جامعة كفر الشيخ الأهلية تعلن المصروفات الدراسية للعام الأكاديمي 2025-2026    قطار النصر للسيارات أنطلق وتصنيع 7 سيارات كهربائية و50 ألف جنيه دعم حكومى    40 نائبًا أمريكيًا في رسالة إلى روبيو وويتكوف: السعي لوقف النار بغزة أولوية    الأهلي يواجه بتروجت الأحد المقبل في أخر بروفات الإستعداد للدوري    بنتايج يواصل تدريباته التأهيلية في مران الزمالك    الداخلية تكشف تفاصيل ضبط بلوجر زعمت أنها "بنت الرئيس مبارك" وشهرت بفنانة    قبل رمضان صبحي.. قصة اتهام مصطفى محمد بتزوير الامتحانات أثناء وجوده مع منتخب مصر    وفاء عامر وأزمة شيكا    بعد أزمته مع نجم كبير.. تامر حسني يعلن تصدره تطبيق "أنغامي"    ما حدود تدخل الأهل في اختيار شريك الحياة؟.. أمين الفتوى يجيب    حكم الرضاعة من الخالة وما يترتب عليه من أحكام؟.. محمد علي يوضح    أمين الفتوى: الشبكة ليست هدية بل جزء من المهر يرد في هذه الحالة    التريند الحقيقي.. تحفيظ القرآن الكريم للطلاب بالمجان في كفر الشيخ (فيديو وصور)    الداخلية تكشف ملابسات فيديو مشاجرة المطرية في القاهرة    وزير الثقافة: احتفالية كبرى بدار الأوبرا لتكريم الفائزين بجوائز الدولة    النائب إيهاب منصور يتقدم بسؤال عاجل للحكومة بشأن الانقطاع المتكرر للكهرباء والمياه في الجيزة    مدرب سلة الأهلى الجديد يصل القاهرة بعد أسبوعين    إكسترا نيوز ترصد تفاصيل وصول مساعدات مصرية إلى غزة ضمن قافلة "زاد العزة"    ضخ المياه بعد انتهاء إصلاح كسر خط رئيسى فى المنصورة    تأجيل محاكمة المتهم بإنهاء حياة شاب بمقابر الزرزمون بالشرقية    رئيس الوزراء: مستعدون لوضع حوافز خارج الصندوق لتوطين صناعة السيارات الكهربائية    بدء أوكازيون تخفيض أسعار السلع 4 أغسطس المقبل    الأردن: الكارثة في غزة وصلت لوضع لا يمكن وصفه    الخارجية الفلسطينية: الضم التدريجي لقطاع غزة مقدمة لتهجير شعبنا    38 قتيلا حصيلة ضحايا الأمطار الغزيرة والفيضانات العارمة فى الصين    النقابات العمالية تدشن لجنة الانتقال العادل لمواجهة التحول الرقمي    وزير العمل ومحافظ الإسكندرية يفتتحان ندوة للتوعية بمواد قانون العمل الجديد    إم جي تطلق سيارتها IM5 سيدان الكهربائية رسميًا في الأسواق.. صور وتفاصيل    خاص.. الزمالك يفتح الباب أمام رحيل حارسه لنادي بيراميدز    نادية مصطفى ومنصور هندى في انتخابات التجديد النصفى لنقابة الموسيقيين    أحمد التهامي يكشف كواليس العمل مع عادل إمام ويشاركنا رحلته الفنية|خاص    "3 فرق يشاركون في دوري الأبطال".. خالد الغندور يزف خبرا سارا    "ياعم حرام عليك".. تعليق ناري من شوبير على زيارة صلاح للمعبد البوذي    سفيرة الاتحاد الأوروبى: مصر ركيزة الاستقرار الإقليمى وندعم جهودها لوقف حرب غزة    وزير الدفاع يلتقي رئيس هيئة الأركان المشتركة الباكستانية - تفاصيل المناقشات    أمين الفتوى: مخالفات المرور الجسيمة إثم شرعي وليست مجرد تجاوز قانوني    وزير الصحة يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الصحة وشركة روش مصر لتطوير رعاية مرضى التصلب المتعدد    ماء المخلل.. هل هو مفيد؟    