تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. كليات تكنولوجيا الصناعة والطاقة ومعاهد الهندسة المتاحة صنايع 3 سنوات (قائمة كاملة)    سعر اليورو اليوم الأحد 24 أغسطس 2025.. العملة الأوروبية بكام الآن؟    إعلام فلسطيني: طائرات الاحتلال تشن غارة جنوب مخيم المغازي وسط قطاع غزة    إعلام فلسطيني: سماع دوي انفجارات ضخمة جراء تفجير روبوتات مفخخة في مدينة غزة    طارق النهري: نطقت الشهادتين وكنت أنتظر الموت في السجن.. ولم أتواجد بالميدان يوم حريق المجمع العلمي    انتشال جثمان طفلة من أسفل أنقاض منزل بسمنود بعد انهياره الجزئي    شديد الحرارة ورياح.. بيان من الأرصاد يكشف حالة الطقس اليوم    تشييع جثمان بهاء الخطيب في البدرشين ودفنه بمقابر ميت رهينة    نقابة مديري المواقع الدولية تمنج إيلت جونز جائزة إنجاز العمل    توقعات الأبراج حظك اليوم الأحد 24 أغسطس 2025.. يوم مليء بالمفاجآت والتغييرات    تامر حسني يشعل الأجواء لحظة صعوده مسرح مهرجان مراسي بأغنية «قرب كمان» (صور)    دعاء الفجر | اللهم يسّر أمورنا واشرح صدورنا وارزقنا القبول    ملف يلا كورة.. تغريم الزمالك.. صفقة كهربا.. وأزمة السوبر السعودي    شيكابالا يتحدث عن.. احتياجات الزمالك.. العودة لدوري الأبطال.. ومركز السعيد    "هزائم قليلة".. ماذا يفعل الأهلي في حضور الصافرة التحكيمية لأمين عمر؟    عقوبة تزوير الكود التعريفي للمعتمر وفقًا للقانون    وداعًا للبطاريات.. خلايا شمسية جديدة تشغل الأجهزة من إضاءة الغرف    فينجادا: حزنت من انتقال زيزو إلى الأهلي.. والكرة المصرية تعاني من عدم الاحترافية    تنسيق المرحلة الثالثة، الأخطاء الشائعة عند تسجيل الرغبات وتحذير من الرقم السري    وزير الاتصالات: الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى اندثار بعض الوظائف.. والحل التوجه لمهن جديدة    الاحتلال الإسرائيلى يقتحم بلدتين بالخليل ومدينة قلقيلية    خسوف القمر الكلي.. مصر على موعد مع ظاهرة فلكية بارزة في 7 سبتمبر.. فيديو    انقلاب سيارة محملة بالزيت على الطريق الدولي ومحافظ كفر الشيخ يوجه بتأمين الطريق    "وول ستريت جورنال": البنتاجون يمنع أوكرانيا من استخدام الأسلحة بعيدة المدى لضرب العمق الروسي    في 12 مقاطعة ب موسكو.. الدفاع الروسية تُسقط 57 مسيرة أوكرانية    تصل كييف خلال 6 أسابيع.. إدارة ترامب توافق على بيع 3350 صاروخا بعيد المدى ل أوكرانيا    فرنسا تستدعى السفيرة الإيطالية بعد تصريحات نائب رئيس الحكومة الإيطالية ضد ماكرون    مروة ناجي تتألق في أولى مشاركاتها بمهرجان الصيف الدولي بمكتبة الإسكندرية    محمد رمضان يحيي حفلًا غنائيًا بالساحل الشمالي في هذا الموعد    بينهم مصريون.. بنك HSBC يُغلق حسابات 1000 من أثرياء الشرق الأوسط    شاب بريطاني لم يغمض له جفن منذ عامين- ما القصة؟    وزير الصحة: نضمن تقديم الخدمات الصحية لجميع المقيمين على رض مصر دون تمييز    مهرجان القلعة.. أحمد جمال يطوي الصفحة الأخيرة للدورة 33 (صور)    في المباراة ال 600 للمدرب.. ويسلي يفتتح مسيرته مع روما بحسم الفوز على بولونيا    خلال اشتباكات مع قوات الأمن.. مقتل تاجر مخدرات شديد الخطورة في الأقصر    مصرع طفل وإصابة 2 آخرين في انهيار حائط بسوهاج    «قولتله نبيع زيزو».. شيكابالا يكشف تفاصيل جلسته مع حسين لبيب    مستثمرون يابانيون: مصر جاذبة للاستثمار ولديها موارد تؤهلها للعالمية    عيار 