فتح باب التقدم لاختبارات الدبلومات والمعاهد الفنية لدخول كلية الحقوق والرابط الرسمي    نادية مصطفى لفيتو: احنا مش متطرفين ومصطفى كامل بيخاف على البلد (فيديو)    «زي النهارده» فى ‌‌30‌‌ يوليو ‌‌2011.. وفاة أول وزيرة مصرية    رغم إعلان حل الأزمة، استمرار انقطاع الكهرباء عن بعض مدن الجيزة لليوم الخامس على التوالي    ترامب يحذر من تسونامي في هاواي وألاسكا ويدعو الأمريكيين إلى الحيطة    وزير الخارجية يلتقي السيناتور ليندسى جراهام بمجلس الشيوخ الأمريكي    الاتحاد الإفريقي يصدم "الدعم السريع" بعد تشكيل حكومة موازية بالسودان ويوجه رسالة للمجتمع الدولي    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء والقنوات الناقلة، أبرزها ليفربول ضد يوكوهاما    ثروت سويلم: لن يتكرر إلغاء الهبوط في الدوري المصري.. وخصم 6 نقاط فوري للمنسحبين    انهيار جزئي لعقار مكون من 7 طوابق في الدقي    من "ترند" الألبومات إلى "ترند" التكت، أسعار تذاكر حفل عمرو دياب بالعلمين مقارنة بتامر حسني    طريقة عمل الأرز باللبن، تحلية سريعة التحضير ولذيذة    البنك العربى الإفريقى يقود إصدار سندات توريق ب 4.7 مليار جنيه ل«تساهيل»    جدول مباريات بيراميدز في الدوري المصري الممتاز الموسم الجديد 2025-2026    "البترول" تتلقى إخطارًا باندلاع حريق في غرفة ماكينات مركب الحاويات PUMBA    عبداللطيف حجازي يكتب: الرهان المزدوج.. اتجاهات أردوغان لهندسة المشهد التركي عبر الأكراد والمعارضة    حظك اليوم الأربعاء 30 يوليو وتوقعات الأبراج    السيد أمين شلبي يقدم «كبسولة فكرية» في الأدب والسياسة    ليلى علوي تسترجع ذكريات «حب البنات» بصور من الكواليس: «كل الحب»    فلكيًا.. موعد بداية شهر رمضان 1447-2026    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين الحكومي والخاص    ترفع الرغبة الجنسية وتعزز المناعة.. 8 أطعمة ترفع هرمون الذكورة بشكل طبيعي    لا تتبع الوزارة.. البترول: السيطرة على حريق سفينة حاويات قرب منصة جنوب شرق الحمد    وزير الثقافة: جوائز الدولة هذا العام ضمت نخبة عظيمة.. ونقدم برنامجا متكاملا بمهرجان العلمين    4 أرغفة ب دينار.. تسعيرة الخبز الجديدة تغضب أصحاب المخابز في ليبيا    تنسيق الثانوية 2025.. ماذا تعرف عن دراسة "الأوتوترونكس" بجامعة حلوان التكنولوجية؟    تنسيق الجامعات 2025| كل ما تريد معرفته عن بكالوريوس إدارة وتشغيل الفنادق "ماريوت"    إبراهيم ربيع: «مرتزقة الإخوان» يفبركون الفيديوهات لنشر الفوضى    وفاة طالب أثناء أداء امتحانات الدور الثاني بكلية التجارة بجامعة الفيوم    القانون يحدد شروط لوضع الإعلانات.. تعرف عليها    متابعة تطورات حركة جماعة الإخوان الإرهابية مع الإعلامية آلاء شتا.. فيديو    الدقيقة بتفرق في إنقاذ حياة .. أعراض السكتة الدماغية    تنسيق الجامعات 2025 .. تفاصيل برامج كلية التجارة جامعة