انطلاق المؤتمر الجماهيري لحزب الجبهة الوطنية بسوهاج لدعم المرشح أحمد العادلي    الفيدرالى الأمريكى يُقرر تثبيت سعر الفائدة عند 4.5% للمرة الخامسة على التوالى    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لسيادة السودان ووحدة وسلامة أراضيه ومؤسساته الوطنية    في الجول يكشف آخر تطورات انتقال كوكا إلى قاسم باشا التركي    النيابة تقرر حبس شاب بتهمة اغتصاب طالبة إعدادي وإنجابها منه سفاحًا بالفيوم    بواقع 59 رحلة يوميًا.. سكك حديد مصر تُعلن تفاصيل تشغيل قطارات "القاهرة – الإسماعيلية – بورسعيد"    بالفيديو.. "روتانا" تطرح "أنا الذي" للكينج محمد منير على "يوتيوب".. ثالث أغاني ألبومه    فشل المخطط الإسرائيلى    أوائل الثانوية فى الصعيد    الأرصاد الجوية تحذر من رياح مثيرة للرمال والأتربة وأمطار رعدية فى بعض المناطق    محمد إسماعيل: هدفي كان الانتقال إلى الزمالك من أجل جماهيره    وزارة الصحة تنفى زيادة مساهمة المريض فى تكلفة الأدوية إلى 70% بدلا من 35%    مراسل "الستات مايعرفوش يكدبوا": العلمين تستقبل أعداد كبيرة من سياح العالم    خالد الجندى فى "لعلهم يفقهون": لا تخوفوا الناس من الدين    وزيرة التضامن: 176 سيارة إسعاف لغزة وننسق لإدخال 4 مستشفيات ميدانية    "هواوي" تطلق الإصدار 8.5 من حزمة السحابة في شمال إفريقيا لتعزيز الذكاء الاصطناعي    البيت الفني للمسرح ينعى الفنان لطفي لبيب    في شهرين فقط.. تامر حسني يجني 99 مليون مشاهدة بكليب "ملكة جمال الكون"    بنتايج يعود للتدريبات الجماعية مع الزمالك    المتهم بارتكاب أفعال فاضحه لجارته بالبساتين ينفي الواقعة    اجتماع موسع بشركة الصرف الصحي بالإسكندرية استعدادا لموسم الأمطار    ناجلسمان: تير شتيجن سيظل الحارس الأول للمنتخب الألماني    تايلاند وكمبوديا تؤكدان مجددا التزامهما بوقف إطلاق النار بعد اجتماع بوساطة الصين    مقتل 3 جنود جراء إصابة صاروخ روسي موقع تدريب للجيش الأوكراني    وزارة الثقافة تعلن تسجيل مصر مبنى متحف الخزف الإسلامي في سجل التراث المعماري والعمراني العربي    عاجل.. تشكيل النصر الرسمي لمواجهة تولوز وديا    مصر تواجه تونس في ختام الاستعدادات لبطولة العالم لكرة اليد تحت 19 عامًا    رئيس جامعة المنيا يحفّز الأطقم الطبية قبيل زيارة لجان اعتماد مستشفيي الكبد والرمد الجامعيين    ركود السوق يهبط بأسعار الأجهزة الكهربائية 35%.. والشعبة: لا تشترِ إلا عند الحاجة    أهمية دور الشباب بالعمل التطوعي في ندوة بالعريش    برواتب تصل ل50 ألف جنيه.. فرص عمل في البوسنة والهرسك ومقدونيا الشمالية    توقعات الأبراج في شهر أغسطس 2025.. على برج الثور الاهتمام بالعائلة وللسرطان التعبير عن المشاعر    محافظ المنوفية تنهي استعداداتها لانتخابات مجلس الشيوخ 2025 ب 469 لجنه انتخابية    زياد الرحباني... الابن السري لسيد درويش    أحمد درويش: الفوز بجائزة النيل هو تتويج لجهود 60 عاما من العمل والعطاء    التحقيق مع صانعة محتوى شهرت بفنانة واتهمتها بالإتجار بالبشر    سباحة - الجوادي يحقق ذهبية سباق 800 متر حرة ببطولة العالم    حركة فتح: إعلان نيويورك إنجاز دبلوماسى