الأمراض المتوطنة.. مذكرة تفاهم بين معهد تيودور بلهارس وجامعة ووهان الصينية    بالأرقام.. رئيس هيئة الإسعاف يكشف تفاصيل نقل الأطفال المبتسرين منذ بداية 2025    تحرير (144) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    جسور مصر لا تُقطع عن غزة    7 أيام تفصل فتوح عن حسم مصيره فى الزمالك    المياه أغرقت الشوارع.. كسر في خط مياه رئيسي بالدقهلية    الطب البيطري بسوهاج يتفقد مجزر البلينا للتأكد من سلامة وجودة اللحوم المذبوحة    جامعة مصر للمعلوماتية تتعاون مع شركة اديبون لتدريب طلبة الهندسة بإسبانيا    مجمع إعلام القليوبية يطلق أولى فعاليات الحملة الإعلامية «صوتك فارق»    مقتل وإصابة خمسة أشخاص في إطلاق نار بولاية نيفادا الأمريكية    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى نحو مليون و51 ألفا و300 فرد منذ بداية الحرب    منال عوض: تمويل 16 مشروعا للتنمية بمصر ب500 مليون دولار    بمشاركة وزير السياحة.. البابا تواضروس يفتتح معرض لوجوس للمؤسسات الخدمية والثقافية    ريال مدريد يعلن انتقال لاعبه إلى خيتافي    بالصور.. اندلاع حريق بمخلفات الأشجار على طريق البراجيل    الطالبة هاجر حسام الأولى أدبي بالثانوية الأزهرية من ذوي البصيرة: أحلم بدراسة الإعلام    انطلاق تصوير فيلم «ريد فلاج» بطولة أحمد حاتم    نتنياهو يقترح خطة عمل جديدة لغزة.. ماذا تتضمن؟    معيط: دمج مراجعتي صندوق النقد يمنح مصر وقتًا أوسع لتنفيذ الإصلاحات    5 أبراج «معاهم مفاتيح النجاح».. موهوبون تُفتح لهم الأبواب ويصعدون بثبات نحو القمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التراث والحداثة في لوحات فاخر محمد
نشر في صوت البلد يوم 23 - 04 - 2017

في بداية الثمانينات من القرن الماضي، بدأت الحركة التشكيلية العراقية تنتج خطابا صوريا أكثر فاعلية في المشهد الفني، واستطاع نفر من الشباب الداعي للتجديد في أنظمة فن الرسم أن يبدي مشروعه عبر معارض شخصية فنية تلهب حماس الناظرين لها أو مساهمات مشتركة مثلما حدث مع مجموعة الأربعة الفنية والتي كان فاخر محمد من مؤسسيها، وحدث أن استفاد الغالب من ذلك الجيل من طروحات المعلم شاكر حسن آل سعيد وضياء العزاوي والأخذ بيدهم لمناقب الحفر والتنقيب في السطح التصويري ليوسعوا من ذائقتهم ويوفروا طرحا جديدا في التعبيرية.
وبدا نجم الفنان فاخر محمد أكثر سطوعا من بين أولئك لو تمت لنا المقارنة مع غيره. فقد أملت ثقافته البصرية المتواصلة والعيش في مدينة أقرب لآثار بابل من غيرها أن تفتح خياله على رؤية اللقى والآثار القديمة والنظر لمعالم تاريخ الإنسانية فجعلته يعيد ذلك الفهم في النظر للأسطورة وتاريخ الفن العراقي وليمارس مهمته الجمالية مع الرسم التجريدي في البدء ثم سرعان ما يخط له منهجا وأسلوبا أقرب لطروحات الفنان ضياء العزاوي في إبداء القيم اللونية وتوظيف الرموز الحية لتاريخ المكان.
صرامة جمالية
لهذا بدا المنطق الطبيعي لمكونات فاخر محمد التعبيرية أكثر صرامة في تحقيق غايته الفنية والجمالية ويلزمنا ذلك العمل معرفة الرموز والإشارات التي تتناثر لتشكل دوالا في اللوحات وهي علامات تأخذ مكانتها من حيث التخطيط المسبق لها وتشكل بمجموعها منظومة معرفية لم تكن بعيدة في أسلوبها أو أشكالها الهندسية عن تمثلات لها منظورها المعرفي والجمالي.
وهذا السياق الشكلي في استعراض كل تلك العلامات الطاغية في العمل يجترح تنوعا في العلامة والمدلول وعلى الغالب بدت ضربات الفرشاة أكثر حميمية في التعامل مع منظومة العلامة بحيث شكلت البؤر الهندسية في جغرافيا اللوحة متتاليات من الرمز والأيقونة وهي تكوين لم يوزّع على الهامش من الإطار العام للوحة بقدر ما جعلها تنفتح على أبعاد تصويرية في الشكل تبدو مشتتة إلا أن حقيقتها توظيف وتحريك لدلالات لها تاريخها العام الذي سعى إليه الفنان فاخر محمد ليظهره بشكل معاصر أكثر تعظيما في تعزيز الفكرة.
تمثيل وإيحاء
أعتقد أن العلامة ونظامها الإشاري نفذت باستقلالية تصويرية تتشعب في متنها الإمكانات المتخصصة في التعبير بمعنى كلما ازدادت منظومة العلاماتية في اللوحة والعمل الواحد قدمت نفسها للمتلقي بانحياز تام لتطرفها في التمثيل والإيحاء وهذه من خصائص فاخر، ولهذا السبب نجد الكثير من العلامات تتكرر في مناطق اشتغالية ثانية لوحات مرّ عليها وقت طويل وهناك ميزة أخرى تكمن في عدم انكماش تلك العلامات على نفسها لتصبح معاينة استعراضية بل الأهم من ذلك تتولد من رحمها أنسجة بنائية تضيف لخصائصها الشكلية مكوّنات داخلية تنمو وتتسارع لتحقيق أهدافها ولهذا السبب تبدو أعماله لمن لم يعرفه وكأنها تحمل متتالية رمزية وصورية توصف بأنها مكونات وأشكال غرائبية حينا وحينا آخر توصف بكونها وحدات هندسية (بدائية) كالمثلث والدائرة وبعض الرموز الرياضية والصوفية لتبادر للكشف عن هويتها.
الغرائبية والتراث
جراء ذلك الانطباع التكويني نجد في الجهة الثانية من قيمة التكوين الشحنة التلقائية التي تراقب ظهور النتائج التغيرية في منظور العمل وهذا التدفق البنائي يغلب عليه فرز الطبقات الشكلية التي يحافظ على سياقها فاخر محمد بدرجة عالية من الدقة فالموضوعات المقدمة في الرسم عنده حقيقتها أشكال تراثية/تاريخية وهي محاكاة ليوميات غرائبية نعيشها في واقعنا المحلي وهي متناقضات المرحلة والبيئة، وفاخر يعي المتناقضات ولطالما أكد على خطورتها في الحياة لهذا يؤكد خطابه التعبيري على مجمل أنساقها الدرامية في عمل فني ينتج فكرة مضادة تولد من رحم خصب.
التنقيب والحفر في منظومته العلاماتية لا يبدو تنوعها غريبا على المستوى الشكلي للوحاته فإذا أردنا أن نتناول الأبعاد الشكلية علينا ذكر محطات التأسيس الفكري وثوابت منتجه فخبرة أربعين عاما من التواصل في الرسم وإقامة المعارض في باريس وإيطاليا والإمارات العربية ولبنان وعمان والمغرب أصبحت منفذا مرئيا ليطل من خلاله على رؤية الفن في تلك الدول وهذا ما عزز من خطابه الجمالي وأعطاه مواقع متقدمة بين أقرانه.
تقنيات مغايرة
لقد أهلته الكفاءة التي يمتلكها في بقائه عاكسا لتطور بنائي وأسلوبي وخاصة تلك التقنيات المغايرة في الشكل والأسلوب والقفز بعيدا عن أساليب الآخرين مما دفع بطلابه لأن يغترفوا من منابع تلك العلامات الباقية والمتولدة من رحم تكويناته التعبيرية أو الخاصة بمؤثرات الفن التجريدي.
والذي يهمنا من كل ذلك أهداف أعماله ومفهومها الجمالي فلقد صعدت من نبرة التذوق الفني عند المتلقي إزاء طروحاتها وتراكيبها الشكلية واللونية والقدرة تكمن في الجمع بين هذه النقاط وتحديدها بالوعي المتقدم وتفاصيلها التعبيرية فهناك قدرة توظيفه للعلامة التي فرضت نوعا من التكامل الدلالي لتكويناته فهو يحذف كل الأدلة التي تشير إلى مكانتها ويصنع بديلا معرفيا من أدلة مختلفة يلصقها في السطح ويتعامل على أنها منظومة معرفية قيمتها تكمن في الداخل وليس في الشكل.
