اتخذت قضية الاتجار بالبشر أشكالاً متنوعة، خلال السنوات الماضية، وازداد الأمر سوءاً بتفاقم الأزمة الاقتصادية وتدني مستوي المعيشة، بالإضافة إلي إهمال مشكلات أطفال الشوارع حتي تجاوز عددهم ال 5 ملايين، والتسرب من التعليم الذي يعد أحد أهم أسباب الظاهرة التي توغلت داخل أوساط الفقراء. ثم جاء القانون الذي طال انتظاره، ليجرم تلك التجارة، ونص علي عقوبة فاعلها بالسجن 7 سنوات، وغرامة لا تقل عن 05 ألف جنيه، ولا تزيد علي 002 ألف جنيه، ورغم صدور القانون منذ فترة، فإنه لم يتغير من الأمر شيء بل ازدادت عمليات بيع الأعضاء، والاعتداءات الجنسية علي أطفال الشوارع، إلي جانب تجارة الرقيق الأبيض! "صوت البلد" فتحت الملف الشائك واستطلعت آراء علماء النفس والاجتماع وحقوق الإنسان حول مدي إمكانية تطبيق القانون وأسباب الظاهرة وتعرض بعض الوقائع من قضايا الاتجار بالبشر بأنواعها المختلفة. أولي هذه الحالات كانت لسيدة تدعي رضا عيد عواد "24سنة" قامت ببيع طفلتها الرضيعة لأحد الأشخاص بمبلغ 25ألف جنيه في منطقة أوسيم وتبين من الفحص والتحريات أن السيدة وضعت طفلتين توأم في إحد المستشفيات الحكومية منذ 3 أشهر وان زوجها صابر سعيد، هجرها منذ فترة ولم تجد من ينفق عليها فاختمر في ذهنها بيع الطفلة الرضيعة بمساعدة زوج أمها وتم القبض علي المتهمة التي اعترفت بارتكاب الواقعة بسبب الفقر الشديد وقررت النيابة حبسها علي ذمة القضية واحالتها للمحاكمة. أما الواقعة الثانية من الاتجار بالبشر فللزوج في الاسكندرية قام ببيع كليته للانفاق علي أسرته ثم فوجئ بعد ذلك أن زوجته تطلب منه الطلاق لعدم قدرته علي الانفاق عليها وكشفت التحريات أن الزوج هنيدي محمد فؤاد كان قد تزوج من زوجته صابرين علي السيد من 10سنوات وانجبا خلالها طفلة وبعد فترة قليلة دبت بينهما الخلافات لطلبات الزوجة الزائدة والمستمرة وعدم قدرته علي تلبية طلباتها بعمل كامل فطلبت منه بيع كليته مقابل 15ألف جنيه لأحد الأشخاص للخروج من أزمته المادية، وبعد تبرعه بكليته قامت الزوجة بفتح مشروع صغير لكنه لم يستمر وخسر كل الأموال فاضطرت الزوجة إلي طلب الطلاق منه لعدم قدرته علي الانفاق عليها. أما هذه الواقعة فهي أطفال الشوارع والاعتداء عليهم جنسيا فقد تمكنت الإدارة العامة لمباحث أكتوبر من القبض علي شاب من أطفال الشوارع اعتدي جنسياً علي 10 أطفال في مقابر أبو رواش وكرداسة حيث تبين من التحريات أن المتهم كان يجبر "الضحايا" علي التوجه إلي الأماكن البعيدة عن العمران لاغتصابهم والاعتداء عليهم جنسياً وأن الواقعة تم كشفها عن طريق والد أحد الأطفال من الضحايا والذي أقر لوالده أن المتهم اعتدي عليه جنسياً في المقابر، خاصة أن المتهم يعلم أن الأطفال هاربون من أسرهم ويقوم بالاعتداء عليهم تحت تهديد السلاح ..