محافظ مطروح يبحث مع وزير الإسكان استقرار مياه الشرب وتطوير مشروعات البنية التحتية    بعد بيانها الأخير.. ماذا يعني إعلان الأمم المتحدة المجاعة في غزة؟    الحرس الوطني الأمريكي يحشد قواته للانتشار في 19 ولاية    باكستان ترسل 100 طن من المساعدات الإنسانية إلى غزة    بعد خسارة السوبر السعودي.. عقدة رونالدو مستمرة مع النصر    النيابة تطلب تحريات غرق 6 فتيات وإصابة 24 أخريات بشاطئ أبو تلات في الإسكندرية    قصر ثقافة الأنفوشي يستضيف جولة جديدة لاكتشاف المواهب في «كورال وأوركسترا مصر الوطني» بقيادة سليم سحاب    جامعة كفر الشيخ تطلق قافلة طبية توعوية شاملة لقرية الرغامة    فحص 578 مواطنا ضمن قوافل طبية مجانية بالبحيرة    «هذا لا يقلقني».. تصريح مفاجئ من تشابي ألونسو عن برشلونة    الجندي يشدد على ضرورة تطوير أساليب إعداد وإخراج المحتوى العلمي لمجمع البحوث الإسلاميَّة    زلزال بقوة 6 درجات يضرب المحيط الهادئ قبالة سواحل السلفادور وجواتيمالا    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    صلاح عبد العاطي: إسرائيل تماطل في المفاوضات ومصر تكثف جهودها لوقف إطلاق النار    داعية: سيدنا النبي لم يكن عابسًا وكان مُتبَلِّجَ الوجه    الوفديون يتوافدون على ضريح سعد زغلول قبل احتفالية ذكرى رحيل زعماءه التاريخيين    توجيهات بالتنسيق مع إحدى الشركات لإقامة ملعب قانونى لكرة القدم بمركز شباب النصراب في أسوان    حالة الطقس في محافظة الفيوم غدا الأحد 24-8-2025    بحوث الصحراء.. دعم فني وإرشادي لمزارعي التجمعات الزراعية في سيناء    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    15 صورة.. البابا تواضروس يدشن كنيسة الشهيد مارمينا بفلمنج شرق الإسكندرية    إسماعيل يوسف مديرا لشؤون الكرة في الاتحاد الليبي    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    "عبد الغفار" يتابع استعدادات "المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية -3"    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    «عامل وفني ومدرس».. إتاحة 267 فرصة عمل بالقليوبية (تفاصيل)    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    منال عوض تناقش استعدادات استضافة مؤتمر الأطراف ال24 لحماية بيئة البحر الأبيض المتوسط من التلوث    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    الموت يغيب عميد القضاء العرفي الشيخ يحيى الغول الشهير ب "حكيم سيناء" بعد صراع مع المرض    الداخلية تكشف ملابسات اعتداء "سايس" على قائد دراجة نارية بالقاهرة    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    حملة مكبرة لإزالة إشغالات الباعة الجائلين والتعديات على الطريق بمدينة أبوتيج بأسيوط    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    "يونيسيف" تطالب إسرائيل بالوفاء بالتزاماتها والسماح بدخول المساعدات بالكميات اللازمة لغزة    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"لنا عبدالرحمن" تبحث في الفن الروائي
نشر في صوت البلد يوم 30 - 12 - 2018

اعتمدت الكاتبة والناقدة لنا عبدالرحمن في كتابها «نظرة أخرى: الروائي والمخيلة والسرد» (سلسلة كتابات نقدية - القاهرة) المنهج التحليلي النفسي والاجتماعي في تناول الدلالات الزمانية والمكانية، وفي الإضاءة على اختيارات الأبطال ومصائرهم؛ لأنّ التداخل بين الزمان والمكان في الروايات التي تتناولها هنا، أسفر عن «وجودٍ متجاورٍ للحكايا يكشف عن عالم ناقص في كل عمل روائي يبدأ السعي السردي من أجله».