وهذا الإيحاء والتداخل يتطلّب منه إيجاد مكون بنائي صارم جعل من الشطب والحز واللطخات على سطح اللوحة الفنية أكثر أهمية وإمكانية بحيث تعامل مع الموقف وبلاغة العاطفة في نسب عالية من التقدم والمشاركة هو ما أهله ليبعد اللوحة عن إنشائية وتلفيق صوري. وأحسب أن عناصر بنائية أعماله تلامس منظومة التعبير وفقا لمكيدته وهي مزيج من فكر وتناقض مضموني.
أيقونية الأشكال
إزاء تلك التوجّهات والنظرة للرسم نجد الطابع التركيبي حادا في شعوره حينما يتعامل مع اللون والرمز ومقاضاة الاثنين في الوصول لغايته فمن مظاهر الاستلهام العاطفي نتابع برؤيتنا الأشكال وأيقونيتها كنوع من اللعب والمهارة التي تؤدي إلى المتعة والوصف وهذا يوازي الإنجاز التقني والانتقال لوضع يؤهله لفهم معنى العلاقة بين الفن والواقع وأرى أن فاخر محمد لا يعير المضمون بعدا موازيا للشكل ومتطلباته وهذا ما يؤكد مدى فاعلية وأهمية اللون عنده. فهو سبّاق بنثر اللون بصيغة تطريزية وغير بخيل في تغيره نحو الأحسن ليوفر للمتلقي علاقة حميمية بين العلامة التي تعلو السطح الرسموي وبين اللون ونسبته وروحه.
الخطاب والدلالة
وبفضل خصوبة وحساسية العلامة تكون الوظيفة القبض على شروط الجمال الصوري بحيث كلما تتشابك دلالات العلامة تصنع مدلولا معرفيا يتولد من رحم عناصر الدال.
لقد وفر علينا هذا الفنان البحث في الشكل الظاهري وجعلنا نضاعف النظر ونمعن طويلا في العمل لنجد ضالتنا فيه ونكشف رغبتنا ورغبة الفنان في نماذج حية تأهّله أن يظل انقلابيا في التعبير الشكلي أكثر مما هو عازف عن المدلول. الدال الذي يريده قضية معقدة عنده. الإرادة الحية وأمله في النجاح والاستمرار يمليان عليه أن يؤدي دوره ويستمر في خطوطه وهويته الفنية. لقد وفر لنا كمتذوقين لفنه منذ بداية الثمانينات من القرن العشرين ليومنا هذا زخما معرفيا متعدد الأشكال والطرائق الفنية وأعاد لنا معرفة اللوحة وحساسيتها من حيث نظامها وخطابها الصوري ليكون بكل ذلك علامة دالة على مشهد فني استلهم من تراث ضياء العزاوي وشاكر حسن آل سعيد ليمضي في بث رسالته التعبيرية سائرا على نهج معلميه.
...
كاتب من العراق
في بداية الثمانينات من القرن الماضي، بدأت الحركة التشكيلية العراقية تنتج خطابا صوريا أكثر فاعلية في المشهد الفني، واستطاع نفر من الشباب الداعي للتجديد في أنظمة فن الرسم أن يبدي مشروعه عبر معارض شخصية فنية تلهب حماس الناظرين لها أو مساهمات مشتركة مثلما حدث مع مجموعة الأربعة الفنية والتي كان فاخر محمد من مؤسسيها، وحدث أن استفاد الغالب من ذلك الجيل من طروحات المعلم شاكر حسن آل سعيد وضياء العزاوي والأخذ بيدهم لمناقب الحفر والتنقيب في السطح التصويري ليوسعوا من ذائقتهم ويوفروا طرحا جديدا في التعبيرية.
