محتجون ينصبون خياما قرب منزل نتنياهو في القدس لوقف خطة احتلال غزة    عشية بحث سعر الفائدة، تعيين مستشار لترامب عضوا بالاحتياطي الفيدرالي وبقاء ليزا كوك في منصبها    تحركوا الآن، "الصحفيين الأفارقة" يوجه نداء إلى الحكومات والأمم المتحدة بشأن صحفيي غزة    بعد فشل النحاس في لملمة الجراح، قناة الأهلي تفجر مفاجأة حول المدرب الجديد (فيديو)    منها عودة الأمطار وخطورة ب 3 شواطئ، تحذير من 6 ظواهر جوية تضرب طقس اليوم    بيان من سينما زاوية بشأن واقعة الاعتداء على المخرج الشاب محمود يحيى    قلبك يدفع الثمن، تحذير خطير من النوم 6 ساعات فقط كل ليلة    أسعار الخضار في أسواق أسوان اليوم الثلاثاء16 سبتمبر 2025    بسبب مباراة إنبي.. عماد النحاس يطيح بثنائي الأهلي من التشكيل الأساسي    منظومة متكاملة من الحوافز الاستثمارية ل«الرعاية الصحية»    قرارات التعليم بشأن الكتب المدرسية 2025.. تسليم دون ربط بالمصروفات (تفاصيل)    مواعيد صرف المرتبات 2025 للموظفين بعد قرار المالية والحد الأدنى للأجور    بتأييد من أمريكا.. إسرائيل تطلق عمليتها البرية لاحتلال مدينة غزة    قبل أيام من بدء العام الدراسي.. تفاصيل قرارات وزارة التعليم (نظام الإعدادية الجديد وموقف التربية الدينية)    السيطرة على حريق التهم شقة سكنية بالدخيلة في الإسكندرية    «سويلم» لمجموعة البنك الدولي: «سياسات حديثة لمنظومة الري»    خالد جلال وكشف حساب    أعضاء «النيابة» الجدد يؤدون اليمين القانونية    ترامب يقترح توسيع الضربات ضد مهربي المخدرات من البحر إلى البر    ارتفاع سهم تسلا بعد شراء ماسك 2.5 مليون سهم بمليار دولار    أهمها الثلاجات والميكروويف.. 6 عوامل رئيسية تُساعد على ضعف شبكة الإنترنت في المنزل    مستشار وزير التموين السابق: جرام الذهب سيصل إلى 5500 جنيه قبل نهاية العام    إبراهيم صلاح: فيريرا كسب ثقة جماهير الزمالك بعد التوقف    ضياء رشوان: الرئيس السيسي وصف إسرائيل بالعدو لأول مرة منذ زيارة السادات للقدس    أول رد رسمي من بيراميدز على مفاوضات الأهلي مع ماييلي    عاجل القناة 12: إجلاء 320 ألفًا من سكان غزة يفتح الطريق أمام بدء العملية البرية    تحية العلم يوميًا وصيانة شاملة.. تعليمات جديدة لضبط مدارس الجيزة    صور.. حفلة تخريج دفعة بكالوريوس 2025 الدراسات العليا تجارة القاهرة بالشيخ زايد    بسبب المال.. أنهى حياة زوجته في العبور وهرب    أبرزها استبدل البطارية.. 8 خطوات سهلة تجعل جهاز آيفون القديم جديدًا    فيديو أهداف مباراة إسبانيول و مايوركا في الدوري الإسباني الممتاز ( فيديو)    لقاء تاريخي في البيت الأبيض يجمع البطريرك برثلماوس بالرئيس الأمريكي ترامب    ليت الزمان يعود يومًا.. النجوم يعودون للطفولة والشباب ب الذكاء الاصطناعي    الجمهور يهاجم عصام صاصا وزوجته بسبب صورهما الجريئة: "زودتوها شوية"    أمين الفتوى بدار الإفتاء: الكلب طاهر.. وغسل الإناء الذي ولغ فيه أمر تعبدي    "النقل