في مشهد مهيب وبحضور العشرات من أُسر ضحايا العمليات الإرهابية التي أعلنت جماعة "جند الله" السُّنّيّة مسئوليتها عنها سابقاً، قامت الحكومة الإيرانية بإعدام زعيم الحركة سالفة الذكر "عبد المالك ريجي" .. والتهمة..!! -عفواً- التهم لا يمكن حصرها إذ أصدرت محكمة الثورة الإسلامية حكمها بناء على 79 جريمة. الإفساد في الأرض، السرقات المسلّحة، وزرع القنابل والعبوات في الأماکن العامة، والهجمات المسلحة على القوات العسکرية والأمنيّة والأبرياء، وعمليات القتل والجرح، وإثارة الرعب والخوف، وخطف الرهائن، والتعاون مع الأجانب وتلقّي مساعدات مالية واستخباراتية منهم، وتشكيل وإدارة مجموعة إرهابية بهدف مواجهة نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وإثارة الفوضى، بالإضافة إلى إصداره لأوامر في 15 عملية مسلّحة لخطف الرهائن، كانت هذه بعضاً من جرائم عدّة حُوكم بموجبها "عبد المالك ريجي"، وأُصدر عليه الحكم بالإعدام شنقاً وتنفيذ الحكم فجر يوم (الأحد). جماعة مسلّحة سُنّيّة بقلب واحدة من أكبر وأقوى الأنظمة الشيعية في العالم الإسلامي على الإطلاق.. كيف تسنّى لها الصمود طوال هذه الفترة بل وتوجيه ضربات موجعة لقلب النظام الإيراني؟!! وما هي الأسباب التي قد تدفعهم إلى معاداة النظام على الأساس الديني؟ كلها أسئلة تُحاول السطور التالية تقديم إجابات مقنعة لها كالتالي.. من هي جماعة "جند الله" السُّنّية جماعة "جند الله" السُّنّية هي جماعة مسلّحة ذات مرجعية دينية سنّية تتمركز في منطقة بلوشستان على المثلث الحدودي الرابط بين إيران وأفغانستان وباكستان. تهدف جماعة جند الله -كما تدّعي- إلى الدفاع عن حقوق الفئات السُّنّية حول العالم بشكل عام وفي بلوشستان بشكل خاص، وتعريفهم بحقوقهم داخل البلاد، ولا عجب في ذلك إذا عرفنا أن بلوشستان قبل قيام الثورة الإسلامية عام 1979 كانت ذات أكثرية سُنّية، إلا أنها أصبحت ذات أكثرية شيعية بعد الثورة، ولكن بقي فيها ما لا يقل عن 500 ألف سنّي في الأقليم. وقد يتساءل البعض عن مصدر هذه الأعداد السنية بالأساس، ولكن لا عجب في ذلك إذا عرفنا أن بلوشستان هي أصلاً كانت منطقة سُنّية واحدة كبيرة، ولكن تم تقسيمها بعد الاحتلال الإنجليزي بين باكستان وأفغانستان وإيران، وهي كلها -باستثناء إيران- بلاد سنّية؛ فضلاً عن ذلك ساعد في استمرار بلوشستان على سنّيّتها هو ترابطها وتواصلها مع بلوشستان الباكستانية والأفغانية. وتقول جماعة "جند الله" إن الحكومة الإيرانية تمارس ضد الأقلية السنّية اضطهاداً بالغاً ولا تسمح لهم بإقامة مساجدهم الخاصة، وتتعمّد تهميشهم سياسياً؛ حيث إنه لا يمثل السنة بشكل عام (والبالغ تعدادهم بإيران بما يقرب من 20 مليون شخص) سوى 12 نائباً فقط. وبالتالي، وبناء على كل ما سبق، بدأت جماعة "جند الله" في العمل على تعريف أهل السنة في منطقة بلوشستان بحقوقهم من خلال طبع كُتيّبات تحمل هذا المعنى، إلا أن النظام الإيراني سارع باعتقال الكثير منهم؛ مما تسبب في تطوّر الأمور إلى حد حمل السلاح. من هو "عبد المالك ريجي" "عبد المالك ريجي" هو ببساطة مؤسس هذه الجماعة الذي بدأها في العام 2002، وضم إليها شقيقه "عبد الغفور ريجي"، والذي لقي مصرعه مؤخراً في مايو من العام 2009 في إحدى العمليات الانتحارية