وبدا نجم الفنان فاخر محمد أكثر سطوعا من بين أولئك لو تمت لنا المقارنة مع غيره. فقد أملت ثقافته البصرية المتواصلة والعيش في مدينة أقرب لآثار بابل من غيرها أن تفتح خياله على رؤية اللقى والآثار القديمة والنظر لمعالم تاريخ الإنسانية فجعلته يعيد ذلك الفهم في النظر للأسطورة وتاريخ الفن العراقي وليمارس مهمته الجمالية مع الرسم التجريدي في البدء ثم سرعان ما يخط له منهجا وأسلوبا أقرب لطروحات الفنان ضياء العزاوي في إبداء القيم اللونية وتوظيف الرموز الحية لتاريخ المكان.
صرامة جمالية
لهذا بدا المنطق الطبيعي لمكونات فاخر محمد التعبيرية أكثر صرامة في تحقيق غايته الفنية والجمالية ويلزمنا ذلك العمل معرفة الرموز والإشارات التي تتناثر لتشكل دوالا في اللوحات وهي علامات تأخذ مكانتها من حيث التخطيط المسبق لها وتشكل بمجموعها منظومة معرفية لم تكن بعيدة في أسلوبها أو أشكالها الهندسية عن تمثلات لها منظورها المعرفي والجمالي.
وهذا السياق الشكلي في استعراض كل تلك العلامات الطاغية في العمل يجترح تنوعا في العلامة والمدلول وعلى الغالب بدت ضربات الفرشاة أكثر حميمية في التعامل مع منظومة العلامة بحيث شكلت البؤر الهندسية في جغرافيا اللوحة متتاليات من الرمز والأيقونة وهي تكوين لم يوزّع على الهامش من الإطار العام للوحة بقدر ما جعلها تنفتح على أبعاد تصويرية في الشكل تبدو مشتتة إلا أن حقيقتها توظيف وتحريك لدلالات لها تاريخها العام الذي سعى إليه الفنان فاخر محمد ليظهره بشكل معاصر أكثر تعظيما في تعزيز الفكرة.
تمثيل وإيحاء
أعتقد أن العلامة ونظامها الإشاري نفذت باستقلالية تصويرية تتشعب في متنها الإمكانات المتخصصة في التعبير بمعنى كلما ازدادت منظومة العلاماتية في اللوحة والعمل الواحد قدمت نفسها للمتلقي بانحياز تام لتطرفها في التمثيل والإيحاء وهذه من خصائص فاخر، ولهذا السبب نجد الكثير من العلامات تتكرر في مناطق اشتغالية ثانية لوحات مرّ عليها وقت طويل وهناك ميزة أخرى تكمن في عدم انكماش تلك العلامات على نفسها لتصبح معاينة استعراضية بل الأهم من ذلك تتولد من رحمها أنسجة بنائية تضيف لخصائصها الشكلية مكوّنات داخلية تنمو وتتسارع لتحقيق أهدافها ولهذا السبب تبدو أعماله لمن لم يعرفه وكأنها تحمل متتالية رمزية وصورية توصف بأنها مكونات وأشكال غرائبية حينا وحينا آخر توصف بكونها وحدات هندسية (بدائية) كالمثلث والدائرة وبعض الرموز الرياضية والصوفية لتبادر للكشف عن هويتها.
الغرائبية والتراث
جراء ذلك الانطباع التكويني نجد في الجهة الثانية من قيمة التكوين الشحنة التلقائية التي تراقب ظهور النتائج التغيرية في منظور العمل وهذا التدفق البنائي يغلب عليه فرز الطبقات الشكلية التي يحافظ على سياقها فاخر محمد بدرجة عالية من الدقة فالموضوعات المقدمة في الرسم عنده حقيقتها أشكال تراثية/تاريخية وهي محاكاة ليوميات غرائبية نعيشها في واقعنا المحلي وهي متناقضات المرحلة والبيئة، وفاخر يعي المتناقضات ولطالما أكد على خطورتها في الحياة لهذا يؤكد خطابه التعبيري على مجمل أنساقها الدرامية في عمل فني ينتج فكرة مضادة تولد من رحم خصب.
التنقيب والحفر في منظومته العلاماتية لا يبدو تنوعها غريبا على المستوى الشكلي للوحاته فإذا أردنا أن نتناول الأبعاد الشكلية علينا ذكر محطات التأسيس الفكري وثوابت منتجه فخبرة أربعين عاما من التواصل في الرسم وإقامة المعارض في باريس وإيطاليا والإمارات العربية ولبنان وعمان والمغرب أصبحت منفذا مرئيا ليطل من خلاله على رؤية الفن في تلك الدول وهذا ما عزز من خطابه الجمالي وأعطاه مواقع متقدمة بين أقرانه.