العام" تشارك في نقل السائحين داخل منطقة الأهرامات - تفاصيل    الاحتلال يكثف غاراته على مدينة غزة    الشيبي: نريد دخول التاريخ.. وهدفنا مواجهة باريس سان جيرمان في نهائي الإنتركونتيننتال    نجم بيراميدز يكشف: تعرضت لحملة ممنهجة في الزمالك    الفنان أحمد إبراهيم يلقى كلمة "اليوم المصرى للموسيقى" بقلم الموسيقار عمر خيرت.. وزير الثقافة يكرم عددا من الرموز.. عادل حسان: أتمنى أن ترافقنا الموسيقى فى كل لحظة.. وخالد جلال يؤكد ألحان سيد درويش علامة فارقة    مسيحيون فلسطينيون في مؤتمر أمريكي يطالبون بإنهاء حرب غزة ومواجهة الصهيونية المسيحية    مسئول صينيى: عزم الصين على حماية حقوقها المشروعة أمر لا يتزعزع    ارتفاع أسعار النفط مع تصاعد حدة القتال بين روسيا وأوكرانيا    اكتشاف أول حالة إصابة ب إنفلونزا الطيور في الولايات المتحدة    أهمها قلة تناول الخضروات.. عادات يومية تؤدي إلى سرطان القولون (احذر منها)    4 أبراج «معاهم ملاك حارس».. صادقون يحظون بالعناية ويخرجون من المآزق بمهارة    سيطرة مصرية في ختام دور ال16 ببطولة مصر المفتوحة للإسكواش    «مشاكله كلها بعد اتنين بالليل».. مجدي عبدالغني ينتقد إمام عاشور: «بتنام إمتى؟»    تحذير شديد بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد تُناشد: «حافظوا على سلامتكم»    الوقت ليس مناسب للتنازلات.. حظ برج الدلو اليوم 16 سبتمبر    تحذير من تناول «عقار شائع» يعطل العملية.. علماء يكشفون آلية المخ لتنقية نفسه    محافظ الغربية: الثقة في مؤسسات الدولة تبدأ من نزاهة وشفافية أداء العاملين بها    شيخ الأزهر: مستعدون للتعاون في إعداد برامج إعلامية لربط النشء والشباب بكتاب الله تعالى    المجلس الأعلى للنيابة الإدارية يعقد اجتماعه بتشكيله الجديد برئاسة المستشار محمد الشناوي    ما حكم أخذ قرض لتجهيز ابنتي للزواج؟.. أمين الفتوى يوضح رأي الشرع    كيفية قضاء الصلوات الفائتة وهل تجزئ عنها النوافل.. 6 أحكام مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    أستاذ بالأزهر يحذر من ارتكاب الحرام بحجة توفير المال للأهل والأولاد    "مدبولي" يعلن بدء تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل بالمنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لينا هويان الحسن: داعيات الثقافة ينتقدن «الجنس الصريح» في رواياتي
نشر في صوت البلد يوم 11 - 02 - 2018

تمكنت الروائية السورية لينا هويان الحسن من نحت أسلوب خاص بها، فأعمالها الروائية مُعبقة بنفس أُنثوي، إذ أن المرأة ليست مجردَ عنصرِ مكملٍ في عالم الآخر، بل هي من تؤثث فضاءها، وترتادُ دروبا مُلغمة بتابوهات، لذلك فمن يقرأُ أعمال مؤلفة «بنات نعش» يدركُ أنّ المبدأُ المحرك وراءها، هو أن السرد الذي لايُؤنثُ لايُعولُ عليه. كما أن ميثولوجيا الصحراءِ تُطعمُ بنية رواياتها بفانتازية شفيفة. يذكرُ أن آخر إصداراتها «بنت الباشا» أثارت ردود فعل متباينة بين مرحب بها ومنتقد لها.
- تحفلُ رواياتك بشخصيات نسائية، بل إنَ معظم أعمالك تحملُ عناوين تُحيلُ إلى فضاءات أُنثوية، هل أردت بذلك إنصاف المرأة التي ظل وجهها مغمورا في سجل التاريخ الرسمي؟
لطالما قدّم الأدب العربي نساء هشّات يتوقفن عند جرح الحب الأول، يغدون محطمات مع أوّل قصة حبّ. وغالبا ما ارتُكِبت هذه الحماقة بأقلام نسائية. على مدى نصف قرن من الإبداع «النسوي» العربي، غالبا ما قُدّمت كشخصية متفانية، منهكة، تحمل شعارات كثيرة لحياتها، أهمها «الرجل الظالم الغاشم الذي لا يعرف الحب بقدر ما يعرف الخيانة». بطلات كهؤلاء كن مفضلات دائما لدى أديباتنا، تحديدا الجيل الذي سبقنا، وما زلت أقرأ لكاتبات من جيلي، الأنماط ذاتها، لم تتغير. بالنسبة لي، عمدت لاختيار «أنثى الضفة الأخرى» المرأة المستبدّة على نحو خفي، تفعل كلّ ما تريده عبر الحيلة، ربما يسوء نساء هذا الزمن الاعتراف بأن جداتنا كن أذكى منهن، كانت المرأة تنجب قبيلة من الأولاد تربيهم بدون أن تزور عيادة الطبيب النفسي مثلا. نساء هذا الزمن معطوبات، أنظر مواقع التواصل الاجتماعي وانظر حجم الحمق في تسوّل الحب والاهتمام، على طريقة المراهقات. لهذا اخترت نسائي «المحتالات، الشريرات، اللعوبات». أردت تسريب بعض العدوى للقارئات.
وللأسف تتعرض رواياتي لحرب دائمة من قبل الناقدات والكاتبات والصحافيات، لأن بطلاتي، سيّدات قويّات يصعب تقليدهن. وهذا سبب لي عداوات كثيرة ومعظم الآراء النقدية التي تعرضت لها هي بأقلام «نسوية» أقلام تكرّس المرأة «المراهقة». إنهن يرفضن فكرة النضج على طريقة «برلنت» في «الماس ونساء»، أو فكرة التمسّك «الأنا» على طريقة نازك خانم، أو القدرة على تغيير الحياة، رغم أنف الكل مثل بطلاتي في «سلطانات الرمل». وبين وقت وآخر تنتقدني إحدى الكاتبات بسبب ما تسميه «الجنس الصريح» في روايتي «بنت الباشا». لا أعرف كيف سنتطور ولدينا داعيات الثقافة اللواتي يتربصن بما كُتب عن علاقة حب بين بطلة وحبيبها، كيف لي أن أكتب نصّا منقوصا؟ أحدهم وصف «بنت الباشا» على الإنستغرام بأنه يصعب تركها في البيت، بسبب احتوائها على مقاطع جنسية فاضحة؟ بينما هو نفسه يروج على صفحته لكتب هنري ميللر؟ من يفهمني هذا التناقض والغباء الثقافي؟ احدى الكاتبات وصفت روايتي «الماس ونساء» أنها تروّج للعهر؟ بينما تستشهد بمقالاتها بأقوال لفرجينيا وولف وأناييس نين، اذن مسموح لأناييس نين أن تكتب عن الجنس، لكن ليس مسموحا لي أن أكتب شيئا من ذلك. من يفسر لي هذا المأزق السخيف، الذي لا أتوقف عنده إلا على سبيل المزاح والاستهزاء؟
- في روايتك الأخيرة «بنت الباشا» تبدو مدينة دمشق فضاء مُنفتحا على التنوع الديني، كما أن هناك احتفاء بالتراث الصوفي الذي يزخرُ بنزعات إنسانية مُناقضة لاصطفافات مذهبية، هل تعتقدين أنَّ استعادة هذه الصورة روائيا يساهم في تكريس وعي مضاد للتزمت؟