وتقدم الأبحاث التي يضمها الكتاب رؤية عبدالرحمن لمجموعة من الأعمال الروائية لنجيب محفوظ ومحمد المنسي قنديل وعزت القمحاوي وعبد الفتاح كيليطو وعبده وازن وأمجد ناصر وجوخة الحارثي، وغيرهم، يتداخل فيها الواقع الاجتماعي والنفسي للأفراد بحيث يمضون في مصائرهم واختياراتهم التي تنسجم مع طبيعة المرحلة الزمنية في كل رواية. وفي الوقت نفسه لا يمكن منح تأويلات نهائية لأيّ نص إبداعي؛ لأنّ الكتابة الجيدة والمتجددة تستمدّ حياتها من تنوّع الرؤى والتأويلات بين باحث وآخر، وفق لنا عبدالرحمن.
يحتوى الكتاب على مقدمة وثمانية فصول: «دلالات فعل الثورة والهزيمة لدى نجيب محفوظ»، «قمر على سمرقند» لمحمد المنسي قنديل وتوق الرحيل في مواجهة الأسئلة، الذاكرة والتاريخ في رواية «بيت الديب» لعزت القمحاوي، التخييل الحكائي في رواية «أنبئوني بالرؤيا»، «غرفة أبي» لعبده وازن والبحث عن زمن غائب، ثنائية الأنا والزمن في رواية «حيث لا تسقط الأمطار»، روايات في مواجهة العنف».
وترى لنا عبدالرحمن في المقدمة ما رآه من قبل جابر عصفور من أننا نعيش زمن الرواية، «فالرواية تمكّنت من بناء تواجدها الأدبي متجاوزة الفنون النثرية الأخرى، من خلال تقديم انعكاس التفاعل الفني والمعرفي والحدثي، والثقافي والاجتماعي الذي برعت في تسجيله عبر صفحاتها».
وتذهب لنا عبدالرحمن في هذا الصدد إلى أن الكاتب ليس عالم اجتماع أو سياسياً أو رجل منطق، كي يكتب من أرض ثابتة؛ لأن عمله الحقيقي هو التماس مع لحظة إنسانية فريدة في زمن حدوثها، وفي علاقتها مع الواقع، يقتنصها ويمضي كاشفاً عنها في تحدٍّ سافر للمسلّمات الراكدة، وللغياب الذي يفرضه النسيان. ويحسب لصاحبة هذا الكتاب أنها وضعت الروايات التي تناولتها بالنقد في سياقات محكمة وفق منهج محدد سلفاً، لتخلص إلى نتائج مبررة على نحو أكاديمي، وليس نتائج متعسفة أو مفتعلة نراها بين الحين والآخر في كتب «نقدية»، ليست في النهاية سوى مجرد تجميع لمقالات سبق أن نشرها «الناقد» في صحف سيّارة، ثم يضع لها مقدمة توحي بجهد بحثي عميق، من دون أن يكون لذلك أي صدقية.
في روايات نجيب محفوظ التي تناولها الكتاب، وهي: «الكرنك»، «ميرامار»، «يوم قتل الزعيم»، ثمة رؤية واضحة للثورة، للتمرد، لانهيار القيم في المجتمع المصري؛ فتكتب عبدالرحمن: «ربما تُمكّننا قراءة هذه الموضوعات أيضاً في كتب التاريخ، لكنّ محفوظ لا يسجّل التاريخ بل يقدم روح المرحلة الزمنية من خلال إدراكه الخاص لها».