تم القبض علي المتهم واعترف بالواقعة. أما عن زواج القاصرات فقد قامت فتاة "17سنة" من إحدي المناطق بالجيزة بالزواج من ثري عربي أسبوعين فقط مقابل 2000جنيه تبين أن الأم وراء زواج ابنتها فبعد وفاة والدها قررت زواجها لأحد العرب واعتبرت ذلك مصدر دخل لها وبالفعل تم الزواج وسط موافقة الجميع رغم ان الفتاة كانت تعاني ظروفاً نفسية سيئة وبعد زواجها اكتشفت أن زوجها يقدمها لأصحابه أيضا. وهذه واقعة أخري لطفل من الاسكندرية يدعي أحمد كان قد ترك دراسته واتجه إلي العمل في محل لكي الملابس خاصة أنه المسئول عن أسرته للانفاق عليها وتبين أن الطفل الصغير عمره "14عاماً" وقامت أسرته سريعاً بإخراجه من المدرسة وطلبت منه العمل للانفاق عليهم خاصة انهم لا يملكون شيئا فاضطر الطفل الصغير إلي العمل 12 ساعة يومياًَ للحصول علي القليل من الجنيهات في آخر اليوم. حول هذا الموضوع يقول اللواء جمال أبو ذكري عضو مجلس الشعب ومساعد وزير الداخلية السابق إن قضية الاتجار بالبشر قضية خطيرة تداهم المجتمع المصري بشدة وهذا يرجع إلي سوء الوضع الاقتصادي فهناك أكثر من 5ملايين من أطفال الشوارع أكثرهم يعيشون متسولون وقطاع طرق، ومجرمين أما عن قانون الاتجار بالبشر والذي أقره مجلس الشعب فقال أبو ذكري إن القانون جيد ولكنه لا يطبق فعلياً وذلك لسوء الأوضاع الاقتصادية فلا توجد رعاية للأطفال وبالتالي فهم مستمرون في الشوارع فالقانون عامل بسيط لن يحل هذه المشكلة، وعن دور وزارة الداخلية في القبض علي أطفال الشوارع يقول اللواء أبو ذكري إن الداخلية لا تستطيع حل هذه المشكلة فهي تنفذ القانون فقط بالقبض عليهم وهذا الدور غير كاف لأنه من المفترض أن تحل الدولة مشكلة زواج القاصرات الذي يرجع إلي الفقر الشديد من قبل أهل الفتاة وكذلك بيع الأعضاء فهناك بلا شك تدن في الوضع الاقتصادي للمجتمع المصري فلا توجد حالياً طبقة متوسطة فقد انهارت تماماً وتم القضاء عليها ولكني أطالب المجلس القومي للأمومة والطفولة والشئون الاجتماعية بحل هذه المشكلة والتي تعد بمثابة قنابل موقوتة فمن الممكن أن نستعين برجال الأْعمال وغيرهم لرعاية هؤلاء الأطفال من خلال عمل المشروعات وتحسين دخل هؤلاء الأطفال ورفع المستوي الاقتصادي لهم. أما المستشار نجيب جبرائيل رئيس الاتحاد المصري لحقوق الإنسان فيقول: لابد من وجود تشريعات جنائية رادعة فيما يتعلق بهذا القانون حتي تحد من هذه الجريمة الكبيرة وأيضاً لابد من وضع قانون للعمل فهناك بعض الأعمال التي يستغل فيها أصحاب العمل الأطفال الصغار بالإضافة إلي تسرب الأطفال من مراحل التعليم إلي العمالة والابتعاد عن الدراسة فبلا شك لا توجد رقابة علي عمالة الأطفال والذين يرتكبون الجرائم فيما بعد وبعضهم يعمل "ناضورجي" لتاجر مخدرات مثلاً ثم يصبح بعد ذلك تاجراً للمخدرات.. ويضيف المستشار جبرائيل أن قضية الاتجار بالبشر تشكل منظومة لجميع جهات الدولة بدءاً من التعليم والعمل علي حد تسرب الأطفال من المدارس ووضع عقوبات رادعة للمخالفين وحل هذه المشكلة يأتي من خلال توفير رعاية صحية لهم بالإضافة إلي الرعاية الثقافية ووجود مصدر للدخل واحتواء المشاكل الأسرية التي تفرز هذه القنابل الموقوتة فلابد من تعديل قوانين الأسرة.. أما عن القانون الذي أقره مجلس الشعب فيقول إن هذا القانون ينص علي عقوبة لا تقل عن السجن 7سنوات وغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تزيد علي 200ألف جنيه ، وتعتبر عقوبة غير رادعة فمثلاً عملية بيع الأطفال لا تقل أهمية عن عمليات القتل واعتقد أن العقوبة المناسبة لا تقل عن 15 سنة ..