دائما ما أختار قصصا حقيقية، وأبني النص وفق شخصية اختارها، عشت جزءا كبيرا من حياتي في منطقة «ركن الدين» في دمشق، تعرفت على الشام من خلال نسائها، لطالما سمعت الحكايا تخرج من أفواه نساء تُلّقب الواحدة منهن ب«الآغاية»، أي مؤنث «آغا». يتكلمن بينما أناملهن الارستقراطية مزينة بخواتم ورثنها عن جداتهن. فمعظم أمهات وجدات دمشق القديمة هن من «الكرجيات» أي الجواري الروسيات، وصلن دمشق من خلال أسواق النخاسة التي ظلت مزدهرة حتى أواخر القرن التاسع عشر، وكثير من صديقاتي كن يحتفظن بصكوك العتق لجداتهن. وقد زودت الرواية بأحد تلك النصوص القضائية التي تشبه حكاية خيالية أكثر من أن تكون حكما قضائيا يعتق عبدة أو جارية. كن يتحدثن عن علاقات الجوار الرائعة بين الأديان الثلاثة الرئيسية التي تعايشت في دمشق لقرون طويلة: «إسلام، ومسيحية ويهود» إضافة إلى العجينة الغريبة التي كوّنت سكان دمشق على مرّ القرون، من شركس وأرمن وتركمان وأكراد، أذريين وداغستانيين وتتار وأتراك. لدمشق حكاية فريدة مع التنوع، والتعايش الديني والمذهبي والطائفي، أردت استعادتها من خلال أعمالي للتذكير بذلك العالم المطمئن، الذي نعمت به دمشق رغم محاولات مشبوهة ومتكررة من قبل القناصل الأجانب لإثارة النعرات الطائفية بين وقت وآخر، لكن دمشق نجحت دائما في التغلب على التعصب.
- بنية الرحلة مُهيمنةُ على رواياتك وأن الشخصيات الأساسية دائما مسكونةُ برغبة الانتقال من مكان إلى آخر، هل يمكنُ تفسير ذلك بأنَّه مجرد عامل لإضفاء مزيد من التشويق إلى بناء العمل، أو إضافة إلى ذلك يوجد ما هو مضمر وراء هذه الرغبة؟
أركز دائما على فكرة «التغيير، التجدد، الانبعاث، الانتقال» إذا لم يعجبك المكان، غيّره، لم لا؟ أشجع دائما على هذه الفكرة التي ركزت عليها من خلال الحديث عن ذكاء «الأفعى وهي تجدد جلدها وتخلع ثوبها القديم لتنمو» فالمرأة عليها أن تكون جريئة بخطواتها، أحاول تقديم ذلك النموذج بدون ملل، لأنه نموذج مستفز وقد يحدث صدمة لدى النساء الخانعات، وقد يكرهن «بطلاتي» لكنني أثق بأن ذلك كفيل بزعزعة قناعاتهن. لا، لحياة المستنقعات التي تشجع عليها تقاليدنا البالية.
- يُحمّل الروائيون شخصياتهم جزءا من تجاربهم الحياتية ويُنطقونها بأفكارهم ورؤاهم هل هناك شخصية بعينها من بين الشخصيات التي نحتَّها تُمثلك أكثر من غيرها؟
لا أنكر أننا نكتب «مذكرات، خفيّة» نضمنها لأعمالنا، وكلّ بطلاتي هن جزء من أبعادي الكثيرة فلا أعرف حقا كم أنثى في داخلي، كلما أعتقد أنّي كتبت عن الأنثى الأخيرة لديّ، أكتشف أنها جزء من قبيلة نساء متباينات، غريبات، محيّرات، مستفزّات، لديَّ الكثير منهن. وفي كلّ مرة تتبدى سيدة جديدة لم أحدس أنها موجودة مختبئة في غابتي. فالكاتب يحمل غابة سحرية في داخله وكلما هزها أخرجت كائنات سريالية غريبة.
