الأوراق المطلوبة للتقديم في المدارس المصرية اليابانية ولماذا يزيد الإقبال عليها ؟.. تعرف علي التفاصيل    وكيل مجلس الشيوخ: الدولة لديها رؤية لتحسين إنتاجية القطن المصري    محافظ كفر الشيخ: لدينا 7 مواقع جاهزة لتوريد القمح في مركز دسوق    انعقاد حوار السياسات السنوي بين مصر واليابان بالنصف الثاني من العام الجاري    «تنمية المشروعات» يمول 24 عقدًا لتطوير البنية الأساسية في الدقهلية ب 185.2 مليون جنيه    «الزراعة»: صادرات مصر حققت طفرة كبيرة خلال الربع الأول من العام الحالي    السيسي يبحث مع رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية التطورات الإقليمية والدولية    موعد مباراة الأهلي المقبلة في دوري أبطال أفريقيا.. وتردد القنوات الناقلة    فيفا يصدم الزمالك بعد حسم القمة ومفاجأة ل الأهلي «مستندات»    بالمر يشكر تشيلسي على منحه الفرصة للتألق في الدوري الإنجليزي    بطولة إفريقيا للكرة الطائرة .. تدريبات بدنية لرجال الأهلي    ضبط 3 تجار مخدرات بحوزتهم 5.5 كيلو حشيش في الأقصر    الكورنيش اختفى.. الشبورة المائية تغطي سماء الإسكندرية (صور)    تفاصيل جديدة حول أسباب حريق شقة نجل الفنان فؤاد المهندس بالزمالك    بندقية بلاستيك.. الأمن يكشف ملابسات استعراض شابين بدراجة وسلاح في العمرانية    أمير المصري يلعب دور نسيم حامد في فيلم the giant مع بيرس بروسنان    الفيلم المصري «شرق 12» يشارك في «أسبوعي المخرجين» بمهرجان كان السينمائي    هيئة الدواء تحذر من أدوية إنقاص الوزن عبر الإنترنت    جدول امتحانات الأزهر الشريف.. وتنويه مهم بشأن المقررات الدراسية    الأهلي يستعيد خدمات مروان عطية في رحلة الكونغو    ضبط 23 مليون جنيه في قضايا اتجار بالعملة خلال 24 ساعة    كولر يفاجئ لاعبيه بعد الهزيمة من الزمالك    تفاصيل المرحلة الثانية من القافلة السادسة لدعم غزة.. تشمل 2400 طن مساعدات    مصدر: وزير الخارجية المصري يتوجه إلى تركيا قبل زيارة مرتقبة للسيسي    "الصحة": ميزانية التأمين الشامل تتحقق تغطية ل 70% من المواطنين (فيديو)    امتى هنغير الساعة؟| موعد عودة التوقيت الصيفي وانتهاء الشتوي    14 مشروعا كمرحلة أولى لتطوير موقع التجلى الأعظم بسانت كاترين    "التعليم" تخاطب المديريات بشأن المراجعات المجانية للطلاب.. و4 إجراءات للتنظيم (تفاصيل)    وكيل الأزهر للعاملين ب "البحوث الإسلامية": الظروف المحيطة تحتاج مزيدا من الأداء    ضبط 171 قضية مخدرات و27 قطعة سلاح خلال 24 ساعة    بضربة شوية.. مقتل منجد في مشاجرة الجيران بسوهاج    رئيس جهاز العبور يتفقد مشروع التغذية الكهربائية لعددٍ من الموزعات بالشيخ زايد    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار والعواصف وصواعق البرق فى باكستان ل 41 قتيلا    توقعات برج الميزان في النصف الثاني من أبريل 2024: «قرارات استثمارية وتركيز على المشروعات التعاونية»    مستشار المفتي: مصر قدَّمت مع ميلاد جمهوريتها الجديدة نموذجًا محكما في التواصل العالمي    ربنا مش كل الناس اتفقت عليه.. تعليق ريهام حجاج على منتقدي «صدفة»    «افرح يا قلبي».. أحدث إصدارات هيئة الكتاب ل علوية صبح    ثلاثة مصريين في نهائي بلاك بول المفتوحة للاسكواش    قراصنة دوليون يخترقون بيانات حساسة في إسرائيل    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    بالتزامن مع تغيير الفصول.. طرق الحفاظ على صحة العيون    بالأسماء، تنازل 21 مواطنا عن الجنسية المصرية    بعد تصديق الرئيس، 5 حقوق وإعفاءات للمسنين فى القانون الجديد    معلومات الوزراء: الطباعة ثلاثية الأبعاد تقنية صناعية سريعة النمو    هل أداء السنن يغني عن صلاة الفوائت؟ أمين الإفتاء يوضح    رد الدكتور أحمد كريمة على طلب المتهم في قضية "فتاة الشروق    أوكرانيا: الجيش الروسي يقصف 15 منطقة سكنية في خيرسون    تحرير 31 محضرا بمخالفات لمخابز فى السنبلاوين    جوتيريش: بعد عام من الحرب يجب ألا ينسى العالم شعب السودان    الصين تؤكد على ضرورة حل القضية الفلسطينية وتنفيذ حل الدولتين    «الصحة» تطلق البرنامج الإلكتروني المُحدث لترصد العدوى في المنشآت الصحية    دعاء ليلة الزواج لمنع السحر والحسد.. «حصنوا أنفسكم»    أحمد كريمة: تعاطي المسكرات بكافة أنواعها حرام شرعاً    أبرزها عيد العمال.. مواعيد الإجازات الرسمية في شهر مايو 2024    «حلم جيل بأكمله».. لميس الحديدي عن رحيل شيرين سيف النصر    أيمن دجيش: كريم نيدفيد كان يستحق الطرد بالحصول على إنذار ثانٍ    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    رئيس تحرير «الأخبار»: الصحافة القومية حصن أساسي ودرع للدفاع عن الوطن.. فيديو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" الدائرة " نموذج من سينما المستقبل
نشر في صوت البلد يوم 16 - 08 - 2017

يروي فيلم “الدائرة” للمخرج جيمس بوسولدت قصة تعيد إلى الأذهان فكرة كيف يمكن أن تنجح “المؤسسة” في تشكيل وعي الإنسان- الفرد، بحيث يمكن التحكم فيه وتطويعه لخدمة أغراضها عن طريق الامتثال المطلق، لكنها تزعم في الوقت نفسه، أنها تسعى إلى تحريره من قيوده.
وتسعى المؤسسة إلى تحقيق سيطرة مركزية، وتساهم في خلق مجتمع شمولي مغلق يمسك بكل الخيوط في يد آلة جبارة لها أهدافها الخاصة، ترمي إلى جعل الأغنياء أكثر غنى، وتتجه أكثر فأكثر نحو تحقيق احتكار الثروة، في الوقت الذي توهم الجميع بأنها تخلق لهم مجتمعا شفافا ديمقراطيا، يتمتع فيه الجميع بفرص متساوية: في التصويت ومراقبة كل ما يجري في كل مكان.
المستقبل القريب
الزمان هو المستقبل القريب، لدينا مؤسسة أو شركة (خاصة) أطلق عليها مؤسسوها اسم “الدائرة”، توسعت وتضخمت وأصبحت تضم ملايين الأشخاص، بل وتمد أذرعها خارج الولايات المتحدة في عدد من الدول، وهي تملك كل أدوات التكنولوجيا الرقمية الحديثة من وسائل اتصال مذهلة تكفل مراقبة الأشخاص والاطلاع على أدق ما يفعلونه، وهي مشغولة بجمع أكبر قدر من المعلومات عن كل من ينضم إليها.
بطلة الفيلم فتاة شابة يملؤها الطموح هي “ماي” (إيما واتسون)، تمارس عملا مملا روتينيا، لكنها بمساعدة صديقتها “آني” تتمكن من الحصول على فرصة عمل نادرة في “الدائرة”.
هناك يصبح مطلوبا منها التواصل عبر جهاز الكومبيوتر مع الأشخاص عبر العالم، فقد أصبحت التكنولوجيا الرقمية الجديدة توفر فرصة هائلة للتواصل المباشر، بالصوت والصورة والتشات، كما هو حادث اليوم، ولكن على نطاق أوسع كثيرا، خاصة بعد أن يدشن رئيس الشركة “إيمون” (توم هانكس) أول كاميرا شخصية صغيرة الحجم يمكن لأي شخص أن يعلقها في صدره، تنقل الصور عبر الأقمار الاصطناعية، تقوم الدائرة بالفعل بنشرها في كل مكان وتنقل بالتالي صورا حية لحركة الأشخاص والأماكن التي يترددون عليها.