21 الآن بعد الانخفاض.. أسعار الذهب اليوم الأحد 24 أغسطس 2025 محليًا وعالميًا    «المصري اليوم» في جولة داخل أنفاق المرحلة الأولى للخط الرابع ل«المترو»    وزير الإسكان يتابع موقف عدد من المشروعات بمطروح    تاليا تامر حسني: التنمّر ليس مزحة.. إنه ألم حقيقي يدمّر الثقة بالنفس (فيديو)    لا صحة لوقوع خطأ طبي.. محمود سعد يوضح تطورات الحالة الصحية للفنانة أنغام    رسميًا.. موعد المولد النبوي 2025 في مصر وعدد أيام الإجازة للقطاع العام والخاص والبنوك    برشلونة يقلب تأخره لفوز أمام ليفانتي بالدوري الاسباني    كيرمونيسي يفجر المفاجأة ويفوز على ميلان في الدوري الإيطالي    محافظ شمال سيناء يوجه بتشغيل قسم الغسيل الكلوي للأطفال بمستشفى العريش العام    إحالة المتغيبين في مستشفى الشيخ زويد المركزى إلى التحقيق العاجل    "سلامة قلبك".. مستشفى جديد لعلاج أمراض وجراحة القلب للأطفال مجانًا بالمحلة الكبري    "كنت بشوفهم بيموتوا قدامي".. شهادة ناجية من فاجعة غرق طالبات سوهاج بشاطئ أبو تلات بالإسكندرية    «أوقاف المنيا» تعلن بدء احتفال المولد النبوي غدًا الأحد 24 أغسطس    تعرف على استعدادات تعليم كفر الشيخ للعام الدراسي الجديد    كيف تدرب قلبك على الرضا بما قسمه الله لك؟.. يسري جبر يجيب    هل يجوز قراءة القرآن أثناء النوم على السرير؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز الطلاق على الورق والزواج عرفي للحصول على المعاش؟.. أمين الفتوى يجيب    الجندي يشدد على ضرورة تطوير أساليب إعداد وإخراج المحتوى العلمي لمجمع البحوث الإسلاميَّة    حصاد الأسبوع    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة الأفلام الإباحية
نشر في صوت البلد يوم 03 - 08 - 2017

السينما هي فن حديث نسبياً مقارنة بفنون عريقة كالرسم أو النحت أو الموسيقى أو المسرح. هي أم الفنون التي استفادت من كل الأجناس ومزجتها بأنواع أخرى كالأدب، خاصة الرواية، التي أصبحت السينما بمثابة تطور يضفي بعداً جديداً عليها وعلى غيرها من الأعمال الدرامية المكتوبة، أو التي كانت تقدم على الساحات والمسارح.
يمكن القول إن السينما هي أحد المنتجات الفنية التي أفرزها التطور التقني والصناعي الذي ميّز القرن العشرين. تلك الخصوصية جعلتها، وعلى عكس غيرها من الفنون، لا تأخذ وقتاً طويلاً في سبيل التدرج والاكتمال، فقد قامت مستندة إلى رصيد كبير من أعمال الفن والأدب، لذلك لم يكن من المستغرب أن تخرج للجمهور في وقت متزامن تقريباً جميع أنوع الأفلام من عاطفية ووثائقية وكوميدية، وحتى أفلام الخيال العلمي وكل ذلك في ظرف بضع سنوات.
إلا أن ما يطلق عليه اليوم أفلاماً إباحية لم يكن من ضمن الباقة التي عرضت على جمهور السينما آنذاك، بسبب أن المجتمعات الغربية نفسها كانت حتى ذلك الحين مجتمعات محافظة، يمثل عرض مثل هذه الأفلام عليها إهانة كبرى.علينا للتدليل على مدى المحافظة التي كانت عليها المجتمعات الأوروبية أن نذكر، على سبيل المثال، أن رواية تعتبر اليوم كلاسيكية ومهمة لدارسي الأدب الإنكليزي كرواية «عشيق الليدي تشاترلي» للكاتب د. ه. لورنس ظلت حتى أواسط القرن العشرين ممنوعة من التداول لأسباب أخلاقية، بسبب احتوائها على ما اعتبرت حينها عبارات وأوصاف خادشة للحياء ومحرضة على الفجور، وهو ما سيبدو اليوم بالنسبة للجيل الجديد من الشباب الأوروبي، الذين تتاح أمامهم فرص قراءة روايات محورها الوحيد هو الجنس، مضحكاً.