كبير وانتصار للحق الفلسطينى    المشدد 7 سنوات لعاطلين في استعراض القوة والبلطجة بالسلام    جامعة بنها الأهلية تختتم المدرسة الصيفية لجامعة نانجينج للطب الصيني    ختام موسم توريد القمح في محافظة البحيرة بزيادة 29.5% عن العام الماضي    النيابة العامة: الإتجار بالبشر جريمة تتعارض مع المبادئ الإنسانية والقيم الدينية    "زراعة الشيوخ": تعديل قانون التعاونيات الزراعية يساعد المزارعين على مواجهة التحديات    الرعاية الصحية تعلن تقديم أكثر من 2000 زيارة منزلية ناجحة    محافظ أسوان يوجه بالانتهاء من تجهيز مبني الغسيل الكلوي الجديد بمستشفى كوم أمبو    قائد الجيش اللبناني: لن نتهاون في إحباط أي محاولة تمس الأمن أو تجر الوطن إلى الفتنة    انكسار الموجة الحارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة    أبو مسلم: جراديشار "مش نافع" ولن يعوض رحيل وسام ابو علي.. وديانج يمتلك عرضين    علي جمعة يكشف عن حقيقة إيمانية مهمة وكيف نحولها إلى منهج حياة    هل التفاوت بين المساجد في وقت ما بين الأذان والإقامة فيه مخالفة شرعية؟.. أمين الفتوى يجيب    ما معنى (ورابطوا) في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا)؟.. عالم أزهري يوضح    استراتيجية الفوضى المعلوماتية.. مخطط إخواني لضرب استقرار مصر واستهداف مؤسسات الدولة    البورصة المصرية تطلق مؤشر جديد للأسهم منخفضة التقلبات السعرية "EGX35-LV"    وزارة التموين تنتهى من صرف مقررات شهر يوليو 2025 للبقالين    ترامب يكشف عن تأثير صور مجاعة قطاع غزة على ميلانيا    وفري في الميزانية، طريقة عمل الآيس كوفي في البيت زي الكافيهات    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    إعلام كندي: الحكومة تدرس الاعتراف بدولة فلسطين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محترفات الكتابة الأدبية .. المعارضة تنحسر
نشر في صوت البلد يوم 24 - 09 - 2017

قبل فترة غير بعيدة انتشرت محترفات تعليم الكتابة الأدبية، وظهر لها معارضون، يرفضون أن يكون الإبداع مادة للتعلم. هدأت تلك الاعتراضات قليلاً في السنوات الأخيرة، وتوالت دعوات تؤكد أهمية نقل الخبرات الإبداعية وترجمة الكتب التي تتناول أسرار الكتابة الأدبية وتقنياتها. كان من بين نتائج هذا التوجه الإقبال على قراءة نوعية خاصة من الكتابات البعيدة مِن الأعمال النقدية الرصينة والغامضة على المبتدئين غالباً. تلك الكتابات التي تهدفُ إلى الأخذ بأيدي شباب الكتَّاب أو الراغبين في التطور من أصحاب التجارب.
حاولنا أن نستطلع آراء من قاموا بتجربة التعليم والتعلم عبر محترفات الكتابة في مصر لنقف على سر انتشارها واجتذابها المؤيدين يوماً بعد يوم.
يرى محمد عبد النبي، الكاتب والمترجم، وصاحب محترف «الحكاية وما فيها» التي خرَّجت عدداً لا بأس به من الكتاب، أن مسألة تعليم وتعلُّم الكتابة الإبداعية مازالت لا تجد ترحيباً كبيراً في الأوساط الأدبية العربية، لدعاوى عدة، منها أن الإبداع الأدبي لا بد أن يعتمد في الأساس على الموهبة الفطرية والسليقة، وأن ذلك النوع من الإرشاد والتوجيه قد يشوّش– أو يشوّه حتى– تجربة المبدع العفوية الحرة.
