15 صورة.. البابا تواضروس يدشن كنيسة الشهيد مارمينا بفلمنج شرق الإسكندرية    قيادي بمستقبل وطن: تحركات الإخوان ضد السفارات المصرية محاولة بائسة ومشبوهة    تفعيل البريد الموحد لموجهي اللغة العربية والدراسات الاجتماعية بالفيوم    استقالات جماعية للأطباء ووفيات وهجرة الكفاءات..المنظومة الصحية تنهار فى زمن العصابة    وزير الإسكان ومحافظ مطروح يتفقدان محطة تحلية مياه البحر "الرميلة 4" -تفاصيل    إزالة لمزرعة سمكية مخالفة بجوار "محور 30" على مساحة 10 أفدنة بمركز الحسينية    الحرس الثوري الإيراني يهدد إسرائيل برد أشد قسوة حال تكرار اعتدائها    مصر القومي: الاعتداء على السفارات المصرية امتداد لمخططات الإخوان لتشويه صورة الدولة    تعديل جديد.. كاف يخطر بيراميدز بموعد مباراتي الجيش الرواندي    إسلام جابر: لم أتوقع انتقال إمام عاشور للأهلي.. ولا أعرف موقف مصطفى محمد من الانتقال إليه    إسلام جابر: تجربة الزمالك الأفضل في مسيرتي.. ولست نادما على عدم الانتقال للأهلي    أول تعليق لمحافظ الإسكندرية على واقعة الغرق الجماعي بشاطئ أبو تلات    السجن المشدد 6 سنوات لحداد لاتجاره فى المخدرات وحيازة سلاح بشبرا الخيمة    إيرادات الجمعة.. "درويش" يحافظ على المركز الأول و"الشاطر" الثاني    "الصحة" تقدم 314 ألف خدمة عبر 143 قافلة في يوليو 2025    صور.. 771 مستفيدًا من قافلة جامعة القاهرة في الحوامدية    «المركزي لمتبقيات المبيدات» ينظم ورشة عمل لمنتجي ومصدري الطماطم بالشرقية    الغربية: حملات نظافة مستمرة ليلا ونهارا في 12 مركزا ومدينة لضمان بيئة نظيفة وحضارية    الموت يغيب عميد القضاء العرفي الشيخ يحيى الغول الشهير ب "حكيم سيناء" بعد صراع مع المرض    50 ألف مشجع لمباراة مصر وإثيوبيا في تصفيات كأس العالم    "قصص متفوتكش".. رسالة غامضة من زوجة النني الأولى.. ومقاضاة مدرب الأهلي السابق بسبب العمولات    ماذا ينتظر كهربا حال إتمام انتقاله لصفوف القادسية الكويتي؟    وزير العمل يتفقد وحدتي تدريب متنقلتين قبل تشغيلهما غدا بالغربية    "عربية النواب": المجاعة في غزة جريمة إبادة متعمدة تستدعي تحركًا عاجلًا    «لازم إشارات وتحاليل للسائقين».. تامر حسني يناشد المسؤولين بعد حادث طريق الضبعة    وزارة النقل تناشد المواطنين عدم اقتحام المزلقانات أو السير عكس الاتجاه أثناء غلقها    مصر ترحب بخارطة الطريق الأممية لتسوية الأزمة الليبية    وفاة سهير مجدي .. وفيفي عبده تنعيها    مؤسسة فاروق حسني تطلق الدورة ال7 لجوائز الفنون لعام 2026    قلق داخلي بشأن صديق بعيد.. برج الجدي اليوم 23 أغسطس    غدا.. قصور الثقافة تطلق ملتقى دهب العربي الأول للرسم والتصوير بمشاركة 20 فنانا    تم تصويره بالأهرامات.. قصة فيلم Fountain of Youth بعد ترشحه لجوائز LMGI 2025    تكريم الفنانة شيرين في مهرجان الإسكندرية السينمائي بدورته ال41    موعد إجازة المولد النبوي 2025.. أجندة الإجازات الرسمية المتبقية للموظفين    كيف تكون مستجابا للدعاء؟.. واعظة بالأزهر توضح    وزير الدفاع الأمريكي يجيز ل2000 من الحرس الوطني حمل السلاح.. ما الهدف؟    