تقنيات مغايرة
لقد أهلته الكفاءة التي يمتلكها في بقائه عاكسا لتطور بنائي وأسلوبي وخاصة تلك التقنيات المغايرة في الشكل والأسلوب والقفز بعيدا عن أساليب الآخرين مما دفع بطلابه لأن يغترفوا من منابع تلك العلامات الباقية والمتولدة من رحم تكويناته التعبيرية أو الخاصة بمؤثرات الفن التجريدي.
والذي يهمنا من كل ذلك أهداف أعماله ومفهومها الجمالي فلقد صعدت من نبرة التذوق الفني عند المتلقي إزاء طروحاتها وتراكيبها الشكلية واللونية والقدرة تكمن في الجمع بين هذه النقاط وتحديدها بالوعي المتقدم وتفاصيلها التعبيرية فهناك قدرة توظيفه للعلامة التي فرضت نوعا من التكامل الدلالي لتكويناته فهو يحذف كل الأدلة التي تشير إلى مكانتها ويصنع بديلا معرفيا من أدلة مختلفة يلصقها في السطح ويتعامل على أنها منظومة معرفية قيمتها تكمن في الداخل وليس في الشكل.
وهذا الإيحاء والتداخل يتطلّب منه إيجاد مكون بنائي صارم جعل من الشطب والحز واللطخات على سطح اللوحة الفنية أكثر أهمية وإمكانية بحيث تعامل مع الموقف وبلاغة العاطفة في نسب عالية من التقدم والمشاركة هو ما أهله ليبعد اللوحة عن إنشائية وتلفيق صوري. وأحسب أن عناصر بنائية أعماله تلامس منظومة التعبير وفقا لمكيدته وهي مزيج من فكر وتناقض مضموني.
أيقونية الأشكال
إزاء تلك التوجّهات والنظرة للرسم نجد الطابع التركيبي حادا في شعوره حينما يتعامل مع اللون والرمز ومقاضاة الاثنين في الوصول لغايته فمن مظاهر الاستلهام العاطفي نتابع برؤيتنا الأشكال وأيقونيتها كنوع من اللعب والمهارة التي تؤدي إلى المتعة والوصف وهذا يوازي الإنجاز التقني والانتقال لوضع يؤهله لفهم معنى العلاقة بين الفن والواقع وأرى أن فاخر محمد لا يعير المضمون بعدا موازيا للشكل ومتطلباته وهذا ما يؤكد مدى فاعلية وأهمية اللون عنده. فهو سبّاق بنثر اللون بصيغة تطريزية وغير بخيل في تغيره نحو الأحسن ليوفر للمتلقي علاقة حميمية بين العلامة التي تعلو السطح الرسموي وبين اللون ونسبته وروحه.
الخطاب والدلالة
وبفضل خصوبة وحساسية العلامة تكون الوظيفة القبض على شروط الجمال الصوري بحيث كلما تتشابك دلالات العلامة تصنع مدلولا معرفيا يتولد من رحم عناصر الدال.
لقد وفر علينا هذا الفنان البحث في الشكل الظاهري وجعلنا نضاعف النظر ونمعن طويلا في العمل لنجد ضالتنا فيه ونكشف رغبتنا ورغبة الفنان في نماذج حية تأهّله أن يظل انقلابيا في التعبير الشكلي أكثر مما هو عازف عن المدلول. الدال الذي يريده قضية معقدة عنده. الإرادة الحية وأمله في النجاح والاستمرار يمليان عليه أن يؤدي دوره ويستمر في خطوطه وهويته الفنية. لقد وفر لنا كمتذوقين لفنه منذ بداية الثمانينات من القرن العشرين ليومنا هذا زخما معرفيا متعدد الأشكال والطرائق الفنية وأعاد لنا معرفة اللوحة وحساسيتها من حيث نظامها وخطابها الصوري ليكون بكل ذلك علامة دالة على مشهد فني استلهم من تراث ضياء العزاوي وشاكر حسن آل سعيد ليمضي في بث رسالته التعبيرية سائرا على نهج معلميه.
...
كاتب من العراق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.