يضيف: مَن يستطيع الادّعاء أننا لسنا في حاجة إلى موهبة أو درجة من الاستعداد المبدئي لممارسة أي نوع من الفنون، أو حتى بعض المهن التي تحتاج إلى مهارات خاصة؟ غير أنه لا يوجد فن في غنى عن التدريب لممارسته، من العزف الموسيقي إلى الغناء إلى الرقص إلى التمثيل، وهو ما يقرّه الجميع تقريباً، ولكن حين يتعلق الأمر بالكتابة ستلاحظ الامتعاض والنفور إزاء مبدأ التدريب والتعلّم، كأن الإنسان إمّا أن يولد كاتباً كبيراً وإمّا أنه لن يستطيع أن يكتب سطراً جيداً أبداً، وهي أسطورة علينا هزيمتها داخلنا.
بدأت تجربة عبدالنبي مع محترفات الكتابة برغبة عارمة في التعلّم والاستزادة حول شغف حياته: الكتابة. يقول: أردتُ أن أتعلم أيضاً كيف يمكن عمل محترف كتابة أدبية نتبادل فيها الخبرات حول الأسرار والأدوات والتقنيات، ونمارس فيها لعبة السرد بكل جدية، ومن هذه الرغبة بدأت أولى المحترفات عام 2009 في إحدى مكتبات وسط القاهرة، على مدار خمسة شهور تقريباً، ثم تواصلت الدُفعات المختلفة وتوالت نجاحات خريجيها، ولا تزال تتواصل حتى الآن. تعلّمت الكثير خلالها عن مهارات المدرّب وكيفية إدارة محترفات الكتابة وبالطبع عن الكتابة السردية ذاتها. كمتدرب لي أكثر من تجربة مع محترفات كتابة السرد والمسرح والسيناريو، لكن الأساس فيها كلها كان الخروج بالكتابة من مناطق غيبية وغير ملموسة مثل الوحي والإلهام والموهبة بحكم المولد إلى مناطق مضيئة ومفهومة بدرجة أكبر مثل العمل والالتزام والتطور والتعليم والتعلم. استفدتُ من كل محترف ومن كل مدرّب تعاملتُ معه في تلك المحترفات، لكن كان عليَّ أن أطور أسلوبي الخاص في ما بعد وطريقة عمل وأن أضع ما يشبه المنهج الذي لم أخترعه بالطبع بمقدار ما استقيته من مصادر مختلفة ثم صغته في صورة مبسطة، بطريقة تتيح لي أنا – قبل الآخرين – أن أستمتع وأستفيد وأتطوّر. ومع ذلك، لا بدّ أن نعترف بأنه لا توجد محترف أو كتاب يمكن أن يصنعا كاتباً من نقطة الصفر، أقصى ما يمكن تحقيقه أن نمد له طرف الخيط، أن نبيّن له الاتجاهات الأساسية، أن نمنحه بوصلة هادية حتى لو استغنى عنها بعد وقت، وآثر الإبحار في المجهول. لا شيء إلّا ممارسة فعل الكتابة ذاته هو ما يصنع كاتباً، أي النزول إلى البحر، ومناوشة الموج، يوماً بعد آخر، وسطراً بعد سطر.

لا تصنع مبدعاً
«المحترف الأدبية لا تصنع مبدعاً». هكذا يؤكد الكاتب عمرو العادلي الذي قام أخيراً بعقد محترف لكتابة الرواية وعلى وشك بداية محترف أخرى؛ ويقول: هي تساهم في وضع قدم الشخص الموهوب على أول الطريق الصحيح. والمشترك في المحترفات الأدبية ثلاثة أنواع. الأول هو الشخص الموهوب بطبعه. ولا يحتاج إلا لبعض الرتوش ليزداد جمالاً. ويحتاج كذلك لمن يبصره بأبجديات الكتابة من ضمائر وأزمنة وأساليب.