وبين السيرة والرواية، يمضي عبده وازن في «غرفة أبي، ليستكمل ما بدأه في «قلب مفتوح» 2010، وفي كلا النصين، تلاحظ الكاتبة أنّ ثمة مواجهة مع الذاكرة عبر فكرة الغياب الحاضرة في مراجعة الوعي. ففي «قلب مفتوح» يحضر هاجس الموت والغياب جرّاء جراحة دقيقة خضع لها الكاتب، تؤدي به إلى التفكير في العلاقة الثنائية بين الموت والحياة. هكذا يمضي النص؛ بحسب لنا عبدالرحمن؛ في تقديم رؤيته بين خطى القص-السير ذاتي- والسرد الروائي، بحيث نجد أنّ ثمة دمجاً مراوغا يكتنفه الغموض واللبس، وينحاز إلى البوح الحميم في شأن الماضي واللحظة الراهنة. أما في رواية «حيث لا تسقط الأمطار» لأمجد ناصر، فتميل قراءة لنا عبدالرحمن إلى كشف الدلالة الجمالية في بناء الزمن، بما يرادفه من انقسام «الأنا» بين زمنين يشكلان الفضاء الروائي للنص. ولاحظت الناقدة أن المكان في رواية جوخة الحارثي يستمد أهميته من تقديمه حركة التاريخ عبر المكان وتحولاته؛ فمن جانب هناك حديث عن عُمان الأمس والتقسيمات التي كانت موجودة، ثم ما أعقب ذلك من طفرة اكتشاف النفط، وما تلاها من مستجدات اجتماعية.
وتكشف الروايات التي تناولتها الناقدة في الفصل الأخير أن النسخة الحالية التي تتراءى من مشاهد الإرهاب، هي النسخة الأكثر نزقاً وتطرفاً في منظور الإبداع؛ لأنها مصنّعة على غير قياس، وليست وليدة مصادفة أو نتاج ظروف فقر وجهل فقط، بل الجهل والفقر وكل موبقات المجتمعات ما هي إلا المادة الخام التي استحضرت ليعدّ منها هذا المزيج المُرّ لما يسمى بالإرهاب. ومن هذه الروايات: «الأفيال» لفتحي غانم، و «الحفيدة الأميركية» لأنعام كجه جي، و «فرانكشتاين في بغداد» لأحمد السعداوي، و «أساطير رجل الثلثاء» لصبحي موسى، و «الزلزال» لطاهر وطار و «مملكة الفراشة» لواسيني الأعرج، و «الأسود يليق بك» لأحلام مستغانمي، و «تاء الخجل» لفضيلة الفاروق، و «مغلق للصلاة» لمصطفى سعيد.
وترى لنا عبدالرحمن في نهاية هذا الفصل أن الروايات العربية ظلت في تناولها لظاهرة الإرهاب- وتكاد تنتهي جميعها- عند نقطة واحدة تتقاطع مع غياب الأفق التنويري الذي يؤدي إلى تحجيم عوامل نشوء العنف. فالروايات تجمع على النهايات المهزومة، في مواجهة الإرهاب، بحيث ينكسر الأبطال الذين يمتلكون الوعي، وينهزمون في طرق شتى؛ إما بالموت، وإما بالسفر أو بالمرض النفسي. كما أنهم ينهزمون بالانفصام عن المجتمع، ويضاف إلى ذلك أن الروايات في معالجتها لشخصية الإرهابي من حيث مصيره، وعلاقته بالشخصيات المحيطة به، وأثره عليها، ظلت مفتوحة على النهايات الضبابية التي تؤكد عمق الفاجعة مع القصور عن رؤية أي أفق تفاؤلي جديد، بحيث تحاكي الروايات الواقع إلى حد كبير، وتمضي بالتوازي معه، لتكشف وتحلل وتستعرض وتناقش ما حدث ويحدث ضمن الحفاظ على مسافة حاضنة للتساؤلات التي يقاربها الفن من دون أن يمتلك أجوبة عنها.
