"المصري الديمقراطي الاجتماعي" يبدأ برنامجه التدريبي استعدادا للانتخابات البرلمانية المقبلة    وزارة العمل تجري اختبارات للمرشحين لوظائف الإمارات    وزير التعليم العالي يشارك في توقيع اتفاقيات تعاون بين 12 جامعة مصرية وجامعة لويفيل الأمريكية لإنشاء مسار مشترك لبرامج ماجستير العلوم الهندسية في كافة التخصصات الهندسية بجامعة لويفيل    أسعار الذهب اليوم السبت 19 يوليو في بداية التعاملات    أسعار الفراخ البيضاء في الأسواق المحلية    أسعار اللحوم الجملي والضاني اليوم السبت 19-7-2025 في الأسواق ومحال الجزارة بقنا    كلمة الرئيس السوري حول أحداث «محافظة السويداء»    أكثر من 170 قتيلا جراء الفيضانات في باكستان    أستراليا تعلن تسليم دبابات أبرامز إلى أوكرانيا    شهداء وجرحى إثر استهداف إسرائيلي جديد لمنتظري المساعدات    برلماني: مصر والسعودية ستظلان حجر الزاوية للأمن والاستقرار في المنطقة    الزمالك يعلن تغريم فتوح وإيقاف مستحقاته وتحويله للتحقيق    النصر يضع شروطه للتخلي عن نجم الفريق    هل يُفسد معسكر إسبانيا مفاوضات بيراميدز مع حمدي فتحي؟    ضبط 3 سائقين بتهمة السير عكس الاتجاه بالقليوبية    تحرير 734 مخالفة مرورية لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    تفاصيل حفل افتتاح مهرجان العلمين.. أنغام تطرب الجمهور وتامر عاشور يفجر مفاجأة    انطلاق صيف الأوبرا.. فتحي سلامة ومحمود التهامي البوابة السحرية لعالم الروحانيات الصوفية    معارض فنية عن التراث الدمياطي وحكاية تل البراشية بثقافة دمياط    محمد رمضان ينتهي من تصوير إعلان جديد بالساحل الشمالي.. (تفاصيل)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 19-7-2025 في محافظة قنا    «100 يوم صحة» قدمت أكثر من 5 ملايين خدمة طبية مجانية خلال ثلاثة أيام    متخصصة فى الذكاء الاصطناعى.. شروط التقدم لمدرسة أبدا الوطنية للتكنولوجيا    أسعار البيض اليوم السبت 19 يوليو 2025    رئيس هيئة البترول يتفقد منطقة أسيوط لمتابعة جاهزية المشروعات    غيط: الإسماعيلي مهدد بخصم 9 نقاط من رصيده ثم الهبوط.. ويحتاج ل 1.8 مليون دولار    «الأرصاد» تحذر: طقس اليوم شديد الحرارة على معظم الأنحاء    مين عملها أحسن؟ حديث طريف بين حسين فهمي وياسر جلال عن شخصية "شهريار" (فيديو)    بالفيديو.. موعد نتيجة الثانوية العامة 2025 وبشرى سارة للطلاب    الطقس اليوم السبت 19-7-2025.. انخفاض طفيف بدرجات الحرارة وارتفاع بالرطوبة    رئيس هيئة الرعاية الصحية يلتقي الرئيس الإقليمي لشركة جانسن بمصر والأردن والسودان وليبيا وأثيوبيا    نائب وزير المالية للبوابة نيوز: دمج المراجعتين الخامسة والسادسة من البرنامج المصرى مع "النقد الدولي"غير مقلق    بعد التوقف الدولي.. حسام حسن ينتظر استئناف تصفيات أفريقيا المؤهلة لكأس العالم    45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. السبت 19 يوليو 2025    زينة.. عام سينمائي غير مسبوق    «مرض عمه يشعل معسكر الزمالك».. أحمد فتوح يظهر «متخفيًا» في حفل راغب علامة رفقة إمام عاشور (فيديو)    أول ظهور ل رزان مغربي بعد حادث سقوط السقف عليها.. ورسالة مؤثرة من مدير أعمالها    وسام أبو علي| من هاتريك المجد إلى بوابة الخروج من الأهلي.. أبرز محطات النجم الفلسطيني    ترامب يتوقع إنهاء حرب غزة ويعلن تدمير القدرات النووية الإيرانية    عيار 21 يترقب مفاجآت.. أسعار الذهب والسبائك اليوم في الصاغة وتوقعات بارتفاعات كبيرة    