السلام عليكم.. أنا عندي مشكلة صعبة أوي إني ما اعرفش أواجه أي حد؛ يعني مثلاً: حد يقول لي إنك عملتي أي حاجة، ويفضل يتّهمني؛ فأنا أسكت وما اعرفش اتكلم خالص؛ حتى لو كنت مظلومة، وكل اللي أقدر أعمله هو إني أبكي وبس. وطبعاً ده بيحصل مع خطيبي، وكل مرة يفتكر إن سكوتي معناه إن هو صح وأنا غلط، وأنا مش عارفة أعمل إيه.. بجد أنا تعبانة ومش عارفة أعمل إيه.. أنا نفسي أعرف أتكلم وأواجه وأردّ على كل الكلام اللي بيتوجه لي. والغريبة إني بافضل أردّ في حاجات ما لهاش علاقة بالموضوع خالص.. أنا محتاجة مساعدتك أرجوكي meroooo صديقتي العزيزة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: جميل أن يبدأ الإنسان في ملاحظة سلوكه؛ لأن الملاحظة هي أول خطوة في طريقك لتطوير السلوكيات السلبية التي نخسر بسببها الكثير في تواصلنا مع الآخرين. ودعينا نتكلم الآن تفصيلاً عن مشكلتك.. ما عَرَضْتِه يا عزيزتي هو أحد الأنماط السلوكية المتكررة والتي نراها في الكثيرين، وهو السلوك الذي يتّسم بضعفٍ أو خلل في القدرة على التعبير عن المشاعر، والسبب في ذلك يبدأ في الغالب من مرحلة الطفولة حينما لا يلتفت الأهل لأهمية تنمية قدرة الطفل على التعبير عن مشاعره من خلال الحوار وفهم دوافع سلوكه؛ بل العكس، قد يقهر الآباء أبناءهم رافضين الاستماع إليهم؛ مما يجعل الطفل يعتاد الصمت متى غضب، ويجد في البكاء نوعاً من التنفيس عن مشاعر الغضب. إذن التعبير عن المشاعر مهارة مكتسبة، وليست موروثة، وتعلّمها مبكراً يقي الإنسان من العديد من المشكلات النفسية والصحية؛ لأن التعوّد على كبت المشاعر يتسبب -فيما بعد- في حدوث العديد من الاضطرابات النفسية كالاكتئاب والقلق والوسواس القهري التي تستر وراءها مشاعر الغضب، وقد لا ندركها؛ فتظهر في شكل أعراض نفسية، وقد يؤدي الغضب أو المشاعر المكبوتة أيضاً إلى الإصابة بالاضطرابات "النفسجسمية" كالقولون العصبي والأرتيكاريا وأكزيما الجلد وقُرحة المعدّة وأمراض القلب والضغط.. وقانا الله وإياك شر هذه الأمراض. إذن نحن متّفقون الآن أن نبذل الجهد معاً، ونبدأ في تعلّم مهارة التعبير عن المشاعر؛ حتى لو استغرق ذلك بعض الوقت لكن المهم أن نبدأ؛ فهيا معاً من خلال هذه الخطوات: 1- إدراك ماهية المشاعر: حينما تتعرضين لموقف معيّن يضايقك -سواء مع خطيبك أو غيره- فكل ما عليك هو أن تتريثي وتأخذي نَفَساً عميقاً، ولا تتكلمي ولا تفكّري في محتوى الحوار في هذه اللحظة أو رغبتك في الدفاع عن نفسك بهدف دفع اتهام معيّن بأنك مخطئة أو ما شابه؛ بل احرصي على أن تسمعي ما يُقال دون تعليق، وحاولي أن تحدّدي مشاعرك في هذه اللحظة (غضبانة - قرفانة - مشمئزة - قلقانة - حزينة - خايفة). واحرصي على تدوين نوع المشاعر على الورق متى اختليت بنفسك.. لماذا؟ لأنه في الواقع في كثير من الأحيان مع تكرار كبت المشاعر نفقد القدرة على تحديد ماهيتها؛ فلا ندرك أننا في حالة غضب، ومن ثم يتم استبدال الغضب بالبكاء مثلما يحدث معك؛ مع أنك في عقلك الباطن (نِفسك تزعّقي وتقولي أنا زعلانة من الكلام ده). 2- الخطوة الثانية: بعد إدراكك لحقيقة مشاعرك اتخذي قرارك بأنك ستعبّرين بتلقائية عن حقيقة مشاعرك؛ لكن دون أن نخسر الطرف الآخر يعني مثلاً؛ حينما يلقي عليك خطيبك عبارات اللوم، لا تجعلي همّك أن تُدافعي عن نفسك؛ ولكن استبدلي ذلك بعبارة مثل "على فكرة أنا بازعل من الطريقة دي".. قولي عبارة مثل هذه وبمنتهى الهدوء والثقة، وإذا فوجئت بكلام غير متوقع لا تتسرعي في الردّ؛ بل احرصي مرة أخرى على رصد وإدراك حقيقة مشاعرك حيال الكلام الموجّه إليك، وهكذا حتى تنمو لديك سرعة البديهة في الردّ في المواقف المختلفة. 3- تخلّصي من مشاعر الغضب في الفترة الحالية: لأن بكاءك يشير إلى غضب مكبوت لا بد من إخراجه وأفضل طرق للتخلّص من الغضب القديم الكامن هي خروجه في شكل نشاط جسماني كممارسة الرياضة أو المشي لمسافات طويلة.. ولا أمزح إذا قلت لك إن إحدى وسائل التخلّص من الغضب الكامن هي فرقعة البالونات. 4- تعلّمي أن التلقائية في التعبير عن المشاعر ليست في مواقف الغضب والضيق فقط: لكنها في مواقف السعادة أيضاً؛ فلا بأس متى شعرت بالسعادة في موقف معيّن أن تعبّري عن ذلك مثل (أنا مبسوطة أوي دلوقتي)، وليكن في موقف أدركت فيه مشاعر السعادة والحب وأنت مع خطيبك مثلاً؛ فاحرصي أن تمدحي سلوكاً معيّناً يفعله ويُشعرك بالسعادة، أو أن تُخبريه أنك سعيدة بوجوده في حياتك. 5- التقييم: بمرور الوقت وبنموّ قدرتك على إدراك مشاعرك وتعبيرك عنها لا بد أن تنتقلي لمرحلة أخرى، وهي مرحلة لتقييم شدة الانفعال في المواقف المعيّنة، وهنا لا بد أن تسألي نفسك هذه الأسئلة: - هل انفعالي وغضبي ملائم للموقف ولا أنا مبالغة وحساسة زيادة؟ - يا ترى أنا عندي مشاعر سلبية كتيرة المفروض آخد بالي منها؛ لأنها بتؤثر عليّ في فهم الناس والمواقف؟ ودايماً بأحس -مثلاً- إنهم ظالمنّي وإن ما حدش فاهمني؟ - يا ترى أنا كتير بافهم غلط وباترجم كلام اللي قدامي بطريقة تضايقني؟ - يا ترى حساسيتي وانفعالاتي بتزعّل الناس مني؟ - يا ترى أنا لازم أغيّر طريقة تفكيري عشان مشاعري تهدأ؟ وهكذا -يا عزيزتي- ستجدين الأمور تختلف كثيراً وتهدأ انفعالاتك؛ لكن تذكّري أن أول خطوة هي أن تعبّري بتلقائية، واعلمي أن المشاعر التي نعبّر عنها تتلاشى ولا تُختزن في العقل بمجرّد خروجها على اللسان، أما ما يُكبت في الصدور يجثم على الأنفاس إلى ما لا نهاية.. فلتبدئي الآن. وفّقك الله.