إلا أن عدداً من العاملين في السينما بدوا عازمين على تحقيق حلمهم في تكريس فيلم يكون موضوعه «التشويق الجنسي». شجعهم على ذلك الاتجاه المتسارع للمجتمعات الغربية نحو الليبرالية والحداثة، وهو اتجاه كان من المؤكد أنه قادر على جعل ما كان محظوراً بالأمس مباحاً اليوم. تنوعت دوافع أولئك ومحفزاتهم للوصول إلى ذلك الهدف الذي بدا بعيد المنال في البداية. سوف أتجاهل هنا وجهة النظر التي تصور مجموعة شريرة كامنة خلف كل الشرور ومسيطرة على العالم وراغبة في إفساده، وذلك لأنني ببساطة لا أملك دليلاً على وجود هذه المجموعة. بتنحية هذه الفرضية تبقى لدينا حقيقتان يمكن الاتفاق حولهما وهما، أولاً: أن من تلك الدوافع الرغبة الشخصية الخاصة ببعض المخرجين أو السينمائيين الذين أرادوا ولوج هذا العالم الغامض، أو الذين كانت هذه الفكرة تشعرهم بالحماس والإثارة. وثانياً: أنه كان من الواضح أن مثل هذه الأفلام سوف تكون مربحة للغاية وذات فائدة تجارية عالية وهو ما تحقق فعلاً ليس فقط في ذلك الوقت البعيد، حين كان كل شيء ممنوعاً وصعباً، ولكن حتى في وقتنا الحالي.
الاسم الأكثر شهرة لما نقصده بالأفلام الإباحية هو «البورنو» وهي الكلمة الأكثر استخداماً في الأوساط الثقافية، ومنها نشأت تسمية هذا المجال بالبورنوغرافيا، في حين يمكن للمتتبع أن يجد أحياناً إشارة لمثل هذه الأفلام عبر استخدام حرف X أو عبر وصفها بأنها «أفلام الكبار» أو باستخدام كلمة «هارد». التعريف العلمي لهذه الأفلام هو أنها الأفلام التي تمثل العلاقة الجنسية الكاملة والظاهرة بجميع تفصيلاتها موضوعها الرئيس، ولذلك للتفريق بينها وبين أفلام «الإيروتيك» التي قد تهدف لتناول الجنس كموضوع للإثارة دون الاستغراق في التصوير التفصيلي للأعضاء والأوضاع الجنسية. مثل غيرها من مفاسد الحياة الغربية في مرحلة ما بعد الثورة الصناعية، فإن هذا النوع من الأفلام مر بمسار طويل قبل أن يصل إلى مرحلتنا الحالية والتي تتمثل فيها الإباحية بأعلى درجاتها. فمن المرحلة الأولى التي كانت فيها تلك الأفلام خاصة وسرية التداول ضمن ملتقيات ونوادٍ مغلقة، وجد المجتمع الغربي نفسه ينتقل ليس فقط إلى مرحلة إباحة هذه الأفلام كنوع فني جديد، بل إلى مرحلة يصبح فيها ممثلو الإباحية «نجوماً» كغيرهم من المشاهير.
ربما يكون الأمر قد بدأ يخرج عن السيطرة، مع دخول الفيديو والتلفزيون المنزل، حيث لم يعد الراغبون مضطرين للذهاب إلى تلك الأماكن الخاصة من أجل مشاهدة هذه الأفلام. ثم، ومع تزايد الجمهور الراغب في مثل هذا النوع من الأفلام، وبدعوى الحرية والحق في الاختيار، الذي يجب أن يمنح للجميع، بدأت بعض القنوات الغربية في التخصص في أفلام وبرامج الكبار. إلا أن الانفجار الأكبر كان بلا شك عقب ثورة المعلومات والإنترنت التي أتاحت كل ذلك للجميع وفي كل الأوقات.