كل ما تريد معرفته عن مهرجان «كلاسيك أوبن إير» ببرلين    مصدر أمني يكشف حقيقة سرقة الأسوار الحديدية من أعلى «الدائري» بالجيزة    رئيس حكومة لبنان: نعمل على حماية بلدنا من الانجرار لأي مغامرة جديدة    عميد طب جامعة أسيوط: لم نتوصل لتشخيص الحالة المرضية لوالد «أطفال دلجا»    إصابة 8 أشخاص في تصادم ميكروباص على طريق المحمودية بالإسكندرية    بشكل مفاجئ، الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم يحذف البيان الخاص بوسام أبو علي    تطورات جديدة في واقعة "بائع العسلية" بالمحلة، حجز والد الطفل لهذا السبب    داعية إسلامي يهاجم أحمد كريمة بسبب «الرقية الشرعية» (فيديو)    مصرع طفلة غرقًا في مصرف زراعي بقرية بني صالح في الفيوم    «زي النهارده».. وفاة اللواء عمر سليمان 19 يوليو 2012    5 أبراج على موعد مع فرص مهنية مميزة: مجتهدون يجذبون اهتمام مدرائهم وأفكارهم غير تقليدية    أحمد كريمة عن العلاج ب الحجامة: «كذب ودجل» (فيديو)    تعاني من الأرق؟ هذه التمارين قد تكون مفتاح نومك الهادئ    وزير الخارجية اللبنانى لنظيره الأيرلندي: نطلب دعم بلدكم لتجديد "اليونيفيل"    "القومي للمرأة" يستقبل وفدًا من اتحاد "بشبابها" التابع لوزارة الشباب والرياضة    5 طرق فعالة للتغلب على الكسل واستعادة نشاطك اليومي    عبد السند يمامة عن استشهاده بآية قرآنية: قصدت من «وفدا» الدعاء.. وهذا سبب هجوم الإخوان ضدي    هل مساعدة الزوجة لزوجها ماليا تعتبر صدقة؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لينا هويان الحسن: داعيات الثقافة ينتقدن «الجنس الصريح» في رواياتي
نشر في صوت البلد يوم 11 - 02 - 2018

تمكنت الروائية السورية لينا هويان الحسن من نحت أسلوب خاص بها، فأعمالها الروائية مُعبقة بنفس أُنثوي، إذ أن المرأة ليست مجردَ عنصرِ مكملٍ في عالم الآخر، بل هي من تؤثث فضاءها، وترتادُ دروبا مُلغمة بتابوهات، لذلك فمن يقرأُ أعمال مؤلفة «بنات نعش» يدركُ أنّ المبدأُ المحرك وراءها، هو أن السرد الذي لايُؤنثُ لايُعولُ عليه. كما أن ميثولوجيا الصحراءِ تُطعمُ بنية رواياتها بفانتازية شفيفة. يذكرُ أن آخر إصداراتها «بنت الباشا» أثارت ردود فعل متباينة بين مرحب بها ومنتقد لها.
- تحفلُ رواياتك بشخصيات نسائية، بل إنَ معظم أعمالك تحملُ عناوين تُحيلُ إلى فضاءات أُنثوية، هل أردت بذلك إنصاف المرأة التي ظل وجهها مغمورا في سجل التاريخ الرسمي؟
لطالما قدّم الأدب العربي نساء هشّات يتوقفن عند جرح الحب الأول، يغدون محطمات مع أوّل قصة حبّ. وغالبا ما ارتُكِبت هذه الحماقة بأقلام نسائية. على مدى نصف قرن من الإبداع «النسوي» العربي، غالبا ما قُدّمت كشخصية متفانية، منهكة، تحمل شعارات كثيرة لحياتها، أهمها «الرجل الظالم الغاشم الذي لا يعرف الحب بقدر ما يعرف الخيانة». بطلات كهؤلاء كن مفضلات دائما لدى أديباتنا، تحديدا الجيل الذي سبقنا، وما زلت أقرأ لكاتبات من جيلي، الأنماط ذاتها، لم تتغير. بالنسبة لي، عمدت لاختيار «أنثى الضفة الأخرى» المرأة المستبدّة على نحو خفي، تفعل كلّ ما تريده عبر الحيلة، ربما يسوء نساء هذا الزمن الاعتراف بأن جداتنا كن أذكى منهن، كانت المرأة تنجب قبيلة من الأولاد تربيهم بدون أن تزور عيادة الطبيب النفسي مثلا. نساء هذا الزمن معطوبات، أنظر مواقع التواصل الاجتماعي وانظر حجم الحمق في تسوّل الحب والاهتمام، على طريقة المراهقات. لهذا اخترت نسائي «المحتالات، الشريرات، اللعوبات». أردت تسريب بعض العدوى للقارئات.
