كل عام وكل الأمة الإسلامية بصحّة وخير بمناسبة عيد الفطر المبارك الذي انتهى لتوه منذ أيام، ولكن الغريب أنني لم أشعر باختلاف، لم أشعر أن هذا العيد اختلف عن العيد الماضي أو العيد الذي سبقه، فالكتل البشرية الجائعة جنسياً؛ التي تتحرك في مجموعات منظمة إلى أماكن معروفة بعينها لأفعال معينة؛ ما زالت هي هي وتفعل ما تفعله كل عام. هالتني الصور التي نشرها اليوم السابع منذ أيام حول وقائع التحرّش الجماعي التي حدثت بحديقة الفسطاط، عندما كان الشباب يتحرّكون جماعات وراء أي فتاة تصادفهم، بصرف النظر عن كونها طفلة أو شابة أو حتى سيدة متزوّجة. والملحوظة التي خرجت بها من هذه الصور أن معظم المتحرّشين هم "حبة عيال صغيرة" لا يتعدى عمر الواحد منهم 15 عاما، ولكن لديهم حالة هياج جنسي يمكن أن تلتهم العشب والحطب، وبصراحة شديدة حالة الغيظ التي أعيشها الآن لن تسمح لي بمناقشة الأسباب الاجتماعية والفسيولوجية والمهلبية التي تسبّبت في الحال الذي وصلنا إليه، وضرورة البدء بحلّ هذه المشكلات قبل توجيه اللوم للأمن.. ولكن مع كامل اعتذاري لأصحاب هذا الرأي، ومع اعترافي بأهمية العوامل الأخرى إلا أننا لن نترك أجساد بناتنا ملاهي عامة يتنزه فيها "حبة عيال" كل عيد؛ بحجة أن العيد فرحة، وحتى نتعامل مع هذه المشكلات الاجتماعية والفسيولوجية. أعلم أننا أصبحنا نُحمّل الأمن مسئولية كل كبيرة وصغيرة في هذا البلد خلال الفترة الماضية، ولكن هذا قَدَرهم أنهم تحمّلوا أمانة لو عُرضت على الشعب المصري كله لرفضها، وبالتالي لا بد لنا وأن نسأل.. هل من المعقول أن نترك مسئولية تأمين حديقة مثل حديقة الفسطاط لمجموعة من أمناء الشرطة والعساكر؟ مع كامل احترامي للأمناء والعساكر، وإن كنت هنا لا أقلل من شأنهم، ولكن ألوم أكثر على عدم وجود رُتَب أعلى تهابها هذه الفئات الجوعانة للتحرش. هل يُعقل أن تتحول حديقة مثل حديقة الفسطاط لنصب تذكاري للتحرش والمتحرشين بفعل حالات التحرش العديدة التي تقع بها كل عيد؟
هل يُعقل أن تتحول حديقة مثل حديقة الفسطاط لنصب تذكاري للتحرش والمتحرشين بفعل حالات التحرش العديدة التي تقع بها كل عيد؟ أليس من الغريب أن نفشل على مدار أكثر من خمس سنوات في أن نؤمّن منطقة مثل منطقة وسط البلد من حالات التحرش الممنهجة التي تحدث بصفة دورية كل عيد، أياً كان نوعه صغيراً أو كبيراً؟ ولا أعرف لماذا تأخّرت وزارة الداخلية حتى هذه اللحظة عن تخصيص إدارة لمكافحة التحرش، تقوم بحملات ثابتة ودورية من أجل ضبط مثل هذه الحالات، وتلقّي البلاغات والشكاوى التي تؤمّن المتحرش بها من الفضيحة التي سيضعها فيها ذلك المجتمع المريض؟ لماذا نتغاضى عن تحويل هذه الفئات الضالّة إلى سجن الأحداث؛ بحجة "عشان خاطر أهلهم"؟ رغم أنه يجب حبسهم بالذات عشان خاطر أهلهم، فلو كانت التربية تزور بيوت هؤلاء "العيال" لكان الحال قد اختلف، لو لم يتعود بفضل أبيه على أنه ديك البرابر وأنه حر بكل ما تعني الكلمة من معنى لما كان ما كان. في كل مجتمعات الدنيا تكون هناك أولويات تفرض نفسها على أجندة هذه البلاد، وتضطر الدولة بكل مؤسساتها إلى التعامل مع هذه الأولوية ما دامت هي المطروحة على الأحداث في الوقت الحالي، والتحرش ظاهرة مطروحة منذ سنوات عدة، بل ومستشرية كالغرغرينا في القدم، ولكن هنا في مصر ما زلنا مصرين على أن التحرش لم يعد أولوية قومية من ضمن أولوياتنا، وأن التعامل معه يجب أن يتم في إطار الشكل التقليدي الذي يتم التعامل من خلاله مع باقي القضايا الأخرى، وليس من خلال قوانين استثنائية أو تكثيف تواجد أمني أو... أو... أو... ما زلنا مصرّين على اختصار المسألة في "هزار عيال صغيرة، واستهبال بنات كبيرة"، فالطفل الذي يمدّ يده على جسد أنثى عيل صغير ما اتربّاش، لكن الفتاة التي تحاول عمل محضر تحرش تعتبر بنت فاجرة وعينها قوية، وستنال من التريقة والسخرية ما لذّ وطاب. فلنعلن النومَ والطناش شعارنا الرسمي في هذه المرحلة من تاريخ الوطن.. إننا نتحمل مسئولية العواقب، العواقب التي قد تصل في مرحلة متأخرة من هذا المرض المعدي، إلى أن أمي وأمك وأختي وأختك لن تقوى على مجرد التفكير في النزول من البيت، ووقتها سوف يصبح التحرش صفة متأصلة في المجتمع المصري، ولن تفلح "بوكسات" الأمن في التعامل مع هذه الأزمة؛ لأنها ستكون قد تعملقت وتضخّمت بشكل لا يمكن التعامل معه. اللهم بلغت.. اللهم فاشهد