صحبت هذه الثورة مشكلتان رئيسيتان ما تزالان مطروحتان دون علاج، وهما أن هذه الأفلام لم تعد تقتصر على مجرد العلاقة الجنسية، وإنما صارت تبحث عن كل ما هو غير تقليدي من أجل أن توصل المشاهد إلى الإثارة المنشودة، حيث يتم التركيز على الفانتازيا، وهي ذلك النوع من الخيال الذي يفترض القائمون على هذه الأعمال أنه يخاطب ذهن الجميع من قبيل علاقات المحارم أو الجنس الجماعي أو الشاذ، أو ذلك الذي يصاحبه عنف كبير، أو تعذيب سادي أو غيرها من الأفكار التي تتوالد كل يوم والتي باتت من كثرة الطرق عليها مقبولة لدى ذلك الجيل من المراهقين، الذي اعتاد عليها بحيث أنها صارت تؤثر على تصوراته وحياته الجنسية.
لا سقف للحرية ومن حق الناس أن تختار ما تريد. هذه هي القاعدة التي يعمل تحتها منتجو هذه الأفلام. الشرط الوحيد هو أن يكون العاملون في هذا المجال والمتلقون لهذه المنتجات من البالغين، أما كل ما يتجاوز ذلك فمسموح به، ولعل الفكرة الوحيدة التي وجدت اعتراضاً من المشرعين الأوروبين هو التطرق لموضوع ممارسة الجنس مع الموتى، أو مع الأطفال، أما ما عدا ذلك من قبيل العنف أو الاغتصاب أو الممارسة مع حيوان أو غيرها، فكلها تدخل في نطاق الخيارات المفتوحة للمشاهد.
إذا كانت المشكلة الأولى لهذه الأفلام والمشاهد هي العطب الذي يصيب تصورات المراهقين وفهمهم للمسألة الجنسية، وهو موضوع مثار بقوة في أكثر من بلد، فإن المشكلة الثانية هي أن هذه الصناعة التي تسربت إلى الأسواق تحت غطاء الحرية والليبرالية، سرعان ما خرقت ذلك الغطاء، حيث أصبح اليوم من الصعب الحيلولة بشكل تام دون وصول هذه المشاهد لأيدي غير البالغين أو غير الراغبين. ورغم اجتهاد الكثير من الدول في التحكم في مسارات البحث على الإنترنت إلا أن أبناء الجيل الجديد من التكنولوجيا كانوا كثيراً ما يجدون طريقة تساعدهم على النفاذ إلى المواقع الممنوعة أو المحجوبة رغم تحصينات الأمان العامة أو تلك التي يمكن للأفراد أن يزودوا بها هواتفهم.
قد يجادل البعض هنا بأن هذه المشكلة قد تكون خاصة بالغرب، أو بأولئك الذين يعيشون في الغرب، أما مجتمعاتنا المحافظة فهي ما تزال محمية ومحصنة. الإجابة على ذلك تحتاج عودة تفصيلية يختلط فيها السياسي بالاجتماعي. من أجل التحفيز والعصف الذهني يمكن على سبيل المثال طرح هذا السؤال: هل يمكن أن تكون عشرات القنوات العارية المفروضة على كل بيت في مشرقنا المحافظ، التي يملك معظمها قادة سياسيون أو رجال أعمال مقربون منهم، هل يمكن أن تكون تمهيداً لمرحلة مقبلة تزال فيها ورقة التوت الصغيرة هذه سامحة بالولوج العلني لعالم الإباحية؟
......
٭ كاتب سوداني
السينما هي فن حديث نسبياً مقارنة بفنون عريقة كالرسم أو النحت أو الموسيقى أو المسرح. هي أم الفنون التي استفادت من كل الأجناس ومزجتها بأنواع أخرى كالأدب، خاصة الرواية، التي أصبحت السينما بمثابة تطور يضفي بعداً جديداً عليها وعلى غيرها من الأعمال الدرامية المكتوبة، أو التي كانت تقدم على الساحات والمسارح.
يمكن القول إن السينما هي أحد المنتجات الفنية التي أفرزها التطور التقني والصناعي الذي ميّز القرن العشرين. تلك الخصوصية جعلتها، وعلى عكس غيرها من الفنون، لا تأخذ وقتاً طويلاً في سبيل التدرج والاكتمال، فقد قامت مستندة إلى رصيد كبير من أعمال الفن والأدب، لذلك لم يكن من المستغرب أن تخرج للجمهور في وقت متزامن تقريباً جميع أنوع الأفلام من عاطفية ووثائقية وكوميدية، وحتى أفلام الخيال العلمي وكل ذلك في ظرف بضع سنوات.
