منذ المشاهد الأولى لفيلم “مساواة” للمخرج دراك دوريموس (إنتاج 2016) يظهر مجتمع شمولي في مكان مجهول وفي زمن مستقبلي، تقنيات التواصل وصلت إلى مرحلة متقدمة والكل يؤدّي عملا يوميا روتينيا، مثل كائنات روبوتية؛ هم قليلو الكلام، منجذبون إلى الشاشات، وحتى الشخصيات الشابة المتجاورة أثناء العمل، فنادرا ما تتبادل الكلام أو الاهتمام وكلٌّ غارقٌ في عالمه الخاص، ومنصرفٌ تماما عن الآخرين. هنا يتم نسج قصة خيالية في وسط هذا المجتمع المنغلق على نفسه، لا يعرف من الذي يقوده؟ وإلى أين؟ والشخصيات بلا مشكلات ولا شكوى ولا هموم ولا أفكار ولا تطلعات، أغلب سكان المستعمرة من الشباب وهم يعيشون في منظومة مكانية من نوع المدن الذكية فيها الكثير من الفانتازيا والإسراف في الخيال، لكنه خيال خلاق وغزير، لا يشعرك بالاغتراب والمبالغات في هذا النوع من أفلام الخيال العلمي. ذلك هو الظاهر الذي من خلاله سيتم استلاب الكل وإفراغهم في هذا الفيلم من أبسط مشاعرهم، فالفراغ الديستوبي الهائل يجتاح سكان المستعمرة، حتى تتساءل من أين جاءت هذا الكائنات؟ وإلى أين تسير؟ الحبكة التي تحرك أحداث الفيلم هي الأعراض العاطفية التي يمكن أن تصيب أيا من سكان تلك البقعة الغرائبية، العاطفة بكل أشكالها محظورة، الحب والجنس عقوبتهما تصل إلى الإعدام، مشاعر الحب تتطور إلى مرض يختصر بثلاثة أحرف “S.O.S” ويتم إخضاع الجميع إلى فحص دوري خوفا من أيّ ميول عاطفي قد يفضي إلى رغبة في الجنس الآخر. سيخضع سيلاس (الممثل نيكولاس هولت) لذلك الفحص ويثبت أنه مصاب، وعليه أن يبدأ العلاج مرفوقا بإرشادات عن الأعراض الجانبية المحتملة الناجمة عن تلقي العلاج، والتي قد تفضي إلى الانتحار في آخر المطاف، لكن التحول الدرامي هو أن تكون زميلته في العمل نيا (الممثلة كرستين ستيوارت) هي الأخرى مصابة بالمرض ذاته، غير أنها تتكتم على ذلك حتى لا يتأكد ما بينهما من ميل عاطفي وعلاقة حب جارفة قد يؤدي اكتشافهما إلى تنفيذ حكم الإعدام في كليهما. خيال رومانسي يتدفق في أجواء خيالية، نتجاوز عبره المكان المحدود والمعتاد في المشاهد الحوارية بالكثير من أفلام الخيال العلمي، بل إن النسيج المكاني وتكوينه يستحقان أن يدرسا بعناية، فهذا النسيج متقن وذو تنوع ملفت للنظر. اللقطات العامة كانت تزيد من إغراق الأفراد في المتاهة، والإحساس بالفقدان أمام تلك الضخامة المكانية، المكان غالبا ما يتداخل مع عناصر الحركة، كارتقاء سيلاس السلالم أو دخوله في نفق لا نهاية له، والبياض هو اللون الذي يطغى على المكان وكذلك على ملابس الشخصيات، لون أعطى إحساسا بالاتساع المكاني، وبجمالية عميقة ممزوجة مع رومانسية متدفقة وعذابات شخصية، والحبيبان يتسللان بعيدا عن الكاميرات وعيون الراصدين، والهلع حين يساقان إلى غرفة الإعدام يلاحقهما. البناء المكاني الذي نفتتن به في هذا الفيلم سوف ينفتح على تفاصيل فيها متعة الاكتشاف، ومنها مثلا انتقال سيلاس إلى العمل في