إنه يعطي عرضا شيقا أمام مئات الشباب المتحمسين للأفكار الجديدة، عن كيف أن هذه الوسيلة المربوطة بمخزن هائل للمعلومات والمواد يرتبط بالشبكة الخاصة بالشركة، يمكن أن تضمن “الشفافية” فتقضي تماما على فكرة “السرية” و”الخصوصية”، نحو شعار “المشاركة اهتمام”.
"الدائرة" تضمن أيضا علاجا جيدا متقدما للأمراض العضوية، ولديها نظام صحي متكامل لخدمة أعضائها والعاملين لديها، كما أن لديها نظاما للأنشطة الاجتماعية والترفيهية، ولكن في خضم هذه الأنشطة يجب أن يكون الفرد محاطا بمن يوجهونه ويعرفون كل شيء عن تحركاته.
حماس ماي الشديد لأفكار الدائرة يقودها إلى تطوير الفكرة، بحيث تشمل دفع الفرد لأن يجعل كل ما يقوم به في حياته الشخصية مكشوفا وعلى الهواء مباشرة، وذلك عن طريق زرع كاميرات في منزله، ومنزل أسرته، ومكان عمله، إلى جانب الكاميرا التي يعلقها على صدره والتي تكشف تحركاته، وعندما يدخل دورة المياه لقضاء حاجته فلديه ثلاث دقائق فقط يمكنه أن ينفصل خلالها عن “البث المباشر”.
والشعار الذي تطرحه هو “الأسرار أكاذيب” و”الخصوصية جريمة”، بل إنها تقوم باستعراض حي على الهواء لكيفية الاستعانة بالتخاطب المباشر مع العالم، والحصول بذلك على مساعدة الناس في تعقب والقبض على امرأة هاربة من الشرطة في بلد آخر.
تعلم ماي من إحدى الموظفات أن الدائرة تقوم بزرع شرائح دقيقة داخل أجسام الأطفال، تقول لها إن الغرض هو حمايتهم من الاغتصاب والاختطاف والقتل، وأن هذه التقنية قللت من وقوع مثل هذه الحوادث بنسبة 99 في المئة، ثم نشاهد سيدة من أعضاء الكونغرس تلقي كلمة على العاملين تتعهد خلالها بأن تكون الأولى التي تتيح الكشف -على الهواء- عن كل رسائلها الإلكترونية وما يدخل إلى بريدها الخاص وحساباتها المصرفية ومكالماتها الهاتفية.. إلخ، كخطوة أولى نحو تحقيق الشفافية الكاملة.
تدريجيا ستصعد ماي وتصبح مرشحة لتبوؤ منصب كبير ومؤثر في “الدائرة”، لكنها سرعان ما تقع في أزمة نفسية عنيفة، أولا بعد أن يتم بث مباشر يراه الجميع عبر العالم، لوالديها وهما معا في الفراش في مشهد حميمي.
وعلى الفور تتلقى ماي ملايين الرسائل التي تظهر أمامنا على جانبي الشاشة (وهو أسلوب متبع في الفيلم كله) من المشاهدين الذين يتساءلون ويعلقون بشكل فكاهي على هذا المشهد، ثم تكتشف ماي كيف أن هذه الشفافية المزعومة يمكن أن تنقلب فتتسبب في وقوع حوادث تؤدي إلى الموت كما يحدث مع صديقها الذي هجرها احتجاجا على وقوعها في براثن الدائرة، واختفى بعيدا، لكنها تضطر أمام الجمهور إلى إطلاق حملة مباشرة على الهواء للعثور عليه خلال دقائق، فتنطلق طائرات مروحية وسيارات ودراجات نارية تتعقبه وتطارده مطاردة شرسة بعد أن كشفت مكانه، إلى أن ينتهي المشهد بحادثة يفقد فيها حياته.