وللأسف تتعرض رواياتي لحرب دائمة من قبل الناقدات والكاتبات والصحافيات، لأن بطلاتي، سيّدات قويّات يصعب تقليدهن. وهذا سبب لي عداوات كثيرة ومعظم الآراء النقدية التي تعرضت لها هي بأقلام «نسوية» أقلام تكرّس المرأة «المراهقة». إنهن يرفضن فكرة النضج على طريقة «برلنت» في «الماس ونساء»، أو فكرة التمسّك «الأنا» على طريقة نازك خانم، أو القدرة على تغيير الحياة، رغم أنف الكل مثل بطلاتي في «سلطانات الرمل». وبين وقت وآخر تنتقدني إحدى الكاتبات بسبب ما تسميه «الجنس الصريح» في روايتي «بنت الباشا». لا أعرف كيف سنتطور ولدينا داعيات الثقافة اللواتي يتربصن بما كُتب عن علاقة حب بين بطلة وحبيبها، كيف لي أن أكتب نصّا منقوصا؟ أحدهم وصف «بنت الباشا» على الإنستغرام بأنه يصعب تركها في البيت، بسبب احتوائها على مقاطع جنسية فاضحة؟ بينما هو نفسه يروج على صفحته لكتب هنري ميللر؟ من يفهمني هذا التناقض والغباء الثقافي؟ احدى الكاتبات وصفت روايتي «الماس ونساء» أنها تروّج للعهر؟ بينما تستشهد بمقالاتها بأقوال لفرجينيا وولف وأناييس نين، اذن مسموح لأناييس نين أن تكتب عن الجنس، لكن ليس مسموحا لي أن أكتب شيئا من ذلك. من يفسر لي هذا المأزق السخيف، الذي لا أتوقف عنده إلا على سبيل المزاح والاستهزاء؟
- في روايتك الأخيرة «بنت الباشا» تبدو مدينة دمشق فضاء مُنفتحا على التنوع الديني، كما أن هناك احتفاء بالتراث الصوفي الذي يزخرُ بنزعات إنسانية مُناقضة لاصطفافات مذهبية، هل تعتقدين أنَّ استعادة هذه الصورة روائيا يساهم في تكريس وعي مضاد للتزمت؟
دائما ما أختار قصصا حقيقية، وأبني النص وفق شخصية اختارها، عشت جزءا كبيرا من حياتي في منطقة «ركن الدين» في دمشق، تعرفت على الشام من خلال نسائها، لطالما سمعت الحكايا تخرج من أفواه نساء تُلّقب الواحدة منهن ب«الآغاية»، أي مؤنث «آغا». يتكلمن بينما أناملهن الارستقراطية مزينة بخواتم ورثنها عن جداتهن. فمعظم أمهات وجدات دمشق القديمة هن من «الكرجيات» أي الجواري الروسيات، وصلن دمشق من خلال أسواق النخاسة التي ظلت مزدهرة حتى أواخر القرن التاسع عشر، وكثير من صديقاتي كن يحتفظن بصكوك العتق لجداتهن. وقد زودت الرواية بأحد تلك النصوص القضائية التي تشبه حكاية خيالية أكثر من أن تكون حكما قضائيا يعتق عبدة أو جارية. كن يتحدثن عن علاقات الجوار الرائعة بين الأديان الثلاثة الرئيسية التي تعايشت في دمشق لقرون طويلة: «إسلام، ومسيحية ويهود» إضافة إلى العجينة الغريبة التي كوّنت سكان دمشق على مرّ القرون، من شركس وأرمن وتركمان وأكراد، أذريين وداغستانيين وتتار وأتراك. لدمشق حكاية فريدة مع التنوع، والتعايش الديني والمذهبي والطائفي، أردت استعادتها من خلال أعمالي للتذكير بذلك العالم المطمئن، الذي نعمت به دمشق رغم محاولات مشبوهة ومتكررة من قبل القناصل الأجانب لإثارة النعرات الطائفية بين وقت وآخر، لكن دمشق نجحت دائما في التغلب على التعصب.
