من الوقوع في الخطأ!!؟ وعلى بعد خطوات، وحسب ما حكى لي الأهالي، تمّ إيقاف أحد القائمين على أحد المساجد.. لعلّه متورط في خلية محظورة، أو لعله يقيم التجمّعات الممنوعة في هذه الأيام الانتخابية العصيبة، لعله يدعو لأفكار هدامة جهادية أو شيوعية أو حتى شيعية. عزيزي القارئ، من العجيب أن تعرف أن هذا الرجل كان يعمل على فكّ أزمات الناس في المنطقة عن طريق "القرض الحسن"، وهو ما يعني القرض دون فائدة؛ فكان يُقرض الفرد مثلاً 1000 جنيه على أن يردّها بمثل هذه القيمة على 10 شهور. لعلهم ظنوه بذلك يضرب الاقتصاد الوطني، ويأخذ دور ولي الأمر في أن يكون صاحب اليد العليا على الناس!! سامحه الله كيف يجرؤ على ذلك! ومن منظور جديد لنفس القضية، في مكان ثالث على الطريق الدائري عند مخرج "بلقس" هناك عدد من المحلات المبنية بغير تصريح، يُفاجأ أصحابها بإنذار من المحكمة لحضور جلسة.. القضية مرفوعة باسم الحي وهي الامتناع عن دفع غرامة مخلّفات، وهذا يعني أنه قد جاء أحد المفتشين من الحي فرأى القمامة أمام المحل؛ فطلب من صاحب المحل رفعها؛ فامتنع الأخير؛ فما كان من الحي إلا أن رفعها بعمالته، ثم حرر لصاحب المحل غرامة، فامتنع الأخير أيضاً عن دفعها، فتم رفع القضية حتى يتمّ الدفع في المحكمة!! قيمة الغرامة تتراوح ما بين 5000 إلى 10000 جنيه، وعند استلام صاحب المحل لإنذار القضية عليه أن يذهب فواراً للحي، ليقيم معه مصالحة بعد "شوية فصال" ينزل بها المبلغ 90% أي إلى 500 أو 1000 جنيه كل حسب فئته، ثم يعطيه الحي مخالصة يذهب بها لحضور القضية، فيرى القاضي المخالصة فيعرف أنه قد تمّ الصلح ودياً فيُسقط القضية. أما في حال "المقاوحة" والمماطلة والانتظار لانتهاء القضية؛ فإنه يصدر عليك حكم بالسجن لمدة شهرين للمخالفة والامتناع عن الدفع؛ ولا يكون أمام صاحب المحل إلا الإسراع بعمل "معارضة" (طلب مهلة من المحكمة للصلح الودّي)، ثم يتوجّه إلى الحي وساعتها يدفع الغرامة كاملة؛ "عشان ما يقاوحش بعد كده". فمَن حرّر المحضر؟ وأين الواقعة؟ وأين الامتناع المذكور؟ و"ابقى قابلني" إذا حاول أحد أصحاب المحلات "التفلحص" والتذاكي والطعن في الأوراق المقدمة وفي نزاهة المفتشين أو "الحي".. "يطلّعوا عليه القديم والجديد، والمستخبي والمستنيل على عينه".. "وهاتك يا عم.. فين رخصة المحل؟ وفين رخصة دخول الكهرباء لمكان غير مرخّص؟ آدي قضية سرقة كهرباء.. وعندك غرامة هدم ساتر رملي بدون إذن؛ ده طبعاً أثناء إنشاء المحل.. وعينك ما تشوف إلا النور". فهل كان كل هذا غائباً عند طلب الغرامة المزعومة أو الرشوة المقنّعة أو التسوّل بالإكراه أو السطو الرسمي.. سمّه ما شئت.. لكن المهم أن "الحي" والمحافظة و"كل الهيلمان ده" يعرف أنه لا يوجد ترخيص ولا يحزنون؛ لكنهم يضربون صفحاً عن ذلك حتى تكون سبوبة للناس يتسببون من ورائها. ومن حكومة لحكومة يا قلب لا تحزن.. ولا غوث من الحكومة إلا بها.. لم يصبح في طموح الوطني أو الحكومة أن تبرر وجودها إلا بواقع أنهم يتركونك تعيش.. ليس مهماً ماذا تقدم لك الحكومة؛ لكن المهم أن تعترف بها وبمكانها وبفضلها في أنك لا تزال على قيد الحياة.