وهنا، تلاحظ لنا عبدالرحمن مثلاً، أن الكاتبة الجزائرية فضيلة الفاروق تواجه في روايتها «تاء الخجل» مأساة أكثر عمقاً وتشعباً، فهي من خلال شخصية «خالدة» التي تعد تحقيقاً صحافياً يتناول قضية النساء اللواتي تعرضن للإرهاب عبر خطفهن من «جيش الإنقاذ» واغتصابهن، ومن خلال شخصية «يمينة» التي تروي تجربتها في هذا الصدد، تعرِّي المجتمع، كاشفة عن تخاذل الدولة في مساندة النساء المغتصبات، وفي أن محنة الإرهاب آذت المرأة إلى حد لا يحتمل في وقت لا يتم الاعتراف بحجم هذا الإيذاء. وفي ما يخص «أساطير رجل الثلثاء»، ترى عبدالرحمن أن صبحي موسى يعتمد في كتابة هذا العمل على تفاصيل ووقائع تاريخية، ومع ذلك فإنه تمكّن من نسج الجانب التخييلي الفني، مع الجزء الواقعي في إيقاع منسجم مع السرد، الذي ابتعد عن الجفاف الذي يفرضه موضوع الرواية التي تتبع صعود أسامة بن لادن وسقوطه.
وفي المقدمة، تؤكد عبدالرحمن ملاحظتها أن بعض الأعمال الإبداعية تبدو منفتحة على احتمالات تتزاحم في النص الواحد وتتفرع في اتجاهات شتى، وتحمل أكثر من تأويل، موضحة أنه ليس بإمكان الفنان سوى طرح أسئلته، وتقديم نبوءاته عما يرى ببصيرته أنه محتمل الحدوث، لكنّه يظلّ عاجزاً عن منح أجوبة نهائية حول تساؤلات كبرى ترتبط بالكينونة، الهوية، بالثورة، بالحرب، بالحب، بالتحولات الاجتماعية المتزامنة مع الهزائم الفردية.
اعتمدت الكاتبة والناقدة لنا عبدالرحمن في كتابها «نظرة أخرى: الروائي والمخيلة والسرد» (سلسلة كتابات نقدية - القاهرة) المنهج التحليلي النفسي والاجتماعي في تناول الدلالات الزمانية والمكانية، وفي الإضاءة على اختيارات الأبطال ومصائرهم؛ لأنّ التداخل بين الزمان والمكان في الروايات التي تتناولها هنا، أسفر عن «وجودٍ متجاورٍ للحكايا يكشف عن عالم ناقص في كل عمل روائي يبدأ السعي السردي من أجله».
وتقدم الأبحاث التي يضمها الكتاب رؤية عبدالرحمن لمجموعة من الأعمال الروائية لنجيب محفوظ ومحمد المنسي قنديل وعزت القمحاوي وعبد الفتاح كيليطو وعبده وازن وأمجد ناصر وجوخة الحارثي، وغيرهم، يتداخل فيها الواقع الاجتماعي والنفسي للأفراد بحيث يمضون في مصائرهم واختياراتهم التي تنسجم مع طبيعة المرحلة الزمنية في كل رواية. وفي الوقت نفسه لا يمكن منح تأويلات نهائية لأيّ نص إبداعي؛ لأنّ الكتابة الجيدة والمتجددة تستمدّ حياتها من تنوّع الرؤى والتأويلات بين باحث وآخر، وفق لنا عبدالرحمن.
يحتوى الكتاب على مقدمة وثمانية فصول: «دلالات فعل الثورة والهزيمة لدى نجيب محفوظ»، «قمر على سمرقند» لمحمد المنسي قنديل وتوق الرحيل في مواجهة الأسئلة، الذاكرة والتاريخ في رواية «بيت الديب» لعزت القمحاوي، التخييل الحكائي في رواية «أنبئوني بالرؤيا»، «غرفة أبي» لعبده وازن والبحث عن زمن غائب، ثنائية الأنا والزمن في رواية «حيث لا تسقط الأمطار»، روايات في مواجهة العنف».