- بنية الرحلة مُهيمنةُ على رواياتك وأن الشخصيات الأساسية دائما مسكونةُ برغبة الانتقال من مكان إلى آخر، هل يمكنُ تفسير ذلك بأنَّه مجرد عامل لإضفاء مزيد من التشويق إلى بناء العمل، أو إضافة إلى ذلك يوجد ما هو مضمر وراء هذه الرغبة؟
أركز دائما على فكرة «التغيير، التجدد، الانبعاث، الانتقال» إذا لم يعجبك المكان، غيّره، لم لا؟ أشجع دائما على هذه الفكرة التي ركزت عليها من خلال الحديث عن ذكاء «الأفعى وهي تجدد جلدها وتخلع ثوبها القديم لتنمو» فالمرأة عليها أن تكون جريئة بخطواتها، أحاول تقديم ذلك النموذج بدون ملل، لأنه نموذج مستفز وقد يحدث صدمة لدى النساء الخانعات، وقد يكرهن «بطلاتي» لكنني أثق بأن ذلك كفيل بزعزعة قناعاتهن. لا، لحياة المستنقعات التي تشجع عليها تقاليدنا البالية.
- يُحمّل الروائيون شخصياتهم جزءا من تجاربهم الحياتية ويُنطقونها بأفكارهم ورؤاهم هل هناك شخصية بعينها من بين الشخصيات التي نحتَّها تُمثلك أكثر من غيرها؟
لا أنكر أننا نكتب «مذكرات، خفيّة» نضمنها لأعمالنا، وكلّ بطلاتي هن جزء من أبعادي الكثيرة فلا أعرف حقا كم أنثى في داخلي، كلما أعتقد أنّي كتبت عن الأنثى الأخيرة لديّ، أكتشف أنها جزء من قبيلة نساء متباينات، غريبات، محيّرات، مستفزّات، لديَّ الكثير منهن. وفي كلّ مرة تتبدى سيدة جديدة لم أحدس أنها موجودة مختبئة في غابتي. فالكاتب يحمل غابة سحرية في داخله وكلما هزها أخرجت كائنات سريالية غريبة.
- رواية «الذئاب لا تنسى» مستقاة مادتها من تجربتك الذاتية مع أحداث سوريا التي لا تزال حلبة للصراع بين الملل، وأضحت الروايات التي تستندُ إلى مشاهدات عيانية وهي قريبةُ في صياغتها من القوالب الخبرية نوعا رائجا. برأيك على ماذا تراهن تلك الأعمال لكي تُقرأ في المستقبل؟
عندما كتبتُ «الذئاب لا تنسى» كانت جزءا من مذكراتي، لم تكن إلا مدة خمسين يوما تقريبا، إنها نص «السيرة»، لكنها مطعمة بأحداث الفجيعة السورية اليومية، ما كتبته لم يكن رؤية، إنما شهادة شخصية تتخللها الكثير من الذكريات عن البادية الشامية التي عرفتها خلال طفولتي، ليس هنالك أكثر بؤسا من تدوين الأحزان الشخصية المتمثلة بمصرع أحد أفراد العائلة. كتبتها لأشفى قليلا من حزني، لم أُحَمْلها رؤية سياسية محددة لكي لا أغامر بتصنيف نصي أو قلمي لأحد الأطراف المتصارعة في سوريا لكي أتجنب سمة: «مع، أو، ضد» أردت المحافظة على استقلال قلمي قدر الإمكان.
.....
٭ كاتب عراقي
تمكنت الروائية السورية لينا هويان الحسن من نحت أسلوب خاص بها، فأعمالها الروائية مُعبقة بنفس أُنثوي، إذ أن المرأة ليست مجردَ عنصرِ مكملٍ في عالم الآخر، بل هي من تؤثث فضاءها، وترتادُ دروبا مُلغمة بتابوهات، لذلك فمن يقرأُ أعمال مؤلفة «بنات نعش» يدركُ أنّ المبدأُ المحرك وراءها، هو أن السرد الذي لايُؤنثُ لايُعولُ عليه. كما أن ميثولوجيا الصحراءِ تُطعمُ بنية رواياتها بفانتازية شفيفة. يذكرُ أن آخر إصداراتها «بنت الباشا» أثارت ردود فعل متباينة بين مرحب بها ومنتقد لها.