فكرة الوصاية على الناس، واقتحام خصوصيتهم بدعوى أن الخصوصية تخفي وراءها شرا، وأن الديمقراطية تقتضي الشفافية في كل شيء، فكرة ترسخ للدولة البوليسية والمجتمع الشمولي، لكن المشكلة أن الفيلم يتوقف عند هذا الحد فقط من ناحية السرد والسياق الدرامي.
إنه يكشف ببراعة الآليات التي يتم الترويج لها بواسطة إيمون عن تحقيق مجتمع الشفافية، ثم ما تقنعهم به ماي من أن النظام الجديد للتصويت على الهواء في الانتخابات سيحقق أيضا للمرة الأولى في التاريخ، الديمقراطية في أعلى مراحلها بعد أن يصبح التصويت إجباريا، ويتيح للجميع التصويت على الهواء مباشرة باستخدام وسائل التكنولوجيا الرقمية الجديدة، ثم ستخبرهم أن 22 دولة وافقت بالفعل على البدء في تطبيق هذا النظام من خلال “الدائرة”.
صورة جذابة
كان يتوقع أن يتجه الفيلم في نصفه الثاني للكشف عن تلك “الأغراض السرية” الغامضة التي تخفيها “الدائرة”، وكان هذا التطور على المستوى الدرامي يقتضي العناية بتفاصيل كثيرة أخرى تم إهمالها تماما.
كانت هناك مثلا شخصية الشاب الأسود “تاي” (جون بويغا) الذي تقترب منه ماي وتصادقه بعد أن تجده يميل إلى الانطواء والعزلة، ثم تكتشف أنه هو من صمم نظام البث المباشر لحركة الأفراد، ولكن هدفه لم يكن استخدام البشر والإضرار بهم على هذا النحو الذي يحدث الآن، لكننا لا نعرف ماذا كان هدفه؟ ثم لا نعرف ماذا سيفعل بعد أن اكتشف أن “الدائرة” شريرة؟
هل سيمكنه تدمير المنظومة أو ستتمكن الدائرة من الانتصار عليه؟ وهل ستصبح ماي مشتركة معه في كشف ما خفي من أمر الدائرة للرأي العام؟ وإلى أي مدى يمكنها أن تصل في تحدي “المؤسسة” التي ترمز لها “الدائرة”؟ لكن الفيلم لا يمضي في هذا الاتجاه.
ونتيجة لهذه المعالجة السطحية، يظل الفيلم يدور حول شخصية ماي دون أن يصل إلى أبعد من السطح، ودون أن يجعلها طرفا مناوئا ل”المؤسسة”، أو ضحية لها، صحيح أنها تستخدم موضوع الشفافية لكي تقلب الطاولة على رأس رئيس الشركة وشريكه، فتتيح كل حساباتهما الشخصية ومكالماتهما الهاتفية ورسائلهما وتفاصيل حياتهما الشخصية للجميع، لكنها رغم ذلك تستمر في العمل لحساب “الدائرة”.
ويتمتع الفيلم بصور شديدة الجاذبية، وابتكارات في تقسيم الشاشة، والاستفادة من كل ما يمكن أن توفره التكنولوجيا الحديثة مع حركة كاميرا دائمة داخل المكان، تتميز بوجه خاص في المشهد الذي تسير ماي خلاله بسرعة مع صديقتها آني التي تتحدث بسرعة وتشرح لها بطريقة احترافية كما لو كانت مندوبة دعاية، كل تفاصيل المكان وما نشاهده كمدخل إلى “الدائرة”، وبينما تتقدم الفتاتان تتراجع الكاميرا باستمرار إلى الخلف لتكشف كل ما يتوفر من خدمات وأقسام وأماكن للتسلية وغيرها في محيط مباني ومنشآت “الدائرة”.
وفي مشهد آخر تهبط ماي مع زميلها تاي تحت الأرض إلى ممر مهجور تغرقه المياه، حيث يطلعها على مخزن الأسرار، من دون أن يتعقبهما أحد!
إيما واتسون بوجهها الطفولي البريء وجسدها النحيل تبدو مناسبة للدور، لكن أداءها يشوبه الطابع الأحادي، والانفعال الذي لا يتغير على وجهها بسبب أحادية الشخصية التي تؤديها، وهي في أفضل حالاتها في المشهد الذي تتعقب خلاله صديقتها آني التي تفر منها بعد أن أصبحت تشعر بالنفور من حماس ماي الزائد للاستمرار في اللعبة التي بدأت آني تتشكك في جدواها وهدفها.