أما النوع الثاني فهو أكثر من متعب للمحاضر أو المسؤول عن المحترف، لأنه غالباً شخص تائه رؤيته مشوشة ويحتاج إلى مجهود كبير لأنه من المحتمل أن تكون موهبته متواضعة، ولكن بمجهود كبير يمكن أن يصبح شيئاً في عالم الكتابة. أما النوع الثالث، فهو ليس له في مسألة الكتابة من قريب أو من بعيد. فهو شخص غير موهوب يشترك في المحترف بإضاعة الوقت وصناعة القلق والزعابيب في شكل مستمر ومرهق. وهذا في الغالب يتكلم كثيراً ولا يفعل شيئاً. وفي الوقت ذاته، لا يمكن أن يعول عليه. ولكن المحترفات الأدبية مفيدة جداً لهذا الشخص أيضاً. لماذا؟ لأن المحترف الجادة تقول له: ابحث عن عمل آخر غير الكتابة.
وعموماً المحترف الأدبية تصنع حالة جيدة من العلاقات وتخص شيئاً سامياً وله قيمة مثل الأدب. شيء من تلاقح الأفكار والعصف الذهني. وفي محترف الدار المصرية اللبنانية للرواية والتي أشرفت عليها من أشهر قليلة نشأت بيني وبين الدارسين علاقة استمرت حتى الآن. ولم تنته بانتهاء المحترف. وهذا مطلوب. لأني استفدتُ منهم ربما أكثر مما استفادوا مني. فقد عرفت كيف يرون العالم. وما هي طموحاتهم في الإبداع. فأنا سعيد بإدارتي لثلاث محترفات أدبية. واحدة للقصة وواحدة للرواية وأخرى تجمع التصنيفين. فأنا أحب الكلام عن الكتابة. يظهر ذلك في البوستات اليومية الخاصة بالكتابة من خلال قراءاتي وكتاباتي. وربما غيري من الزملاء لا يفضل الكلام عن الكتابة. وهو حر أيضاً. لكن يجب ألا يقف حائلاً أمام بعض الحالمين بالكتابة ويمكنهم الاستفادة من توجيه شخص خاضَ تجربة الكتابة أكثر من مرة. في النهاية هي تجربة إنسانية غير مكتملة. لأنها غير راسخة وليس لها منهج. وربما تحمل الأيام القادمة الكثير من التطور والانتشار للمحترفات الأدبية.
كسر الرهبة
«منذ بدأت في عقد محترفات للكتابة الإبداعية عام 2013، وأنا حريصة على الالتزام بهذا الخطّ عبر عقد محترف واحدة سنوياً على الأقل». هكذا تؤكد الكاتبة اللبنانية المقيمة في مصر لنا عبدالرحمن شغفها بالمحترفات الإبداعية، وتضيف: تبدو لي فكرة الإشراف على محترفات الكتابة الإبداعية بمثابة تجربة اكتشافية أيضاً، مدفوعة بروح البحث سواء في النصوص التي أقدمها في المحترف، أو في اللوحات التشكيلية أو المقطوعات الموسيقية التي نستمع إليها. والغاية في كل محترف أقوم بها هو كسر الحواجز بين الفنون، وتحفيز المخيلة الإبداعية للمشارك، والقيام بتمارين على الكتابة، قد تنتج نصاً منشوراً وربما لا، لكنّ تحفيز المخيلة الإبداعية هو الأهم. لنتفق على أن محترفات الكتابة وحدها لا تصنع كاتباً، لكنني أعتقد أنها قادرة على أن تصنع مشاركاً يمكن أن يتجاوز حاجز الرهبة في التعامل مع الفنون، في التهيّب من قراءة لوحة، أو قراءة فقرات من نص يكتبه أمام المشاركين الآخرين.