عين شمس (مصروفات)    يسمح ب«تقسيط المصروفات».. حكاية معهد السياحة والفنادق بعد قضية تزوير رمضان صبحي    إخماد حريق في محول كهرباء في «أبو النمرس» بالجيزة    منافسة غنائية مثيرة في استاد الإسكندرية بين ريهام عبد الحكيم ونجوم الموسيقى العربية.. صور    إنجاز غير مسبوق.. إجراء 52 عملية جراحية في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي    أسامة نبيه يضم 33 لاعبا فى معسكر منتخب الشباب تحت 20 سنة    مصرع عامل اختل توازنه وسقط من أعلى سطح المنزل في شبين القناطر    أحمد فؤاد سليم: عشت مواجهة الخطر في الاستنزاف وأكتوبر.. وفخور بتجربتي ب "المستقبل المشرق"    الجنايني يتحدث عن مفاوضات عبد القادر.. وعرض نيوم "الكوبري" وصدمة الجفالي    ناشط فلسطيني: دور مصر مشرف وإسرائيل تتحمل انتشار المجاعة في غزة.. فيديو    رئيس مدينة الحسنة يعقد اجتماعا تنسيقيا تمهيدا للاستعداد لانتخابات الشيوخ 2025    رسميًا.. جدول صرف مرتبات شهر أغسطس 2025 بعد تصريحات وزارة المالية (تفاصيل)    عاجل- ترمب: زوجتي ميلانيا شاهدت الصور المروعة من غزة والوضع هناك قاس ويجب إدخال المساعدات    عمرو الجناينى: تفاجأت باعتزال شيكابالا.. ولم أتفاوض مع أحمد عبد القادر    «الجو هيقلب» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : أمطار وانخفاض «مفاجئ»    جدول امتحانات الثانوية العامة دور ثاني 2025 (اعرف التفاصيل)    ترامب: الهند ستواجه تعريفة جمركية تتراوح بين 20% و25% على الأرجح    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 30 يوليو بعد الانخفاض بالصاغة    محمد السادس: المغرب مستعد لحوار صريح ومسؤول مع الجزائر    سبب غياب كريم فؤاد عن ودية الأهلي وإنبي وموعد عودته    الجنايني عن شروط عبدالله السعيد للتجديد مع الزمالك: "سيب اللي يفتي يفتي"    معلقة داخل الشقة.. جثة لمسن مشنوق تثير الذعر بين الجيران ببورسعيد    هل يُحاسب الطفل على الحسنات والسيئات قبل البلوغ؟.. واعظة تجيب    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر يرد في هذه الحالة    ما الذي يُفِيدُه حديث النبي: (أفضل الأعمال الصلاة على وقتها)؟.. الإفتاء توضح    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التربية على ثقافة التفاعل.. أدب الأطفال
نشر في صوت البلد يوم 24 - 06 - 2017

حظيت مقالتي السابقة حول «الوسائط التكنولوجية والديمقراطية الجديدة» بتفاعل نوعي، كما جعلت بعض القراء يتواصلون معي، ويطرحون أسئلة حول إمكانية حدوث ما تم الاصطلاح عليه ب»الديمقراطية الجديدة»، ومن هي الطبقة «الافتراضية»، المُؤهلة لتحقيق هذه الديمقراطية، وهل الأوضاع التي تعيشها المجتمعات العربية، وما تعرفه من خلل في التنمية الاجتماعية والتدبير السياسي، وما تشهده المنظومة التعليمية من ارتباك في الرؤية، كفيل بتحقق هذه الديمقراطية مع هشاشة الحرية السياسية.
