الطائفة الإنجيلية بمصر تنعى شهداء «مار إلياس» بدمشق    البورصة المصرية تستهل جلسة التعاملات بمؤشرات خضراء    بورصة الذهب تعاود التداول في اتجاه لتكبد المزيد من الخسائر    البنك المركزى: 29.4 مليار دولار تحويلات المصريين بالخارج خلال 10 أشهر    وزير الري يتابع حالة المنظومة المائية بمحافظتى بني سويف والمنيا خلال فترة أقصى الاحتياجات المائية    إسرائيل: هجوم إيراني ب15 صاروخا يتسبب بانقطاع الكهرباء في عدة مناطق    سر زيارة وزير خارجية إيران لروسيا.. هل تتدخل موسكو في الوقت الحرج؟    استشهاد 6 فلسطينيين وإصابة آخرين في قصف الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة    ديانج: جاهزون لمباراة بورتو ولتحقيق نتيجة إيجابية    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة بورتو بكأس العالم للأندية    الزمالك: الإعلان عن المدير الفني الجديد خلال الأسبوع الجارى    تحرير 551 مخالفة مرورية بسبب عدم ارتداء الخوذة    235 درجة توقعات القبول بتنسيق الثانوية العامة بالقاهرة 2025    المتهم بالتعدى على الطفل ياسين يصل للمحكمة لنظر جلسة الاستئناف على الحكم    ماجدة الرومي على موعد مع جمهورها بمهرجان موازين.. السبت المقبل    ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر: مرض السرطان تحديًا صحيًا عالميًا جسيمًا    علاج 1632 مواطنا بقافلة طبية بقرية بالشرقية.. مجانا    «التضامن» تقر عقد التأسيس والنظام الداخلى لجمعية العلا التعاونية للخدمات الاجتماعية    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الاثنين    نائب وزير الخارجية الإيراني: سنواصل تخصيب اليورانيوم    رئيس جامعة قناة السويس يتابع امتحانات كلية الألسن    رئيس جامعة قناة السويس يشهد مؤتمر جمعية أبحاث الجهاز الهضمي بالإسماعيلية    ما هو موقف كوريا الشمالية من الهجوم الأمريكي على إيران    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم الاثنين 23-6-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    الحبس والحرمان، عقوبة استخدام الطلبة اشتراك المترو بعد انتهاء العام الدراسي    حادث مروري مروع بأطفيح ينجو منه برلماني.. ومصرع السائق    أسعار النفط تقفز مع تصاعد التوتر بين واشنطن وطهران    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23-6-2025 في محافظة قنا    في القاهرة والمحافظات.. مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 23 يونيو 2025    رغم تذبذب مستوي محمد هاني .. لماذا يرفض الأهلي تدعيم الجبهة اليمنى بالميركاتو الصيفي؟ اعرف السبب    وزير خارجية أمريكا: سعي إيران لإغلاق مضيق هرمز انتحارًا اقتصاديًا    حظك اليوم الإثنين 23 يونيو 2025 وتوقعات الأبراج    حكم الشرع في غش الطلاب بالامتحانات.. الأزهر يجيب    عقوبة الهاكر.. الحبس وغرامة 50 ألف جنيه وفقًا لقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية    روبي بعد تصدر "ليه بيداري" الترند مجددًا: الجمهور بيحبها كأنها لسه نازلة امبارح!    «متقللش منه».. مشادة على الهواء بين جمال عبدالحميد وأحمد بلال بسبب ميدو (فيديو)    دونجا: أداء الأهلي في كأس العالم للأندية سيئ.. والفريق يلعب بطريقة غير واضحة مع ريبيرو    أحمد بلال: الزمالك تعاقد مع مدير رياضي لم يلعب كرة القدم من الأساس    ثورة «الأزهرى».. كواليس غضب الوزير من مشاهير الأئمة.. وضغوط من "جميع الاتجاهات" لإلغاء قرارات النقل.. الأوقاف تنهى عصر التوازنات وتستعيد سلطاتها فى ضبط الدعوة    فاتورة التصعيد الإسرائيلى- الإيرانى.. اشتعال أسعار الطاقة وارتباك الأسواق واهتزاز استقرار الاقتصاد العربى.. توقعات بزيادة التضخم مجددا فى الأسواق الناشئة وإضراب في سلاسل الإمداد    عصام السقا وسط الخيول العربية معلقا: سبحان من خلق    حقيقة تحديد 4 نوفمبر المقبل موعدا لافتتاح المتحف المصري الكبير    بالصور.. خطوبة نجل سامي العدل بحضور الأهل والأصدقاء    أمريكا تُحذر من مظاهرات مناهضة للولايات المتحدة في الخارج    بيلينجهام: من الصعب لعب كرة القدم في تلك الحرارة.. وأخضع لعملية جراحية بعد المونديال    الأزهر للفتوى يحذر من الغش في الامتحانات: المُعاونة على الإثم إثم وشراكة في الجريمة    ما حكم تسمية المولود باسم من أسماء الله الحسنى؟.. أمين الفتوى يجيب    الدكتور علي جمعة: المواطنة هي الصيغة الأكثر عدلًا في مجتمع متعدد العقائد    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 35.. حالة الطقس اليوم    مأساة في البحيرة.. طفلان خرجا للهروب من حرارة الصيف فعادا جثتين هامدتين    ما هي ردود فعل الدول العربية على الهجمات الأمريكية التي استهدفت منشآت نووية إيرانية؟    نيللي كريم تكشف عن مواصفات فتى أحلامها المستقبلي (فيديو)    السبكي: الأورام السرطانية "صداع في رأس" أي نظام صحي.. ومصر تعاملت معها بذكاء    «الشيوخ» ينتقد أوضاع كليات التربية.. ووزير التعليم العالى: لسنا بعيدين عن الموجود بالخارج    وشهد شاهد من أهله .. شفيق طلبَ وساطة تل أبيب لدى واشنطن لإعلان فوزه أمام الرئيس مرسي!    إصابة 13 شخصًا في انقلاب سيارة ميكروباص داخل أرض زراعية بمركز الصف    مندوب إيران بمجلس الأمن: أمريكا الوحيدة تاريخيا من استخدمت أسلحة نووية    18 يوليو.. هاني شاكر يلتقي جمهوره على مسرح البالون في حفل غنائي جديد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفسدون في الأرض: الأندلس.. عندما ذهب المسلمون إلى الكنيسة بالقوة
نشر في بص وطل يوم 15 - 10 - 2009

في البداية كانت وعود التسامح الديني وحماية الحريات العقائدية والثقافية، ولكن سرعان ما تَكَشَّفَت الكلمات المعسولة عن مخطط مسبوق لتحطيم كل ما بنى العرب من حضارة وثقافة وعلوم.
علوم، بناء، ثقافة، حضارة، إعمار للأرض.. هذا كان جميل العرب على أوروبا في ثمانية قرون..
جهل، هدم، محاكم تفتيش، فساد في الأرض.. تلك كانت مكافأة الأوروبيين للعرب فور سقوط غرناطة(*)!
دخلت قوات مملكة "قشتالة" الإسبانية مملكة غرناطة، رفع الجنود القشتاليون على أعلى مباني المدينة صليبًا ذهبيًا ضخمًا، ثم هتفوا ثلاث مرات لقشتالة.. خرج من المدينة ملكها الأخير وهو يبكي وأمه تقول له: "ابكِ كما تبكي النساء، مُلكًا لم تَصُنه كالرجال!". هكذا صوّرت لنا الأدبيات وتدوينات المؤرخين ذلك اليوم المشئوم في تاريخنا.
استمرت تمثيلية التسامح الإسباني أيامًا قليلة، ثم خُلِعَ القِناع وبدأ تنفيذ مخطط التدمير.
فمن البداية تم تصنيف العربي الأندلسي باعتباره "مُدَجَّنًا" وهي كلمة مهينة تعني أنه صار ك "الدواجن" في استسلامه وانعدام قدرته على المطالبة بحقوقه، ثم بعد أن اضطر معظم عرب الأندلس للتنصر -ظاهريًا- مع الحفاظ على الدين الحقيقي في السر، تحت ظروف القهر الإسباني، وتم تصنيفهم إلى نوعين: المارانوس، وهم اليهود المتنصرون، والموريسكوس، أو الموريسكيين، وهم المسلمون المتنصرون.