التزام بالكتابة
الكاتبة إيمان عبدالرحيم، إحدى الشابات البارزات في عالم الكتابة وقد حصلت على جائزة ساويرس للقصة القصيرة العام الماضي درست الكتابة في محترف يوسف رخا منذ سبع سنوات. تقول: الكتابة فن كأي نوع من أنواع الفن، أنت تحتاج إلى تعلم مهارة ممارسته أو اكتسابها، حتى لو كانت لديك الموهبة. في حالتي، كان عليَّ الكتابة في إطار زمني معين، وبصورة مستمرة، ولنقل أسبوعية كما كان الحال في محترفاتتنا، وهذا هام جداً لخلق الالتزام نحو الكتابة، ولقد وجدت أن مثل هذا الالتزام يزيد دوماً من معدل الكتابة وتدفقها، ويقلل من أوقات عسر الكتابة أو ما يدعى ب «رايتينج بلوك».
ما يميز محترف «يوسف» من وجهة نظري أنها كانت بلا أطر، نحن نكتب ما نريد، سواءً كان قصيدة، قصة، مشروع رواية، أو حتى خاطرة، ويوسف يستمع بتركيز، ليشير باحتراف في النهاية إلى نقاط معينة في النص، تحتاج للصقل، ويشرح أسبابه باستفاضة. في حالتي مثلاً ساعدني يوسف كثيراً على رؤية بعد وعمق شخصيات روايتي، في حين كنت أتعامل معهم من قبل بسطحية شديدة، وهكذا الحال مع باقي زملائي، كان يوسف يتناول بالنقاش نقاط الضعف والقوة فيما نكتب، دون إطار أو مسار محدد نلتزم به فيما يخص الكتابة، لذا لم أشعر في هذه المحترف بأي إلزام مدرسي قد يحد من الخيال ويؤثر بالسلب على سيلان الكتابة.
امتلاك الأدوات
وتقول إسراء فيصل؛ وهي قاصة شابة، درست في محترف «الحكاية وما فيها»: «أثناء المحترف؛ كتابتي تطورت في شكل ملحوظ. أصبحت أكثر فهماً لتقنيات مختلفة، وماذا يعني امتلاك أدوات. كنا خلال المحترف نعطي كل خطوة حقها في التمارين والمعرفة إلى جانب المشروع الذي كان يتطور أولاً بأول.
بعد محترف «الحكاية وما فيها» اشتركت إسراء في محترف «قلم رصاص»، للكاتبة الشيماء حامد، «وهنا لم نكن نعمل على الفنيات والتقنيات بمقدار ما كنا نعمل على مثيرات الكتابة، الموسيقى أو الرسم أو الروائح. كيف تكون مثيرة لكتابة نص أو لها دور فاعل فيه. بعدها شاركتُ في محترف للكاتب إيهاب عبدالحميد، كان شغلها الشاغل كيفية تطوير المشروع الكتابي. وشاركتُ كمدربة في محترف حكي أقامها فريق (حلاوة شمسنا) مع الكاتب المسرحي ناجي عبدالله والروائي محمد الراوي، ونظمتُ محترف كتابة حاولت أن أنقل فيها بعض ما استفدته. كان اسمها (النداهة). كتابتي تغيرت 180 درجة بعد المحترفات، وصرتُ على درجة أعلى من النضج والوعي بأبعاد النصوص، وقادرة على خلق الشخصيات وصنع الحدث وتحديد البيئة والزمان والمكان واختيار التقنية المناسبة، أو حتى التخلص مِن أي مِن الموتيفات وهدمها، مدركة الفروق بين النص الكلاسيكي والحداثي وما بعد الحداثي، ومهارات أخرى كثيرة».
قبل فترة غير بعيدة انتشرت محترفات تعليم الكتابة الأدبية، وظهر لها معارضون، يرفضون أن يكون الإبداع مادة للتعلم. هدأت تلك الاعتراضات قليلاً في السنوات الأخيرة، وتوالت دعوات تؤكد أهمية نقل الخبرات الإبداعية وترجمة الكتب التي تتناول أسرار الكتابة الأدبية وتقنياتها. كان من بين نتائج هذا التوجه الإقبال على قراءة نوعية خاصة من الكتابات البعيدة مِن الأعمال النقدية الرصينة والغامضة على المبتدئين غالباً. تلك الكتابات التي تهدفُ إلى الأخذ بأيدي شباب الكتَّاب أو الراغبين في التطور من أصحاب التجارب.
