هل أصبحت أمريكا في خطر جديد؟ سَبب هذا التساؤل هو محاولة التفجير الفاشلة التي شهدها ميدان "تايمز" الشهير بحي مانهاتن بنيويورك. هذا الميدان الذي يتوافد عليه آلاف السياح من كل مكان؛ نظراً لعراقته، والتي جعلته يشهد احتفالات رأس السنة كل عام. ومعنى هذا أن كارثة جديدة كانت ستحل بالأمريكان لو تم تفجير هذه السيارة؛ لولا تنبيه أحد الباعة المتجولين للشرطة التي سارعت بإبطال مفعول السيارة. هذا الحادث يحمل أكثر من معنى؛ فهو يشير إلى أن المواجهة المسلحة من قبل الحركات الإسلامية "المتطرفة من وجهة النظر الأمريكية" مع واشنطن لم تنتهِ بالرغم مما قيل عن سيطرة الولاياتالمتحدة على هذه الحركات.. وبالرغم من أنه ليس معروفاً على وجه الدقة مَن المسئول عن هذا التفجير، إلا أنه من الواضح أن أصابع الاتهام تشير إلى تورط حركة طالبان باكستان فيه، حيث تم القبض على شاب باكستاني حصل مؤخراً على الجنسية الأمريكية بتهمة ضلوعه في هذه المحاولة باعتباره صاحب السيارة المستخدمة في التفجير، هذا الشاب كان في زيارة لباكستان قبل عدة أشهر، وعاد في فبراير الماضي. ويتفق فريق من المحللين على أن هذا الأمر (أي تورُّط باكستان طالبان) صحيح، خاصة وأن الحركة أعلنت في بعض مواقع الإنترنت مسئوليتها عن هذا الحادث، كما أن قائدها "حكيم الله محسود" الذي أعلنت واشنطن مقتله في غارة أمريكية على معقل الحركة في إقليم بيشاور في يناير الماضي قد ظهر في شريط فيديو مسجّل في الشهر الماضي وتمت إذاعته بعد التفجير مباشرة، يتوعد فيه الولاياتالمتحدة بشن هجوم على أراضيها، وبنقل ساحة القتال من باكستان إلى أمريكا للمرة الأولى في فكر الحركة، التي يبدو أنها تجمع الآن بين فكرة العدو القريب "النظام الباكستاني الذي يواجهها ليل نهار"، والعدو البعيد "الولاياتالمتحدة"، وهو نفس فكر القاعدة. فقد أكد "محسود" في شريط الفيديو: "اقترب الوقت الذي سيهاجم فيه فدائيونا المدن الرئيسية في الولاياتالأمريكية، الفدائيون تسللوا إلى أمريكا الإرهابية. سنوجّه ضربات مؤلمة للغاية لأمريكا المتعصبة". لماذا؟ وإذا كان هذا الأمر صحيحاً.. فماذا تريد طالبان باكستان من هذا الهجوم؟ يمكن القول بوجود عدة أهداف وراء سعي الحركة لتنفيذ هذا الهجوم، أبرزها ما يلي: 1- إزعاج الولاياتالمتحدة وحليفتها باكستان، والتأكيد على أن الحركة ما زالت موجودة وبصورة فاعلة على الساحة، ولن تجدي الضربات الأمريكيةالباكستانية المشتركة نفعاً معها. كما أن تزامن التفجير مع شريط محسود يشير إلى أن الحركة ما زالت موجودة وبقوة في ظل قيادة "محسود" المشهور بتنفيذ العمليات التفجيرية والإشراف عليها منذ قيادة أخيه "بيت الله محسود" للحركة قبل اغتياله. وها هو "محسود" يعود مرة ثانية، ولن تنسى الولاياتالمتحدة مسئوليته عن الهجوم الذي تعّرض له مقر المخابرات الأمريكية في باكستان في ديسمبر الماضي، وأسفر عن مقتل ستة من عناصر المخابرات في حادثة وُصفت بأنها الثانية من حيث السوء التي تصيب المخابرات الأمريكية؛ مما دفع أمريكا إلى محاولة اغتياله كما حدث مع شقيقه، وها هو يعود الآن ويتوعد واشنطن من جديد، بل وينفذ هذا التهديد فعلياً.. وبالرغم من أن المحاولة لم تنجح، فإن هذا لا يعني أن واشنطن بمأمن من هذه الحوادث، خاصةً وأن هذه الحادثة تأتي بعد فترة وجيزة من محاولة الشاب النيجيري تفجير إحدى الطائرات الأمريكية المتجهة إلى ديترويت، والذي قيل أنه ينتمي إلى تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية. 2- أن هذه المحاولة تأتي كما أُعلن على شبكة الإنترنت؛ انتقاماً لمقتل قائدَي القاعدة في العراق في هجوم أمريكي الشهر الماضي. ومعنى هذا أن المواجهة الأمريكية مع القاعدة بدأت تتسع، وأن القاعدة لم تعد تعتمد فقط على كونها الفصيل الوحيد في المواجهة مع واشنطن، وإنما هناك فصائل أخرى لا تعمل بصورة منفصلة عنها، مثل: طالبان باكستان، وكذلك حركة شباب المجاهدين والحزب الإسلامي في الصومال، اللذان رحبا بإمكانية استضافة بن لادن، كما فسّرا هجومهما في الفترة الأخيرة على قوات الاتحاد الإفريقي بأنه يأتي في إطار الانتقام أيضا لمقتل قيادي القاعدة في العراق. 3- أن الحركة كما أُعلن على النت أيضاً تستهدف الانتقام من الولاياتالمتحدة بسبب تدخلها في الدول الإسلامية. ومعنى هذا كما قلنا إن الحركة تحولت من طابعها المحلي إلى طابعها الدولي الذي يستهدف المصالح الأمريكية ليس في باكستان فقط، وإنما في أي مكان آخر حتى وإن كان هذا المكان هو الأراضي الأمريكية ذاتها، وبمعنى آخر فإن الولاياتالمتحدة هي الهدف الرئيسي للحركة. 4- إثبات طالبان لوجودها في مواجهة الولاياتالمتحدة والحكومة الباكستانية في آن واحد، والتأكيد على أن سياسة التصعيد ضدها لن تزيدها إلا قوةً وصموداً.. ومن ثم فإن البديل هو ضرورة التهدئة، أو إجراء حوار معها كما حدث من محاولات أمريكية وأفغانية مع حركة طالبان الأم. 5- إضعاف التأييد الدولي لحكومة باكستان وبالتالي عدم قيامها بشن هجوم جديد على وزيرستان معقل طالبان. ماذا تفعل أمريكا؟ واشنطن صارت مستهدفة كما قلنا من قِبل القاعدة وطالبان وغيرها فماذا ستفعل إدارة أوباما؟ هل ستستمر على نهجها المتشدد ضد هذه الحركات كما أعلن أوباما من قبل في خطاب القاهرة الشهير العام الماضي؟ أم ستلجأ إلى التهدئة؟ لقد عمل أوباما على التهوين من الحادث والتأكيد على المُضي قدماً في سياسته السابقة، فضلاً عن تنسيقه مع الحكومة الباكستانية التي أعلنت هي الأخرى تضامنها مع أوباما، وقامت باعتقال بعض الأشخاص المشتبه في صلتهم بالشخص الباكستاني الذي تم القبض عليه مؤخراً. وهو ما يعني في النهاية أمراً واحداً هو: استمرار المواجهة بين واشنطن وهذه الحركات التي تهدف إلى إيقاع أشد الخسائر بالمصالح الأمريكية والمواطن الأمريكي في أي مكان.