القهر الديني
بدأ القهر الديني لعرب الأندلس بأن أرسلت السلطات الإسبانية البعثات التبشيرية للأحياء العربية -بالذات تلك المسلمة- لتقنع سكانها باعتناق المسيحية، مع إغرائهم بما سيتبع ذلك من حصولهم على حقوقهم كاملة كرعايا للملكَيْن الكاثوليكيين فرناندو وإيزابيللا، بما في ذلك من فرص للترقي في المجتمع الإسباني الجديد؛ خاصة أنهم كانوا -في الغالب-يعيشون في أحياء خاصة بهم ويُجبَرون على ارتداء أزياء معينة لتمييزهم؛ فضلاً عن العديد من القيود العنصرية التي كانت مفروضة عليهم كالمنع من حمل السلاح وشراء الأراضي.
ولما كانت استجابة العرب لتلك الإغراءات أضعف مما كان تطمح إليه الكنيسة الكاثوليكية الإسبانية؛ فقد صعّدت السلطات من ضغطها بإصدارها مرسومًا يقضي بفرض اعتناق المسيحية على كل السكان أو الطرد خارج البلاد.
علماء المسلمين من شتى البقاع أرسلوا لمسلمي الأندلس فتاوى بجواز التظاهر باعتناق المسيحية مع أداء الشعائر الإسلامية سرًا؛ مما شجّعهم بالفعل على العمل بها. ولكن السلطات الكاثوليكية كانت قد تحسبت لذلك ففرضت قيودًا جديدة على المتنصرين، كالذهاب يوم الأحد للكنيسة قسرَا، وفتح أبواب بيوت المتنصرين في أيام الجمعة والأعياد وخلال شهر رمضان؛ للتأكد من عدم قيامهم بأية شعائر دينية مرتبطة بتلك الأيام؛ بل وفرضت في بعض المناطق على المسلمين أن يعيشوا في بيوت منخفضة بلا أسقف وسط تجمعات مسيحية، حتى تكون بيوتهم مكشوفة ولا يتمكنون من أداء صلواتهم خفية، وكذلك فرضت عليهم الامتناع عن ختان أبنائهم؛ حتى أن السلطة منعت النساء ذوات الأصل المسلم من العمل كمولدات حتى يضمنوا أن لا يقمن بختان المواليد خفية؛ بل وكذلك منعت الموريسكيين من العمل في الجزارة حتى لا يمارسوا الذبح بالطريقة الإسلامية.. وتوقفت الدروس الدينية، وتم تحويل المساجد إلى كنائس كاثوليكية.
ثم تمادى الإسبان في ذلك؛ فكانوا يقومون من وقت لآخر باختبار الموريسكيين من خلال إجبارهم على أكل لحم الخنزير وشرب الخمر، وكانوا يجبرونهم أحيانًا على سَب القرآن والرسول عليه الصلاة والسلام، في انتهاك بالغ لمبدأ حرية العقيدة الذي طالما حافظ عليه المسلمون خلال قرون حكمهم للأندلس.
كما سلف القول، تم منع حلقات تدارس الدين، وتم إغلاق المساجد أو تحويلها إلى كنائس. لم يكن الضرر من ذلك عقائديًا فقط؛ بل شمل الحياة العلمية للعرب، فحلقات تدريس القرآن والسُنة وعلوم الدين بشكل عام كانت من أهم مصادر الثقافة والعلم لا للأندلس فحسب بل للعالم كله؛ حيث كانت تلك الحلقات تُخرج أساتذة كبار في مجالات الدين واللغة والفلسفة والمنطق ومختلف العلوم الإنسانية؛ إذ لم يكن المسجد مكانًا للعبادة فحسب، بل كان بمثابة جامعة شاملة لمختلف أوجه العلم والمعرفة.
كذلك تم منع تداول الكتب العربية، سواء دينية كالقرآن وكتب الحديث والتفسير، أو علمية كالفلسفة والمنطق والعلوم الإنسانية، وكذلك كتب الأدب والشعر والبلاغة، أما كتب العلوم التطبيقية كالطب والهندسة فكانت السلطات تشترط مراقبتها من قِبَل رجال الكنيسة، وكانت حيازتها دون خضوع لتلك الرقابة جريمة يعاقب عليها القانون بصرامة! وفي كل حين كانت تتم مداهمة بيوت العرب وتفتيشها بدقة بحثًا عن أية كتب ممنوعة، وكانت تتم مصادرة كل الكتب العربية وحرقها علنًا، ومعاقبة حائزيها!