- رواية «الذئاب لا تنسى» مستقاة مادتها من تجربتك الذاتية مع أحداث سوريا التي لا تزال حلبة للصراع بين الملل، وأضحت الروايات التي تستندُ إلى مشاهدات عيانية وهي قريبةُ في صياغتها من القوالب الخبرية نوعا رائجا. برأيك على ماذا تراهن تلك الأعمال لكي تُقرأ في المستقبل؟
عندما كتبتُ «الذئاب لا تنسى» كانت جزءا من مذكراتي، لم تكن إلا مدة خمسين يوما تقريبا، إنها نص «السيرة»، لكنها مطعمة بأحداث الفجيعة السورية اليومية، ما كتبته لم يكن رؤية، إنما شهادة شخصية تتخللها الكثير من الذكريات عن البادية الشامية التي عرفتها خلال طفولتي، ليس هنالك أكثر بؤسا من تدوين الأحزان الشخصية المتمثلة بمصرع أحد أفراد العائلة. كتبتها لأشفى قليلا من حزني، لم أُحَمْلها رؤية سياسية محددة لكي لا أغامر بتصنيف نصي أو قلمي لأحد الأطراف المتصارعة في سوريا لكي أتجنب سمة: «مع، أو، ضد» أردت المحافظة على استقلال قلمي قدر الإمكان.
.....
٭ كاتب عراقي
تمكنت الروائية السورية لينا هويان الحسن من نحت أسلوب خاص بها، فأعمالها الروائية مُعبقة بنفس أُنثوي، إذ أن المرأة ليست مجردَ عنصرِ مكملٍ في عالم الآخر، بل هي من تؤثث فضاءها، وترتادُ دروبا مُلغمة بتابوهات، لذلك فمن يقرأُ أعمال مؤلفة «بنات نعش» يدركُ أنّ المبدأُ المحرك وراءها، هو أن السرد الذي لايُؤنثُ لايُعولُ عليه. كما أن ميثولوجيا الصحراءِ تُطعمُ بنية رواياتها بفانتازية شفيفة. يذكرُ أن آخر إصداراتها «بنت الباشا» أثارت ردود فعل متباينة بين مرحب بها ومنتقد لها.
- تحفلُ رواياتك بشخصيات نسائية، بل إنَ معظم أعمالك تحملُ عناوين تُحيلُ إلى فضاءات أُنثوية، هل أردت بذلك إنصاف المرأة التي ظل وجهها مغمورا في سجل التاريخ الرسمي؟
لطالما قدّم الأدب العربي نساء هشّات يتوقفن عند جرح الحب الأول، يغدون محطمات مع أوّل قصة حبّ. وغالبا ما ارتُكِبت هذه الحماقة بأقلام نسائية. على مدى نصف قرن من الإبداع «النسوي» العربي، غالبا ما قُدّمت كشخصية متفانية، منهكة، تحمل شعارات كثيرة لحياتها، أهمها «الرجل الظالم الغاشم الذي لا يعرف الحب بقدر ما يعرف الخيانة». بطلات كهؤلاء كن مفضلات دائما لدى أديباتنا، تحديدا الجيل الذي سبقنا، وما زلت أقرأ لكاتبات من جيلي، الأنماط ذاتها، لم تتغير. بالنسبة لي، عمدت لاختيار «أنثى الضفة الأخرى» المرأة المستبدّة على نحو خفي، تفعل كلّ ما تريده عبر الحيلة، ربما يسوء نساء هذا الزمن الاعتراف بأن جداتنا كن أذكى منهن، كانت المرأة تنجب قبيلة من الأولاد تربيهم بدون أن تزور عيادة الطبيب النفسي مثلا. نساء هذا الزمن معطوبات، أنظر مواقع التواصل الاجتماعي وانظر حجم الحمق في تسوّل الحب والاهتمام، على طريقة المراهقات. لهذا اخترت نسائي «المحتالات، الشريرات، اللعوبات». أردت تسريب بعض العدوى للقارئات.