للجماعة. "ريجي" كان يضمر للحكومة الإيرانية كرهاً بالغاً، وأكّد في أكثر من مناسبة أن البديل الذي سيكون مطروحاً أمامه في حال لم تتحسّن أحوال السنة البلوشستانية، هو محاربة النظام الإيراني بشتى الطرق، للدرجة التي أشعلت غضب النظام الإيراني، وجعلتها تضع "ريجي" على رأس قائمة الأشخاص المطلوبين أمنياً على وجه السرعة. وبالفعل تحقّق الغرض، وألقت السلطات الإيرانية القبض على "ريجي" في شهر فبراير الماضي أثناء توجهه من دبي بالإمارات العربية المتحدة إلى قرغيزستان، وأجرت محاكمته في سرية بعيداً عن وسائل الإعلام. وعلى الرغم من أن بعض المواقع الإلكترونية الإيرانية قد أكّدت اعتراف "ريجي" بالتهم ال79 المنسوبة إليه وطلبه العفو من المحكمة ورفض الأخير لذلك؛ فإن الجماعة تؤُكّد أنها محاولة جديدة لتشويه سمعة وصورة "ريجي" أمام الشعب الإيراني. عمليات "جند الله" طالت "نجاد" نفسه على الرغم من أن جماعة "جند الله" لم تنشأ سوى منذ العام 2002 فحسب؛ فإنها تمكّنت من تنفيذ مجموعة من العمليات الانتحارية الموجعة ضد النظام الإيراني الذي استشاط غضبه، وكان من أهم هذه العمليات وأكثرها تجرأ تلك التي قامت بها العملية بمحاولة اغتيال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لدى زيارته لإقليم بلوشستان؛ فضلاً عن اختطاف ضابط الحرس الثوري "شهاب المنصوري" في عام 2005، وفي بعض الأحيان كانت هذه العمليات تستهدف أيضاً مدنيين؛ مثل تلك التي جرت في عام 2009، عندما تسبب انتحاري في مقتل 25 شخصاً في مسجد شيعي في زاهدان، وفي أكتوبر من العام ذاته تمكّنت الجماعة من تنفيذ عملية انتحارية في موكب تابع للحرس الثوري تسبب في مقتل 40 شخصاً بينهم 15 شخصاً من قيادات الحرس الثوري من بينهم نائب قائد القوات البرية. هل كانت جماعة "جند الله" أداة بِيَد الغرب لضرب إيران لا تترك الحكومة الإيرانية مناسبة أو فرصة إلا وتُؤكّد على العلاقات التي تجمع هذه الجماعة بالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وأن هذه الجماعة تُستخدم أداة من أجل الضرب في النظام الإيراني، مستشهدين في ذلك بالاعتراف الذي سجّله قائد الجماعة على شريط فيديو يقول فيه إن تنظيمه تلقّى من المسئولين الأمريكيين مختلف أنواع الأسلحة والقنابل ومعدات الاتصالات، وقالوا له إنه لا مشكلة بين أمريكا وتنظيم القاعدة. يستند النظام الإيراني في ذلك أيضاً إلى التعاطف المستمر الذي تُبديه الدول الثلاث تجاه هذه الجماعات مدّعية أن النظام الإيراني يمارس اضهاداً دينياً ضد هذه الأقليات. الجماعة في المقابل أكّدت أن كل ما يقوله النظام الإيراني في هذا الشأن إنما هو توظيف واستغلال للجماعة في الصراع الدائر حالياً بين إيران وبين الغرب، والدليل على ذلك أنها تارة تتهمها بالتخابر مع الغرب وتارة أخرى تتهمها بالعمل مع القاعدة ثم طالبان، ثم يتهمونها بتهريب المخدرات؛ وعليه فالنيّة مبيّتة من أجل إلصاق أية تهمة مشينة للجماعة. ............ إن اغتيال زعيم تنظيم القاعدة قد يحوّل إيران خلال الفترة القادمة لبؤرة غليان داخلية، وكأن إيران لا يكفيها صراعاتها الخارجية؛ لا سيما وأن الجماعة سوف تسعى بكل ما تملك للردّ بقسوة على هذه الصفعة الموجعة التي وجهها لها النظام الإيراني، وضربه في مقتل إضغط لمشاهدة الفيديو: