هو فارس القلوب بالإجماع ليس لأنه يداويها فقط، ولكن لأنه إنسان حقيقي يسكن قلب كل من يقابله، هو "مجدي حبيب يعقوب" واحد من أشهر ستة جرّاحين للقلب في العالم، ويعدّ ثاني جرّاح يجري عملية زراعة قلب بعد الدكتور العالمي "كريستيان برنارد" عام 1967، وقد قام د."يعقوب" بحوالي ألفي عملية زراعة قلب، وذلك على مدار 25 عاماً أنقذ فيها حياة آلاف المرضى. لذلك استحق عن جدارة التكريم من أكثر من جهة، فحصل على لقب "بروفيسير في جراحة القلب" عام 1985، وقامت ملكة بريطانيا بمنحه لقب "سير" عام 1991، كما فاز بجائزة "الشعب" عام 2000 والتي قامت بتنظيمها هيئة الإذاعة البريطانية BBC; حيث تم التصويت له من قِبل الشعب البريطاني ليفوز بجائزة الإنجازات المتميزة في بريطانيا، كما حصل على عدد من الألقاب والدرجات الشرفية من عدد كبير من الجامعات العالمية. مجدي يعقوب في منزله يقول د."يعقوب" في أحد حواراته أن "افتقاد أولادي لوجودي في البيت كان سبباً في أنهم لم يرغبوا العمل في المجال الطبي، ف"أندرو" طيار، لكن ابنتي الوسطى "ليزا" تعمل إخصائية اجتماعية، وتحب مصر، وتساعدني في عملي في "سلاسل الأمل"، والصغرى "صوفي" طبيبة متخصصة في طب المناطق الحارة في إفريقيا واستراليا وجنوب أمريكا، لقد كنت أتمنى أن أقضي وقتا أطول مع أسرتي (أندرو وصوفي وليزا) وزوجتي الألمانية "ماريان"، ولكن هم كانوا يعذرونني دائماً، حتى أن زوجتي تفرغت لي ولأولادنا وللبيت". ويضيف الدكتور: "ما دمت قادراً على مساعدة الناس بطرق مختلفة فلن أتوقّف, خاصة في مجال إنشاء مستشفيات ومعاهد أبحاث، مثل التي تم إنشاؤها في أسوان والإسكندرية وإثيوبيا وجامايكا". وعن تواضعه قال: "هذا ليس تواضعا, ولكن الإنسان كلما يعرف المعضلات التي أمامه يرى نفسه صغيرا جدا, وهذه حقيقة وليس تواضعا". د."يعقوب" قصة نجاح لن تنتهي حكاية "يعقوب" و"صوفي" مع الطب عندما سُئل د."يعقوب" عن مهنة الطب، لم يُجِب بطريقة مباشرة، وإنما حكى قصة ابنته "صوفي"، "صوفي" هي واحدة من ثلاث أبناء لد."يعقوب"، والوحيدة بينهم التي قررت أن تدرس الطب اقتداءً بوالدها، كما اقتدى "مجدي" بوالده. ذهبت "صوفي" للمقابلة التي حُدّدت لها قبل دخول كلية الطب، سألتها البروفسيرة: "أنت فرصته الأخيرة إذن"، في إشارة إلى أن شقيقيْ صوفي لم يختارا كلية الطب، ولم يبقَ سواها في الأسرة لتختار مشوار أبيها د."يعقوب" في الطب، لامس تعليق البروفسيرة -الذي ينطوي على تحدٍّ كبير- مشاعر الفتاة، فاضطربت وبكت أثناء المقابلة. ولما عادت إلى البيت وحكت لوالدها، قال لها: "إذا كنت تضطربين وتبكين في مواجهة أول تحدٍّ، فإن مهنة الطب ليست لك؛ لأنها أكثر المهن المليئة بالتحديات". وفي الصباح التالي، فوجئ د."يعقوب" بأن ابنته قبلت التحدي، وقرّرت الاستمرار في دخول كلية الطب، ولما ذهبت الفتاة إلى الجامعة قابلت البروفسيرة ذاتها التي أبكتها من قبل، فقالت لها: "اذهبي إلى المستشفى؛ للتعرف على المرضى الذين ستقضين كل حياتك بينهم". قالت الفتاة: وماذا أقول لهم وأنا مجرد طالبة تدرس الطب؟ قالت: "قولي لهم أنا اسمي "صوفي يعقوب". وأنا هنا من أجل مساعدتكم"، قالت "صوفي": "وكيف لي أن أساعدهم وأنا لست طبيبة بعد؟