حاولنا أن نستطلع آراء من قاموا بتجربة التعليم والتعلم عبر محترفات الكتابة في مصر لنقف على سر انتشارها واجتذابها المؤيدين يوماً بعد يوم.
يرى محمد عبد النبي، الكاتب والمترجم، وصاحب محترف «الحكاية وما فيها» التي خرَّجت عدداً لا بأس به من الكتاب، أن مسألة تعليم وتعلُّم الكتابة الإبداعية مازالت لا تجد ترحيباً كبيراً في الأوساط الأدبية العربية، لدعاوى عدة، منها أن الإبداع الأدبي لا بد أن يعتمد في الأساس على الموهبة الفطرية والسليقة، وأن ذلك النوع من الإرشاد والتوجيه قد يشوّش– أو يشوّه حتى– تجربة المبدع العفوية الحرة.
يضيف: مَن يستطيع الادّعاء أننا لسنا في حاجة إلى موهبة أو درجة من الاستعداد المبدئي لممارسة أي نوع من الفنون، أو حتى بعض المهن التي تحتاج إلى مهارات خاصة؟ غير أنه لا يوجد فن في غنى عن التدريب لممارسته، من العزف الموسيقي إلى الغناء إلى الرقص إلى التمثيل، وهو ما يقرّه الجميع تقريباً، ولكن حين يتعلق الأمر بالكتابة ستلاحظ الامتعاض والنفور إزاء مبدأ التدريب والتعلّم، كأن الإنسان إمّا أن يولد كاتباً كبيراً وإمّا أنه لن يستطيع أن يكتب سطراً جيداً أبداً، وهي أسطورة علينا هزيمتها داخلنا.
بدأت تجربة عبدالنبي مع محترفات الكتابة برغبة عارمة في التعلّم والاستزادة حول شغف حياته: الكتابة. يقول: أردتُ أن أتعلم أيضاً كيف يمكن عمل محترف كتابة أدبية نتبادل فيها الخبرات حول الأسرار والأدوات والتقنيات، ونمارس فيها لعبة السرد بكل جدية، ومن هذه الرغبة بدأت أولى المحترفات عام 2009 في إحدى مكتبات وسط القاهرة، على مدار خمسة شهور تقريباً، ثم تواصلت الدُفعات المختلفة وتوالت نجاحات خريجيها، ولا تزال تتواصل حتى الآن. تعلّمت الكثير خلالها عن مهارات المدرّب وكيفية إدارة محترفات الكتابة وبالطبع عن الكتابة السردية ذاتها. كمتدرب لي أكثر من تجربة مع محترفات كتابة السرد والمسرح والسيناريو، لكن الأساس فيها كلها كان الخروج بالكتابة من مناطق غيبية وغير ملموسة مثل الوحي والإلهام والموهبة بحكم المولد إلى مناطق مضيئة ومفهومة بدرجة أكبر مثل العمل والالتزام والتطور والتعليم والتعلم. استفدتُ من كل محترف ومن كل مدرّب تعاملتُ معه في تلك المحترفات، لكن كان عليَّ أن أطور أسلوبي الخاص في ما بعد وطريقة عمل وأن أضع ما يشبه المنهج الذي لم أخترعه بالطبع بمقدار ما استقيته من مصادر مختلفة ثم صغته في صورة مبسطة، بطريقة تتيح لي أنا – قبل الآخرين – أن أستمتع وأستفيد وأتطوّر. ومع ذلك، لا بدّ أن نعترف بأنه لا توجد محترف أو كتاب يمكن أن يصنعا كاتباً من نقطة الصفر، أقصى ما يمكن تحقيقه أن نمد له طرف الخيط، أن نبيّن له الاتجاهات الأساسية، أن نمنحه بوصلة هادية حتى لو استغنى عنها بعد وقت، وآثر الإبحار في المجهول. لا شيء إلّا ممارسة فعل الكتابة ذاته هو ما يصنع كاتباً، أي النزول إلى البحر، ومناوشة الموج، يوماً بعد آخر، وسطراً بعد سطر.

