أحياناً تكون "مصائب قوم عند قوم فوائد".. لكن هذا المثل قد لا ينطبق في جميع الأحوال؛ خاصة إذا كان جميع القوم في بوتقة واحدة أو طائرة واحدة أو في قرية كونية صغيرة واحدة. نقول هذا الكلام بسبب بركان أيسلندا الذي أصاب شركات الطيران العالمية -ومنها شركة مصر للطيران- بخسائر كبيرة بلغت 200 مليون دولارٍ يومياً بسبب تعطّل حركة السفر، وبالتالي السياحة من وإلى دول شمال أوربا التي تعاني من آثار هذا البركان.. وبالطبع مصر لم تكن بعيدة عما يحدث بسبب قدوم السيّاح من شمال أوربا -حيث موقع البركان- إليها؛ بالإضافة إلى وجود سيّاح بهذه الدول انتهت مدة إقامتهم، ويرغبون في العودة ولكن لا يستطيعون.. ومعنى هذا أن الخسارة مزدوجة؛ فالرحلات القادمة بوفود سياحية جديدة لن تأتي؛ حتى مع بداية تحسّن الأجواء بعض الشيء، والسبب في ذلك أن الكثير من السياح القادمين اضطروا إلى إلغاء القدوم بسبب تغيير المواعيد.. وفي المقابل؛ فإن السيّاح الموجودين في مصر صاروا مشكلة في ذات الوقت؛ لأن البعض نفدت دولاراته، وبالتالي لا يملكون من الدولارات شيئاً. من يدفع الفاتورة؟ لقد صارت المشكلة هي: من يدفع فاتورة إقامة حوالي 17 ألف سائح عالقين في مصر وغير قادرين على العودة لبلادهم؟ هل هي وزارة السياحة، أم مكاتب السياحة المنظّمة للرحلات الخاصة بهؤلاء، أم سفارات هؤلاء على اعتبار أنهم رعاياها، أم السائح نفسه على اعتبار أن الخطأ ليس من شركة السياحة أو حتى شركة الطيران؟ كالعادة، الكلّ حاول التنصّل من المسئولية بإلقائها على الآخرين؛ فالرئيس السابق للاتحاد المصري للغرف السياحية، اعتبر أن القانون الدولي واضح في هذه الجزئية؛ حيث اعتبر أن السائح هو الذي يتحمل مسئولية هذه الإقامة الإضافية طبقاً للعقد التجاري الموقّع مع الشركة السياحية، وليس للفنادق مطالبة هذه الشركات بمصاريف الإقامة مادام سبب التأخير كارثة طبيعية.. وبالتالي فإن السائح هو الضحية في هذه الحالة.. ولعل هذا يفسّر أسباب مناشدة بعض السفارات الأجنبية مثل السفارة الفرنسية لرعاياها المقيمين بمصر استضافة السياح الفرنسيين لحين عودتهم إلى باريس . وهناك فريق آخر ألقى بالمسئولية على شركات السياحة وأنها لا بد أن تدفع هذه الفاتورة، وهو ما ذهب إليه محافظ الأقصر بالنسبة للسياح الأجانب الموجودين بالمحافظة.. وبالفعل قامت هذه الشركات بدفع مقابل الإقامة الإضافية، وهو نفس ما حدث في محافظة جنوبسيناء.. ويبدو أن شركات السياحة قامت بتحمّل مثل هذه التكلفة اعتقاداً منها بأن الأزمة لن تطول من ناحية، كما أنها ترغب في الحصول على سمعة طيّبة في الخارج تساعدها في زيادة الرحلات التابعة لها في المستقبل. لكن المشكلة تكمن في حالة استمرار الأزمة لوقت أطول.. في هذه الحالة: هل ستستمر هذه الشركات بمفردها في دفع هذه الفاتورة؟.. أغلب الظنّ أنها لن تستطيع ذلك، ومن ثم لا بد من البحث عن شريك آخر لتحمّل هذه التكلفة، وهنا قد تكون السفارات الأجنبية في مصر هي البديل، أو حتى هؤلاء السياح أنفسهم. على أية حال، الحمد لله أنّ سُحُب الدخان بدأت تنقشع عن أيسلندا ودول شمال أوربا، كما بدأت رحلات الطيران في استئناف رحلاتها بصورة تدريجية.. لكن لا أحد يستطيع الجزم بأن الأزمة قد انتهت تماماً.. وهنا لا بد من التفكير في حلول بديلة؛ خاصة وأن شركة مصر للطيران خسرت قرابة 20 مليون دولار في هذه الأزمة. ما هي الحلول؟ قد تكون السياحة البحرية هي أحد الحلول المطروحة في هذا الشأن.. صحيح أنها تستغرق وقتاً أطول؛ لكن في المقابل قد تكون أقل.. تماماً كما صارت الحركة عبر القطارات هي الوسيلة الناجحة حالياً في أوربا في ظل تعطّل حركة النقل الجوي. كما يمكن أن تقوم شركة مصر للطيران بتخصيص طائرات كبيرة الحجم لنقل السيّاح إلى الدول المجاورة للدول التي تأثّرت بهذه السحابة، ومنها يتم نقل هؤلاء إلى دولهم، وبالفعل بدأت شركة مصر للطيران في تنفيذ هذه الفكرة؛ خصوصاً في رحلاتها لكل من إسبانيا وإيطاليا؛ باعتبارهما أقل تضرراً من هذه السحابة. لكن قد يكون من غير المقبول رفع أسعار تذاكر الطيران في المرحلة القادمة، ونفس الأمر بالنسبة للفنادق؛ لأن هذا قد يجعل السيّاح يمتنعون عن القدوم إلى مصر؛ خاصة وأن فريقاً كبيراً منهم ألغى بالفعل زيارته بسبب المواعيد؛ علاوة على ذلك؛ فإن حلول فترة الصيف في أوربا قد يجعل إقدام هؤلاء إلى مصر أقل بصورة كبيرة؛ خاصة في ظل شدة حرارة الجو؛ لاسيما في المناطق السياحية الجاذبة لهؤلاء مثل شرم الشيخ والغردقة، والتي تعتبر مشتى بالأساس. تشجيع السياحة الداخلية إن هذه الأزمة قد تجعل تنشيط السياحة الداخلية أحد البدائل المتاحة لتقليل الخسائر لحين انقشاعها نهائياً. على أية حال؛ فإن الأزمة وإن كانت قد ألحقت ضرراً بمصر وغيرها من الدول التي تعتبر السياح أحد مصادر الدخل الأجنبي؛ إلا أن هناك العديد من الدروس المستفادة منها لا بد من دراستها والتعلم منها؛ حتى لا تتكرر الخسائر مرة أخرى. والحمد لله أن أزمة البركان بدأت تنقشع الآن .