إلا أن ما يطلق عليه اليوم أفلاماً إباحية لم يكن من ضمن الباقة التي عرضت على جمهور السينما آنذاك، بسبب أن المجتمعات الغربية نفسها كانت حتى ذلك الحين مجتمعات محافظة، يمثل عرض مثل هذه الأفلام عليها إهانة كبرى.علينا للتدليل على مدى المحافظة التي كانت عليها المجتمعات الأوروبية أن نذكر، على سبيل المثال، أن رواية تعتبر اليوم كلاسيكية ومهمة لدارسي الأدب الإنكليزي كرواية «عشيق الليدي تشاترلي» للكاتب د. ه. لورنس ظلت حتى أواسط القرن العشرين ممنوعة من التداول لأسباب أخلاقية، بسبب احتوائها على ما اعتبرت حينها عبارات وأوصاف خادشة للحياء ومحرضة على الفجور، وهو ما سيبدو اليوم بالنسبة للجيل الجديد من الشباب الأوروبي، الذين تتاح أمامهم فرص قراءة روايات محورها الوحيد هو الجنس، مضحكاً.
إلا أن عدداً من العاملين في السينما بدوا عازمين على تحقيق حلمهم في تكريس فيلم يكون موضوعه «التشويق الجنسي». شجعهم على ذلك الاتجاه المتسارع للمجتمعات الغربية نحو الليبرالية والحداثة، وهو اتجاه كان من المؤكد أنه قادر على جعل ما كان محظوراً بالأمس مباحاً اليوم. تنوعت دوافع أولئك ومحفزاتهم للوصول إلى ذلك الهدف الذي بدا بعيد المنال في البداية. سوف أتجاهل هنا وجهة النظر التي تصور مجموعة شريرة كامنة خلف كل الشرور ومسيطرة على العالم وراغبة في إفساده، وذلك لأنني ببساطة لا أملك دليلاً على وجود هذه المجموعة. بتنحية هذه الفرضية تبقى لدينا حقيقتان يمكن الاتفاق حولهما وهما، أولاً: أن من تلك الدوافع الرغبة الشخصية الخاصة ببعض المخرجين أو السينمائيين الذين أرادوا ولوج هذا العالم الغامض، أو الذين كانت هذه الفكرة تشعرهم بالحماس والإثارة. وثانياً: أنه كان من الواضح أن مثل هذه الأفلام سوف تكون مربحة للغاية وذات فائدة تجارية عالية وهو ما تحقق فعلاً ليس فقط في ذلك الوقت البعيد، حين كان كل شيء ممنوعاً وصعباً، ولكن حتى في وقتنا الحالي.
الاسم الأكثر شهرة لما نقصده بالأفلام الإباحية هو «البورنو» وهي الكلمة الأكثر استخداماً في الأوساط الثقافية، ومنها نشأت تسمية هذا المجال بالبورنوغرافيا، في حين يمكن للمتتبع أن يجد أحياناً إشارة لمثل هذه الأفلام عبر استخدام حرف X أو عبر وصفها بأنها «أفلام الكبار» أو باستخدام كلمة «هارد». التعريف العلمي لهذه الأفلام هو أنها الأفلام التي تمثل العلاقة الجنسية الكاملة والظاهرة بجميع تفصيلاتها موضوعها الرئيس، ولذلك للتفريق بينها وبين أفلام «الإيروتيك» التي قد تهدف لتناول الجنس كموضوع للإثارة دون الاستغراق في التصوير التفصيلي للأعضاء والأوضاع الجنسية. مثل غيرها من مفاسد الحياة الغربية في مرحلة ما بعد الثورة الصناعية، فإن هذا النوع من الأفلام مر بمسار طويل قبل أن يصل إلى مرحلتنا الحالية والتي تتمثل فيها الإباحية بأعلى درجاتها. فمن المرحلة الأولى التي كانت فيها تلك الأفلام خاصة وسرية التداول ضمن ملتقيات ونوادٍ مغلقة، وجد المجتمع الغربي نفسه ينتقل ليس فقط إلى مرحلة إباحة هذه الأفلام كنوع فني جديد، بل إلى مرحلة يصبح فيها ممثلو الإباحية «نجوماً» كغيرهم من المشاهير.