وترى لنا عبدالرحمن في المقدمة ما رآه من قبل جابر عصفور من أننا نعيش زمن الرواية، «فالرواية تمكّنت من بناء تواجدها الأدبي متجاوزة الفنون النثرية الأخرى، من خلال تقديم انعكاس التفاعل الفني والمعرفي والحدثي، والثقافي والاجتماعي الذي برعت في تسجيله عبر صفحاتها».
وتذهب لنا عبدالرحمن في هذا الصدد إلى أن الكاتب ليس عالم اجتماع أو سياسياً أو رجل منطق، كي يكتب من أرض ثابتة؛ لأن عمله الحقيقي هو التماس مع لحظة إنسانية فريدة في زمن حدوثها، وفي علاقتها مع الواقع، يقتنصها ويمضي كاشفاً عنها في تحدٍّ سافر للمسلّمات الراكدة، وللغياب الذي يفرضه النسيان. ويحسب لصاحبة هذا الكتاب أنها وضعت الروايات التي تناولتها بالنقد في سياقات محكمة وفق منهج محدد سلفاً، لتخلص إلى نتائج مبررة على نحو أكاديمي، وليس نتائج متعسفة أو مفتعلة نراها بين الحين والآخر في كتب «نقدية»، ليست في النهاية سوى مجرد تجميع لمقالات سبق أن نشرها «الناقد» في صحف سيّارة، ثم يضع لها مقدمة توحي بجهد بحثي عميق، من دون أن يكون لذلك أي صدقية.
في روايات نجيب محفوظ التي تناولها الكتاب، وهي: «الكرنك»، «ميرامار»، «يوم قتل الزعيم»، ثمة رؤية واضحة للثورة، للتمرد، لانهيار القيم في المجتمع المصري؛ فتكتب عبدالرحمن: «ربما تُمكّننا قراءة هذه الموضوعات أيضاً في كتب التاريخ، لكنّ محفوظ لا يسجّل التاريخ بل يقدم روح المرحلة الزمنية من خلال إدراكه الخاص لها».
وبين السيرة والرواية، يمضي عبده وازن في «غرفة أبي، ليستكمل ما بدأه في «قلب مفتوح» 2010، وفي كلا النصين، تلاحظ الكاتبة أنّ ثمة مواجهة مع الذاكرة عبر فكرة الغياب الحاضرة في مراجعة الوعي. ففي «قلب مفتوح» يحضر هاجس الموت والغياب جرّاء جراحة دقيقة خضع لها الكاتب، تؤدي به إلى التفكير في العلاقة الثنائية بين الموت والحياة. هكذا يمضي النص؛ بحسب لنا عبدالرحمن؛ في تقديم رؤيته بين خطى القص-السير ذاتي- والسرد الروائي، بحيث نجد أنّ ثمة دمجاً مراوغا يكتنفه الغموض واللبس، وينحاز إلى البوح الحميم في شأن الماضي واللحظة الراهنة. أما في رواية «حيث لا تسقط الأمطار» لأمجد ناصر، فتميل قراءة لنا عبدالرحمن إلى كشف الدلالة الجمالية في بناء الزمن، بما يرادفه من انقسام «الأنا» بين زمنين يشكلان الفضاء الروائي للنص. ولاحظت الناقدة أن المكان في رواية جوخة الحارثي يستمد أهميته من تقديمه حركة التاريخ عبر المكان وتحولاته؛ فمن جانب هناك حديث عن عُمان الأمس والتقسيمات التي كانت موجودة، ثم ما أعقب ذلك من طفرة اكتشاف النفط، وما تلاها من مستجدات اجتماعية.
