عيار 21 بعد التراجع الأخير.. أسعار الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم الجمعة في الصاغة    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    مجلس الحرب الإسرائيلي يناقش "احتمالات" اجتياح رفح    طائرات الاحتلال تستهدف منزلًا بجوار مسجد "جعفر الطيار" شمال مدينة رفح الفلسطينية    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    أول تعليق من أسرة الشهيد عدنان البرش: «ودعنا خير الرجال ونعيش صدمة كبرى»    أيمن سلامة ل«الشاهد»: القصف في يونيو 1967 دمر واجهات المستشفى القبطي    بركات: الأهلي يحتاج لهذا الأمر قبل مواجهة الترجي    مصطفى شوبير يتلقى عرضًا مغريًا من الدوري السعودي.. محمد عبدالمنصف يكشف التفاصيل    جمال علام: لا توجد أي خلافات بين حسام حسن وأي لاعب في المنتخب    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    العثور على جثة سيدة مسنة بأرض زراعية في الفيوم    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    جاله في المنام، رسالة هاني الناظر لنجله من العالم الآخر    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    رسميًّا.. موعد صرف معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    جناح ضيف الشرف يناقش إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية بمعرض أبو ظبي    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    فريق علمي يعيد إحياء وجه ورأس امرأة ماتت منذ 75 ألف سنة (صور)    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    موعد جنازة «عروس كفر الشيخ» ضحية انقلاب سيارة زفافها في البحيرة    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    ليفركوزن يتفوق على روما ويضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    طبيب الزمالك: شلبي والزناري لن يلحقا بذهاب نهائي الكونفدرالية    الغانم : البيان المصري الكويتي المشترك وضع أسسا للتعاون المستقبلي بين البلدين    رسائل تهنئة شم النسيم 2024    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    بعد تصدره التريند.. حسام موافي يعلن اسم الشخص الذي يقبل يده دائما    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    مباراة مثيرة|رد فعل خالد الغندور بعد خسارة الأهلى كأس مصر لكرة السلة    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مأساة أفغانستان ترهق خالد حسيني
نشر في صوت البلد يوم 14 - 05 - 2016

رواية الكاتب الأفغاني خالد حسيني الثالثة «وردّدت الجبال الصدى» صدرت ترجمتها العربية عن دار بلومزبري- مؤسسة قطر للنشر وأنجز الترجمة إيهاب عبدالحميد في صيغة سلسة لا يشوبها سوى أخطاء متسرّعة كان يمكن تلافيها بالمراجعة. يضفي الطبيب والكاتب الأفغاني تعقيداً جميلاً على شخصياته غاب عن روايتيه الأوليين، وينزع عن بعض نسائه صفة الضحية ليجعلهن من الجلادين. على أن حسيني يتمسك بالزخم العاطفي الغامر وحقّه في الإدلاء بشهادته الغاضبة من بشاعات الطبيعة الإنسانية وازدواجيتها خصوصاً في الحرب. تتجلى حرب بلاده، التي لم يتطهّر منها بعد، بالانهيار والخسارة، بما فيها فقدان الفرص والتعويض مهما كان البديل قليلاً. تبلغ الدراما حدّ الميلودراما، وحتى القادرون على الهرب من الجحيم لا يجدون الجنة الموعودة لعجزهم عن قطع الصلة بالقديم والانتماء الى الجديد. يفصّل حسيني حركة الحياة داخلاً وخارجاً بعين حساسة، ويقطع السرد برسالة ومقابلة صحافية، على أنه يمدّد نثره أطول مما يجب، ويقحم صوت الطبيب اليوناني الزائد عن الحاجة بإعطائه تسعين صفحة بينها اثنتان فقط عن زيارة باري منزلها في كابول.