ربما يكون الأمر قد بدأ يخرج عن السيطرة، مع دخول الفيديو والتلفزيون المنزل، حيث لم يعد الراغبون مضطرين للذهاب إلى تلك الأماكن الخاصة من أجل مشاهدة هذه الأفلام. ثم، ومع تزايد الجمهور الراغب في مثل هذا النوع من الأفلام، وبدعوى الحرية والحق في الاختيار، الذي يجب أن يمنح للجميع، بدأت بعض القنوات الغربية في التخصص في أفلام وبرامج الكبار. إلا أن الانفجار الأكبر كان بلا شك عقب ثورة المعلومات والإنترنت التي أتاحت كل ذلك للجميع وفي كل الأوقات.
صحبت هذه الثورة مشكلتان رئيسيتان ما تزالان مطروحتان دون علاج، وهما أن هذه الأفلام لم تعد تقتصر على مجرد العلاقة الجنسية، وإنما صارت تبحث عن كل ما هو غير تقليدي من أجل أن توصل المشاهد إلى الإثارة المنشودة، حيث يتم التركيز على الفانتازيا، وهي ذلك النوع من الخيال الذي يفترض القائمون على هذه الأعمال أنه يخاطب ذهن الجميع من قبيل علاقات المحارم أو الجنس الجماعي أو الشاذ، أو ذلك الذي يصاحبه عنف كبير، أو تعذيب سادي أو غيرها من الأفكار التي تتوالد كل يوم والتي باتت من كثرة الطرق عليها مقبولة لدى ذلك الجيل من المراهقين، الذي اعتاد عليها بحيث أنها صارت تؤثر على تصوراته وحياته الجنسية.
لا سقف للحرية ومن حق الناس أن تختار ما تريد. هذه هي القاعدة التي يعمل تحتها منتجو هذه الأفلام. الشرط الوحيد هو أن يكون العاملون في هذا المجال والمتلقون لهذه المنتجات من البالغين، أما كل ما يتجاوز ذلك فمسموح به، ولعل الفكرة الوحيدة التي وجدت اعتراضاً من المشرعين الأوروبين هو التطرق لموضوع ممارسة الجنس مع الموتى، أو مع الأطفال، أما ما عدا ذلك من قبيل العنف أو الاغتصاب أو الممارسة مع حيوان أو غيرها، فكلها تدخل في نطاق الخيارات المفتوحة للمشاهد.
إذا كانت المشكلة الأولى لهذه الأفلام والمشاهد هي العطب الذي يصيب تصورات المراهقين وفهمهم للمسألة الجنسية، وهو موضوع مثار بقوة في أكثر من بلد، فإن المشكلة الثانية هي أن هذه الصناعة التي تسربت إلى الأسواق تحت غطاء الحرية والليبرالية، سرعان ما خرقت ذلك الغطاء، حيث أصبح اليوم من الصعب الحيلولة بشكل تام دون وصول هذه المشاهد لأيدي غير البالغين أو غير الراغبين. ورغم اجتهاد الكثير من الدول في التحكم في مسارات البحث على الإنترنت إلا أن أبناء الجيل الجديد من التكنولوجيا كانوا كثيراً ما يجدون طريقة تساعدهم على النفاذ إلى المواقع الممنوعة أو المحجوبة رغم تحصينات الأمان العامة أو تلك التي يمكن للأفراد أن يزودوا بها هواتفهم.
قد يجادل البعض هنا بأن هذه المشكلة قد تكون خاصة بالغرب، أو بأولئك الذين يعيشون في الغرب، أما مجتمعاتنا المحافظة فهي ما تزال محمية ومحصنة. الإجابة على ذلك تحتاج عودة تفصيلية يختلط فيها السياسي بالاجتماعي. من أجل التحفيز والعصف الذهني يمكن على سبيل المثال طرح هذا السؤال: هل يمكن أن تكون عشرات القنوات العارية المفروضة على كل بيت في مشرقنا المحافظ، التي يملك معظمها قادة سياسيون أو رجال أعمال مقربون منهم، هل يمكن أن تكون تمهيداً لمرحلة مقبلة تزال فيها ورقة التوت الصغيرة هذه سامحة بالولوج العلني لعالم الإباحية؟
......
٭ كاتب سوداني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.