تعتبر مجمل هذه الأسئلة التي طُرحت حول هذا المفهوم الجديد للديمقراطية، وللفئة الجديدة المُؤهلة لتحقيقها، إمكانية لتفعيل التفكير حول واقع المفاهيم الجديدة، التي تشهد اليوم- مرحلة التكون. وعليه، يمكن فتح نقاش معرفي، وفي الوقت ذاته تفاعلي حول علاقة فهمنا لهذه المفاهيم، وكيفية تمثلها، من أجل انتماء وظيفي ومُنتج في الزمن التكنولوجي. عربيا، إذا كان زمن النهضة ظل سؤالا للتجاذب الفكري، وشكل الجواب عليه، اختلافات في الخيارات السياسية، وإذا كان مشروع الحداثة قد استهلكه التنظير، وبقي خارج التفعيل، وتحويله إلى سلوك اجتماعي وسياسي، ومعاملات اقتصادية، ما عمّق الهوة بين الحداثة باعتبارها مشروعا مُفكرا فيه، والحداثة باعتبارها واقعا مُلتبسا، فإن التفكير في منطق الزمن التكنولوجي يختلف بنيويا عن منطق الزمن الصناعي الذي جاء مع النهضة والحداثة. ولعل تمثل الفرق بين الزمنين، يسمح لنا بالاقتراب من تمثل مفاهيم الزمن الجديد، بمنطق مختلف، ومعجم جديد وأسئلة مختلفة. ولنبدأ بعملية قد تبدو بسيطة، لكنها عميقة، إذا ما قمنا بإعادة ترتيب علاقتنا بالمعرفة والفهم والتعلَم.
مع الزمن الصناعي، كان الفهم يحتاج إلى تكوين قبلي. بمعنى، من أجل استعمال الآلة كان على المُسْتعْمِلِ أن يأخذ تكوينا في طريقة الاستعمال، وأن يُجرَب الاستعمال، أي، أن الفهم يتم عبر التكوين والتجريب والتطبيق، من أجل قياس الفهم. مع الزمن التكنولوجي، فإن الوضع يختلف إلى حد ما، لأن التقنية جعلت الإنسان ينتقل مباشرة إلى الاستعمال – في غالب الأحيان- ويتوازى فعلان اثنان في التحقق، وهما فعل الاستعمال وهو الأول، ثم فعل الفهم وهو الثاني. غير أن الفهم لا يطرح نفسه باعتباره حاجة مُلحة، وضرورة تقنية، لأن فعل الاستعمال السريع، بات يُخفي ملامح فعل الفهم، الذي أصبح ضمنيا، لم يتلاشَ، ولم يتم التراجع عنه، إنما، لم يعد حالة مُفكرا فيها، لكون الفهم تداخل مع الاستعمال، بفعل طبيعة التقنية التكنولوجية التي باتت تسمح بالاستعمال المتزامن مع التعلم والفهم. هذه الإمكانية خلقت نوعا من الديمقراطية في التعلم. يكفي أن تشتري مثلا جهازا ذكيا، لكي يعرض الجهاز أمامك مجموعة من الخيارات التي تأتي على صيغة تطبيقات، عندما تتبع التعليمات، فإنك تجد نفسك وقد بدأت الاستعمال الذاتي، دون الحاجة إلى وسيط للتعلم والفهم.
قد تبدو، أيضا هذه المسألة طبيعة، بحكم وضعية التكنولوجيا، ولكن الأمر يأخذنا أبعد من ذلك، عندما يجعلنا نُعيد التفكير في طبيعة عقلنة الأشياء. لكن، إذا كان التعلم يأتي متوازيا مع الاستعمال، فإن ذلك يحمل معه مقصدية، تتجلى بعض مظاهرها، في إتاحة الفرصة للفرد لكي يفعل في واقعه وعالمه بسرعة. نتحدث هنا عن مفهوم» تدبير الزمن». تشكل هذه المفاهيم والتصورات من بين محددات منطق التكنولوجيا، ولذلك، تتطلب تمثلا ثقافيا ومعرفيا، من أجل استعمال وظيفي. وبالعودة إلى أسئلة التفاعل مع مفهومي «الديمقراطية الجديدة» و»الطبقة الافتراضية»، فإن الأمر يحتاج إلى تخطيط واستراتيجية، وفق رؤية تشتغل على بناء الفرد المؤهل لكي يشكل هذه الطبقة، ويُنجز هذه الديمقراطية. وعليه، يتطلب الأمر، تهيئ مناخ تخصيب سياق هذه الديمقراطية، والفاعلين فيها.