وتكشف الروايات التي تناولتها الناقدة في الفصل الأخير أن النسخة الحالية التي تتراءى من مشاهد الإرهاب، هي النسخة الأكثر نزقاً وتطرفاً في منظور الإبداع؛ لأنها مصنّعة على غير قياس، وليست وليدة مصادفة أو نتاج ظروف فقر وجهل فقط، بل الجهل والفقر وكل موبقات المجتمعات ما هي إلا المادة الخام التي استحضرت ليعدّ منها هذا المزيج المُرّ لما يسمى بالإرهاب. ومن هذه الروايات: «الأفيال» لفتحي غانم، و «الحفيدة الأميركية» لأنعام كجه جي، و «فرانكشتاين في بغداد» لأحمد السعداوي، و «أساطير رجل الثلثاء» لصبحي موسى، و «الزلزال» لطاهر وطار و «مملكة الفراشة» لواسيني الأعرج، و «الأسود يليق بك» لأحلام مستغانمي، و «تاء الخجل» لفضيلة الفاروق، و «مغلق للصلاة» لمصطفى سعيد.
وترى لنا عبدالرحمن في نهاية هذا الفصل أن الروايات العربية ظلت في تناولها لظاهرة الإرهاب- وتكاد تنتهي جميعها- عند نقطة واحدة تتقاطع مع غياب الأفق التنويري الذي يؤدي إلى تحجيم عوامل نشوء العنف. فالروايات تجمع على النهايات المهزومة، في مواجهة الإرهاب، بحيث ينكسر الأبطال الذين يمتلكون الوعي، وينهزمون في طرق شتى؛ إما بالموت، وإما بالسفر أو بالمرض النفسي. كما أنهم ينهزمون بالانفصام عن المجتمع، ويضاف إلى ذلك أن الروايات في معالجتها لشخصية الإرهابي من حيث مصيره، وعلاقته بالشخصيات المحيطة به، وأثره عليها، ظلت مفتوحة على النهايات الضبابية التي تؤكد عمق الفاجعة مع القصور عن رؤية أي أفق تفاؤلي جديد، بحيث تحاكي الروايات الواقع إلى حد كبير، وتمضي بالتوازي معه، لتكشف وتحلل وتستعرض وتناقش ما حدث ويحدث ضمن الحفاظ على مسافة حاضنة للتساؤلات التي يقاربها الفن من دون أن يمتلك أجوبة عنها.
وهنا، تلاحظ لنا عبدالرحمن مثلاً، أن الكاتبة الجزائرية فضيلة الفاروق تواجه في روايتها «تاء الخجل» مأساة أكثر عمقاً وتشعباً، فهي من خلال شخصية «خالدة» التي تعد تحقيقاً صحافياً يتناول قضية النساء اللواتي تعرضن للإرهاب عبر خطفهن من «جيش الإنقاذ» واغتصابهن، ومن خلال شخصية «يمينة» التي تروي تجربتها في هذا الصدد، تعرِّي المجتمع، كاشفة عن تخاذل الدولة في مساندة النساء المغتصبات، وفي أن محنة الإرهاب آذت المرأة إلى حد لا يحتمل في وقت لا يتم الاعتراف بحجم هذا الإيذاء. وفي ما يخص «أساطير رجل الثلثاء»، ترى عبدالرحمن أن صبحي موسى يعتمد في كتابة هذا العمل على تفاصيل ووقائع تاريخية، ومع ذلك فإنه تمكّن من نسج الجانب التخييلي الفني، مع الجزء الواقعي في إيقاع منسجم مع السرد، الذي ابتعد عن الجفاف الذي يفرضه موضوع الرواية التي تتبع صعود أسامة بن لادن وسقوطه.
وفي المقدمة، تؤكد عبدالرحمن ملاحظتها أن بعض الأعمال الإبداعية تبدو منفتحة على احتمالات تتزاحم في النص الواحد وتتفرع في اتجاهات شتى، وتحمل أكثر من تأويل، موضحة أنه ليس بإمكان الفنان سوى طرح أسئلته، وتقديم نبوءاته عما يرى ببصيرته أنه محتمل الحدوث، لكنّه يظلّ عاجزاً عن منح أجوبة نهائية حول تساؤلات كبرى ترتبط بالكينونة، الهوية، بالثورة، بالحرب، بالحب، بالتحولات الاجتماعية المتزامنة مع الهزائم الفردية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.