مزرعة مغطاة للتخلص من مشاعره الجارفة تجاه نيا، ولكي يبعد الأنظار عنهما، لكن عذابهما لن يتوقف، ولا سيما مع اكتشاف أن نيا تنتظر وليدا منه لينقذهما أصدقاء يشعرون بمعاناتهما، ومع ذلك فالحل يكمن في إبعادهما إلى جزيرة نائية لن يجدا فيها حياة تذكر، وعندها لا يمكن الرجوع. الدراما الفيلمية في تصاعد وفي كل مرحلة سوف ننجذب إلى عنصر تحوّل جديد، كمثل اكتشاف المشرف لوجود ميول عاطفية لدى سيلاس من قبل المشرف عليه، ومؤامرة تهريبه مع حبيبته، الدراما كلها تسير في موازاة تلك الغرائبية الديستوبية للمكان المغلق على الجموع، وبين الحين والآخر يجتمعون كلهم لتلقي التعليمات عبر مكبرات الصوت. وعلى صعيد السرد والزمن الفيلمي قدم “مساواة” نسيجا ملفتا للنظر في صنع خطوط درامية متعددة، ابتداء من الاستهلال الذي عرّفنا بالمكان والشخصيات، وانتهاء بالمغامرة القائمة على قطع الأنفاس. ولعل ما يلفت النظر أن الزمن الفيلمي والزمن الديستوبي يمتزجان في مسارات متعددة تتفاعل لتنتج إيقاعا فيلميا بديعا وبالغ البراعة، حيث يشعر المتفرج أن بنية الفيلم الكلية قد تم إنتاجها مشهدا مشهدا بعناية، وذلك ما أبعد الفيلم عن تدهور الإيقاع أو الرتابة، إذ يمكن توقع ذلك في المسار الفيلمي. “مساواة” فيلم ذو مميزات خاصة فيها إتقان ومهارة، أخرجتنا من نمطية أفلام الخيال العلمي إلى مزيج فريد من الرومانسية العذبة والأداء المتقن، فضلا عن بناء مكاني بالغ البراعة والتنوع. منذ المشاهد الأولى لفيلم “مساواة” للمخرج دراك دوريموس (إنتاج 2016) يظهر مجتمع شمولي في مكان مجهول وفي زمن مستقبلي، تقنيات التواصل وصلت إلى مرحلة متقدمة والكل يؤدّي عملا يوميا روتينيا، مثل كائنات روبوتية؛ هم قليلو الكلام، منجذبون إلى الشاشات، وحتى الشخصيات الشابة المتجاورة أثناء العمل، فنادرا ما تتبادل الكلام أو الاهتمام وكلٌّ غارقٌ في عالمه الخاص، ومنصرفٌ تماما عن الآخرين. هنا يتم نسج قصة خيالية في وسط هذا المجتمع المنغلق على نفسه، لا يعرف من الذي يقوده؟ وإلى أين؟ والشخصيات بلا مشكلات ولا شكوى ولا هموم ولا أفكار ولا تطلعات، أغلب سكان المستعمرة من الشباب وهم يعيشون في منظومة مكانية من نوع المدن الذكية فيها الكثير من الفانتازيا والإسراف في الخيال، لكنه خيال خلاق وغزير، لا يشعرك بالاغتراب والمبالغات في هذا النوع من أفلام الخيال العلمي. ذلك هو الظاهر الذي من خلاله سيتم استلاب الكل وإفراغهم في هذا الفيلم من أبسط مشاعرهم، فالفراغ الديستوبي الهائل يجتاح سكان المستعمرة، حتى تتساءل من أين جاءت هذا الكائنات؟ وإلى أين تسير؟ الحبكة التي تحرك أحداث الفيلم هي الأعراض العاطفية التي يمكن أن تصيب أيا من سكان تلك البقعة الغرائبية، العاطفة بكل أشكالها محظورة، الحب والجنس عقوبتهما تصل إلى الإعدام، مشاعر الحب تتطور إلى مرض يختصر بثلاثة أحرف “S.O.S” ويتم إخضاع الجميع إلى فحص دوري خوفا من أيّ ميول عاطفي قد يفضي إلى رغبة في الجنس الآخر. سيخضع سيلاس (الممثل نيكولاس هولت) لذلك الفحص ويثبت أنه مصاب، وعليه أن يبدأ العلاج مرفوقا بإرشادات عن الأعراض الجانبية المحتملة الناجمة عن تلقي العلاج، والتي قد تفضي إلى الانتحار في آخر المطاف، لكن التحول الدرامي هو أن تكون زميلته في العمل نيا (الممثلة كرستين ستيوارت) هي الأخرى مصابة بالمرض ذاته، غير أنها تتكتم على ذلك حتى لا يتأكد ما بينهما من ميل عاطفي وعلاقة حب جارفة قد يؤدي اكتشافهما إلى تنفيذ حكم الإعدام في كليهما. خيال رومانسي يتدفق في أجواء خيالية، نتجاوز عبره المكان المحدود والمعتاد في المشاهد الحوارية بالكثير من أفلام الخيال العلمي، بل إن النسيج المكاني وتكوينه يستحقان أن يدرسا بعناية، فهذا النسيج متقن وذو تنوع ملفت للنظر. اللقطات العامة كانت تزيد من إغراق الأفراد في المتاهة، والإحساس بالفقدان أمام تلك الضخامة المكانية، المكان غالبا ما يتداخل مع عناصر الحركة، كارتقاء سيلاس السلالم أو دخوله في نفق لا نهاية له، والبياض هو اللون الذي يطغى على المكان وكذلك على ملابس الشخصيات، لون أعطى إحساسا بالاتساع المكاني، وبجمالية عميقة ممزوجة مع رومانسية متدفقة وعذابات شخصية، والحبيبان يتسللان بعيدا عن الكاميرات وعيون الراصدين، والهلع حين يساقان إلى غرفة الإعدام يلاحقهما. البناء المكاني الذي نفتتن به في هذا الفيلم سوف ينفتح على تفاصيل فيها متعة الاكتشاف، ومنها مثلا انتقال سيلاس إلى العمل في مزرعة مغطاة للتخلص من مشاعره الجارفة تجاه نيا، ولكي يبعد الأنظار عنهما، لكن عذابهما لن يتوقف، ولا سيما مع اكتشاف أن نيا تنتظر وليدا منه لينقذهما أصدقاء يشعرون بمعاناتهما، ومع ذلك فالحل يكمن في إبعادهما إلى جزيرة نائية لن يجدا فيها حياة تذكر، وعندها لا يمكن الرجوع. الدراما الفيلمية في تصاعد وفي كل مرحلة سوف ننجذب إلى عنصر تحوّل جديد، كمثل اكتشاف المشرف لوجود ميول عاطفية لدى سيلاس من قبل المشرف عليه، ومؤامرة تهريبه مع حبيبته، الدراما كلها تسير في موازاة تلك الغرائبية الديستوبية للمكان المغلق على الجموع، وبين الحين والآخر يجتمعون كلهم لتلقي التعليمات عبر مكبرات الصوت. وعلى صعيد السرد والزمن الفيلمي قدم “مساواة” نسيجا ملفتا للنظر في صنع خطوط درامية متعددة، ابتداء من الاستهلال الذي عرّفنا بالمكان والشخصيات، وانتهاء بالمغامرة القائمة على قطع الأنفاس. ولعل ما يلفت النظر أن الزمن الفيلمي والزمن الديستوبي يمتزجان في مسارات متعددة تتفاعل لتنتج إيقاعا فيلميا بديعا وبالغ البراعة، حيث يشعر المتفرج أن بنية الفيلم الكلية قد تم إنتاجها مشهدا مشهدا بعناية، وذلك ما أبعد الفيلم عن تدهور الإيقاع أو الرتابة، إذ يمكن توقع ذلك في المسار الفيلمي. “مساواة” فيلم ذو مميزات خاصة فيها إتقان ومهارة، أخرجتنا من نمطية أفلام الخيال العلمي إلى مزيج فريد من الرومانسية العذبة والأداء المتقن، فضلا عن بناء مكاني بالغ البراعة والتنوع.