في فيلم يفترض أنه من نوع الأفلام المثيرة، أي فيلم تشويق وحركة وترقب، تغيب المطاردات الكابوسية، والشعور بالخطر التدريجي الذي يمكن أن يحدق بالشخصية الرئيسية، بل على العكس، تبدو ماي وقد استسلمت طواعية للأمر الواقع، وينتهي الفيلم وهي لا تزال ترى فائدة ما من نظام “الدائرة”، ويبدو أن رؤية المخرج هي أنه لا مفر من قبول هذا التطور التكنولوجي المحتم، وأن المهم كيفية التعامل معه مستقبلا!
...
ناقد سينمائي مصري
يروي فيلم “الدائرة” للمخرج جيمس بوسولدت قصة تعيد إلى الأذهان فكرة كيف يمكن أن تنجح “المؤسسة” في تشكيل وعي الإنسان- الفرد، بحيث يمكن التحكم فيه وتطويعه لخدمة أغراضها عن طريق الامتثال المطلق، لكنها تزعم في الوقت نفسه، أنها تسعى إلى تحريره من قيوده.
وتسعى المؤسسة إلى تحقيق سيطرة مركزية، وتساهم في خلق مجتمع شمولي مغلق يمسك بكل الخيوط في يد آلة جبارة لها أهدافها الخاصة، ترمي إلى جعل الأغنياء أكثر غنى، وتتجه أكثر فأكثر نحو تحقيق احتكار الثروة، في الوقت الذي توهم الجميع بأنها تخلق لهم مجتمعا شفافا ديمقراطيا، يتمتع فيه الجميع بفرص متساوية: في التصويت ومراقبة كل ما يجري في كل مكان.
المستقبل القريب
الزمان هو المستقبل القريب، لدينا مؤسسة أو شركة (خاصة) أطلق عليها مؤسسوها اسم “الدائرة”، توسعت وتضخمت وأصبحت تضم ملايين الأشخاص، بل وتمد أذرعها خارج الولايات المتحدة في عدد من الدول، وهي تملك كل أدوات التكنولوجيا الرقمية الحديثة من وسائل اتصال مذهلة تكفل مراقبة الأشخاص والاطلاع على أدق ما يفعلونه، وهي مشغولة بجمع أكبر قدر من المعلومات عن كل من ينضم إليها.
بطلة الفيلم فتاة شابة يملؤها الطموح هي “ماي” (إيما واتسون)، تمارس عملا مملا روتينيا، لكنها بمساعدة صديقتها “آني” تتمكن من الحصول على فرصة عمل نادرة في “الدائرة”.
هناك يصبح مطلوبا منها التواصل عبر جهاز الكومبيوتر مع الأشخاص عبر العالم، فقد أصبحت التكنولوجيا الرقمية الجديدة توفر فرصة هائلة للتواصل المباشر، بالصوت والصورة والتشات، كما هو حادث اليوم، ولكن على نطاق أوسع كثيرا، خاصة بعد أن يدشن رئيس الشركة “إيمون” (توم هانكس) أول كاميرا شخصية صغيرة الحجم يمكن لأي شخص أن يعلقها في صدره، تنقل الصور عبر الأقمار الاصطناعية، تقوم الدائرة بالفعل بنشرها في كل مكان وتنقل بالتالي صورا حية لحركة الأشخاص والأماكن التي يترددون عليها.
إنه يعطي عرضا شيقا أمام مئات الشباب المتحمسين للأفكار الجديدة، عن كيف أن هذه الوسيلة المربوطة بمخزن هائل للمعلومات والمواد يرتبط بالشبكة الخاصة بالشركة، يمكن أن تضمن “الشفافية” فتقضي تماما على فكرة “السرية” و”الخصوصية”، نحو شعار “المشاركة اهتمام”.