وللأسف تتعرض رواياتي لحرب دائمة من قبل الناقدات والكاتبات والصحافيات، لأن بطلاتي، سيّدات قويّات يصعب تقليدهن. وهذا سبب لي عداوات كثيرة ومعظم الآراء النقدية التي تعرضت لها هي بأقلام «نسوية» أقلام تكرّس المرأة «المراهقة». إنهن يرفضن فكرة النضج على طريقة «برلنت» في «الماس ونساء»، أو فكرة التمسّك «الأنا» على طريقة نازك خانم، أو القدرة على تغيير الحياة، رغم أنف الكل مثل بطلاتي في «سلطانات الرمل». وبين وقت وآخر تنتقدني إحدى الكاتبات بسبب ما تسميه «الجنس الصريح» في روايتي «بنت الباشا». لا أعرف كيف سنتطور ولدينا داعيات الثقافة اللواتي يتربصن بما كُتب عن علاقة حب بين بطلة وحبيبها، كيف لي أن أكتب نصّا منقوصا؟ أحدهم وصف «بنت الباشا» على الإنستغرام بأنه يصعب تركها في البيت، بسبب احتوائها على مقاطع جنسية فاضحة؟ بينما هو نفسه يروج على صفحته لكتب هنري ميللر؟ من يفهمني هذا التناقض والغباء الثقافي؟ احدى الكاتبات وصفت روايتي «الماس ونساء» أنها تروّج للعهر؟ بينما تستشهد بمقالاتها بأقوال لفرجينيا وولف وأناييس نين، اذن مسموح لأناييس نين أن تكتب عن الجنس، لكن ليس مسموحا لي أن أكتب شيئا من ذلك. من يفسر لي هذا المأزق السخيف، الذي لا أتوقف عنده إلا على سبيل المزاح والاستهزاء؟
- في روايتك الأخيرة «بنت الباشا» تبدو مدينة دمشق فضاء مُنفتحا على التنوع الديني، كما أن هناك احتفاء بالتراث الصوفي الذي يزخرُ بنزعات إنسانية مُناقضة لاصطفافات مذهبية، هل تعتقدين أنَّ استعادة هذه الصورة روائيا يساهم في تكريس وعي مضاد للتزمت؟
دائما ما أختار قصصا حقيقية، وأبني النص وفق شخصية اختارها، عشت جزءا كبيرا من حياتي في منطقة «ركن الدين» في دمشق، تعرفت على الشام من خلال نسائها، لطالما سمعت الحكايا تخرج من أفواه نساء تُلّقب الواحدة منهن ب«الآغاية»، أي مؤنث «آغا». يتكلمن بينما أناملهن الارستقراطية مزينة بخواتم ورثنها عن جداتهن. فمعظم أمهات وجدات دمشق القديمة هن من «الكرجيات» أي الجواري الروسيات، وصلن دمشق من خلال أسواق النخاسة التي ظلت مزدهرة حتى أواخر القرن التاسع عشر، وكثير من صديقاتي كن يحتفظن بصكوك العتق لجداتهن. وقد زودت الرواية بأحد تلك النصوص القضائية التي تشبه حكاية خيالية أكثر من أن تكون حكما قضائيا يعتق عبدة أو جارية. كن يتحدثن عن علاقات الجوار الرائعة بين الأديان الثلاثة الرئيسية التي تعايشت في دمشق لقرون طويلة: «إسلام، ومسيحية ويهود» إضافة إلى العجينة الغريبة التي كوّنت سكان دمشق على مرّ القرون، من شركس وأرمن وتركمان وأكراد، أذريين وداغستانيين وتتار وأتراك. لدمشق حكاية فريدة مع التنوع، والتعايش الديني والمذهبي والطائفي، أردت استعادتها من خلال أعمالي للتذكير بذلك العالم المطمئن، الذي نعمت به دمشق رغم محاولات مشبوهة ومتكررة من قبل القناصل الأجانب لإثارة النعرات الطائفية بين وقت وآخر، لكن دمشق نجحت دائما في التغلب على التعصب.