ويضيف جبرائيل أن الدولة مسئولة عن رقابة الجمعيات الأهلية وتوفير الرعاية الاجتماعية ولابد من مشاركة منظمات المجتمع المدني والمجلس القومي للأمومة والطفولة لرعاية هؤلاء الأطفال عن طريق تكثيف نشاطها في هذا المجال. أما د. إيمان صبري ورئيس قسم علم النفس بجامعة الفيوم فتقول إن قانون الاتجار بالبشر شديد الأهمية لأنه احس بنبض الشارع والمستجدات في حياتنا فيكفي انه يقوم بوقف نزيف سفك دماء المصريين ويعتبر هذا القانون إيجابياً جداً ولكن الأهم من ذلك هو تفعليه حيث إن هناك العديد من المظاهر التي تدل علي أن هناك انتشاراً كبيراً لهذه الظاهرة بأشكالها المتنوعة من بيع الأعضاء وزواج القاصرات من العرب وتحريض وعمل الأطفال في مهن لا تتناسب معهم .. وعن أسباب انتشار الظاهرة تضيف د. إيمان أن مصر أصبحت من الدول المعروفة بانتشار الظاهرة بأشكالها المختلفة ولابد من تغليظ العقوبة الجنائية أكثر من ذلك وترجع أسباب انتشارها إلي الحرمان المادي "الفقر" والجهل والمرض والمتغيرات الحديثة في مجتمعنا وارتفاع القيم الاستهلاكية وضعف الوازع الديني وعدم وجود تنشئة اجتماعية سليمة وكثرة انجاب الأطفال وحل المشكلة يكون عن طريق توفير أماكن رعاية لتأهيل هؤلاء الأطفال حتي يصبحوا أفراداً صالحين في المجتمع ويبتعدوا عن ارتكاب الجرائم من سرقة ونصب واغتصاب وتجارة مخدرات وغيرها. بينما تقول د. سوسن عثمان أستاذ علم الاجتماع، ونائب رئيس منظمة الأسرة العربية: إن قانون الاتجار بالبشر قضية وخطيرة لابد من ايقافها حتي لا يتم تدمير المجتمع فأنواع الاتجار بالبشر كثيرة ومختلفة وأطالب أن يكون الحد الأقصي للعقوبة المؤبد خاصة في حالات بيع الأعضاء أو زواج القاصرات خاصة عندما يتم هذا الزواج عن طريق الأسرة. وتضيف د. سوسن أن القوانين في مصر لا تطبق للأسف وغير مفعلة فالأهم من جرائم الاتجار بالبشر هو الابلاغ عنها، فهذه تجارة عالمية ولكنها ظهرت في مصر بكثرة بصور متعددة منها زواج القاصرات والزواج العرفي وبيع الأطفال وسرقة الأعضاء وأطفال، الشوارع وعمالة الأطفال وترجع أسباب انتشار هذه الظاهرة إلي عدة أسباب اجتماعية واقتصادية وأخلاقية ولكن السبب الرئيسي هو الفقر الشديد الذي يدفع لارتكاب هذه الجريمة فلا توجد رقابة أو قانون مفعل حتي يحد من ارتكاب هذه الجريمة بالإضافة إلي عدم وجود نظام تعليمي صحيح، وتشير د. سوسن إلي أن وزارة التضامن الاجتماعي هي المسئولة عن هؤلاء الأطفال وتوفير فرص عمل لهم ذلك عن طريق التدريب واستصلاح الأراضي ووضع قوانين للعمل فنحن نحتاج إلي ثورة قيم يشارك فيها المجتمع بأسره فهناك انحلال قيمي دفع إلي ارتكاب وزيادة هذه الجريمة.