غدًا.. (البحوث الإسلامية) يعقد اللقاء ال21 مِن فعاليَّات مبادرة (معًا لمواجهة الإلحاد)    حزب إرادة جيل يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بذكرى ثورة 23 يوليو    البابا تواضروس يستقبل مجموعة خدام من كنيستنا في نيوكاسل    مؤشرات تنسيق الثانوية العامة 2025 علمي.. كليات ومعاهد تقبل مجموع 50% فقط في 2024    محمد الجالى: توجيهات الرئيس السيسي عن الطاقة استراتيجية للتحول لمركز إقليمى.. وتحقيق الاكتفاء الذاتي يرتبط ب"الأمن القومي"    وزير الخارجية والهجرة يسلم رسالة خطية من فخامة رئيس الجمهورية الى رئيس جمهورية النيجر    «أجبرتها على التراجع».. مروحية إيرانية تتصدى لمدمرة أمريكية في المياه الإقليمية    صلاح عبدالعاطي: إسرائيل تستخدم المفاوضات غطاءً لإطالة أمد الحرب وفرض ترتيبات قسرية    أوكرانيا وروسيا تستعدان لإجراء محادثات سلام في تركيا    تشكيل الزمالك في الموسم الجديد.. غموض وأزمة في الظهيرين (تفاصيل)    أرسنال يهزم ميلان في مباراة ودية بسنغافورة    علي معلول يوقع على عقود انضمامه إلى ناديه الجديد    الرابط المعتمد لنتيجة الثانوية الأزهرية 2025.. استعلم عبر بوابة الأزهر الشريف برقم الجلوس (فور ظهورها)    محمد رياض: نبحث عن تيارات فكرية جديدة في الكتابة المسرحية    "شفتشي" ثاني أغنيات الوش الثاني من "بيستهبل" ل أحمد سعد    خلال استقبال مساعد وزير الصحة.. محافظ أسوان: التأمين الشامل ساهم في تطوير الصروح الطبية    بالأسماء.. رئيس أمناء جامعة بنها الأهلية يُصدر 9 قرارات بتعيين قيادات جامعية جديدة    منهم برج الدلو والحوت.. الأبراج الأكثر حظًا في الحياة العاطفية في شهر أغسطس 2025    متحدث الوزراء يكشف السبب الرئيسي وراء تأجيل احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير    وزير الدفاع يكرم أصحاب الإنجازات الرياضية من أبناء القوات المسلحة (تفاصيل)    ماذا يحدث لجسمك عند تناول السلمون نيئًا؟    بعد تراجع 408.. تعرف على أسعار جميع سيارات بيجو موديل 2026 بمصر    من الارتفاع إلى الهبوط.. قراءة في أداء سهم "بنيان" في ثاني يوم تداول بالبورصة    خادم الحرمين وولى العهد السعودى يهنئان الرئيس السيسى بذكرى ثورة 23 يوليو    القاهرة والرياض تبحثان مستجدات الأوضاع بالبحر الأحمر    حمدى رزق يكتب: الحبُ للحبيبِ الأوَّلِ    برلين تمهد الطريق أمام تصدير مقاتلات يوروفايتر لتركيا    ليفربول يوقع عقد احتراف مع اللاعب المصري كريم أحمد    113 شهيدًا في قطاع غزة خلال 24 ساعة    محادثات اقتصادية وتجارية بين الصين والولايات المتحدة.. على أساس مبادئ الاحترام المتبادل    «اتصرف غلط».. نجم الأهلي السابق يعلق على أزمة وسام أبو علي ويختار أفضل بديل    فسخ العقود وإنذارات للمتأخرين.. ماذا يحدث في تقنين أراضي أملاك الدولة بقنا؟    خطة استثمارية ب100 مليون دولار.. «البترول» و«دانة غاز» تعلنان نتائج بئر «بيجونيا-2» بإنتاج 9 مليارات قدم    تحرير 7 محاضر لأصحاب أنشطة تجارية في حملة تموينية بالعاشر من رمضان    «فتحنا القبر 6 مرات في أسبوعين».. أهالي قرية دلجا بالمنيا يطالبون بتفسير وفاة أطفال «الأسرة المكلومة»    ب2.5 مليون.. افتتاح أعمال رفع كفاءة وحدة الأشعة بمستشفى فاقوس في الشرقية (تفاصيل)    لماذا لا ينخفض ضغط الدم رغم تناول العلاج؟.. 