"الدائرة" تضمن أيضا علاجا جيدا متقدما للأمراض العضوية، ولديها نظام صحي متكامل لخدمة أعضائها والعاملين لديها، كما أن لديها نظاما للأنشطة الاجتماعية والترفيهية، ولكن في خضم هذه الأنشطة يجب أن يكون الفرد محاطا بمن يوجهونه ويعرفون كل شيء عن تحركاته.
حماس ماي الشديد لأفكار الدائرة يقودها إلى تطوير الفكرة، بحيث تشمل دفع الفرد لأن يجعل كل ما يقوم به في حياته الشخصية مكشوفا وعلى الهواء مباشرة، وذلك عن طريق زرع كاميرات في منزله، ومنزل أسرته، ومكان عمله، إلى جانب الكاميرا التي يعلقها على صدره والتي تكشف تحركاته، وعندما يدخل دورة المياه لقضاء حاجته فلديه ثلاث دقائق فقط يمكنه أن ينفصل خلالها عن “البث المباشر”.
والشعار الذي تطرحه هو “الأسرار أكاذيب” و”الخصوصية جريمة”، بل إنها تقوم باستعراض حي على الهواء لكيفية الاستعانة بالتخاطب المباشر مع العالم، والحصول بذلك على مساعدة الناس في تعقب والقبض على امرأة هاربة من الشرطة في بلد آخر.
تعلم ماي من إحدى الموظفات أن الدائرة تقوم بزرع شرائح دقيقة داخل أجسام الأطفال، تقول لها إن الغرض هو حمايتهم من الاغتصاب والاختطاف والقتل، وأن هذه التقنية قللت من وقوع مثل هذه الحوادث بنسبة 99 في المئة، ثم نشاهد سيدة من أعضاء الكونغرس تلقي كلمة على العاملين تتعهد خلالها بأن تكون الأولى التي تتيح الكشف -على الهواء- عن كل رسائلها الإلكترونية وما يدخل إلى بريدها الخاص وحساباتها المصرفية ومكالماتها الهاتفية.. إلخ، كخطوة أولى نحو تحقيق الشفافية الكاملة.
تدريجيا ستصعد ماي وتصبح مرشحة لتبوؤ منصب كبير ومؤثر في “الدائرة”، لكنها سرعان ما تقع في أزمة نفسية عنيفة، أولا بعد أن يتم بث مباشر يراه الجميع عبر العالم، لوالديها وهما معا في الفراش في مشهد حميمي.
وعلى الفور تتلقى ماي ملايين الرسائل التي تظهر أمامنا على جانبي الشاشة (وهو أسلوب متبع في الفيلم كله) من المشاهدين الذين يتساءلون ويعلقون بشكل فكاهي على هذا المشهد، ثم تكتشف ماي كيف أن هذه الشفافية المزعومة يمكن أن تنقلب فتتسبب في وقوع حوادث تؤدي إلى الموت كما يحدث مع صديقها الذي هجرها احتجاجا على وقوعها في براثن الدائرة، واختفى بعيدا، لكنها تضطر أمام الجمهور إلى إطلاق حملة مباشرة على الهواء للعثور عليه خلال دقائق، فتنطلق طائرات مروحية وسيارات ودراجات نارية تتعقبه وتطارده مطاردة شرسة بعد أن كشفت مكانه، إلى أن ينتهي المشهد بحادثة يفقد فيها حياته.
فكرة الوصاية على الناس، واقتحام خصوصيتهم بدعوى أن الخصوصية تخفي وراءها شرا، وأن الديمقراطية تقتضي الشفافية في كل شيء، فكرة ترسخ للدولة البوليسية والمجتمع الشمولي، لكن المشكلة أن الفيلم يتوقف عند هذا الحد فقط من ناحية السرد والسياق الدرامي.
إنه يكشف ببراعة الآليات التي يتم الترويج لها بواسطة إيمون عن تحقيق مجتمع الشفافية، ثم ما تقنعهم به ماي من أن النظام الجديد للتصويت على الهواء في الانتخابات سيحقق أيضا للمرة الأولى في التاريخ، الديمقراطية في أعلى مراحلها بعد أن يصبح التصويت إجباريا، ويتيح للجميع التصويت على الهواء مباشرة باستخدام وسائل التكنولوجيا الرقمية الجديدة، ثم ستخبرهم أن 22 دولة وافقت بالفعل على البدء في تطبيق هذا النظام من خلال “الدائرة”.