ولعل من أهم برامج هذا التخطيط، الاهتمام بالطفل قبل كل شيء، من خلال منظومة تعليمية وتربوية تعتمد منطق التفاعل في التكوين والتعليم، مع ضرورة اهتمام المشتغلين بالأدب، وبالأخص بأدب الطفل، بالكتابة الأدبية التفاعلية الموجهة إلى الطفل.
تسمح الكتابة التفاعلية للطفل/اليافع بالتدرب في سن مبكرة، على مواجهة الخيارات المتعددة والمتنوعة، وأخذ مبادرة الاختيار، وإعادة بناء الحكاية باللون أو اللغة أو الصورة أو الأشكال. يخرج الطفل من تجربة هذا التفاعل بإمكانيات مع تطورها، تُصبح خاصية تميز شخصيته، منها الاكتشاف الذي يعد في تصور السوسيولوجي الأمريكي، ورائد تاريخ تكنولوجيا المعلومات الباحث تيد نلسون أساس النص الترابطي، المبني على فكرة اكتشاف ما وراء الرابط، عكس الكاتب الأمريك بوش فنيفار الذي جعل أساس معنى النص في الانتقاء وليس الإبحار، إضافة إلى الملاحظة، والتجريب، والمشاهدة، والتركيب، وقبل هذا تُصبح للطفل – مع تكرار تجربة التفاعل- القدرة على اتخاذ قرار الاختيار، ومرافقة هذا القرار في إعادة البناء. تُعبر كل هذه المراحل من التكوين عن مسار تكون ثقافة التفاعل المُنتج لدى الطفل، التي ستحدد شخصيته مستقبلا، وتكون عاملا مُساعدا على قدرته على الانخراط في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالموقف والقرار والانتقاء والاختيار.
إذا كان أدب الطفل في وضعيته الورقية، لا يشكل – إلى حد ما- اهتماما كبيرا من قبل الكتاب، ولا نلتقي بتراكم مهم، على الرغم من الإغراءات التي تقترحها بعض الجوائز العربية، من أجل تحفيز الكتابة إلى الطفل، وتنظيم مؤتمرات ولقاءات للحديث عن أدب الطفل، وخصائصه وأهميته في تطوير القدرات اللغوية والمعجمية والأسلوبية للطفل، وتوسيع مساحة خياله، وتمكينه من الصور والألوان والأشكال، وإذا كان الكتاب الأدبي الغربي يحضر بقوة في المقررات المدرسية، سواء بلغاته الفرنسية، أو الإنكليزية، أو عبر الترجمة، فإن التأخر في الانخراط في كتابة الأدب التفاعلي للطفل، سيشكل ثغرة بين واقع الطفل الذي ينمو اليوم في مناخ تكنولوجي، ويفتح عينيه على الوسائط واللعب الإلكترونية، وواقع التعليم/ الأدب الذي لا يستجيب لوضعه الجديد. ولعل المفهوم الذي يُمنح للأدب التفاعلي للطفل في التعبير الفرنسي، «الأدب حيث أنت بطل»، يعبر ببلاغة عن المفهوم الجديد للطفل، والذي لم يعد مجرد ذاكرة يتم ملؤها بالمفردات والأساليب والمستويات اللغوية، والصور الخيالية، المُبرمجة مسبقا، وفق منظومة جاهزة، إنما الطفل الذي تتشكل ذاكرته بالتوازي مع شخصيته المتفاعلة، التي تملك قدرة إنجاز الاستقلالية عن الجاهز، والاختلاف عن المألوف.
لا يُقصد من هذه المُقاربة، بث نوعٍ من التشاؤم، في عدم إمكانية إنجاح التجربة الممكنة ل»الديمقراطية الجديدة» عبر المواقع الاجتماعية، في الوضعيات الراهنة للمجتمعات العربية، وبالإمكانيات المتوفرة، ومن خلال طبيعة المستعملين لهذه المواقع، وعبر المفهوم المُسْتعمل للتفاعل، إنما، القصد من العودة إلى الطفل، والتركيز على منظومة تعليمه، ونوعية الأدب الموجه إليه، هو التذكير بأهمية وضع استراتيجيات وبرامج تهتم بتكوين الفرد منذ طفولته، من أجل خلق أجيال قادرة على حسن تدبير ثقافة الزمن التكنولوجي، برؤية إيجابية، تخدم الإنسان والعالم.
يستطيع الفرد أن يشتري آخر صيحات التكنولوجيا، لكن لن يضمن انتماءه إلى الزمن التكنولوجي. تستطيع الدول أن تفتح أسواقها لآخر المنتجات التكنولوجية، لكن لن تستطيع أن تضمن تقدما حضاريا لمجتمعاتها، يستطيع أي فرد أن يتواجد كل دقيقة بالمواقع الاجتماعية، ويقتسم المنشورات، ويُعبَر عن إعجابه، لكن لن يضمن حضورا وظيفيا تفاعليا. مثلما حدث/يحدث مع الحداثة، يحدث مع التكنولوجيا.
..
٭ روائية وناقدة مغربية
حظيت مقالتي السابقة حول «الوسائط التكنولوجية والديمقراطية الجديدة» بتفاعل نوعي، كما جعلت بعض القراء يتواصلون معي، ويطرحون أسئلة حول إمكانية حدوث ما تم الاصطلاح عليه ب»الديمقراطية الجديدة»، ومن هي الطبقة «الافتراضية»، المُؤهلة لتحقيق هذه الديمقراطية، وهل الأوضاع التي تعيشها المجتمعات العربية، وما تعرفه من خلل في التنمية الاجتماعية والتدبير السياسي، وما تشهده المنظومة التعليمية من ارتباك في الرؤية، كفيل بتحقق هذه الديمقراطية مع هشاشة الحرية السياسية.
تعتبر مجمل هذه الأسئلة التي طُرحت حول هذا المفهوم الجديد للديمقراطية، وللفئة الجديدة المُؤهلة لتحقيقها، إمكانية لتفعيل التفكير حول واقع المفاهيم الجديدة، التي تشهد اليوم- مرحلة التكون. وعليه، يمكن فتح نقاش معرفي، وفي الوقت ذاته تفاعلي حول علاقة فهمنا لهذه المفاهيم، وكيفية تمثلها، من أجل انتماء وظيفي ومُنتج في الزمن التكنولوجي. عربيا، إذا كان زمن النهضة ظل سؤالا للتجاذب الفكري، وشكل الجواب عليه، اختلافات في الخيارات السياسية، وإذا كان مشروع الحداثة قد استهلكه التنظير، وبقي خارج التفعيل، وتحويله إلى سلوك اجتماعي وسياسي، ومعاملات اقتصادية، ما عمّق الهوة بين الحداثة باعتبارها مشروعا مُفكرا فيه، والحداثة باعتبارها واقعا مُلتبسا، فإن التفكير في منطق الزمن التكنولوجي يختلف بنيويا عن منطق الزمن الصناعي الذي جاء مع النهضة والحداثة. ولعل تمثل الفرق بين الزمنين، يسمح لنا بالاقتراب من تمثل مفاهيم الزمن الجديد، بمنطق مختلف، ومعجم جديد وأسئلة مختلفة. ولنبدأ بعملية قد تبدو بسيطة، لكنها عميقة، إذا ما قمنا بإعادة ترتيب علاقتنا بالمعرفة والفهم والتعلَم.
مع الزمن الصناعي، كان الفهم يحتاج إلى تكوين قبلي. بمعنى، من أجل استعمال الآلة كان على المُسْتعْمِلِ أن يأخذ تكوينا في طريقة الاستعمال، وأن يُجرَب الاستعمال، أي، أن الفهم يتم عبر التكوين والتجريب والتطبيق، من أجل قياس الفهم. مع الزمن التكنولوجي، فإن الوضع يختلف إلى حد ما، لأن التقنية جعلت الإنسان ينتقل مباشرة إلى الاستعمال – في غالب الأحيان- ويتوازى فعلان اثنان في التحقق، وهما فعل الاستعمال وهو الأول، ثم فعل الفهم وهو الثاني. غير أن الفهم لا يطرح نفسه باعتباره حاجة مُلحة، وضرورة تقنية، لأن فعل الاستعمال السريع، بات يُخفي ملامح فعل الفهم، الذي أصبح ضمنيا، لم يتلاشَ، ولم يتم التراجع عنه، إنما، لم يعد حالة مُفكرا فيها، لكون الفهم تداخل مع الاستعمال، بفعل طبيعة التقنية التكنولوجية التي باتت تسمح بالاستعمال المتزامن مع التعلم والفهم. هذه الإمكانية خلقت نوعا من الديمقراطية في التعلم. يكفي أن تشتري مثلا جهازا ذكيا، لكي يعرض الجهاز أمامك مجموعة من الخيارات التي تأتي على صيغة تطبيقات، عندما تتبع التعليمات، فإنك تجد نفسك وقد بدأت الاستعمال الذاتي، دون الحاجة إلى وسيط للتعلم والفهم.
قد تبدو، أيضا هذه المسألة طبيعة، بحكم وضعية التكنولوجيا، ولكن الأمر يأخذنا أبعد من ذلك، عندما يجعلنا نُعيد التفكير في طبيعة عقلنة الأشياء. لكن، إذا كان التعلم يأتي متوازيا مع الاستعمال، فإن ذلك يحمل معه مقصدية، تتجلى بعض مظاهرها، في إتاحة الفرصة للفرد لكي يفعل في واقعه وعالمه بسرعة. نتحدث هنا عن مفهوم» تدبير الزمن». تشكل هذه المفاهيم والتصورات من بين محددات منطق التكنولوجيا، ولذلك، تتطلب تمثلا ثقافيا ومعرفيا، من أجل استعمال وظيفي. وبالعودة إلى أسئلة التفاعل مع مفهومي «الديمقراطية الجديدة» و»الطبقة الافتراضية»، فإن الأمر يحتاج إلى تخطيط واستراتيجية، وفق رؤية تشتغل على بناء الفرد المؤهل لكي يشكل هذه الطبقة، ويُنجز هذه الديمقراطية. وعليه، يتطلب الأمر، تهيئ مناخ تخصيب سياق هذه الديمقراطية، والفاعلين فيها.
ولعل من أهم برامج هذا التخطيط، الاهتمام بالطفل قبل كل شيء، من خلال منظومة تعليمية وتربوية تعتمد منطق التفاعل في التكوين والتعليم، مع ضرورة اهتمام المشتغلين بالأدب، وبالأخص بأدب الطفل، بالكتابة الأدبية التفاعلية الموجهة إلى الطفل.
تسمح الكتابة التفاعلية للطفل/اليافع بالتدرب في سن مبكرة، على مواجهة الخيارات المتعددة والمتنوعة، وأخذ مبادرة الاختيار، وإعادة بناء الحكاية باللون أو اللغة أو الصورة أو الأشكال. يخرج الطفل من تجربة هذا التفاعل بإمكانيات مع تطورها، تُصبح خاصية تميز شخصيته، منها الاكتشاف الذي يعد في تصور السوسيولوجي الأمريكي، ورائد تاريخ تكنولوجيا المعلومات الباحث تيد نلسون أساس النص الترابطي، المبني على فكرة اكتشاف ما وراء الرابط، عكس الكاتب الأمريك بوش فنيفار الذي جعل أساس معنى النص في الانتقاء وليس الإبحار، إضافة إلى الملاحظة، والتجريب، والمشاهدة، والتركيب، وقبل هذا تُصبح للطفل – مع تكرار تجربة التفاعل- القدرة على اتخاذ قرار الاختيار، ومرافقة هذا القرار في إعادة البناء. تُعبر كل هذه المراحل من التكوين عن مسار تكون ثقافة التفاعل المُنتج لدى الطفل، التي ستحدد شخصيته مستقبلا، وتكون عاملا مُساعدا على قدرته على الانخراط في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالموقف والقرار والانتقاء والاختيار.