وزير خارجية باكستان يبدأ زيارة إلى بنجلاديش    رئيس «الرعاية الصحية»: تقديم أكثر من 2.5 مليون خدمة طبية بمستشفيات الهيئة في جنوب سيناء    الصحة: حملة «100 يوم صحة» قدّمت 59 مليون خدمة طبية مجانية خلال 38 يوما    فحص وصرف العلاج ل247 مواطنا ضمن قافلة بقرية البرث في شمال سيناء    نور القلوب يضىء المنصورة.. 4 من ذوى البصيرة يبدعون فى مسابقة دولة التلاوة    ضبط وتحرير 18 محضرا فى حملة إشغالات بمركز البلينا فى سوهاج    8 وفيات نتيجة المجاعة وسوء التغذية في قطاع غزة خلال ال24 ساعة الماضية    محاضرة فنية وتدريبات خططية في مران الأهلي استعدادًا للمحلة    محافظ أسوان يتابع معدلات الإنجاز بمشروع محطة النصراب بإدفو    طقس الإمارات اليوم.. غيوم جزئية ورياح مثيرة للغبار على هذه المناطق    مصر تستضيف النسخة الأولى من قمة ومعرض "عالم الذكاء الاصطناعي" فبراير المقبل    تحرير 125 محضرًا للمحال المخالفة لمواعيد الغلق الرسمية    ورش تدريبية للميسرات العاملات بمركزي استقبال أطفال العاملين ب«التضامن» و«العدل»    طلقات تحذيرية على الحدود بين الكوريتين ترفع حدة التوتر    الأوقاف: «صحح مفاهيمك» تتوسع إلى مراكز الشباب وقصور الثقافة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 23-8-2025 في محافظة قنا    إعلام فلسطينى: مصابون من منتظرى المساعدات شمال رفح الفلسطينية    حسن الخاتمة.. وفاة معتمر أقصري أثناء أدائه مناسك الحج    تنسيق الجامعات 2025| مواعيد فتح موقع التنسيق لطلاب الشهادات المعادلة    كأس السوبر السعودي.. هونج كونج ترغب في استضافة النسخة المقبلة    «مياه الأقصر» تسيطر على بقعة زيت فى مياه النيل دون تأثر المواطنين أو إنقطاع الخدمة    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية في الأسواق اليوم السبت 23 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حاتم الصكر يناقش البوح والترميز القهري
نشر في صوت البلد يوم 08 - 05 - 2016

مؤلف كتاب "البوح والترميز القهري" هو الكاتب العراقي حاتم الصكر، الذي أثرى المكتبة العربية بالعديد من الإصدارات النقدية، منها: "قصائد في الذاكرة: قراءات استعارية"، "أقوال النور: قراءات بصرية في التشكيل المعاصر"، وغيرها من المؤلفات.
وفي مقدمة الكتاب، يقول: إن السيرة الذاتية لا تزال من أكثر الأجناس الأدبية بلبلة ومرونة، وأصبح من المعاد المكرر قولنا بأنها جانب غير مستقر، وغير متعين بشكل نهائي، حتى لتوصف أحياناً بأنها جنس مراوغ، وبأن مصطلحها نفسه يكتنفه الغموض واللبس، وذلك مُتأت من جهتين: قربها من أجناس وأنواع محايثة كاليوميات والمذكرات والرسائل وقصائد السيرة، والشهادات والحوارات الشخصية، وافتراضها بعض آيات عمل تلك الأنواع أو نظمها الداخلية، وأشكالها التي تأثرت هي أيضاً بالسيرة الذاتية، والإكراهات والقيود التي تتحكم في كتابتها، وتجعلها تشرب مضامينها وأشكالهاإلى تلك الأنواع، تحاشياً لعائدية السيرة الذاتية إلى شخص كاتبها الواقعي، وما ينتج عن ذلك من أحكام وتقييم سالب للكاتب، فيفر إلى ما يعرف مثلاً برواية السيرة الذاتية.