- تحفلُ رواياتك بشخصيات نسائية، بل إنَ معظم أعمالك تحملُ عناوين تُحيلُ إلى فضاءات أُنثوية، هل أردت بذلك إنصاف المرأة التي ظل وجهها مغمورا في سجل التاريخ الرسمي؟
لطالما قدّم الأدب العربي نساء هشّات يتوقفن عند جرح الحب الأول، يغدون محطمات مع أوّل قصة حبّ. وغالبا ما ارتُكِبت هذه الحماقة بأقلام نسائية. على مدى نصف قرن من الإبداع «النسوي» العربي، غالبا ما قُدّمت كشخصية متفانية، منهكة، تحمل شعارات كثيرة لحياتها، أهمها «الرجل الظالم الغاشم الذي لا يعرف الحب بقدر ما يعرف الخيانة». بطلات كهؤلاء كن مفضلات دائما لدى أديباتنا، تحديدا الجيل الذي سبقنا، وما زلت أقرأ لكاتبات من جيلي، الأنماط ذاتها، لم تتغير. بالنسبة لي، عمدت لاختيار «أنثى الضفة الأخرى» المرأة المستبدّة على نحو خفي، تفعل كلّ ما تريده عبر الحيلة، ربما يسوء نساء هذا الزمن الاعتراف بأن جداتنا كن أذكى منهن، كانت المرأة تنجب قبيلة من الأولاد تربيهم بدون أن تزور عيادة الطبيب النفسي مثلا. نساء هذا الزمن معطوبات، أنظر مواقع التواصل الاجتماعي وانظر حجم الحمق في تسوّل الحب والاهتمام، على طريقة المراهقات. لهذا اخترت نسائي «المحتالات، الشريرات، اللعوبات». أردت تسريب بعض العدوى للقارئات.
وللأسف تتعرض رواياتي لحرب دائمة من قبل الناقدات والكاتبات والصحافيات، لأن بطلاتي، سيّدات قويّات يصعب تقليدهن. وهذا سبب لي عداوات كثيرة ومعظم الآراء النقدية التي تعرضت لها هي بأقلام «نسوية» أقلام تكرّس المرأة «المراهقة». إنهن يرفضن فكرة النضج على طريقة «برلنت» في «الماس ونساء»، أو فكرة التمسّك «الأنا» على طريقة نازك خانم، أو القدرة على تغيير الحياة، رغم أنف الكل مثل بطلاتي في «سلطانات الرمل». وبين وقت وآخر تنتقدني إحدى الكاتبات بسبب ما تسميه «الجنس الصريح» في روايتي «بنت الباشا». لا أعرف كيف سنتطور ولدينا داعيات الثقافة اللواتي يتربصن بما كُتب عن علاقة حب بين بطلة وحبيبها، كيف لي أن أكتب نصّا منقوصا؟ أحدهم وصف «بنت الباشا» على الإنستغرام بأنه يصعب تركها في البيت، بسبب احتوائها على مقاطع جنسية فاضحة؟ بينما هو نفسه يروج على صفحته لكتب هنري ميللر؟ من يفهمني هذا التناقض والغباء الثقافي؟ احدى الكاتبات وصفت روايتي «الماس ونساء» أنها تروّج للعهر؟ بينما تستشهد بمقالاتها بأقوال لفرجينيا وولف وأناييس نين، اذن مسموح لأناييس نين أن تكتب عن الجنس، لكن ليس مسموحا لي أن أكتب شيئا من ذلك. من يفسر لي هذا المأزق السخيف، الذي لا أتوقف عنده إلا على سبيل المزاح والاستهزاء؟
- في روايتك الأخيرة «بنت الباشا» تبدو مدينة دمشق فضاء مُنفتحا على التنوع الديني، كما أن هناك احتفاء بالتراث الصوفي الذي يزخرُ بنزعات إنسانية مُناقضة لاصطفافات مذهبية، هل تعتقدين أنَّ استعادة هذه الصورة روائيا يساهم في تكريس وعي مضاد للتزمت؟
دائما ما أختار قصصا حقيقية، وأبني النص وفق شخصية اختارها، عشت جزءا كبيرا من حياتي في منطقة «ركن الدين» في دمشق، تعرفت على الشام من خلال نسائها، لطالما سمعت الحكايا تخرج من أفواه نساء تُلّقب الواحدة منهن ب«الآغاية»، أي مؤنث «آغا». يتكلمن بينما أناملهن الارستقراطية مزينة بخواتم ورثنها عن جداتهن. فمعظم أمهات وجدات دمشق القديمة هن من «الكرجيات» أي الجواري الروسيات، وصلن دمشق من خلال أسواق النخاسة التي ظلت مزدهرة حتى أواخر القرن التاسع عشر، وكثير من صديقاتي كن يحتفظن بصكوك العتق لجداتهن. وقد زودت الرواية بأحد تلك النصوص القضائية التي تشبه حكاية خيالية أكثر من أن تكون حكما قضائيا يعتق عبدة أو جارية. كن يتحدثن عن علاقات الجوار الرائعة بين الأديان الثلاثة الرئيسية التي تعايشت في دمشق لقرون طويلة: «إسلام، ومسيحية ويهود» إضافة إلى العجينة الغريبة التي كوّنت سكان دمشق على مرّ القرون، من شركس وأرمن وتركمان وأكراد، أذريين وداغستانيين وتتار وأتراك. لدمشق حكاية فريدة مع التنوع، والتعايش الديني والمذهبي والطائفي، أردت استعادتها من خلال أعمالي للتذكير بذلك العالم المطمئن، الذي نعمت به دمشق رغم محاولات مشبوهة ومتكررة من قبل القناصل الأجانب لإثارة النعرات الطائفية بين وقت وآخر، لكن دمشق نجحت دائما في التغلب على التعصب.
