شكراً لموقعكم الجميل والمفيد جداً، ما شاء الله عليه.. أنا عمري 24 سنة، جميلة، على خُلق، من أسرة جيّدة وتعليم راقٍ والحمد لله، لديّ مشكلة وهي الرغبة الجنسية؛ خصوصاً إني أعجبت بواحد، وأريد لمسه باستمرار، بل أحاول أن أحتكّ به كي ألمسه.. لا أدري لماذا أفعل ذلك. حاولت كثيراً منع نفسي، وأخاف أن أسيء لنفسي؛ بل أعتقد أني أسيء فعلاً.. لا أدري ماذا أفعل!! لم يُيسر الله لي الزواج إلى الآن، ولكنني أريد حلاً حتى يُيَسّر الله لي الزواج؛ حتى إن تمّت خطبتي لشخص لا أتصرّف هكذا؛ أحياناً أسأل نفسي: هل أنا غير عفيفة؟ أرجو الرد عليّ بأسرع وقت، وشكراً لكم. To believe
ابنتي الحبيبة.. هل تتصورين أن الله سبحانه وتعالى خلق بداخلنا الرغبة كفطرة إنسانية لنتعذب بها أو نظلّ في حالة حرب شرسة معها طوال الوقت؟ لا يا ابنتي؛ فالغريزة الجنسية غريزة من بين غرائز أساسية وحيوية للإنسان، خلقها الله فينا ذكراً وأنثى؛ ليكون لها دور في حياة البشر. ورغم أننا نكرر كالببغاوات أن الغريزة وُجدت بداخلنا لنعمّر كون الله وأرضه؛ فإننا ننسى تلك الحقيقة مع الأسف، ونجرّدها من دورها الأصلي والكبير بسبب تصرفاتنا وتصوراتنا؛ لذلك فكون تلك المشاعر لديك؛ فهذا لا غبار عليه، ولا يجب أن يُثقل كاهلك وينغّص عيشك، ويُشعرك بأنك إنسانة غير عفيفة كما تقولين. ولكن جعل الله سبحانه وتعالى لتلك الرغبة تصريفاً واحداً فقط لا غير، يرضاه ويقبله لعباده، وهو الزواج الشرعي بين الرجل والمرأة؛ ولكن جاءت بعدها اختراعات بشرية سخيفة مثل: اختراع وجود شقة ملك للزوج، واختراع توافر كل الأجهزة الكهربائية، واختراع تكاليف ليلة الزفاف وليلة الخطوبة، وغيره من الاختراعات التي أثقلت كاهلنا بيَدِنا نحن، وأثّرت على مسار الزواج الشرعي وعطّلته؛ فكانت النتيجة عذاباً ومقاومة وسقوطاً في المعاصي وزواجاً عرفياً.. إلخ. ولكن حتى يجعلنا سبحانه نتفادى السقوط فيما لا يُحمد عقباه، وضع سبحانه وتعالى ضوابط لتنظيم وتهذيب العلاقة بين الرجل والمرأة في إطارين: الإطار الأول إطار الدائرة العامة؛ وفيها ضوابط تخصّ طريقة الحديث ونوع الحديث وطبيعة الملابس وطبيعة التصرّف العام من جدّية وأدب وهدف نظيف، دون تحريم الاختلاط بينهما.. وإطار آخر أكثر خصوصية لدائرة العلاقات الخاصة؛ كالأقارب والخطيب، بضوابط مخصوصة لها يطول شرحها. وقبل أن أعود لمشكلتك تحديداً أقول لك: إنني تحدثت هذا الحديث لكي تري المشهد ككل، وتفهمي القصة ككل؛ حتى تتعرفي على حقيقة مشكلتك وتبدئي في خطوات علاجها؛ فكما اتفقنا، فوجود الرغبة ليس أمراً مستنكراً؛ ولكن المشكلة تكمن في عدم وجود قدرة على السيطرة على تلك الرغبة، التي قد توقعك أو أنها بالفعل توقعك -كما قلتِ- في مواقف لا ترضينها لنفسك، أو تسبب لك حرجاً، أو تجعل مَن حولك -مِن الشباب خاصة- يتصوّرون أنك فتاة غير مهذبة. وحتى نتحدث بشكل منطقي عليك أن تقومي بالآتي: - القيام بخطوة التأكد من عدم وجود أي خلل في الغدد؛ خاصة الغدة الدرقية؛ حيث إن وجود بعض الخلل يؤدي لوجود هذا النوع من الجموح؛ فلتتأكدي طبّياً من ذلك أولاً؛ فإن لم يكن هناك خلل فيها؛ فأتمنى أن تتمكني من التفريق بين احتمالين؛ لأنه لن يحسم هذا الفرق سواك: الاحتمال الأول: أن يكون لديك ما يُعرف ب"الوسواس القهري" أو نطاق "الوسواس القهري"؛ وهو مرض نفسي يظهر مع الضغوط النفسية في الغالب؛ برغم أن هناك دراسات أثبتت أنه وراثي، وطبيعته ببساطة شديدة أنه يكون عبارة عن فكرة تسيطر على رأس صاحبها طول الوقت وتشغل تفكيره وخياله، مع معرفة الشخص اليقينية أنّ تلك الفكرة سخيفة أو لا يجب أن تكون موجودة، أو يشعر بأنها سخيفة وتافهة؛ إلا أنه لا يتمكن من التحكّم في قهر هذه الفكرة؛ بل تزداد شراستها في رأسه كلما حاول أن يقاومها! وتظلّ في قهرها له حتى يتكون لديه ما يُعرف باسم الفعل القهري؛ أي يضطر أو يُقهر الشخص بأن