حكاية صبور
تبدأ «وردّدت الجبال الصدى» في 1952 بحكاية يرويها صبور لطفليه، عبدالله وباري، عن فلاح يضطرّه فقره الى إبقاء ابنه المخطوف مع الغول الذي يوفّر له عيشاً رغيداً سعيداً. ستقلّد الحياة الفن حين يبيع صبور باري، ابنة الثالثة، لأسرة وَحداتي الثرية في كابول. توفّيت والدتها وهي تضعها، وتزوج صبور ثانية من بروانة التي تخفي سرّاً رهيباً. رعى عبدالله شقيقته بعاطفة أم، وقايض حذاءه بريشة طاووس لكي تضمّها الى مجموعتها. ذهب صبور مشياً الى كابول ليطيل زمن بقاء ابنته معه، وترجم قهره من فعله بقطع شجرة البلوط العملاقة التي ربط فيها أرجوحة لطفليه، وقيل إنها سحرية تلبّي الأمنيات. منع عبدالله من البكاء، فانتظر الطفل الربيع لكي يغادر قريته لإحساسه أنه لم يعد يملك بيتاً فيها. كان نبي، شقيق بروانة، صاحب فكرة بيع الطفلة ظناً منه أنه يفعل خيراً، وطمعاً بحب السيدة نيلا وَحداتي العاقر.عمل سائقاً لدى الأسرة، وزار القرية بسيارة مخدومه الكبيرة اللامعة، فتباهت العائلة بنجاحه. قاطع صبور نبي بعد عملية البيع الأليم، ومات مقهوراً في الأربعين وهو يعمل في الحقل.
كانت نيلا في العشرين حين تزوجت سليمان وحداتي. شابة جميلة، فرنسية الأم، أفغانية الأب اختارت الهوية الأوروبية، وكثرت علاقاتها فساءت سمعتها. أقامت علاقات مع من دونها طبقة بمن فيهم ابن الخادم، وكتبت قصائد صريحة عنها. لم يكن زواج حب، وتستّر نبي عليها حين خانت زوجها، وأحس لافتتانه بها أنه هو الزوج المخدوع. رغب في أن يعطيها ما لا يستطيع حتى زوجها منحها إياه، وبكت حين أخبرها عن باري. «نظرت إليّ بامتنان وبشيء- كنت واثقاً من ذلك- أشبه بالحب» في الصفحة 138. حين أصيب زوجها بجلطة قوية شلّت نصف جسمه هجرته وغادرت الى باريس مع باري. قالت لنبي عبارة لم يفهمها الى أن اكتشف أن سيده أحبه. بعد وفاة الأخير يرث نبي أملاكه، ويستقبل الدكتور ماركوس فارفاريس، جراح التجميل اليوناني، مجاناً في بيته امتناناً لتطوعه لعلاج مشوّهي الحرب. ينقبض قلبه كلما تذكّر كيف فصل عبدالله وباري «الطفلين العاجزين اللذين تجسّد فيهما الحب بأبسط وأنقى صوره». في عقده السابع يكتب الى الطبيب ليرجوه العثور على باري وإخبارها عن أسرتها.
تبرهن نيلا أنها لا تصلح إلا لنفسها. كانت باري في العاشرة حين تركتها وحدها لتمضي نهاية الأسبوع مع صديقها. قصة الغول الذي يخطف الأطفال ليمنحهم حياة أفضل لا تنطبق على باري. لم توفّر نيلا السعادة لها، وكان عليها منذ طفولتها أن تكون هي الراعية، إذ تسبّب إدمان والدتها على الكحول بدخولها المستشفى باستمرار. أغوت الرجال بسلاسة وكبرت ابنتها بعشرين عاماً فقط، وكانت أجمل منها، وأثار شعرها الاهتمام في فرنسا. لم تشبه باري أياً من والديها، ولم تجد لدى أمها الصمغ الذي احتاجته لتلصق أجزاءها المبعثرة. لم تلبّ حاجة باري الى أسرة، وكذبت حين قالت أن والدها توفّي وهي في السادسة. مع ذلك صرّحت نيلا في مقابلة مع مجلة فرنسية بأن ابنتها عقابها، وانتحرت قبل صدور العدد وهي في الرابعة والأربعين.

امرأة الهدم
بروانة امرأة أخرى قادرة على الهدم الذي يبلغ حدّ القتل. كانت ومعصومة توأمين، لكن الشقيقة نعمت بجمال باهر في حين مُنحت وجهاً ثقيلاً، كئيباً، معصمين ثقيلين وكتفين رجوليين. حسدت معصومة، ورغبت في أن تُشاهد معها في آن، وسرقت دفتراً لصبور لكي يكتب قصصه عليه وهي في التاسعة. تجلس الشقيقتان على غصن شجرة البلوط، وهما في السابعة عشرة، وتخبر معصومة شقيقتها أن صبور سيطلبها للزواج.
تدفعها بروانة، فتقع وتُشلّ، ويعتني الجلّاد بالضحية الى أن تيأس هذه من عجزها وتطلب الخلاص النهائي من بروانة، فتلبّي. لا تجد السعادة التي حلمت بها حين تتزوج صبور. يموت ابنها البكر رضيعاً من البرد قبل رحيل والده، ثم يُقتل ابنها الثاني إقبال بعده بأمر من أمير حرب استولى على أملاك القرية وبنى أخرى جديدة بفضل معمل المخدرات الذي أنشأه.