- بنية الرحلة مُهيمنةُ على رواياتك وأن الشخصيات الأساسية دائما مسكونةُ برغبة الانتقال من مكان إلى آخر، هل يمكنُ تفسير ذلك بأنَّه مجرد عامل لإضفاء مزيد من التشويق إلى بناء العمل، أو إضافة إلى ذلك يوجد ما هو مضمر وراء هذه الرغبة؟
أركز دائما على فكرة «التغيير، التجدد، الانبعاث، الانتقال» إذا لم يعجبك المكان، غيّره، لم لا؟ أشجع دائما على هذه الفكرة التي ركزت عليها من خلال الحديث عن ذكاء «الأفعى وهي تجدد جلدها وتخلع ثوبها القديم لتنمو» فالمرأة عليها أن تكون جريئة بخطواتها، أحاول تقديم ذلك النموذج بدون ملل، لأنه نموذج مستفز وقد يحدث صدمة لدى النساء الخانعات، وقد يكرهن «بطلاتي» لكنني أثق بأن ذلك كفيل بزعزعة قناعاتهن. لا، لحياة المستنقعات التي تشجع عليها تقاليدنا البالية.
- يُحمّل الروائيون شخصياتهم جزءا من تجاربهم الحياتية ويُنطقونها بأفكارهم ورؤاهم هل هناك شخصية بعينها من بين الشخصيات التي نحتَّها تُمثلك أكثر من غيرها؟
لا أنكر أننا نكتب «مذكرات، خفيّة» نضمنها لأعمالنا، وكلّ بطلاتي هن جزء من أبعادي الكثيرة فلا أعرف حقا كم أنثى في داخلي، كلما أعتقد أنّي كتبت عن الأنثى الأخيرة لديّ، أكتشف أنها جزء من قبيلة نساء متباينات، غريبات، محيّرات، مستفزّات، لديَّ الكثير منهن. وفي كلّ مرة تتبدى سيدة جديدة لم أحدس أنها موجودة مختبئة في غابتي. فالكاتب يحمل غابة سحرية في داخله وكلما هزها أخرجت كائنات سريالية غريبة.
- رواية «الذئاب لا تنسى» مستقاة مادتها من تجربتك الذاتية مع أحداث سوريا التي لا تزال حلبة للصراع بين الملل، وأضحت الروايات التي تستندُ إلى مشاهدات عيانية وهي قريبةُ في صياغتها من القوالب الخبرية نوعا رائجا. برأيك على ماذا تراهن تلك الأعمال لكي تُقرأ في المستقبل؟
عندما كتبتُ «الذئاب لا تنسى» كانت جزءا من مذكراتي، لم تكن إلا مدة خمسين يوما تقريبا، إنها نص «السيرة»، لكنها مطعمة بأحداث الفجيعة السورية اليومية، ما كتبته لم يكن رؤية، إنما شهادة شخصية تتخللها الكثير من الذكريات عن البادية الشامية التي عرفتها خلال طفولتي، ليس هنالك أكثر بؤسا من تدوين الأحزان الشخصية المتمثلة بمصرع أحد أفراد العائلة. كتبتها لأشفى قليلا من حزني، لم أُحَمْلها رؤية سياسية محددة لكي لا أغامر بتصنيف نصي أو قلمي لأحد الأطراف المتصارعة في سوريا لكي أتجنب سمة: «مع، أو، ضد» أردت المحافظة على استقلال قلمي قدر الإمكان.
.....
٭ كاتب عراقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.