لا تصنع مبدعاً
«المحترف الأدبية لا تصنع مبدعاً». هكذا يؤكد الكاتب عمرو العادلي الذي قام أخيراً بعقد محترف لكتابة الرواية وعلى وشك بداية محترف أخرى؛ ويقول: هي تساهم في وضع قدم الشخص الموهوب على أول الطريق الصحيح. والمشترك في المحترفات الأدبية ثلاثة أنواع. الأول هو الشخص الموهوب بطبعه. ولا يحتاج إلا لبعض الرتوش ليزداد جمالاً. ويحتاج كذلك لمن يبصره بأبجديات الكتابة من ضمائر وأزمنة وأساليب.
أما النوع الثاني فهو أكثر من متعب للمحاضر أو المسؤول عن المحترف، لأنه غالباً شخص تائه رؤيته مشوشة ويحتاج إلى مجهود كبير لأنه من المحتمل أن تكون موهبته متواضعة، ولكن بمجهود كبير يمكن أن يصبح شيئاً في عالم الكتابة. أما النوع الثالث، فهو ليس له في مسألة الكتابة من قريب أو من بعيد. فهو شخص غير موهوب يشترك في المحترف بإضاعة الوقت وصناعة القلق والزعابيب في شكل مستمر ومرهق. وهذا في الغالب يتكلم كثيراً ولا يفعل شيئاً. وفي الوقت ذاته، لا يمكن أن يعول عليه. ولكن المحترفات الأدبية مفيدة جداً لهذا الشخص أيضاً. لماذا؟ لأن المحترف الجادة تقول له: ابحث عن عمل آخر غير الكتابة.
وعموماً المحترف الأدبية تصنع حالة جيدة من العلاقات وتخص شيئاً سامياً وله قيمة مثل الأدب. شيء من تلاقح الأفكار والعصف الذهني. وفي محترف الدار المصرية اللبنانية للرواية والتي أشرفت عليها من أشهر قليلة نشأت بيني وبين الدارسين علاقة استمرت حتى الآن. ولم تنته بانتهاء المحترف. وهذا مطلوب. لأني استفدتُ منهم ربما أكثر مما استفادوا مني. فقد عرفت كيف يرون العالم. وما هي طموحاتهم في الإبداع. فأنا سعيد بإدارتي لثلاث محترفات أدبية. واحدة للقصة وواحدة للرواية وأخرى تجمع التصنيفين. فأنا أحب الكلام عن الكتابة. يظهر ذلك في البوستات اليومية الخاصة بالكتابة من خلال قراءاتي وكتاباتي. وربما غيري من الزملاء لا يفضل الكلام عن الكتابة. وهو حر أيضاً. لكن يجب ألا يقف حائلاً أمام بعض الحالمين بالكتابة ويمكنهم الاستفادة من توجيه شخص خاضَ تجربة الكتابة أكثر من مرة. في النهاية هي تجربة إنسانية غير مكتملة. لأنها غير راسخة وليس لها منهج. وربما تحمل الأيام القادمة الكثير من التطور والانتشار للمحترفات الأدبية.
كسر الرهبة
«منذ بدأت في عقد محترفات للكتابة الإبداعية عام 2013، وأنا حريصة على الالتزام بهذا الخطّ عبر عقد محترف واحدة سنوياً على الأقل». هكذا تؤكد الكاتبة اللبنانية المقيمة في مصر لنا عبدالرحمن شغفها بالمحترفات الإبداعية، وتضيف: تبدو لي فكرة الإشراف على محترفات الكتابة الإبداعية بمثابة تجربة اكتشافية أيضاً، مدفوعة بروح البحث سواء في النصوص التي أقدمها في المحترف، أو في اللوحات التشكيلية أو المقطوعات الموسيقية التي نستمع إليها. والغاية في كل محترف أقوم بها هو كسر الحواجز بين الفنون، وتحفيز المخيلة الإبداعية للمشارك، والقيام بتمارين على الكتابة، قد تنتج نصاً منشوراً وربما لا، لكنّ تحفيز المخيلة الإبداعية هو الأهم. لنتفق على أن محترفات الكتابة وحدها لا تصنع كاتباً، لكنني أعتقد أنها قادرة على أن تصنع مشاركاً يمكن أن يتجاوز حاجز الرهبة في التعامل مع الفنون، في التهيّب من قراءة لوحة، أو قراءة فقرات من نص يكتبه أمام المشاركين الآخرين.