صورة جذابة
كان يتوقع أن يتجه الفيلم في نصفه الثاني للكشف عن تلك “الأغراض السرية” الغامضة التي تخفيها “الدائرة”، وكان هذا التطور على المستوى الدرامي يقتضي العناية بتفاصيل كثيرة أخرى تم إهمالها تماما.
كانت هناك مثلا شخصية الشاب الأسود “تاي” (جون بويغا) الذي تقترب منه ماي وتصادقه بعد أن تجده يميل إلى الانطواء والعزلة، ثم تكتشف أنه هو من صمم نظام البث المباشر لحركة الأفراد، ولكن هدفه لم يكن استخدام البشر والإضرار بهم على هذا النحو الذي يحدث الآن، لكننا لا نعرف ماذا كان هدفه؟ ثم لا نعرف ماذا سيفعل بعد أن اكتشف أن “الدائرة” شريرة؟
هل سيمكنه تدمير المنظومة أو ستتمكن الدائرة من الانتصار عليه؟ وهل ستصبح ماي مشتركة معه في كشف ما خفي من أمر الدائرة للرأي العام؟ وإلى أي مدى يمكنها أن تصل في تحدي “المؤسسة” التي ترمز لها “الدائرة”؟ لكن الفيلم لا يمضي في هذا الاتجاه.
ونتيجة لهذه المعالجة السطحية، يظل الفيلم يدور حول شخصية ماي دون أن يصل إلى أبعد من السطح، ودون أن يجعلها طرفا مناوئا ل”المؤسسة”، أو ضحية لها، صحيح أنها تستخدم موضوع الشفافية لكي تقلب الطاولة على رأس رئيس الشركة وشريكه، فتتيح كل حساباتهما الشخصية ومكالماتهما الهاتفية ورسائلهما وتفاصيل حياتهما الشخصية للجميع، لكنها رغم ذلك تستمر في العمل لحساب “الدائرة”.
ويتمتع الفيلم بصور شديدة الجاذبية، وابتكارات في تقسيم الشاشة، والاستفادة من كل ما يمكن أن توفره التكنولوجيا الحديثة مع حركة كاميرا دائمة داخل المكان، تتميز بوجه خاص في المشهد الذي تسير ماي خلاله بسرعة مع صديقتها آني التي تتحدث بسرعة وتشرح لها بطريقة احترافية كما لو كانت مندوبة دعاية، كل تفاصيل المكان وما نشاهده كمدخل إلى “الدائرة”، وبينما تتقدم الفتاتان تتراجع الكاميرا باستمرار إلى الخلف لتكشف كل ما يتوفر من خدمات وأقسام وأماكن للتسلية وغيرها في محيط مباني ومنشآت “الدائرة”.
وفي مشهد آخر تهبط ماي مع زميلها تاي تحت الأرض إلى ممر مهجور تغرقه المياه، حيث يطلعها على مخزن الأسرار، من دون أن يتعقبهما أحد!
إيما واتسون بوجهها الطفولي البريء وجسدها النحيل تبدو مناسبة للدور، لكن أداءها يشوبه الطابع الأحادي، والانفعال الذي لا يتغير على وجهها بسبب أحادية الشخصية التي تؤديها، وهي في أفضل حالاتها في المشهد الذي تتعقب خلاله صديقتها آني التي تفر منها بعد أن أصبحت تشعر بالنفور من حماس ماي الزائد للاستمرار في اللعبة التي بدأت آني تتشكك في جدواها وهدفها.
في فيلم يفترض أنه من نوع الأفلام المثيرة، أي فيلم تشويق وحركة وترقب، تغيب المطاردات الكابوسية، والشعور بالخطر التدريجي الذي يمكن أن يحدق بالشخصية الرئيسية، بل على العكس، تبدو ماي وقد استسلمت طواعية للأمر الواقع، وينتهي الفيلم وهي لا تزال ترى فائدة ما من نظام “الدائرة”، ويبدو أن رؤية المخرج هي أنه لا مفر من قبول هذا التطور التكنولوجي المحتم، وأن المهم كيفية التعامل معه مستقبلا!
...
ناقد سينمائي مصري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.