- بنية الرحلة مُهيمنةُ على رواياتك وأن الشخصيات الأساسية دائما مسكونةُ برغبة الانتقال من مكان إلى آخر، هل يمكنُ تفسير ذلك بأنَّه مجرد عامل لإضفاء مزيد من التشويق إلى بناء العمل، أو إضافة إلى ذلك يوجد ما هو مضمر وراء هذه الرغبة؟
أركز دائما على فكرة «التغيير، التجدد، الانبعاث، الانتقال» إذا لم يعجبك المكان، غيّره، لم لا؟ أشجع دائما على هذه الفكرة التي ركزت عليها من خلال الحديث عن ذكاء «الأفعى وهي تجدد جلدها وتخلع ثوبها القديم لتنمو» فالمرأة عليها أن تكون جريئة بخطواتها، أحاول تقديم ذلك النموذج بدون ملل، لأنه نموذج مستفز وقد يحدث صدمة لدى النساء الخانعات، وقد يكرهن «بطلاتي» لكنني أثق بأن ذلك كفيل بزعزعة قناعاتهن. لا، لحياة المستنقعات التي تشجع عليها تقاليدنا البالية.
- يُحمّل الروائيون شخصياتهم جزءا من تجاربهم الحياتية ويُنطقونها بأفكارهم ورؤاهم هل هناك شخصية بعينها من بين الشخصيات التي نحتَّها تُمثلك أكثر من غيرها؟
لا أنكر أننا نكتب «مذكرات، خفيّة» نضمنها لأعمالنا، وكلّ بطلاتي هن جزء من أبعادي الكثيرة فلا أعرف حقا كم أنثى في داخلي، كلما أعتقد أنّي كتبت عن الأنثى الأخيرة لديّ، أكتشف أنها جزء من قبيلة نساء متباينات، غريبات، محيّرات، مستفزّات، لديَّ الكثير منهن. وفي كلّ مرة تتبدى سيدة جديدة لم أحدس أنها موجودة مختبئة في غابتي. فالكاتب يحمل غابة سحرية في داخله وكلما هزها أخرجت كائنات سريالية غريبة.
- رواية «الذئاب لا تنسى» مستقاة مادتها من تجربتك الذاتية مع أحداث سوريا التي لا تزال حلبة للصراع بين الملل، وأضحت الروايات التي تستندُ إلى مشاهدات عيانية وهي قريبةُ في صياغتها من القوالب الخبرية نوعا رائجا. برأيك على ماذا تراهن تلك الأعمال لكي تُقرأ في المستقبل؟
عندما كتبتُ «الذئاب لا تنسى» كانت جزءا من مذكراتي، لم تكن إلا مدة خمسين يوما تقريبا، إنها نص «السيرة»، لكنها مطعمة بأحداث الفجيعة السورية اليومية، ما كتبته لم يكن رؤية، إنما شهادة شخصية تتخللها الكثير من الذكريات عن البادية الشامية التي عرفتها خلال طفولتي، ليس هنالك أكثر بؤسا من تدوين الأحزان الشخصية المتمثلة بمصرع أحد أفراد العائلة. كتبتها لأشفى قليلا من حزني، لم أُحَمْلها رؤية سياسية محددة لكي لا أغامر بتصنيف نصي أو قلمي لأحد الأطراف المتصارعة في سوريا لكي أتجنب سمة: «مع، أو، ضد» أردت المحافظة على استقلال قلمي قدر الإمكان.
.....
٭ كاتب عراقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.