ويذكر الكاتب: أن السيرة الذاتية النسائية تسير في طريق شائك ملغوم، أهون ما فيه أن المرأة تغدو ذاتاً أنثوية، وقد تحولت إلى موضوع، فهي المؤلفة بقانون العائدية والعقد السير ذاتي، وهي موضوع السرد السير ذاتي نفسه، وهذا مظهر ثان لتبدلات موقع الكاتبة: حيث كان الموضع الأول للتبدل عبور ذاتها من خصوصيتها إلى دلالة جمعية على المستوى الثقافي، فضلاً عن تبدل داخلي ثالث هو تعبيرها عن جنس المرأة عامة، عبر اشتراكها معهن في أغلب جوانب المعاناة والتعرض لكوابح، وإن جرى ذلك بدرجات متفاوتة أحياناً.
ويتناول الكاتب نماذج من الكتابة السير ذاتية النسوية، فتحت عنوان "نازك الملائكة: اللمحات المهربة من سيرة لا مدونة" يقول الكاتب: تحت عنوان مراوغ تتخفى نازك الملائكة، وتهرب من السيرة إلى ما تسميه "لمحات من سيرة حياتي وثقافتي"، يبدو أنها كتبتها استجابة لطلبات بعض الباحثين، ومن قراءة اللمحات السريعة نعلم أن الشاعرة توقفت عند مطلع السبعينيات، وهو عام مطولتها الشعرية "مأساة الحياة وأغنية للإنسان".
وبعد التعرض للعديد من النماذج الذاتية، يرى الكاتب، وجود مفردات مشتركة في السير والشهادات والرسائل تتركز حول البيت (المنزل) كمكان والطفولة كزمان، وهما يشكلان أساس الوعي بالذات، والانتباه إلى القمع والمنع والحجز أو الفصل الجنسي غالباً، كما شكلت الأسرة (الأم، الأب، الزوج، الأخ…) رمزاً تظهر من خلالها تلك الأساليب القهرية التي لا يتوقف ضررها عند فرض خطاب الرجل (الذكر) فحسب، بل في تسلل المفردات هذا الخطاب إلى اللغة ذاتها، ولغة المرأة الكاتبة في أحيان كثيرة.
لقد كان على النساء (كاتبات وقارئات) أن يسجن ضد التيار دائماً منذ مقولة أرسطو عن الأنثى، التي هي عنده أنثى بما تفتقر إليه من خصائص، وليس بما لديها من مزايا، ومقولة توما الأكويني: أن المرأة رجل ناقص، وتصنيفه للشكل كمذكر وللمادة كمؤنث، ينطبع عليها شكل العقل المقدس المذكر.
• من المماثلة إلى المطابقة – السيرة والرواية
كثيراً ما أغرى النقاد والباحثين ضعف الحدود بين الأنواع والأجناس الأدبية أو زوالها تماماً تحت مسميات حداثية (كالنص) و(النص المفتوح) و(العمل) و(الكتابة)، فذهبوا إلى تفريعات إجناسية وتنوعات ساهمت في زيادة البلبلة على مستوى التلقي، ومن أبرز الأمثلة التي نحن بصددها في بحثنا الخلط بين السيرة الذاتية والرواية المكتوبة بضمير المتكلم، حيث يتوهم الدارسون وجود نوع روائي أسموه (رواية السيرة الذاتية) احتكاماً إلى موقع الراوي وضمير السرد.
في هذا الصدد يفرق فيليب لوجون بين خاصتين فنيتين مهمتين هما: (التطابق) المتحقق في ميثاق أو عقد السيرة الذاتية و(التشابه) أو التماثل المتفاوت الدرجة في الرواية، وإذا كانت (المطابقة) تجعل التساوي ممكناً بين المؤلف والسارد والكائن السيري، فإن (المشابهة) في العمل الروائي تمنع الإحالة إلى سارد سيري أو كائن يروي قصة حياته لسببين مهمين: الفضاء التخييلي في العمل الروائي الذي يباعد المطابقة المفترضة في السيرة الذاتية، ويضع على مستوى التلقي عالماً متخيلاً تبتعد عنه (الذات) الساردة عن ماضيها الذي يرغب المتلقي في معرفته، والسبب الثاني هو المثال أو النموذج الذي تحيل إليه الرواية، والذي يأخذ شكلاً تعميمياً يباعد بين خصوصية (الذات) والشخصية الروائية الساردة.
وتواصلاً مع تفحصنا للنماذج السردية المترددة بين السيرة الذاتية والسرد الروائي الخالص سنقف عند العمل الأخير للكاتب عبدالستار ناصر "على فراش الموز" المقدم للقارئ بكونه "رواية" كما نص غلاف الكاتب، وكذلك قول الكاتب في الكلمة الأولى من مقدمته "هذه الرواية خرجت من مذكراتي التي لم أكتبها بعد"، ولكي لا يتنبه القارئ لمفارقة أو استحالة خروج النص من عدم أو متن لم يدون بعد، يستدرك عبدالستار بالقول: إن تلك المذكرات غير المدونة "كانت تحيا في ذاكرتي، وعاشت معي في كل مكان مضيت إليه"، فهل يكف هذا الاعتراف والاستدراك لإقناعنا أن العمل لن يقع ضحية الهوية الإجناسية: سيرة/ رواية/ سيرة روائية/ رواية سيرة؟
وينقلنا الكاتب إلى العمل الأخير للكاتب محمود عيسى موسى "بيضة العقرب"، قائلاً: فهو يزاوج الرواية والسيرة، ولكن بعامل الإضافة متخلصاً من الإحراج الإجناسي، أي: هل نقرأ عمله كرواية أمام سيرة ذاتية؟ تخيل سردي مختلف أم شهادة على أحداث شخصية يريد روايتها؟ فيصف عمله بأنه رواية لسيرة موصوفة بأنها (سرطانية)، إشارة إلى تحديد أحداث هذه السيرة المروية بمرض السرطان، الذي أصاب الكاتب وعانى منه لسنوات انتهت بالشفاء كما يحدثنا في سيرته.
ثمة حقيقتان أساسيتان تستدعيهما قراءة "بيضة العقرب": الأولى: (شكلية) تتعلق بنص السيرة الذاتية، وقيامه على حقيقة وقعت للكاتب الذي يحضر كراوٍ وسارد مشارك دائماً، باعتبار أن الأحداث تعود إليه كشخص وليس كشخصية روائية فنقرأ اسمه الثلاثي وأسماء أصدقائه، أما الحقيقة الثانية فهي حول المرض كواقعة جسدية حياتية، وإحكام تحويله إلى عمل فني أو أدبي، دون أن يفقد العمل مواصفاته واشتراطاته الفنية.
لقد كان المرض موضوعاً خارجياً يوصف ويعرف، وخاصة من طرف الشعراء الذين يكثفون أو يقطرون تجاربهم تلك في قصائد حزينة لا يسمح منظورها باكتشاف مفردات خاصة بهم إلا نادراً، وهكذا تحولت ساعات الألم وأيامه وسنواته إلى سرد ذكي مفصل ودقيق في "بيضة العقرب"، جعلت القارئ يعايش الكاتب ويقاسمه آلامه بل يقتسمها متساوية معه، وهو يحس مقاومته وضعفه، سقمه وصحته، يأسه وأمله، وأخيراً انتصاره على السرطان، والأهم من ذلك كله كيفية احتواء تجربة المرض وتدوين آلامها وعنائها، لتصبح وثيقة على قدرة الإنسان وقوته وإصراره ومقاومته.
يذكر أن كتاب "البوح والترميز القهري" للكاتب حاتم الصكر. صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة، ويقع في نحو 191 صفحة من القطع الكبير. (خدمة وكالة الصحافة العربية)
مؤلف كتاب "البوح والترميز القهري" هو الكاتب العراقي حاتم الصكر، الذي أثرى المكتبة العربية بالعديد من الإصدارات النقدية، منها: "قصائد في الذاكرة: قراءات استعارية"، "أقوال النور: قراءات بصرية في التشكيل المعاصر"، وغيرها من المؤلفات.
وفي مقدمة الكتاب، يقول: إن السيرة الذاتية لا تزال من أكثر الأجناس الأدبية بلبلة ومرونة، وأصبح من المعاد المكرر قولنا بأنها جانب غير مستقر، وغير متعين بشكل نهائي، حتى لتوصف أحياناً بأنها جنس مراوغ، وبأن مصطلحها نفسه يكتنفه الغموض واللبس، وذلك مُتأت من جهتين: قربها من أجناس وأنواع محايثة كاليوميات والمذكرات والرسائل وقصائد السيرة، والشهادات والحوارات الشخصية، وافتراضها بعض آيات عمل تلك الأنواع أو نظمها الداخلية، وأشكالها التي تأثرت هي أيضاً بالسيرة الذاتية، والإكراهات والقيود التي تتحكم في كتابتها، وتجعلها تشرب مضامينها وأشكالهاإلى تلك الأنواع، تحاشياً لعائدية السيرة الذاتية إلى شخص كاتبها الواقعي، وما ينتج عن ذلك من أحكام وتقييم سالب للكاتب، فيفر إلى ما يعرف مثلاً برواية السيرة الذاتية.
ويذكر الكاتب: أن السيرة الذاتية النسائية تسير في طريق شائك ملغوم، أهون ما فيه أن المرأة تغدو ذاتاً أنثوية، وقد تحولت إلى موضوع، فهي المؤلفة بقانون العائدية والعقد السير ذاتي، وهي موضوع السرد السير ذاتي نفسه، وهذا مظهر ثان لتبدلات موقع الكاتبة: حيث كان الموضع الأول للتبدل عبور ذاتها من خصوصيتها إلى دلالة جمعية على المستوى الثقافي، فضلاً عن تبدل داخلي ثالث هو تعبيرها عن جنس المرأة عامة، عبر اشتراكها معهن في أغلب جوانب المعاناة والتعرض لكوابح، وإن جرى ذلك بدرجات متفاوتة أحياناً.
ويتناول الكاتب نماذج من الكتابة السير ذاتية النسوية، فتحت عنوان "نازك الملائكة: اللمحات المهربة من سيرة لا مدونة" يقول الكاتب: تحت عنوان مراوغ تتخفى نازك الملائكة، وتهرب من السيرة إلى ما تسميه "لمحات من سيرة حياتي وثقافتي"، يبدو أنها كتبتها استجابة لطلبات بعض الباحثين، ومن قراءة اللمحات السريعة نعلم أن الشاعرة توقفت عند مطلع السبعينيات، وهو عام مطولتها الشعرية "مأساة الحياة وأغنية للإنسان".
وبعد التعرض للعديد من النماذج الذاتية، يرى الكاتب، وجود مفردات مشتركة في السير والشهادات والرسائل تتركز حول البيت (المنزل) كمكان والطفولة كزمان، وهما يشكلان أساس الوعي بالذات، والانتباه إلى القمع والمنع والحجز أو الفصل الجنسي غالباً، كما شكلت الأسرة (الأم، الأب، الزوج، الأخ…) رمزاً تظهر من خلالها تلك الأساليب القهرية التي لا يتوقف ضررها عند فرض خطاب الرجل (الذكر) فحسب، بل في تسلل المفردات هذا الخطاب إلى اللغة ذاتها، ولغة المرأة الكاتبة في أحيان كثيرة.
لقد كان على النساء (كاتبات وقارئات) أن يسجن ضد التيار دائماً منذ مقولة أرسطو عن الأنثى، التي هي عنده أنثى بما تفتقر إليه من خصائص، وليس بما لديها من مزايا، ومقولة توما الأكويني: أن المرأة رجل ناقص، وتصنيفه للشكل كمذكر وللمادة كمؤنث، ينطبع عليها شكل العقل المقدس المذكر.
• من المماثلة إلى المطابقة – السيرة والرواية
كثيراً ما أغرى النقاد والباحثين ضعف الحدود بين الأنواع والأجناس الأدبية أو زوالها تماماً تحت مسميات حداثية (كالنص) و(النص المفتوح) و(العمل) و(الكتابة)، فذهبوا إلى تفريعات إجناسية وتنوعات ساهمت في زيادة البلبلة على مستوى التلقي، ومن أبرز الأمثلة التي نحن بصددها في بحثنا الخلط بين السيرة الذاتية والرواية المكتوبة بضمير المتكلم، حيث يتوهم الدارسون وجود نوع روائي أسموه (رواية السيرة الذاتية) احتكاماً إلى موقع الراوي وضمير السرد.
في هذا الصدد يفرق فيليب لوجون بين خاصتين فنيتين مهمتين هما: (التطابق) المتحقق في ميثاق أو عقد السيرة الذاتية و(التشابه) أو التماثل المتفاوت الدرجة في الرواية، وإذا كانت (المطابقة) تجعل التساوي ممكناً بين المؤلف والسارد والكائن السيري، فإن (المشابهة) في العمل الروائي تمنع الإحالة إلى سارد سيري أو كائن يروي قصة حياته لسببين مهمين: الفضاء التخييلي في العمل الروائي الذي يباعد المطابقة المفترضة في السيرة الذاتية، ويضع على مستوى التلقي عالماً متخيلاً تبتعد عنه (الذات) الساردة عن ماضيها الذي يرغب المتلقي في معرفته، والسبب الثاني هو المثال أو النموذج الذي تحيل إليه الرواية، والذي يأخذ شكلاً تعميمياً يباعد بين خصوصية (الذات) والشخصية الروائية الساردة.
وتواصلاً مع تفحصنا للنماذج السردية المترددة بين السيرة الذاتية والسرد الروائي الخالص سنقف عند العمل الأخير للكاتب عبدالستار ناصر "على فراش الموز" المقدم للقارئ بكونه "رواية" كما نص غلاف الكاتب، وكذلك قول الكاتب في الكلمة الأولى من مقدمته "هذه الرواية خرجت من مذكراتي التي لم أكتبها بعد"، ولكي لا يتنبه القارئ لمفارقة أو استحالة خروج النص من عدم أو متن لم يدون بعد، يستدرك عبدالستار بالقول: إن تلك المذكرات غير المدونة "كانت تحيا في ذاكرتي، وعاشت معي في كل مكان مضيت إليه"، فهل يكف هذا الاعتراف والاستدراك لإقناعنا أن العمل لن يقع ضحية الهوية الإجناسية: سيرة/ رواية/ سيرة روائية/ رواية سيرة؟
وينقلنا الكاتب إلى العمل الأخير للكاتب محمود عيسى موسى "بيضة العقرب"، قائلاً: فهو يزاوج الرواية والسيرة، ولكن بعامل الإضافة متخلصاً من الإحراج الإجناسي، أي: هل نقرأ عمله كرواية أمام سيرة ذاتية؟ تخيل سردي مختلف أم شهادة على أحداث شخصية يريد روايتها؟ فيصف عمله بأنه رواية لسيرة موصوفة بأنها (سرطانية)، إشارة إلى تحديد أحداث هذه السيرة المروية بمرض السرطان، الذي أصاب الكاتب وعانى منه لسنوات انتهت بالشفاء كما يحدثنا في سيرته.
ثمة حقيقتان أساسيتان تستدعيهما قراءة "بيضة العقرب": الأولى: (شكلية) تتعلق بنص السيرة الذاتية، وقيامه على حقيقة وقعت للكاتب الذي يحضر كراوٍ وسارد مشارك دائماً، باعتبار أن الأحداث تعود إليه كشخص وليس كشخصية روائية فنقرأ اسمه الثلاثي وأسماء أصدقائه، أما الحقيقة الثانية فهي حول المرض كواقعة جسدية حياتية، وإحكام تحويله إلى عمل فني أو أدبي، دون أن يفقد العمل مواصفاته واشتراطاته الفنية.
لقد كان المرض موضوعاً خارجياً يوصف ويعرف، وخاصة من طرف الشعراء الذين يكثفون أو يقطرون تجاربهم تلك في قصائد حزينة لا يسمح منظورها باكتشاف مفردات خاصة بهم إلا نادراً، وهكذا تحولت ساعات الألم وأيامه وسنواته إلى سرد ذكي مفصل ودقيق في "بيضة العقرب"، جعلت القارئ يعايش الكاتب ويقاسمه آلامه بل يقتسمها متساوية معه، وهو يحس مقاومته وضعفه، سقمه وصحته، يأسه وأمله، وأخيراً انتصاره على السرطان، والأهم من ذلك كله كيفية احتواء تجربة المرض وتدوين آلامها وعنائها، لتصبح وثيقة على قدرة الإنسان وقوته وإصراره ومقاومته.
يذكر أن كتاب "البوح والترميز القهري" للكاتب حاتم الصكر. صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بالقاهرة، ويقع في نحو 191 صفحة من القطع الكبير. (خدمة وكالة الصحافة العربية)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.