أسماء مصطفى "يا عم استهدى بالله، ده حتى الذوق ماخرجش من مصر".. لعلك سمعت تلك الجملة ذات مرة، وأول ما جاء في بالك أن الذوق المقصود هنا بمعنى التأدّب وحسن المعاملة، لكن الحقيقة أن أصل "الذوق ماخرجش من مصر" يختلف تماما عن المقصود بالعبارة. في عهد الدولة المملوكية كان يعيش رجل عرف عنه التقوى والصلاح ورجاحة العقل، فاختاره رجال مصر ليكون عليهم حاكما غير رسمي، يفك المنازعات ويحكم بالعدل بينهم، هذا الرجل هو "حسن الذوق"، الذي عاش في القاهرة تحديدا في منطقة الحسين. ذات مرة نشبت مشادة كلامية بين فتوات القاهرة وتطورت لتصبح معركة، فارتضوا بحسن الذوق حاكما، لكنه فشل في الصلح بينهم، ووصل الأمر إلى الحاكم العسكري وانتهى بهم الأمر في السجون، فلم يسامح الشيخ حسن نفسه أبدا، وقرر أن يخرج من مصر ولا يعلم لأي وجهة يتوجه.. وهنا كانت روايتان، الأولى تقول إن حسن الذوق وصل إلى بوابات مصر ومات هناك قبل أن يخرج من حدود المحروسة، والثانية تقول إنه عاش ما تبقى من عمره على حدود مصر ولم تطاوعه نفسه للخروج منها حتى مات، ودفن مكانه جوار بوابة النصر. في ذلك الوقت حزن أهل القاهرة على فراق حسن الذوق، ولما كان هو يتمتع بإجلال واحترام الجميع له، فكانت كلما نشبت مشاجرة يفضها أحد الأطراف قائلا: "ما يصحش تتخانقوا والذوق لسه ماخرجش من مصر"، فيسكت الجميع احتراما لسيرة الرجل، وأصبحت الناس تتوارث هذه العبارة جيلا بعد جيل، إلى أن نسي الناس السبب الحقيقي وراء الجملة ومن هو الذوق الذي لم يخرج من مصر بعد.
مقام الشيخ حسن الذوق * دنيا الأدب اضغط على الصورة لمشاهدة الجاليري: