منافس الأهلي.. بورتو يسابق الزمن لضم فيجا قبل انطلاق مونديال الأندية    7 لاعبين مهددون بالرحيل عن ريال مدريد    أحمد الفيشاوي يثير الجدل مجددًا بظهوره ب«حلق» في أحدث إطلالة على إنستجرام    من مدريد إلى نيويورك..فى انتظار ولادة صعبة لحل الدولتين    باريس سان جيرمان ينهي عقدة تاريخية لأندية فرنسا أوروبيًا    بعد رحيله عن الأهلي.. هل طلب سامي قمصان ضم ميشيل يانكون لجهاز نادي زد؟    لاعبان سابقان.. الزمالك يفاضل بين ثلاثي الدوري لضم أحدهم (تفاصيل)    معاكسة فتاة ببنها تنتهى بجثة ومصاب والأمن يسيطر ويضبط المتهمين    متحدث الصحة: نضع خطة طوارئ متكاملة خلال إجازة العيد.. جاهزية كل المستشفيات    ديستربتيك: استثمرنا 65% من محفظتنا فى شركات ناشئة.. ونستعد لإطلاق صندوق جديد خلال عامين    مطالب برلمانية للحكومة بسرعة تقديم تعديل تشريعى على قانون مخالفات البناء    البلشي يرفض حبس الصحفيين في قضايا النشر: حماية التعبير لا تعني الإفلات من المحاسبة    القومي لحقوق الإنسان يكرم مسلسل ظلم المصطبة    الحبس والغرامة للمتهمين باقتطاع فيديوهات للإعلامية ريهام سعيد وإعادة نشرها    «سيبتك» أولى مفاجآت ألبوم حسام حبيب لصيف 2025    مدير فرع هيئة الرعاية الصحية بالإسماعيلية يستقبل وفدا من الصحة العالمية    رئيس النحالين العرب: 3 جهات رقابية تشرف على إنتاج عسل النحل المصري    وزير الصحة: تجاوزنا أزمة نقص الدواء باحتياطي 3 أشهر.. وحجم التوسع بالمستشفيات مش موجود في العالم    بحثًا عن الزمن المفقود فى غزة    مصطفى كامل وأنوشكا ونادية مصطفى وتامر عبد المنعم فى عزاء والد رئيس الأوبرا    20 صورة.. مستشار الرئيس السيسي يتفقد دير مارمينا في الإسكندرية    موعد أذان مغرب السبت 4 من ذي الحجة 2025.. وبعض الآداب عشر ذي الحجة    بعد نجاح مسابقته السنويَّة للقرآن الكريم| الأزهر يطلق «مسابقة السنَّة النبويَّة»    ماذا على الحاج إذا فعل محظورًا من محظورات الإحرام؟.. الدكتور يسري جبر يجيب    الهمص يتهم الجيش الإسرائيلي باستهداف المستشفيات بشكل ممنهج في قطاع غزة    الإخوان في فرنسا.. كيف تُؤسِّس الجماعة حياةً يوميةً إسلاميةً؟.. خطة لصبغ حياة المسلم فى مجالات بعيدة عن الشق الدينى    المجلس القومي لحقوق الإنسان يكرم أبطال مسلسل ظلم المصطبة    وزارة الزراعة تنفي ما تردد عن بيع المبنى القديم لمستثمر خليجي    برونو يحير جماهير مانشستر يونايتد برسالة غامضة    القاهرة الإخبارية: القوات الروسية تمكنت من تحقيق اختراقات في المواقع الدفاعية الأوكرانية    "أوبك+": 8 أعضاء سيرفعون إنتاج النفط في يوليو ب411 ألف برميل يوميا    قواعد تنسيق العام الجديد.. اعرف تفاصيل اختبارات القدرات    ما حكم بيع جزء من الأضحية؟    محافظ القليوبية يوجه بسرعة الانتهاء من رصف وتطوير محور مصرف الحصة    ب حملة توقيعات.. «الصحفيين»: 5 توصيات ل تعديل المادة 12 من «تنظيم الصحافة والإعلام» (تفاصيل)    استعدادًا لعيد الأضحى| تفتيش نقاط الذبيح ومحال الجزارة بالإسماعيلية    محافظ أسيوط ووزير الموارد المائية والري يتفقدان قناطر أسيوط الجديدة ومحطتها الكهرومائية    تكشف خطورتها.. «الصحة العالمية» تدعو الحكومات إلى حظر جميع نكهات منتجات التبغ    وزير الخارجية يبحث مع عضو لجنة الخدمات العسكرية ب"الشيوخ الأمريكي" سبل دعم الشراكة الاستراتيجية    مصادرة 37 مكبر صوت من التكاتك المخالفة بحملة بشوارع السنبلاوين في الدقهلية    حظك اليوم السبت 31 مايو 2025 وتوقعات الأبراج    لماذا سيرتدي إنتر القميص الثالث في نهائي دوري أبطال أوروبا؟    تفاصيل ما حدث في أول أيام امتحانات الشهادة الإعدادية بالمنوفية    "حياة كريمة" تبدأ تنفيذ المسح الميداني في المناطق المتضررة بالإسكندرية    بدر عبد العاطى وزير الخارجية ل"صوت الأمة": مصر تعكف مصر على بذل جهود حثيثة بالشراكة مع قطر أمريكا لوقف الحرب في غزة    وزير التربية والتعليم يبحث مع منظمة "يونيسف" وضع خطط لتدريب المعلمين على المناهج المطورة وطرق التدريس    استخراج حجر بطارية ألعاب من مريء طفل ابتلعه أثناء اللعب.. صور    أفضل الأدعية المستجابة عند العواصف والرعد والأمطار    رئيس الإنجيلية يستهل جولته الرعوية بالمنيا بتنصيب القس ريموند سمعان    ماذا قالت وكالة الطاقة الذرية في تقريرها عن أنشطة إيران؟    مصدر كردي: وفد من الإدارة الذاتية الكردية يتجه لدمشق لبحث تطبيق اتفاق وقّعته الإدارة الذاتية مع الحكومة السورية قبل نحو 3 أشهر    "نفرح بأولادك"..إلهام شاهين توجه رسالة ل أمينة خليل بعد حفل زفافها (صور)    قبل وقفة عرفة.. «اليوم السابع» يرصد تجهيزات مشعر عرفات "فيديو"    عمرو الدجوى يقدم بلاغا للنائب العام يتهم بنات عمته بالاستيلاء على أموال الأسرة    عيد الأضحى 2025.. محافظ الغربية يؤكد توافر السلع واستعداد المستشفيات لاستقبال العيد    سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة    لمكافحة التلاعب بأسعار الخبز.. ضبط 4 طن دقيق مدعم بالمحافظات    سويلم: الأهلي تسلم الدرع في الملعب وحسم اللقب انتهى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التراث والحداثة في لوحات فاخر محمد
نشر في صوت البلد يوم 23 - 04 - 2017

في بداية الثمانينات من القرن الماضي، بدأت الحركة التشكيلية العراقية تنتج خطابا صوريا أكثر فاعلية في المشهد الفني، واستطاع نفر من الشباب الداعي للتجديد في أنظمة فن الرسم أن يبدي مشروعه عبر معارض شخصية فنية تلهب حماس الناظرين لها أو مساهمات مشتركة مثلما حدث مع مجموعة الأربعة الفنية والتي كان فاخر محمد من مؤسسيها، وحدث أن استفاد الغالب من ذلك الجيل من طروحات المعلم شاكر حسن آل سعيد وضياء العزاوي والأخذ بيدهم لمناقب الحفر والتنقيب في السطح التصويري ليوسعوا من ذائقتهم ويوفروا طرحا جديدا في التعبيرية.
وبدا نجم الفنان فاخر محمد أكثر سطوعا من بين أولئك لو تمت لنا المقارنة مع غيره. فقد أملت ثقافته البصرية المتواصلة والعيش في مدينة أقرب لآثار بابل من غيرها أن تفتح خياله على رؤية اللقى والآثار القديمة والنظر لمعالم تاريخ الإنسانية فجعلته يعيد ذلك الفهم في النظر للأسطورة وتاريخ الفن العراقي وليمارس مهمته الجمالية مع الرسم التجريدي في البدء ثم سرعان ما يخط له منهجا وأسلوبا أقرب لطروحات الفنان ضياء العزاوي في إبداء القيم اللونية وتوظيف الرموز الحية لتاريخ المكان.
صرامة جمالية
لهذا بدا المنطق الطبيعي لمكونات فاخر محمد التعبيرية أكثر صرامة في تحقيق غايته الفنية والجمالية ويلزمنا ذلك العمل معرفة الرموز والإشارات التي تتناثر لتشكل دوالا في اللوحات وهي علامات تأخذ مكانتها من حيث التخطيط المسبق لها وتشكل بمجموعها منظومة معرفية لم تكن بعيدة في أسلوبها أو أشكالها الهندسية عن تمثلات لها منظورها المعرفي والجمالي.
وهذا السياق الشكلي في استعراض كل تلك العلامات الطاغية في العمل يجترح تنوعا في العلامة والمدلول وعلى الغالب بدت ضربات الفرشاة أكثر حميمية في التعامل مع منظومة العلامة بحيث شكلت البؤر الهندسية في جغرافيا اللوحة متتاليات من الرمز والأيقونة وهي تكوين لم يوزّع على الهامش من الإطار العام للوحة بقدر ما جعلها تنفتح على أبعاد تصويرية في الشكل تبدو مشتتة إلا أن حقيقتها توظيف وتحريك لدلالات لها تاريخها العام الذي سعى إليه الفنان فاخر محمد ليظهره بشكل معاصر أكثر تعظيما في تعزيز الفكرة.
تمثيل وإيحاء
أعتقد أن العلامة ونظامها الإشاري نفذت باستقلالية تصويرية تتشعب في متنها الإمكانات المتخصصة في التعبير بمعنى كلما ازدادت منظومة العلاماتية في اللوحة والعمل الواحد قدمت نفسها للمتلقي بانحياز تام لتطرفها في التمثيل والإيحاء وهذه من خصائص فاخر، ولهذا السبب نجد الكثير من العلامات تتكرر في مناطق اشتغالية ثانية لوحات مرّ عليها وقت طويل وهناك ميزة أخرى تكمن في عدم انكماش تلك العلامات على نفسها لتصبح معاينة استعراضية بل الأهم من ذلك تتولد من رحمها أنسجة بنائية تضيف لخصائصها الشكلية مكوّنات داخلية تنمو وتتسارع لتحقيق أهدافها ولهذا السبب تبدو أعماله لمن لم يعرفه وكأنها تحمل متتالية رمزية وصورية توصف بأنها مكونات وأشكال غرائبية حينا وحينا آخر توصف بكونها وحدات هندسية (بدائية) كالمثلث والدائرة وبعض الرموز الرياضية والصوفية لتبادر للكشف عن هويتها.
الغرائبية والتراث
جراء ذلك الانطباع التكويني نجد في الجهة الثانية من قيمة التكوين الشحنة التلقائية التي تراقب ظهور النتائج التغيرية في منظور العمل وهذا التدفق البنائي يغلب عليه فرز الطبقات الشكلية التي يحافظ على سياقها فاخر محمد بدرجة عالية من الدقة فالموضوعات المقدمة في الرسم عنده حقيقتها أشكال تراثية/تاريخية وهي محاكاة ليوميات غرائبية نعيشها في واقعنا المحلي وهي متناقضات المرحلة والبيئة، وفاخر يعي المتناقضات ولطالما أكد على خطورتها في الحياة لهذا يؤكد خطابه التعبيري على مجمل أنساقها الدرامية في عمل فني ينتج فكرة مضادة تولد من رحم خصب.
التنقيب والحفر في منظومته العلاماتية لا يبدو تنوعها غريبا على المستوى الشكلي للوحاته فإذا أردنا أن نتناول الأبعاد الشكلية علينا ذكر محطات التأسيس الفكري وثوابت منتجه فخبرة أربعين عاما من التواصل في الرسم وإقامة المعارض في باريس وإيطاليا والإمارات العربية ولبنان وعمان والمغرب أصبحت منفذا مرئيا ليطل من خلاله على رؤية الفن في تلك الدول وهذا ما عزز من خطابه الجمالي وأعطاه مواقع متقدمة بين أقرانه.
تقنيات مغايرة
لقد أهلته الكفاءة التي يمتلكها في بقائه عاكسا لتطور بنائي وأسلوبي وخاصة تلك التقنيات المغايرة في الشكل والأسلوب والقفز بعيدا عن أساليب الآخرين مما دفع بطلابه لأن يغترفوا من منابع تلك العلامات الباقية والمتولدة من رحم تكويناته التعبيرية أو الخاصة بمؤثرات الفن التجريدي.
والذي يهمنا من كل ذلك أهداف أعماله ومفهومها الجمالي فلقد صعدت من نبرة التذوق الفني عند المتلقي إزاء طروحاتها وتراكيبها الشكلية واللونية والقدرة تكمن في الجمع بين هذه النقاط وتحديدها بالوعي المتقدم وتفاصيلها التعبيرية فهناك قدرة توظيفه للعلامة التي فرضت نوعا من التكامل الدلالي لتكويناته فهو يحذف كل الأدلة التي تشير إلى مكانتها ويصنع بديلا معرفيا من أدلة مختلفة يلصقها في السطح ويتعامل على أنها منظومة معرفية قيمتها تكمن في الداخل وليس في الشكل.
وهذا الإيحاء والتداخل يتطلّب منه إيجاد مكون بنائي صارم جعل من الشطب والحز واللطخات على سطح اللوحة الفنية أكثر أهمية وإمكانية بحيث تعامل مع الموقف وبلاغة العاطفة في نسب عالية من التقدم والمشاركة هو ما أهله ليبعد اللوحة عن إنشائية وتلفيق صوري. وأحسب أن عناصر بنائية أعماله تلامس منظومة التعبير وفقا لمكيدته وهي مزيج من فكر وتناقض مضموني.
أيقونية الأشكال
إزاء تلك التوجّهات والنظرة للرسم نجد الطابع التركيبي حادا في شعوره حينما يتعامل مع اللون والرمز ومقاضاة الاثنين في الوصول لغايته فمن مظاهر الاستلهام العاطفي نتابع برؤيتنا الأشكال وأيقونيتها كنوع من اللعب والمهارة التي تؤدي إلى المتعة والوصف وهذا يوازي الإنجاز التقني والانتقال لوضع يؤهله لفهم معنى العلاقة بين الفن والواقع وأرى أن فاخر محمد لا يعير المضمون بعدا موازيا للشكل ومتطلباته وهذا ما يؤكد مدى فاعلية وأهمية اللون عنده. فهو سبّاق بنثر اللون بصيغة تطريزية وغير بخيل في تغيره نحو الأحسن ليوفر للمتلقي علاقة حميمية بين العلامة التي تعلو السطح الرسموي وبين اللون ونسبته وروحه.
الخطاب والدلالة
وبفضل خصوبة وحساسية العلامة تكون الوظيفة القبض على شروط الجمال الصوري بحيث كلما تتشابك دلالات العلامة تصنع مدلولا معرفيا يتولد من رحم عناصر الدال.
لقد وفر علينا هذا الفنان البحث في الشكل الظاهري وجعلنا نضاعف النظر ونمعن طويلا في العمل لنجد ضالتنا فيه ونكشف رغبتنا ورغبة الفنان في نماذج حية تأهّله أن يظل انقلابيا في التعبير الشكلي أكثر مما هو عازف عن المدلول. الدال الذي يريده قضية معقدة عنده. الإرادة الحية وأمله في النجاح والاستمرار يمليان عليه أن يؤدي دوره ويستمر في خطوطه وهويته الفنية. لقد وفر لنا كمتذوقين لفنه منذ بداية الثمانينات من القرن العشرين ليومنا هذا زخما معرفيا متعدد الأشكال والطرائق الفنية وأعاد لنا معرفة اللوحة وحساسيتها من حيث نظامها وخطابها الصوري ليكون بكل ذلك علامة دالة على مشهد فني استلهم من تراث ضياء العزاوي وشاكر حسن آل سعيد ليمضي في بث رسالته التعبيرية سائرا على نهج معلميه.
...
كاتب من العراق
في بداية الثمانينات من القرن الماضي، بدأت الحركة التشكيلية العراقية تنتج خطابا صوريا أكثر فاعلية في المشهد الفني، واستطاع نفر من الشباب الداعي للتجديد في أنظمة فن الرسم أن يبدي مشروعه عبر معارض شخصية فنية تلهب حماس الناظرين لها أو مساهمات مشتركة مثلما حدث مع مجموعة الأربعة الفنية والتي كان فاخر محمد من مؤسسيها، وحدث أن استفاد الغالب من ذلك الجيل من طروحات المعلم شاكر حسن آل سعيد وضياء العزاوي والأخذ بيدهم لمناقب الحفر والتنقيب في السطح التصويري ليوسعوا من ذائقتهم ويوفروا طرحا جديدا في التعبيرية.
وبدا نجم الفنان فاخر محمد أكثر سطوعا من بين أولئك لو تمت لنا المقارنة مع غيره. فقد أملت ثقافته البصرية المتواصلة والعيش في مدينة أقرب لآثار بابل من غيرها أن تفتح خياله على رؤية اللقى والآثار القديمة والنظر لمعالم تاريخ الإنسانية فجعلته يعيد ذلك الفهم في النظر للأسطورة وتاريخ الفن العراقي وليمارس مهمته الجمالية مع الرسم التجريدي في البدء ثم سرعان ما يخط له منهجا وأسلوبا أقرب لطروحات الفنان ضياء العزاوي في إبداء القيم اللونية وتوظيف الرموز الحية لتاريخ المكان.
صرامة جمالية
لهذا بدا المنطق الطبيعي لمكونات فاخر محمد التعبيرية أكثر صرامة في تحقيق غايته الفنية والجمالية ويلزمنا ذلك العمل معرفة الرموز والإشارات التي تتناثر لتشكل دوالا في اللوحات وهي علامات تأخذ مكانتها من حيث التخطيط المسبق لها وتشكل بمجموعها منظومة معرفية لم تكن بعيدة في أسلوبها أو أشكالها الهندسية عن تمثلات لها منظورها المعرفي والجمالي.
وهذا السياق الشكلي في استعراض كل تلك العلامات الطاغية في العمل يجترح تنوعا في العلامة والمدلول وعلى الغالب بدت ضربات الفرشاة أكثر حميمية في التعامل مع منظومة العلامة بحيث شكلت البؤر الهندسية في جغرافيا اللوحة متتاليات من الرمز والأيقونة وهي تكوين لم يوزّع على الهامش من الإطار العام للوحة بقدر ما جعلها تنفتح على أبعاد تصويرية في الشكل تبدو مشتتة إلا أن حقيقتها توظيف وتحريك لدلالات لها تاريخها العام الذي سعى إليه الفنان فاخر محمد ليظهره بشكل معاصر أكثر تعظيما في تعزيز الفكرة.
تمثيل وإيحاء
أعتقد أن العلامة ونظامها الإشاري نفذت باستقلالية تصويرية تتشعب في متنها الإمكانات المتخصصة في التعبير بمعنى كلما ازدادت منظومة العلاماتية في اللوحة والعمل الواحد قدمت نفسها للمتلقي بانحياز تام لتطرفها في التمثيل والإيحاء وهذه من خصائص فاخر، ولهذا السبب نجد الكثير من العلامات تتكرر في مناطق اشتغالية ثانية لوحات مرّ عليها وقت طويل وهناك ميزة أخرى تكمن في عدم انكماش تلك العلامات على نفسها لتصبح معاينة استعراضية بل الأهم من ذلك تتولد من رحمها أنسجة بنائية تضيف لخصائصها الشكلية مكوّنات داخلية تنمو وتتسارع لتحقيق أهدافها ولهذا السبب تبدو أعماله لمن لم يعرفه وكأنها تحمل متتالية رمزية وصورية توصف بأنها مكونات وأشكال غرائبية حينا وحينا آخر توصف بكونها وحدات هندسية (بدائية) كالمثلث والدائرة وبعض الرموز الرياضية والصوفية لتبادر للكشف عن هويتها.
الغرائبية والتراث
جراء ذلك الانطباع التكويني نجد في الجهة الثانية من قيمة التكوين الشحنة التلقائية التي تراقب ظهور النتائج التغيرية في منظور العمل وهذا التدفق البنائي يغلب عليه فرز الطبقات الشكلية التي يحافظ على سياقها فاخر محمد بدرجة عالية من الدقة فالموضوعات المقدمة في الرسم عنده حقيقتها أشكال تراثية/تاريخية وهي محاكاة ليوميات غرائبية نعيشها في واقعنا المحلي وهي متناقضات المرحلة والبيئة، وفاخر يعي المتناقضات ولطالما أكد على خطورتها في الحياة لهذا يؤكد خطابه التعبيري على مجمل أنساقها الدرامية في عمل فني ينتج فكرة مضادة تولد من رحم خصب.
التنقيب والحفر في منظومته العلاماتية لا يبدو تنوعها غريبا على المستوى الشكلي للوحاته فإذا أردنا أن نتناول الأبعاد الشكلية علينا ذكر محطات التأسيس الفكري وثوابت منتجه فخبرة أربعين عاما من التواصل في الرسم وإقامة المعارض في باريس وإيطاليا والإمارات العربية ولبنان وعمان والمغرب أصبحت منفذا مرئيا ليطل من خلاله على رؤية الفن في تلك الدول وهذا ما عزز من خطابه الجمالي وأعطاه مواقع متقدمة بين أقرانه.
تقنيات مغايرة
لقد أهلته الكفاءة التي يمتلكها في بقائه عاكسا لتطور بنائي وأسلوبي وخاصة تلك التقنيات المغايرة في الشكل والأسلوب والقفز بعيدا عن أساليب الآخرين مما دفع بطلابه لأن يغترفوا من منابع تلك العلامات الباقية والمتولدة من رحم تكويناته التعبيرية أو الخاصة بمؤثرات الفن التجريدي.
والذي يهمنا من كل ذلك أهداف أعماله ومفهومها الجمالي فلقد صعدت من نبرة التذوق الفني عند المتلقي إزاء طروحاتها وتراكيبها الشكلية واللونية والقدرة تكمن في الجمع بين هذه النقاط وتحديدها بالوعي المتقدم وتفاصيلها التعبيرية فهناك قدرة توظيفه للعلامة التي فرضت نوعا من التكامل الدلالي لتكويناته فهو يحذف كل الأدلة التي تشير إلى مكانتها ويصنع بديلا معرفيا من أدلة مختلفة يلصقها في السطح ويتعامل على أنها منظومة معرفية قيمتها تكمن في الداخل وليس في الشكل.
وهذا الإيحاء والتداخل يتطلّب منه إيجاد مكون بنائي صارم جعل من الشطب والحز واللطخات على سطح اللوحة الفنية أكثر أهمية وإمكانية بحيث تعامل مع الموقف وبلاغة العاطفة في نسب عالية من التقدم والمشاركة هو ما أهله ليبعد اللوحة عن إنشائية وتلفيق صوري. وأحسب أن عناصر بنائية أعماله تلامس منظومة التعبير وفقا لمكيدته وهي مزيج من فكر وتناقض مضموني.
أيقونية الأشكال
إزاء تلك التوجّهات والنظرة للرسم نجد الطابع التركيبي حادا في شعوره حينما يتعامل مع اللون والرمز ومقاضاة الاثنين في الوصول لغايته فمن مظاهر الاستلهام العاطفي نتابع برؤيتنا الأشكال وأيقونيتها كنوع من اللعب والمهارة التي تؤدي إلى المتعة والوصف وهذا يوازي الإنجاز التقني والانتقال لوضع يؤهله لفهم معنى العلاقة بين الفن والواقع وأرى أن فاخر محمد لا يعير المضمون بعدا موازيا للشكل ومتطلباته وهذا ما يؤكد مدى فاعلية وأهمية اللون عنده. فهو سبّاق بنثر اللون بصيغة تطريزية وغير بخيل في تغيره نحو الأحسن ليوفر للمتلقي علاقة حميمية بين العلامة التي تعلو السطح الرسموي وبين اللون ونسبته وروحه.
الخطاب والدلالة
وبفضل خصوبة وحساسية العلامة تكون الوظيفة القبض على شروط الجمال الصوري بحيث كلما تتشابك دلالات العلامة تصنع مدلولا معرفيا يتولد من رحم عناصر الدال.
لقد وفر علينا هذا الفنان البحث في الشكل الظاهري وجعلنا نضاعف النظر ونمعن طويلا في العمل لنجد ضالتنا فيه ونكشف رغبتنا ورغبة الفنان في نماذج حية تأهّله أن يظل انقلابيا في التعبير الشكلي أكثر مما هو عازف عن المدلول. الدال الذي يريده قضية معقدة عنده. الإرادة الحية وأمله في النجاح والاستمرار يمليان عليه أن يؤدي دوره ويستمر في خطوطه وهويته الفنية. لقد وفر لنا كمتذوقين لفنه منذ بداية الثمانينات من القرن العشرين ليومنا هذا زخما معرفيا متعدد الأشكال والطرائق الفنية وأعاد لنا معرفة اللوحة وحساسيتها من حيث نظامها وخطابها الصوري ليكون بكل ذلك علامة دالة على مشهد فني استلهم من تراث ضياء العزاوي وشاكر حسن آل سعيد ليمضي في بث رسالته التعبيرية سائرا على نهج معلميه.
...
كاتب من العراق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.