9 أسباب وراء تلك المشكلة    «ادهشيهم في الساحل الشرير».. حضري «الكشري» في حلة واحدة لغذاء مميز (المكونات والطريقة)    رضا البحراوي يمازح طلاب الثانوية العامة    "المطورين العقاريين" تطالب بحوار عاجل بشأن قرار إلغاء تخصيص الأراضي    طرح إعلان فيلم Giant لأمير المصري تمهيدا لعرضه عالميا    الأهلي يترقب انتعاش خزينته ب 5.5 مليون دولار خلال ساعات    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    أمين الفتوى: الشبكة جزء من المهر والأصل أن تعود للخاطب عند فسخ الخطبة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم نتمنى ان نكون مثلكم ?!    فيريرا يركز على الجوانب الفنية في مران الزمالك الصباحي    تباين أداء مؤشرات البورصة في منتصف تعاملات اليوم    وفاة شخصين متأثرين بإصابتهما في حادث تصادم سيارتين بقنا    أسرة مريم الخامس أدبي تستقبل نتيجتها بالزغاريد في دمياط    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    بالفيديو.. الأرصاد: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد حتى منتصف الأسبوع المقبل    "الأعلى للإعلام" يُوقف مها الصغير ويحيلها للنيابة بتهمة التعدي على الملكية الفكرية    الرئيس السيسي: هذا الوطن قادر بأبنائه على تجاوز التحديات والصعاب    البنك الزراعي المصري يبحث تعزيز التعاون مع اتحاد نقابات جنوب إفريقيا    رئيس الوزراء يتفقد موقع إنشاء المحطة النووية بالضبعة    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    خلال فترة التدريب.. مندوب نقل أموال ينهب ماكينات ATM بشبرا الخيمة    حريق يلتهم محلين تجاريين وشقة في أسيوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زهور كرام : الكتابة قدرنا وتدفعنا إلى اختراق جغرافيات مجهولة
نشر في صوت البلد يوم 13 - 02 - 2016

نظمت مندوبية وزارة الثقافة وفرع اتحاد كتاب المغرب بطنجة لقاء الشهر في إطار سنة الأديب عبدالقادر السميحي ندوة نقدية خصصت لتجربة الأكاديمية والروائية د. زهور كرام في النقد والإبداع، وذلك بمشاركة نخبة من الباحثين المغاربة، وبحضور لافت ونوعي لعدد من النقاد والأكاديميين والمبدعين والإعلاميين.
وقد افتتحت هذه الندوة النقدية الذي أدارها باقتدار الكاتب المسرحي الزبير بن بوشتى بمداخلة الأكاديمي والأديب د. عبدالرحيم جيران وسمها ب "فتنة السؤال النقدي في كتاب (الرواية العربية وزمن التكون)" أشار فيها بداية إلى أن الباحثة زهور كرام نهجت نهجا مغايرا في مقاربة النقد وفق هاجس التفكر والسؤال في ما صار مندرجا في عداد البداهة الفكرية في صدد قضايا أدبية لم يفكر فيها بروية وتأن وفي مقدمتها تكون الرواية العربية، والخلفيات المعرفية التي تخفت وراءها، متخذا شكل المحاورة معتبرا أن الطرح النظري الذي تدشنه زهور كرام من خلال الإقرار بأن مفهوم البداية في هيئته المتعددة (البدايات) هو الأنسب في تفكر تكوين الرواية العربية. وهو الذي يشتغل خلف المتن الروائي الذي ارتأت الناقدة مقاربته.
وأشار إلى ضرورة توسيع مفهوم البدايات بما يسمح فهم التكون في صيرورته المعقدة. فمن دون أخذ بعين المراعاة تغير سياق التفكر ذاته لا يتحقق فهم مفهوم البدايات ذاته، والمقصود بذلك أن البدايات يُعاد تكوينها في الزمن، ويُعاد معها بناء تكوين الرواية، وفق تغير أجهزة القراءة والفهم.
ولعل هذا ينعكس على مفهوم البداية وموضعتها زمنيا ومعرفيا، بحيث لا تكون البداية منحصرة في ظهور هذا النص الروائي أو ذاك، بقدر ما تصير بداية جديدة مختلفة قائمة على التجديل بين بداية النص المرتبطة بزمن إنتاجه وبداية اكتشافه في زمن قراءة لاحق يخالف زمن القراءة المزامن لزمن الكتابة.