كان إدريس وتيمور ابنَي عم يلهوان بطائرات الورق في الشارع نفسه حيث سكن سليمان وحداتي. يهاجران مراهقين الى كاليفورنيا، ويدرسان الطبّ، ويزوران كابول لاسترجاع منزل العائلة المصادَر. لا يفكر نبي بالطبع في سؤالهما عن عبدالله، شقيق باري، لكن هذا من مرضى الدكتور إدريس الذي يصحب أسرته الى مطعم عبدالله الصغير. يصعق الطبيب الشاب حين يزور المستشفى، ويرى روشي التي خرجت كتلة من دماغها من رأسها. غضب عمها من توريث والدها منزل العائلة، وقتل والديها وشقيقتها بالبلطة. يتعلّق إدريس بالطفلة، ويعزم على مساعدتها على السفر الى أميركا للعلاج. لكنه يخذلها مثل مهاجرين عائدين كثر التقطوا صورتها كما لو كانت حيواناً في حديقة، ويساعدها بدلاً منه ابن عمّه تيمور، الكاذب، المحتال، السلس اجتماعياً. يقابل حسيني أمثال إدريس بالأخصائيين الأوروبيين، خصوصاً ماركوس المسيحي وأمرا البوسنية المسلمة، الذين يخاطرون بحياتهم بمجرد وجودهم في أفغانستان. يعزّز ماركوس التزامه الإنساني الرفيع حين ينجح في سدّ الثغرة في حياتها وجمعها بشقيقها، لكن هذا لا يعرفها حين يلتقيها لإصابته بخرف الشيخوخة. يُراكم حسيني المزيد من المآسي لتصوير أهوال الخسارة، فباري نفسها ترمّلت قبل الخمسين، وإصابتها بداء المفاصل تؤلم وتعيق.
يترجم إيهاب عبدالحميد اسم العائلة «وحدتي»، لكنني اخترت «وَحداتي» منعاً لالتباسها مع كلمة «وحدة». يستخدم كلمات «مِضيفة، بطاطين، معاتيه، تقتيل وناضر» في الصفحات 43 و44 و86 و163 و106 بدلاً من «دار أو غرفة ضيافة وبطانيات وعتهاء وقتل ونَضِر». يقول: «كان مثل الجديد» و «أهذّب شعره» و «يجرب يديه في الرسم» و «سنجعلك بخير» و «ابنا عمومة» و «أحذية عالية الرقبة» و «تعرفين شيئاً أو اثنين» و «سقطت مريضة» و «تستقبل مكالمة» في الصفحات 69 و157 و158 و168 و181 و219 و260 و284 و308 بدلاً من «بدا جديداً وأسرّح شعره ويحاول الرسم وسنساعدك ليتحسّن وضعك و «ابنا عم» وأحذية عالية أو جزمة وتعرفين الكثير ومرضت وتتلقى مكالمة». في الصفحة 79 يذكر شقيقين ملتصقين من سيام، والصحيح أن التوأمين الملتصقين سياميان دائماً بصرف النظر عن مكان إقامتهما. على أن الترجمة شاقّة دائماً، وإيهاب عبدالحميد نجح في الحفاظ على انسياب النص وطراوته.
رواية الكاتب الأفغاني خالد حسيني الثالثة «وردّدت الجبال الصدى» صدرت ترجمتها العربية عن دار بلومزبري- مؤسسة قطر للنشر وأنجز الترجمة إيهاب عبدالحميد في صيغة سلسة لا يشوبها سوى أخطاء متسرّعة كان يمكن تلافيها بالمراجعة. يضفي الطبيب والكاتب الأفغاني تعقيداً جميلاً على شخصياته غاب عن روايتيه الأوليين، وينزع عن بعض نسائه صفة الضحية ليجعلهن من الجلادين. على أن حسيني يتمسك بالزخم العاطفي الغامر وحقّه في الإدلاء بشهادته الغاضبة من بشاعات الطبيعة الإنسانية وازدواجيتها خصوصاً في الحرب. تتجلى حرب بلاده، التي لم يتطهّر منها بعد، بالانهيار والخسارة، بما فيها فقدان الفرص والتعويض مهما كان البديل قليلاً. تبلغ الدراما حدّ الميلودراما، وحتى القادرون على الهرب من الجحيم لا يجدون الجنة الموعودة لعجزهم عن قطع الصلة بالقديم والانتماء الى الجديد. يفصّل حسيني حركة الحياة داخلاً وخارجاً بعين حساسة، ويقطع السرد برسالة ومقابلة صحافية، على أنه يمدّد نثره أطول مما يجب، ويقحم صوت الطبيب اليوناني الزائد عن الحاجة بإعطائه تسعين صفحة بينها اثنتان فقط عن زيارة باري منزلها في كابول.