التزام بالكتابة
الكاتبة إيمان عبدالرحيم، إحدى الشابات البارزات في عالم الكتابة وقد حصلت على جائزة ساويرس للقصة القصيرة العام الماضي درست الكتابة في محترف يوسف رخا منذ سبع سنوات. تقول: الكتابة فن كأي نوع من أنواع الفن، أنت تحتاج إلى تعلم مهارة ممارسته أو اكتسابها، حتى لو كانت لديك الموهبة. في حالتي، كان عليَّ الكتابة في إطار زمني معين، وبصورة مستمرة، ولنقل أسبوعية كما كان الحال في محترفاتتنا، وهذا هام جداً لخلق الالتزام نحو الكتابة، ولقد وجدت أن مثل هذا الالتزام يزيد دوماً من معدل الكتابة وتدفقها، ويقلل من أوقات عسر الكتابة أو ما يدعى ب «رايتينج بلوك».
ما يميز محترف «يوسف» من وجهة نظري أنها كانت بلا أطر، نحن نكتب ما نريد، سواءً كان قصيدة، قصة، مشروع رواية، أو حتى خاطرة، ويوسف يستمع بتركيز، ليشير باحتراف في النهاية إلى نقاط معينة في النص، تحتاج للصقل، ويشرح أسبابه باستفاضة. في حالتي مثلاً ساعدني يوسف كثيراً على رؤية بعد وعمق شخصيات روايتي، في حين كنت أتعامل معهم من قبل بسطحية شديدة، وهكذا الحال مع باقي زملائي، كان يوسف يتناول بالنقاش نقاط الضعف والقوة فيما نكتب، دون إطار أو مسار محدد نلتزم به فيما يخص الكتابة، لذا لم أشعر في هذه المحترف بأي إلزام مدرسي قد يحد من الخيال ويؤثر بالسلب على سيلان الكتابة.
امتلاك الأدوات
وتقول إسراء فيصل؛ وهي قاصة شابة، درست في محترف «الحكاية وما فيها»: «أثناء المحترف؛ كتابتي تطورت في شكل ملحوظ. أصبحت أكثر فهماً لتقنيات مختلفة، وماذا يعني امتلاك أدوات. كنا خلال المحترف نعطي كل خطوة حقها في التمارين والمعرفة إلى جانب المشروع الذي كان يتطور أولاً بأول.
بعد محترف «الحكاية وما فيها» اشتركت إسراء في محترف «قلم رصاص»، للكاتبة الشيماء حامد، «وهنا لم نكن نعمل على الفنيات والتقنيات بمقدار ما كنا نعمل على مثيرات الكتابة، الموسيقى أو الرسم أو الروائح. كيف تكون مثيرة لكتابة نص أو لها دور فاعل فيه. بعدها شاركتُ في محترف للكاتب إيهاب عبدالحميد، كان شغلها الشاغل كيفية تطوير المشروع الكتابي. وشاركتُ كمدربة في محترف حكي أقامها فريق (حلاوة شمسنا) مع الكاتب المسرحي ناجي عبدالله والروائي محمد الراوي، ونظمتُ محترف كتابة حاولت أن أنقل فيها بعض ما استفدته. كان اسمها (النداهة). كتابتي تغيرت 180 درجة بعد المحترفات، وصرتُ على درجة أعلى من النضج والوعي بأبعاد النصوص، وقادرة على خلق الشخصيات وصنع الحدث وتحديد البيئة والزمان والمكان واختيار التقنية المناسبة، أو حتى التخلص مِن أي مِن الموتيفات وهدمها، مدركة الفروق بين النص الكلاسيكي والحداثي وما بعد الحداثي، ومهارات أخرى كثيرة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.