الثقافة الحياتية
امتدت هيستيريا محاربة الثقافة العربية إلى المكونات البسيطة للحياة اليومية للعربي؛ فحتى الأسماء العربية تم منعها، وصار على الموريسكي والمارانو أن يحمل اسمًا إسبانيًا، وكذلك تم إغلاق الحمامات الشرقية، وتحريم ارتداء الزي العربي للرجال والنساء؛ بل حتى الأطعمة العربية نالها نصيب من الجور فتم فرض قيود عليها.
كذلك مُنِعَت الاحتفالات بالطريقة العربية، وأصبح مجرد الحديث باللغة العربية مخاطرة بالغة.
لا يمكن وصف واضع تلك التعليمات بالسفه أو البلاهة؛ فتلك الأشياء التي يحسبها البعض بسيطة هي من صميم ثقافة وأصالة المواطن العربي، ومكافحتها تصيب جزءًا هامًا من مكونات هويته بضربة في الصميم!
ثقافة "محاكم التفتيش" كانت هي الغالبة على أوروبا لقرون طويلة بدأت من العصور الوسطى؛ فالسلطات الدينية كانت تعيش حالة دائمة من الخوف من تسلل أية أفكار أو تأثيرات -فكرية على الأرجح- تؤدي لخروج رعايا الكنيسة عن الإطار المرسوم لهم من قِبَل البابا ورجاله في روما. فكانت محاكم التفتيش بمثابة العين الرقيبة واليد الباطشة بمن يخرج عن الصف.
تلك الأداة القاسية استخدمها الإسبان ضد الموريسكيين والمارانو؛ فقد كانت السلطات الكنسية تراقب بصرامة أداء الموريسكي والمارانو لشعائر المسيحية، وتنفيذه تعليمات السلطات الدينية والمدنية بدقة، ومع أقل بادرة شك في مجرد التقصير غير المقصود كان يتم القبض على المتهم وربما أسرته معه، وتعريضهم لشتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي؛ حتى أن معظمهم كان يعترف بالرِدة والهرطقة والكفر ليتخلص من ذلك العذاب حتى وإن كان في هذا موته!
وكانت العقوبات تتراوح بين عقوبات بدنية قاسية كالإعدام حرقًا، أو الجَلد أو الحبس، أو عقوبات معنوية كالسير في موكب يوم الأحد -ويُسَمَّى "موكب الخطاة"- حيث يرتدي المذنبون رداءً أصفر، ويتوبون بشكل جماعي في صلاة الأحد بعد عرضهم على الشعب بشكل مهين، أو عقوبات مادية تتمثل في مصادرة ممتلكات المحكوم عليه، وربما اجتمع عليه أكثر من شكل للعقوبة.
كما كان النفي عقوبة جاهزة للمذنب؛ بل وكان أحيانًا العقاب الأسهل على السلطات؛ حيث إنه لا يكلفها مالاً ولا جهدًا. ولكن هذا العقاب كان غالبًا ما يُنَفَّذ بشكل جماعي على أسر كاملة أو ربما سكان مدينة!
المقاومة والخروج
كانت مقاومة العرب في البداية سلبية تتمثل في التظاهر بتنفيذ تعليمات السلطات مع التحايل لمخالفتها، ولكن التضييق المستمر على السكان العرب أدى لوصولهم لنقطة الصدام مع السلطة؛ حيث قامت أكثر من ثورة وأكثر من تمرد مسلح من العرب -بالذات المسلمون- وقع فيه ضحايا من الجانبين الإسباني والعربي,،وكان رد فعل السلطات الإسبانية يتراوح بين العنف واللين؛ فتارة يفاوضون الثوار وينفذون بعض مطالبهم، وتارة أخرى يردون عليهم بالعنف.
ثم لم تجد السلطات سوى أن تقوم بتفتيت الكتلة السكانية العربية من خلال تفريق العرب على الأحياء والمدن والبلدات والقرى؛ بحيث يكونون أقليات صغيرة بين أغلبيات مسيحية إسبانية، ثم بعد ذلك تم اتخاذ القرار بطرد كل العرب خارج الأندلس لتنتهي تلك المرحلة المريرة من الصراع.