حكاية صبور
تبدأ «وردّدت الجبال الصدى» في 1952 بحكاية يرويها صبور لطفليه، عبدالله وباري، عن فلاح يضطرّه فقره الى إبقاء ابنه المخطوف مع الغول الذي يوفّر له عيشاً رغيداً سعيداً. ستقلّد الحياة الفن حين يبيع صبور باري، ابنة الثالثة، لأسرة وَحداتي الثرية في كابول. توفّيت والدتها وهي تضعها، وتزوج صبور ثانية من بروانة التي تخفي سرّاً رهيباً. رعى عبدالله شقيقته بعاطفة أم، وقايض حذاءه بريشة طاووس لكي تضمّها الى مجموعتها. ذهب صبور مشياً الى كابول ليطيل زمن بقاء ابنته معه، وترجم قهره من فعله بقطع شجرة البلوط العملاقة التي ربط فيها أرجوحة لطفليه، وقيل إنها سحرية تلبّي الأمنيات. منع عبدالله من البكاء، فانتظر الطفل الربيع لكي يغادر قريته لإحساسه أنه لم يعد يملك بيتاً فيها. كان نبي، شقيق بروانة، صاحب فكرة بيع الطفلة ظناً منه أنه يفعل خيراً، وطمعاً بحب السيدة نيلا وَحداتي العاقر.عمل سائقاً لدى الأسرة، وزار القرية بسيارة مخدومه الكبيرة اللامعة، فتباهت العائلة بنجاحه. قاطع صبور نبي بعد عملية البيع الأليم، ومات مقهوراً في الأربعين وهو يعمل في الحقل.
كانت نيلا في العشرين حين تزوجت سليمان وحداتي. شابة جميلة، فرنسية الأم، أفغانية الأب اختارت الهوية الأوروبية، وكثرت علاقاتها فساءت سمعتها. أقامت علاقات مع من دونها طبقة بمن فيهم ابن الخادم، وكتبت قصائد صريحة عنها. لم يكن زواج حب، وتستّر نبي عليها حين خانت زوجها، وأحس لافتتانه بها أنه هو الزوج المخدوع. رغب في أن يعطيها ما لا يستطيع حتى زوجها منحها إياه، وبكت حين أخبرها عن باري. «نظرت إليّ بامتنان وبشيء- كنت واثقاً من ذلك- أشبه بالحب» في الصفحة 138. حين أصيب زوجها بجلطة قوية شلّت نصف جسمه هجرته وغادرت الى باريس مع باري. قالت لنبي عبارة لم يفهمها الى أن اكتشف أن سيده أحبه. بعد وفاة الأخير يرث نبي أملاكه، ويستقبل الدكتور ماركوس فارفاريس، جراح التجميل اليوناني، مجاناً في بيته امتناناً لتطوعه لعلاج مشوّهي الحرب. ينقبض قلبه كلما تذكّر كيف فصل عبدالله وباري «الطفلين العاجزين اللذين تجسّد فيهما الحب بأبسط وأنقى صوره». في عقده السابع يكتب الى الطبيب ليرجوه العثور على باري وإخبارها عن أسرتها.
تبرهن نيلا أنها لا تصلح إلا لنفسها. كانت باري في العاشرة حين تركتها وحدها لتمضي نهاية الأسبوع مع صديقها. قصة الغول الذي يخطف الأطفال ليمنحهم حياة أفضل لا تنطبق على باري. لم توفّر نيلا السعادة لها، وكان عليها منذ طفولتها أن تكون هي الراعية، إذ تسبّب إدمان والدتها على الكحول بدخولها المستشفى باستمرار. أغوت الرجال بسلاسة وكبرت ابنتها بعشرين عاماً فقط، وكانت أجمل منها، وأثار شعرها الاهتمام في فرنسا. لم تشبه باري أياً من والديها، ولم تجد لدى أمها الصمغ الذي احتاجته لتلصق أجزاءها المبعثرة. لم تلبّ حاجة باري الى أسرة، وكذبت حين قالت أن والدها توفّي وهي في السادسة. مع ذلك صرّحت نيلا في مقابلة مع مجلة فرنسية بأن ابنتها عقابها، وانتحرت قبل صدور العدد وهي في الرابعة والأربعين.
امرأة الهدم
بروانة امرأة أخرى قادرة على الهدم الذي يبلغ حدّ القتل. كانت ومعصومة توأمين، لكن الشقيقة نعمت بجمال باهر في حين مُنحت وجهاً ثقيلاً، كئيباً، معصمين ثقيلين وكتفين رجوليين. حسدت معصومة، ورغبت في أن تُشاهد معها في آن، وسرقت دفتراً لصبور لكي يكتب قصصه عليه وهي في التاسعة. تجلس الشقيقتان على غصن شجرة البلوط، وهما في السابعة عشرة، وتخبر معصومة شقيقتها أن صبور سيطلبها للزواج.
تدفعها بروانة، فتقع وتُشلّ، ويعتني الجلّاد بالضحية الى أن تيأس هذه من عجزها وتطلب الخلاص النهائي من بروانة، فتلبّي. لا تجد السعادة التي حلمت بها حين تتزوج صبور. يموت ابنها البكر رضيعاً من البرد قبل رحيل والده، ثم يُقتل ابنها الثاني إقبال بعده بأمر من أمير حرب استولى على أملاك القرية وبنى أخرى جديدة بفضل معمل المخدرات الذي أنشأه.
كان إدريس وتيمور ابنَي عم يلهوان بطائرات الورق في الشارع نفسه حيث سكن سليمان وحداتي. يهاجران مراهقين الى كاليفورنيا، ويدرسان الطبّ، ويزوران كابول لاسترجاع منزل العائلة المصادَر. لا يفكر نبي بالطبع في سؤالهما عن عبدالله، شقيق باري، لكن هذا من مرضى الدكتور إدريس الذي يصحب أسرته الى مطعم عبدالله الصغير. يصعق الطبيب الشاب حين يزور المستشفى، ويرى روشي التي خرجت كتلة من دماغها من رأسها. غضب عمها من توريث والدها منزل العائلة، وقتل والديها وشقيقتها بالبلطة. يتعلّق إدريس بالطفلة، ويعزم على مساعدتها على السفر الى أميركا للعلاج. لكنه يخذلها مثل مهاجرين عائدين كثر التقطوا صورتها كما لو كانت حيواناً في حديقة، ويساعدها بدلاً منه ابن عمّه تيمور، الكاذب، المحتال، السلس اجتماعياً. يقابل حسيني أمثال إدريس بالأخصائيين الأوروبيين، خصوصاً ماركوس المسيحي وأمرا البوسنية المسلمة، الذين يخاطرون بحياتهم بمجرد وجودهم في أفغانستان. يعزّز ماركوس التزامه الإنساني الرفيع حين ينجح في سدّ الثغرة في حياتها وجمعها بشقيقها، لكن هذا لا يعرفها حين يلتقيها لإصابته بخرف الشيخوخة. يُراكم حسيني المزيد من المآسي لتصوير أهوال الخسارة، فباري نفسها ترمّلت قبل الخمسين، وإصابتها بداء المفاصل تؤلم وتعيق.
يترجم إيهاب عبدالحميد اسم العائلة «وحدتي»، لكنني اخترت «وَحداتي» منعاً لالتباسها مع كلمة «وحدة». يستخدم كلمات «مِضيفة، بطاطين، معاتيه، تقتيل وناضر» في الصفحات 43 و44 و86 و163 و106 بدلاً من «دار أو غرفة ضيافة وبطانيات وعتهاء وقتل ونَضِر». يقول: «كان مثل الجديد» و «أهذّب شعره» و «يجرب يديه في الرسم» و «سنجعلك بخير» و «ابنا عمومة» و «أحذية عالية الرقبة» و «تعرفين شيئاً أو اثنين» و «سقطت مريضة» و «تستقبل مكالمة» في الصفحات 69 و157 و158 و168 و181 و219 و260 و284 و308 بدلاً من «بدا جديداً وأسرّح شعره ويحاول الرسم وسنساعدك ليتحسّن وضعك و «ابنا عم» وأحذية عالية أو جزمة وتعرفين الكثير ومرضت وتتلقى مكالمة». في الصفحة 79 يذكر شقيقين ملتصقين من سيام، والصحيح أن التوأمين الملتصقين سياميان دائماً بصرف النظر عن مكان إقامتهما. على أن الترجمة شاقّة دائماً، وإيهاب عبدالحميد نجح في الحفاظ على انسياب النص وطراوته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.