هناك مسلسلات كارتونية أمريكية تتناول موضوعات لا تصلح للأطفال.. موضوعات جادة وشائكة مثل: غزو العراق، والإجهاض، والموت الرحيم، والتدين، والإلحاد، والخيانة الزوجية! وكنت أعتقد أن كل مسلسلات الكارتون العربية تخاطب فقط الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، إلى أن اكتشفت هذا المسلسل المتميز. مسلسل كويتي اسمه (بو قتادة وبو نبيل) يتناول بشكل ساخر موضوعات سياسية واجتماعية كويتية.. بشكل لا يمكن أن نصِفَه بأنه كارتون للصغار. "بو قتادة" رجل متشدد متطرف، و"بو نبيل" رجل ليبرالي ومتحرر.. وسط أحداث ساخرة تتناول بجرأة البرلمان الكويتي، وفكر الجهاد، والعلاقة بالغرب والجنسيات الأخرى!! والسؤال هنا: هل تحتمل شعوبنا -التي تربّت على الدكتاتورية- هذا القدْر من الحرية؟
- اعترض المتشددون على المسلسل كما توقعت.. وطالب أحد النواب في البرلمان اعتذاراً من محطة تليفزيون الوطن! إلا أنني لم أتوقع أبدا أن تنتقده الحكومة المغربية، وتطالب باعتذار رسمي!! - اعترض وزير الخارجية المغربي؛ لأن شخصيات المسلسل زارت المغرب، فظهرت فتاتان مغربيتان تستخدمان السحر للزواج منهما! بس كده! تم تصعيد الموقف إلى أن جاء في خبر بثّته وكالة الأنباء الكويتية أن مصدرا مسئولا بوزارة خارجية الكويت صرّح بأن "وزارة الخارجية تعرب عن أسفها الشديد لما تضمّنه ذلك البرنامج من إساءات". ليس هذا فقط.. فقد اعترض مصريون أيضا! - اعترض بعض المصريين بشدة على الإساءة لسمعة مصر في المسلسل! شاهدت الحلقة بتمعّن كي أعرف ما حدث.. فتعجّبت جدا؛ لأن الحلقة المقصودة تُدافع عن المصريين ولا تسيء إليهم!! تتناول الحلقة موضوعا مهما جدا، وهو حقوق المصريات اللاتي يتزوجن من خليجيين، ثم يختفي الزوج فتضيع حقوق الأسرة والأطفال! يحدث هذا فعلا، وتناولناه كثيرا في برامج جادة وأعمال فنية سخيفة (مثل لحم رخيص).. فما المشكلة؟ والسخرية مطلوبة في أي عمل كوميدي، ولا يمكن أن تظهر مصر بلا سلبيات وكأنها جنة الله في الأرض. هناك فيلم أمريكي اسمه "بورات"، يسخر من كازاخستان، ويصفها بالتخلّف والجهل والقذارة بدون أي داعٍ بصراحة.. اعترضت كازاخستان وهدّدت بطل الفيلم، إلا أنهم أدركوا أن هذا سيؤكد ما يقوله الفيلم عنهم، فصنعوا فيلما اسمه "أخي بورات" يستغلّ نجاح الفيلم الأول، ويعرّف الناس بجمال كازاخستان! وأرى أن هذا ليس الحل الأمثل أيضا.. فالمهم أن تصلح الوطن ذاته؛ كي لا يكون للسخرية منه أي معنى.. فلا يمكن أن تجد فيلما يتّهم ماليزيا أو سنغافوره بالتخلّف، كما أن تقدّم تركيا يمحو كل السخرية التي لاقتها من الأوروبيين.. عزيزي القارئ.. ما أريد قوله هو: "من الأفضل أن تُطعم أطفالك، وتُلبسهم ملابس نظيفة، بدلا من أن تجري في الشوارع كي تُسكت كل من يتكلم عن بؤسهم".