إذا كان أدب الطفل في وضعيته الورقية، لا يشكل – إلى حد ما- اهتماما كبيرا من قبل الكتاب، ولا نلتقي بتراكم مهم، على الرغم من الإغراءات التي تقترحها بعض الجوائز العربية، من أجل تحفيز الكتابة إلى الطفل، وتنظيم مؤتمرات ولقاءات للحديث عن أدب الطفل، وخصائصه وأهميته في تطوير القدرات اللغوية والمعجمية والأسلوبية للطفل، وتوسيع مساحة خياله، وتمكينه من الصور والألوان والأشكال، وإذا كان الكتاب الأدبي الغربي يحضر بقوة في المقررات المدرسية، سواء بلغاته الفرنسية، أو الإنكليزية، أو عبر الترجمة، فإن التأخر في الانخراط في كتابة الأدب التفاعلي للطفل، سيشكل ثغرة بين واقع الطفل الذي ينمو اليوم في مناخ تكنولوجي، ويفتح عينيه على الوسائط واللعب الإلكترونية، وواقع التعليم/ الأدب الذي لا يستجيب لوضعه الجديد. ولعل المفهوم الذي يُمنح للأدب التفاعلي للطفل في التعبير الفرنسي، «الأدب حيث أنت بطل»، يعبر ببلاغة عن المفهوم الجديد للطفل، والذي لم يعد مجرد ذاكرة يتم ملؤها بالمفردات والأساليب والمستويات اللغوية، والصور الخيالية، المُبرمجة مسبقا، وفق منظومة جاهزة، إنما الطفل الذي تتشكل ذاكرته بالتوازي مع شخصيته المتفاعلة، التي تملك قدرة إنجاز الاستقلالية عن الجاهز، والاختلاف عن المألوف.
لا يُقصد من هذه المُقاربة، بث نوعٍ من التشاؤم، في عدم إمكانية إنجاح التجربة الممكنة ل»الديمقراطية الجديدة» عبر المواقع الاجتماعية، في الوضعيات الراهنة للمجتمعات العربية، وبالإمكانيات المتوفرة، ومن خلال طبيعة المستعملين لهذه المواقع، وعبر المفهوم المُسْتعمل للتفاعل، إنما، القصد من العودة إلى الطفل، والتركيز على منظومة تعليمه، ونوعية الأدب الموجه إليه، هو التذكير بأهمية وضع استراتيجيات وبرامج تهتم بتكوين الفرد منذ طفولته، من أجل خلق أجيال قادرة على حسن تدبير ثقافة الزمن التكنولوجي، برؤية إيجابية، تخدم الإنسان والعالم.
يستطيع الفرد أن يشتري آخر صيحات التكنولوجيا، لكن لن يضمن انتماءه إلى الزمن التكنولوجي. تستطيع الدول أن تفتح أسواقها لآخر المنتجات التكنولوجية، لكن لن تستطيع أن تضمن تقدما حضاريا لمجتمعاتها، يستطيع أي فرد أن يتواجد كل دقيقة بالمواقع الاجتماعية، ويقتسم المنشورات، ويُعبَر عن إعجابه، لكن لن يضمن حضورا وظيفيا تفاعليا. مثلما حدث/يحدث مع الحداثة، يحدث مع التكنولوجيا.
..
٭ روائية وناقدة مغربية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.