لينتهي إلى خلاصة مهمة تتمثل في كون الرواية في العالم العربي متعددة من حيث بدايتها، وهذا التعدد هو ما يمنحها خصوصيتها الجمالية، وإذ تقرر الباحثة هذا التعدد لا تلغي أبدا وحدتها، ويمثل هذا الأمر في خضوعها لمبدأ في التكون قد يكون واحدا، ألا وهو كونها انكتبت انطلاقا من الصدمة التي تعرض لها العالم العربي نتيجة استيقاظه على عالم الغير المتقدم، وهيمنته السياسية والفكرية والإبداعية.
وانطلق د. عبداللطيف الزكري في مداخلته "انبثاقات الحياة في (مولد الروح) للقاصة زهور كرام" من النظيمة التيماتية التي قوامها الانبثاق بعد الغياب، والالتماع بعد الانطفاء، والحياة بعد الموت، وكأن هذه القصص – يضيف الباحث - ترحل بنا في ملكوت الجمال الذي تصنعه قصص المجموعة بأوليات الحضور بعد الغياب، التجلي بعد البدد، وهي قصص تبدأ بالومض وتنتهي بمولد الروح، وما يقع بينهما لا يعدو أن يكون انبثاقا عنهما: عن الومض والميلاد. وفي هذا البناء المضيء تتشابك قصص زهور كرام مع الحياة، وتعيد الاعتبار للقصة، كجنس أدبي مفعم بالإثارة والوهج لا يقل في ذلك عن البناءات الفنية الروائية.
فالقاصة زهور كرام تدخلنا - حسب الزكري - في عالم الحياة السرية، لنطلع على الخبئ والخفي والكامن والهارب، وهكذا تستمر القصة الأولى في حكيها. وهذا الشك الذي تبثه الروح الولهانة المكلومة، إنما هو شك في حقيقة الحياة ذاتها وكذا تضحي الرغبة المتحققة والحياة المتدفقة صنوان متلازمان، يشفان عن وجود مضيء بعد غياب معتم "كأنه خرج من مغارة"، هكذا تصبح للكينونة هويتها بما تناله من الحياة، هذا الذي يهرب وينفلت ويعبر كأنه الومض، وعند الإمساك به – فقط - تتحقق الكينونة، ويحدث الإشباع وتصبح الشخوص القصصية في وجود وامتلاء ممثلا بقصة "حديث الموت" التي تبادر فيها الساردة "البطلة" إلى اجتراح الحياة، حبا منها للحياة، ومبادرة إلى بث القوة في الإنسان، وفي محبته لما يربطه بهذه الحياة، بالرجل "زوجها".
القاصة حققت قيمة جمالية لا يملكها إلا القاصون المبدعون الملمون بقضايا الوجود الكبرى، ومنها قضية الموت، الذي لامسته زهور كرام في هذه القصة؛ فكشفت عن عرامة محبتها للحياة بكل شجونها وآلامها؛ لأن الحياة ومضة أو شعلة مضيئة، لا بد من استمرار ضيائها مهما أحاطنا الآخرون ب "حديث الموت" ومهما ألقى هذا "الموت" غلالته علينا ليكفننا ونحن لما نحن نزل أحياء، ففي حياة الناس قصص منثورة، شبيهة بالقصص المكتوبة.
لقد بادرت زهور كرام في قصة "حديث الموت" إلى ملامسة قضية من أعقد القضايا في التراث الإنساني كلها؛ هي قضية "الموت" بطريقة فنية بارعة، قائمة على الإيماء والتلميح والإضاءة لما هو معتم في أغوار النفس، وبذلك منحت لهذه التيمة الأساس دلالة.
إن الموت قد تلبس الساردة فأضحت تسمعه في أحاديث الناس- الأصدقاء - وعند سكرتيرة الطبيب حتى كأنه الكابوس يجثم على الروح، لكن الروح القوية بمبادرتها وإرادتها تنتصر، وفي انتصارها انتصار للحياة ذاتها.
مداخلة د. حسن اليملاحي اختار أن يقارب كتاب "خطاب ربات الخدور" مبرزا أن الكتاب يتوزع إلى فصلين: زينب فواز أنطولوجيا الحضور النسائي، ومظاهر تكون النص النسائي المغربي، حيث يتناول الذات المنتجة للخطاب وليس المرأة.
وبهذا المعنى تكون زهور كرام قد اجترحت لنفسها موضوعا مختلفا عن الموضوعات التي تتخذ من المرأة أفقا للاشتغال والتناول، ومن وجهة نظر التناول بين الباحث أن الكتاب يكشف عن تصورات الفنية والموضوعاتية والفكرية التي حفلت بها كتابات المرأة، إلى جانب الكشف عن المساهمة الرمزية للمرأة في بناء صرح الثقافة العربية الحديثة.
ولتحقيق هذا الرهان، اختارت الباحثة بعناية العينات التالية: أنطولوجيا زينب فواز العاملي، منظور الحقول غب المطر لأمينة اللوه، مأساة من مآسينا الاجتماعية لمليكة الفاسي، الأقصوصة لأمينة اللوه، غدا تتبدل الأرض لفاطمة الراوي.
وقد سعت الباحثة إلى الحفر في هذا المنتوج مبرزة أسئلته المفصلية وخصائصه الجمالية والفكرية التي اكتنزها، حيث يذهب الباحث إلى أن الدكتورة زهور كرام توسلت بجملة من المناهج في مقاربتها لأنطولوجيا زينب فواز العاملي، ويبدو أن طبيعة المادة التي اشتغلت عليها الباحثة هي من كانت وراء هذا الاختيار.
وهكذا فقد قرأت العنوان دلاليا وانتقلت للحديث عن سياق تأليف الكتاب، كما توقفت عند موضوعات وتلقي الأنطولوجيا بنوعيه الذكوري والنسائي، إلى جانب هذا، كشفت الباحثة عن البعد البيداغوجي في كتاب زينب فواز العاملي.
ويبدو أن الجمع بين هذه المناهج قد أسعف زهور كرام على الإمساك بكل دلالات وعناصر ومكونات الأنطولوجيا. أما بالنسبة لنص أمينة اللوه، فيلاحظ أن الجهد القرائي للباحثة تركز على البناء الفني. وهو كما هو معلوم مجموع العناصر التي تقوم عليها القصة.
وهكذا تناولت بالدراسة زهور الشخصية واللغة والوصف والحوار والتناص. وبالانتقال إلى نص فاطمة الراوي، فإن زهور تناولت بالقراءة هذا المتن السردي من داخل ما هو موضوعاتي ودلالي وأسلوبي ومعجمي.
إن كتاب" خطاب ربات الخدور" مقاربة في القول النسائي والعربي مقاربة نقدية رصينة لتجربتين عربيتين تختلفان من حيث المتن وشروط الإنتاج. وعلى الرغم من هذا الاختلاف الذي يوحدهما، فإنهما من الأعمال التي تكشف عن مشاركة المرأة في بناء صرح خطاب يروم النهوض بالحضارة الإنسانية من خلال رؤيا مغايرة للعالم.
وسعيا من زهور كرام للكشف عن هذه الرؤيا، تأتي هذه المقاربة القائمة على التحديد المنهجي، وعبرت الأكاديمية والروائية د. زهور كرام في كلمتها عن شكرها للمندوبية الإقليمية لوزارة الثقافة بطنجة، وفرع اتحاد كتاب المغرب بطنجة لاحتضانهما لهذا اللقاء، والسهر على إنجاحه، كما شكرت الحضور الجميل من كتاب ومثقفين وإعلامين وطلبة، كما عبرت عن سعادتها بحضورها إلى مدينة طنجة بما تعنيه من عمق تاريخي وحضاري، واعتبرت أن الكتابة نعمة؛ لأنها تسوقنا عبر وسيط الجمالية؛ وهذه الجمالية تجعلنا نسافر سفرا روحيا يتحقق بالكلمة ليعانق الآخر في تعدده الذي يواجه الكتابة بأسئلته، وهي الأسئلة التي تمكننا من الاستمرار في العالم.
إن الكتابة قدرنا وتدفعنا إلى اختراق جغرافيات مجهولة آهلة بالسؤال، وكلما اكتشفنا سؤالا فثمة قارئ يترصد وينتظر، والوجه الثاني من الكتابة يرتبط بالقراءة، فالقراءة الواعية والمنتظمة تجعل من الكتابة مسؤولية، وتستعيد زهور كرام مكتبتها التي تكتنز تاريخ الكتابة وأسئلته؛ فهي تؤرخ للحرف؛ لأنها دأبت على تدوين ملاحظات على الأعمال التي قرأتها، ومن ثمة يصير مفهوم المكتبة لديها لصيقا بمراحل تكوُّنها إبداعيا ونقديا؛ لأن كل كتاب يرمز إلى لحظة تاريخية معينة، مما يجعلها تنتمي إلى الكتابة لذلك عقدت زهور مع نفسها اتفاقا بعدم تزييفها مادامت الكتابة قادرة على تمثل ذاتها، والعالم وتسمح لها بإدراك كينونتها. وقد ميزت زهور كرام بين الإبداع الذي تكتبه كحالة مخاض تجترحها من دون الوعي بالنظريات والمفاهيم؛ لأنها حالة وجودية تنبني على الامتلاء والتفريغ؛ فهي تفكر فقط في نثرها، بينما الكتابة النقدية تتحكم فيها المقصدية، وتقوم على الحفر في ما تحجبه الألفة عنا.
نظمت مندوبية وزارة الثقافة وفرع اتحاد كتاب المغرب بطنجة لقاء الشهر في إطار سنة الأديب عبدالقادر السميحي ندوة نقدية خصصت لتجربة الأكاديمية والروائية د. زهور كرام في النقد والإبداع، وذلك بمشاركة نخبة من الباحثين المغاربة، وبحضور لافت ونوعي لعدد من النقاد والأكاديميين والمبدعين والإعلاميين.
وقد افتتحت هذه الندوة النقدية الذي أدارها باقتدار الكاتب المسرحي الزبير بن بوشتى بمداخلة الأكاديمي والأديب د. عبدالرحيم جيران وسمها ب "فتنة السؤال النقدي في كتاب (الرواية العربية وزمن التكون)" أشار فيها بداية إلى أن الباحثة زهور كرام نهجت نهجا مغايرا في مقاربة النقد وفق هاجس التفكر والسؤال في ما صار مندرجا في عداد البداهة الفكرية في صدد قضايا أدبية لم يفكر فيها بروية وتأن وفي مقدمتها تكون الرواية العربية، والخلفيات المعرفية التي تخفت وراءها، متخذا شكل المحاورة معتبرا أن الطرح النظري الذي تدشنه زهور كرام من خلال الإقرار بأن مفهوم البداية في هيئته المتعددة (البدايات) هو الأنسب في تفكر تكوين الرواية العربية. وهو الذي يشتغل خلف المتن الروائي الذي ارتأت الناقدة مقاربته.
وأشار إلى ضرورة توسيع مفهوم البدايات بما يسمح فهم التكون في صيرورته المعقدة. فمن دون أخذ بعين المراعاة تغير سياق التفكر ذاته لا يتحقق فهم مفهوم البدايات ذاته، والمقصود بذلك أن البدايات يُعاد تكوينها في الزمن، ويُعاد معها بناء تكوين الرواية، وفق تغير أجهزة القراءة والفهم.
ولعل هذا ينعكس على مفهوم البداية وموضعتها زمنيا ومعرفيا، بحيث لا تكون البداية منحصرة في ظهور هذا النص الروائي أو ذاك، بقدر ما تصير بداية جديدة مختلفة قائمة على التجديل بين بداية النص المرتبطة بزمن إنتاجه وبداية اكتشافه في زمن قراءة لاحق يخالف زمن القراءة المزامن لزمن الكتابة.
لينتهي إلى خلاصة مهمة تتمثل في كون الرواية في العالم العربي متعددة من حيث بدايتها، وهذا التعدد هو ما يمنحها خصوصيتها الجمالية، وإذ تقرر الباحثة هذا التعدد لا تلغي أبدا وحدتها، ويمثل هذا الأمر في خضوعها لمبدأ في التكون قد يكون واحدا، ألا وهو كونها انكتبت انطلاقا من الصدمة التي تعرض لها العالم العربي نتيجة استيقاظه على عالم الغير المتقدم، وهيمنته السياسية والفكرية والإبداعية.
وانطلق د. عبداللطيف الزكري في مداخلته "انبثاقات الحياة في (مولد الروح) للقاصة زهور كرام" من النظيمة التيماتية التي قوامها الانبثاق بعد الغياب، والالتماع بعد الانطفاء، والحياة بعد الموت، وكأن هذه القصص – يضيف الباحث - ترحل بنا في ملكوت الجمال الذي تصنعه قصص المجموعة بأوليات الحضور بعد الغياب، التجلي بعد البدد، وهي قصص تبدأ بالومض وتنتهي بمولد الروح، وما يقع بينهما لا يعدو أن يكون انبثاقا عنهما: عن الومض والميلاد. وفي هذا البناء المضيء تتشابك قصص زهور كرام مع الحياة، وتعيد الاعتبار للقصة، كجنس أدبي مفعم بالإثارة والوهج لا يقل في ذلك عن البناءات الفنية الروائية.
فالقاصة زهور كرام تدخلنا - حسب الزكري - في عالم الحياة السرية، لنطلع على الخبئ والخفي والكامن والهارب، وهكذا تستمر القصة الأولى في حكيها. وهذا الشك الذي تبثه الروح الولهانة المكلومة، إنما هو شك في حقيقة الحياة ذاتها وكذا تضحي الرغبة المتحققة والحياة المتدفقة صنوان متلازمان، يشفان عن وجود مضيء بعد غياب معتم "كأنه خرج من مغارة"، هكذا تصبح للكينونة هويتها بما تناله من الحياة، هذا الذي يهرب وينفلت ويعبر كأنه الومض، وعند الإمساك به – فقط - تتحقق الكينونة، ويحدث الإشباع وتصبح الشخوص القصصية في وجود وامتلاء ممثلا بقصة "حديث الموت" التي تبادر فيها الساردة "البطلة" إلى اجتراح الحياة، حبا منها للحياة، ومبادرة إلى بث القوة في الإنسان، وفي محبته لما يربطه بهذه الحياة، بالرجل "زوجها".
القاصة حققت قيمة جمالية لا يملكها إلا القاصون المبدعون الملمون بقضايا الوجود الكبرى، ومنها قضية الموت، الذي لامسته زهور كرام في هذه القصة؛ فكشفت عن عرامة محبتها للحياة بكل شجونها وآلامها؛ لأن الحياة ومضة أو شعلة مضيئة، لا بد من استمرار ضيائها مهما أحاطنا الآخرون ب "حديث الموت" ومهما ألقى هذا "الموت" غلالته علينا ليكفننا ونحن لما نحن نزل أحياء، ففي حياة الناس قصص منثورة، شبيهة بالقصص المكتوبة.
لقد بادرت زهور كرام في قصة "حديث الموت" إلى ملامسة قضية من أعقد القضايا في التراث الإنساني كلها؛ هي قضية "الموت" بطريقة فنية بارعة، قائمة على الإيماء والتلميح والإضاءة لما هو معتم في أغوار النفس، وبذلك منحت لهذه التيمة الأساس دلالة.
إن الموت قد تلبس الساردة فأضحت تسمعه في أحاديث الناس- الأصدقاء - وعند سكرتيرة الطبيب حتى كأنه الكابوس يجثم على الروح، لكن الروح القوية بمبادرتها وإرادتها تنتصر، وفي انتصارها انتصار للحياة ذاتها.
مداخلة د. حسن اليملاحي اختار أن يقارب كتاب "خطاب ربات الخدور" مبرزا أن الكتاب يتوزع إلى فصلين: زينب فواز أنطولوجيا الحضور النسائي، ومظاهر تكون النص النسائي المغربي، حيث يتناول الذات المنتجة للخطاب وليس المرأة.
وبهذا المعنى تكون زهور كرام قد اجترحت لنفسها موضوعا مختلفا عن الموضوعات التي تتخذ من المرأة أفقا للاشتغال والتناول، ومن وجهة نظر التناول بين الباحث أن الكتاب يكشف عن تصورات الفنية والموضوعاتية والفكرية التي حفلت بها كتابات المرأة، إلى جانب الكشف عن المساهمة الرمزية للمرأة في بناء صرح الثقافة العربية الحديثة.
ولتحقيق هذا الرهان، اختارت الباحثة بعناية العينات التالية: أنطولوجيا زينب فواز العاملي، منظور الحقول غب المطر لأمينة اللوه، مأساة من مآسينا الاجتماعية لمليكة الفاسي، الأقصوصة لأمينة اللوه، غدا تتبدل الأرض لفاطمة الراوي.
وقد سعت الباحثة إلى الحفر في هذا المنتوج مبرزة أسئلته المفصلية وخصائصه الجمالية والفكرية التي اكتنزها، حيث يذهب الباحث إلى أن الدكتورة زهور كرام توسلت بجملة من المناهج في مقاربتها لأنطولوجيا زينب فواز العاملي، ويبدو أن طبيعة المادة التي اشتغلت عليها الباحثة هي من كانت وراء هذا الاختيار.
وهكذا فقد قرأت العنوان دلاليا وانتقلت للحديث عن سياق تأليف الكتاب، كما توقفت عند موضوعات وتلقي الأنطولوجيا بنوعيه الذكوري والنسائي، إلى جانب هذا، كشفت الباحثة عن البعد البيداغوجي في كتاب زينب فواز العاملي.
ويبدو أن الجمع بين هذه المناهج قد أسعف زهور كرام على الإمساك بكل دلالات وعناصر ومكونات الأنطولوجيا. أما بالنسبة لنص أمينة اللوه، فيلاحظ أن الجهد القرائي للباحثة تركز على البناء الفني. وهو كما هو معلوم مجموع العناصر التي تقوم عليها القصة.
وهكذا تناولت بالدراسة زهور الشخصية واللغة والوصف والحوار والتناص. وبالانتقال إلى نص فاطمة الراوي، فإن زهور تناولت بالقراءة هذا المتن السردي من داخل ما هو موضوعاتي ودلالي وأسلوبي ومعجمي.
إن كتاب" خطاب ربات الخدور" مقاربة في القول النسائي والعربي مقاربة نقدية رصينة لتجربتين عربيتين تختلفان من حيث المتن وشروط الإنتاج. وعلى الرغم من هذا الاختلاف الذي يوحدهما، فإنهما من الأعمال التي تكشف عن مشاركة المرأة في بناء صرح خطاب يروم النهوض بالحضارة الإنسانية من خلال رؤيا مغايرة للعالم.
وسعيا من زهور كرام للكشف عن هذه الرؤيا، تأتي هذه المقاربة القائمة على التحديد المنهجي، وعبرت الأكاديمية والروائية د. زهور كرام في كلمتها عن شكرها للمندوبية الإقليمية لوزارة الثقافة بطنجة، وفرع اتحاد كتاب المغرب بطنجة لاحتضانهما لهذا اللقاء، والسهر على إنجاحه، كما شكرت الحضور الجميل من كتاب ومثقفين وإعلامين وطلبة، كما عبرت عن سعادتها بحضورها إلى مدينة طنجة بما تعنيه من عمق تاريخي وحضاري، واعتبرت أن الكتابة نعمة؛ لأنها تسوقنا عبر وسيط الجمالية؛ وهذه الجمالية تجعلنا نسافر سفرا روحيا يتحقق بالكلمة ليعانق الآخر في تعدده الذي يواجه الكتابة بأسئلته، وهي الأسئلة التي تمكننا من الاستمرار في العالم.
إن الكتابة قدرنا وتدفعنا إلى اختراق جغرافيات مجهولة آهلة بالسؤال، وكلما اكتشفنا سؤالا فثمة قارئ يترصد وينتظر، والوجه الثاني من الكتابة يرتبط بالقراءة، فالقراءة الواعية والمنتظمة تجعل من الكتابة مسؤولية، وتستعيد زهور كرام مكتبتها التي تكتنز تاريخ الكتابة وأسئلته؛ فهي تؤرخ للحرف؛ لأنها دأبت على تدوين ملاحظات على الأعمال التي قرأتها، ومن ثمة يصير مفهوم المكتبة لديها لصيقا بمراحل تكوُّنها إبداعيا ونقديا؛ لأن كل كتاب يرمز إلى لحظة تاريخية معينة، مما يجعلها تنتمي إلى الكتابة لذلك عقدت زهور مع نفسها اتفاقا بعدم تزييفها مادامت الكتابة قادرة على تمثل ذاتها، والعالم وتسمح لها بإدراك كينونتها. وقد ميزت زهور كرام بين الإبداع الذي تكتبه كحالة مخاض تجترحها من دون الوعي بالنظريات والمفاهيم؛ لأنها حالة وجودية تنبني على الامتلاء والتفريغ؛ فهي تفكر فقط في نثرها، بينما الكتابة النقدية تتحكم فيها المقصدية، وتقوم على الحفر في ما تحجبه الألفة عنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.