يقوم بأفعال لا يريد فعلها؛ ولكنه لا يستطيع أن يردعها. وسواء كان ما لديك هو بالفعل مرض الوسواس القهري أو أنك واقعة فقط في نطاقه؛ فهو أمر سهل إن شاء الله ببعض الاستراتيجيات والمساندة الطبية والعلاج الدوائي؛ على أن تتّبعي ما سيُحدّده لك المتخصص النفسي -أفضّل في حالتك أن تكون متخصصة- في خطة العلاج السلوكي، وكذلك العلاج الدوائي حتى يتمّ الشفاء؛ لأن الشفاء -والحمد لله- صار يصل لأكثر من 98% لمن يتبع الإرشادات بدقة. أما الاحتمال الثاني: هو أنك لا تعانين مرضاً نفسياً يأخذ شكلاً جنسياً؛ ولكن هو فقط فُقدان القدرة على السيطرة على التعبير الصريح عن تلك الرغبة، دون القيام ببعض الاستراتيجيات والتدريبات لا أكثر؛ وسيكون العلاج وقتها هو التدريب المستمرّ على زيادة قدرتك على السيطرة والتحكّم في التعبير عن تلك الرغبة المُلحّة، وسأذكر لك بعض هذه التدريبات: - عدم التعرّض بشكل نهائي لأي مثير جنسي في أي شكل من أشكاله؛ سواء من خلال مشاهدة الأفلام التي تحمل مشاعر وعواطف ومشاهد جنسية، أو سماع قصص فتيات وقصص حب وغيره، أو متابعة أي مثير عاطفي أو جنسي قدر الإمكان؛ حتى نقلّل تعزيز وتأجّج الرغبة الجنسية لديك. - الاستغلال المفيد والحقيقي لطاقتك في أي عمل تهوَيْنه، وأفضّل ممارسة رياضة؛ حيث تحقّق لك التنفيس مع الراحة النفسية والتوازن الصحي والنفسي في نفس الوقت. - التواجد قدر الإمكان في مجموعات من الفتيات والتعامل معهن أكثر بشكل أو بآخر. - وضع برنامج إيماني بسيط لك يجعلك أكثر قُرباً من الله سبحانه وتعالى؛ لأنه سيكون حافزاً كبيراً لك لعدم الخضوع لتلك الملامسات؛ كزيادة صلواتك وصيامك واستغفارك وهكذا. - التدرب على مهارة "التنبيه قبل التصرف"؛ فأنت تتصرفين ثم تُفكّرين؛ فعليك بالتدرّب على العكس لكبح جماح تلك التصرفات؛ فحين تجدين نفسك ستقومين بتلك الأفعال، تُنبّهين نفسك قبل التصرّف. - زيادة حوارك الذاتي مع نفسك؛ بأن تتذكري وطأة ألمك النفسي وخوفك على سمعتك بعد تلك التصرفات، وكذلك تذكّري جيّداً أن الشاب في مجتمعنا ينظر للفتاة نظرة خاصة تجعله قد يضحّي بحبه ولا يتمكن من مسامحة من يحبها لتهاونها معه؛ رغم معرفته بأنها تتهاون معه بسبب حبها؛ فما بالك بمن ينظر لتهاونها دون سبب عاطفي؟ - كذلك يمكنك عمل جدول ذاتي للتمكّن من اكتساب هذا التحكّم من خلال القيام بما يمكن أن نسميه سوياً "خطة الثلاثين يوماً"؛ حيث تتفقين مع نفسك أن تتوقفي عن تلك الملامسات لمدة 30 يوماً متواصلة؛ على أن تتابعي نفسك يومياً من خلال الجدول، وتقومين بالتعليم فيه من خلال خانة النجاح أو خانة الفشل، وتضعين لنفسك مكافأة لذيذة عن كل يوم يمرّ دون تلك الأمور، وتضعين كذلك لنفسك عقاباً عن كل مرة سقوط. ولكن أذكّرك بقوة ألا تيأسي من نفسك أبداً، وكلما فشلت كلما زادت رغبتك في التحدي أكثر، ولا تجعلي الشيطان يصوّر لك أنه لا فائدة منك؛ لأن معنى فشلك هو أنك بالفعل تقاومين، والله سبحانه وتعالى موجود ويرى قلبك ويعلم ما يكدّر عيشك، ويعلم تماماً أكثر مني ومنك أنك لا ترضين لنفسك هذا، وأنك تحاولين محاولات حقيقة وجادّة لترَضيْ عن نفسك وتُرضيه تعالى، وكلما فشلت ابدئي من جديد، واجعلي هناك خطة ثانوية داخل الخطة الكبيرة؛ كأن تخصصي مكافأة أكبر لمرور أسبوع بشكل مستمر دون وقوعك في تلك التصرفات؛ لأن ذلك سيشجّعك كثيراً على الاستمرار في تحقيق النجاح. وأخيراً أذكّرك أن تقرئي سطوري جيداً لتضعي يديْك على حقيقة ما تعانينه أي: هل هو يقع في النطاق المَرَضي الذي يحتاج لتواصل طبيّ، أم أنه لا يتجاوز ذلك، وستحتاجين فقط لبرنامج الإرادة الذي وضعتُه لك؟ وإذا وجدتِ نفسك أنك تحتاجين في هذا الحسم لمتخصص؛ فلا تبخلي بذلك على نفسك؛ فنظرتك لنفسك واحترامك لها، وكذلك احترام الآخرين لك، ومن قبل كل ذلك رضا الله سبحانه؛ أغلى شيء عليك أن تسعيْ لتحقيقه. وفّقك الله يا ابنتي.