النتائج
خروج العرب من أرض الأندلس أضر بأوروبا أكثر مما أضر بالمطرودين؛ فقد نشأت حركات مسلحة من المنفيين اتخذت من سواحل شمال إفريقيا قواعد لها، واستهدفت السفن الإسبانية والبرتغالية بحركات القرصنة، مدعومة من الدول الإسلامية الكبرى كالدولتين المملوكية والعثمانية.
كذلك أدى خروج الكتلة البشرية العربية لتفريغ مناطق كاملة من سكانها، مما أفقَد الإسبان طاقة بشرية إنتاجية كبيرة، وأدى بالتالي لتأثر المنطقة اقتصاديًا بشكل سلبي.
أما على المستوى الثقافي، فقد فقدت أوروبا أحد أهم مصادر الثقافة والعلم والحضارة لها، وبدلاً من أن ينتقل رقي حضارة الأندلس إلى أوروبا، انتقل الجهل والتعصب والظلام الأوروبي إلى الأرض الأندلسية؛ فكان سقوط الأندلس ليس مجرد سقوط لدولة عربية، بل سقوطًا للحضارة ذاتها!
الخلاصة.. الإسبان لم يجيدوا التعامل مع الحضارة العربية فاستسهلوا تدميرها، ضاربين مثلاً أسود في قوة الجهل الغاشمة التي تحرك المفسدين في الأرض، ولم يقتدوا بما فعله فريديريك الثاني -إمبراطور النورماند- حين استرد صقلية من العرب؛ فلم يحارب ثقافتهم ولم يضطهدهم، بل حافظ على الثقافة العربية وتبناها، وأكرم العلماء والمفكرين العرب، واحترم مقدسات المسلمين المقيمين بمملكته، وتحدى غضب البابا وملوك أوروبا عليه، مظهِرًا شجاعة وتسامحًا استحقا احترام خصومه قبل أصدقائه.
لم يتعلم الإسبان الدرس من العرب أنفسهم الذين كانوا إذا فتحوا بلدًا تسامحوا دينيًا مع أهله واحترموا ثقافته وفكره ورفعوا من شأن علمائه.. وهذا طبيعي.. فشتان بين الفاتح العربي الذي يعتبر نشر الحضارة جزءًا من مهمته المقدسة، والغازي الأوروبي الهمجي البربري الذي لا يبحث سوى عن قطع الذهب وسبايا النساء وقصص القتل وسفك الدماء التي يتفاخر بها قليلاً، ثم يخرج باحثًا عن المزيد منها!
** ** ** ** ** ** ** ** ** ** **
(*) المأساة الأندلسية استفزت أقلامًا كثيرة، في مجالي الأدب والتاريخ، لفضح الجريمة الشنعاء بحق حضارة الأندلس، وردّ اعتبار العرب الأندلسيين الذين كانوا قد مدّوا جسر الحضارة على مدى800 عام إلى أوروبا، كالمفكرة الألمانية "زيجريد هونكه" صاحبة كتاب "شمس الله تشرق على أرض العرب" الذي سعت فيه لرد جزء بسيط من اعتبار الحضارة العربية في أوروبا، والباحثيْن الإسباني "أنطونيو دومينيكير هورتيز" والفرنسي "برنارد بنثنت" اللذين وضعا كتابًا رائعًا يكشف حقيقة ما جرى للموريسكيين، والروائية العربية "رضوى عاشور" التي صاغت رائعتها "ثلاثية غرناطة" لتنقل بقلمها صورة دقيقة لمعاناة الغرناطيين العرب تحت الحكم القشتالي المتعصب دينيًا وعرقيًا. فإليهم جميعًا أهدي هذا المقال.
مصادر المعلومات
1- محاكم التفتيش والموريسكيون: مرثيديس جارثيا أرينال.
2- محاكم التفتيش الإسبانية: د. بشرى محمود الزوبعي.
3- مسلمو مملكة غرناطة بعد عام 1492م: خوليو كارو باروخا.
4- الموريسكيون.. حياة ومأساة أقلية: أنطونيو دومينيكير هورتز / برنارد بنثنت.
5- أسرار اليهود المتنصرين في الأندلس: د. هدى درويش.
6- تاريخ المسلمين في الأندلس: د. محمد سهيل طقوش.
7- محاكم التفتيش: د. رمسيس عوض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.