، فردّت البروفسيرة: "لا تقلقي، هم سيطلبون منك ما يريدونه، فقد تُحضرين لهم الصحف، أو تقدّمين لهم كوب ماء، افعلي ما تستطيعينه الآن، وغدا ستقدّمين الخدمة الطبية، المهم هو أن تدركي أن رسالتك هي خدمة هؤلاء، وأنك ستعيشين بينهم معظم عمرك إن اخترت هذه المهنة، إذا وجدت هذا مناسبا فيمكنك أن تصبحي طبيبة، أما إذا لم يناسبك فستتركين مهنة الطب لغيرك"، ويبدو أن الموضوع قد ناسب "صوفي"؛ لأنها طبيبة ناجحة الآن. ما أراد د."يعقوب" قوله من هذه القصة، هو أن دخول كلية الطب يجب أن يكون مدفوعاً منذ البداية بدافع إنساني محض؛ إذ يجب أن يكون لدى من سيدخل هذه المهنة رغبة حقيقية وصادقة لخدمة المرضى والتخفيف من آلامهم، وأن يعي أيضا أن هؤلاء المرضى سوف يكونون هم عالمه الذي سيأخذ جلَّ وقته. هناك من الناس من يقبلون هذه الرسالة وهذا التكليف بل ويستمتعون بهما، وهناك آخرون لم يُخلقوا لهذه المهمة رغم قدراتهم الذكائية والعلمية. هانا كلارك بجوار د. "يعقوب" بعد مرور 10 سنوات من جراحة زراعة القلب الناجحة الطفلة "هَانا كلارك" رحلة علاج لمدة 12 عاماً قام د."يعقوب" بالعديد من العمليات الجراحية الهامة، ولكن من أهمها عملية زراعة قلب لطفلة تدعى "هانا كلارك" تبلغ من العمر عامين، حيث كانت تعاني من تضخم في القلب بنسبة 200%، وتم الإبقاء على القلب الأصلي وعدم استئصاله للطفلة، هذا القلب الذي تمكّن من استعادة حجمه الطبيعي، وعاد للنبض مرة أخرى بعد عشر سنوات، وبعد مساعدة القلب الصناعي له، مما فتح الباب لأسلوب جديد في العلاج يقوم على زرع جهاز ميكانيكي يعمل على مساعدة القلب المريض على الشفاء، وقد قام "يعقوب" بالعودة مرة أخرى للجراحة من أجل مساعدة الفريق الطبي للفتاة ومتابعة حالتها. عطاء لا ينضب.. وسلاسل أمل مستمرة ويستمر عطاؤه على الرغم من تقاعده، فإنه استمر كاستشاري لعمليات نقل الأعضاء، كما استمر عمله في مجال البحوث الطبية وكتابة التقارير والمقالات العلمية، هذا بالإضافة إلى قيامه بممارسة الجراحة بعيادته الخاصة ببريطانيا. كما بدأ في تدريب العديد من الأطباء الشبان، وعن هذا يقول د."يعقوب": "هناك قوائم انتظار, لكن أنا حريص على تدريب أطباء على مستوى أنحاء العالم؛ حتى لا ينتظر مريض محتاج لعملية حضوري شخصيا, وأنا فخور أن هناك ممن عملوا معي من أصبحوا قادرين على إجراء عمليات بنجاح كبير، خصوصا في مصر، بل إن بعضهم أصبح أفضل مني". وهؤلاء الأطباء المدربون يعمل معظمهم في المراكز التي قام د."يعقوب" بتأسيسها عام 1995 والتي عُرفت باسم "Chain of Hope" أو "سلاسل الأمل" وهي مؤسسة لإجراء جراحات القلب للمرضى غير القادرين على تكاليف العلاج في الدول النامية، ومنها الفرع الأشهر بمحافظة أسوان، والتي اختارها د."يعقوب" لتكون مقر معهد ومركز لبحوث جراحات القلب، بعد أن أنشأ فيها مركز جراحة القلب المتميز بمستشفى أسوان التعليمي، والذي يجري فيها جراحات القلب المفتوح مجاناً كجزء من مشروعه "سلاسل الأمل". د."يعقوب" قصة لن تنتهي ما دامت قلوب مرضاه تدق، وما دام تلاميذه يسيرون على نفس دربه، سيظل عطاؤه محفوراً في أجساد البشر وعقولهم قبل كُتُب التاريخ. إضغط لمشاهدة الفيديو: