أما هم فتعصرهم مرارة الشكوي من السماسرة ومكاتب التنفيذ التي تتاجر بصمتهم أمام الكامير وتمتص دمهم، وأحيانًا تنصب عليهم. إنهم حرافيش جمهورية الفن.. الكومبارس الذين لا مأوي لهم سوي "قهوة بعرة" العاصمة غير الرسمية وغير المعلنة وهوليوود الفن الصامت. يقول أحمد جمال من كفر شكر - بنها: دفعتني معاملة زوجة والدي إلي ترك المنزل والتضحية "بدفتر البوستة" وساقتني أقدامي إلي " قهوة بعرة" التي تخيلتها في البدء الدرجات الأولي في سلم المجد والشهرة.. والآن وبعد أكثر من سنة ونصف السنة متنقلاً من ريجي لمكتب السمسار ومن بلاتوه الاستديو لمدن إنتاج لم أحصد مالاً أو شهرة، فالسماسرة يتاجرون بنا ويخطفون الجمل الحوارية لأنفسهم ولأحبائهم.. وهآنذا لا أملك إلا فك الخط واسمًا لم يشتهر إلا في "دولة الأنا" وصورة تجمعني مع الفنانة دنيا سمير غانم هي كل ما تبقي من حلم المجد والشهرة. اسمه عامر عبده وشهرته شيكو، يحب أن يذكر الناس بالمشهد الأخير في فيلم "سواق الأتوبيس" فهو الحرامي الذي طارده الفنان نور الشريف في آخر الفيلم كي يعطي دلالة ومعني حسب قصد المخرج صلاح أبو سيف.. إلا أنه وكما يقول: كثيرًا ما أنهيت أفلامًا وأكثر منها ما بدأت، إلا أن جميعها لم تشفع لي عند المخرجين والمنتجين.. أكثر من 25 سنة في المهنة ولا جديد إلا من إحباط دفعني لأكون "سمسارًا" وكل ما نرجوه أن تساعدنا النقابة علي تكوين رابطة أو جمعية خاصة بالكومبارس وتكون مهمتها حماية المهنة من الدخلاء وتدبير معاش وتأمين صحي لكبار السن الذين أفنوا عمرهم حبًا في التمثيل. عم صابر واحد من الذين يجمع في تكوينه بين خصال التجار وأوجاع الكومبارس.. كان في الماضي القريب تاجرًا وأبًا لثمانية أولاد فجاءته إحدي ضربات السوق فأخذت كل ماله وتركت في عنقه الأبناء وسبعين عامًا لم يجن من ورائهم إلا عزة النفس التي منعته من أن يعمل عند أحد التجار.. يقول عم صابر: أعمل كومبارس منذ ثلاثة أعوام ولا أطمع في دور أو حتي جملة.. فيكفيني الصمت أمام الكاميرا، إلا أنني تعبت من معاملة السماسرة وضياع حقوقنا، فالمقابل المادي لا يتعدي خمسة وعشرين جنيهًا فقط.. فهل هذه المكاتب تابعة للنقابة أم لجهاز السينما أم إلي أي جهة بالضبط، وهل نحن كومبارس أم عمال تراحيل؟!! وديع بباوي - المهنة ريجيسير من 22 سنة - هكذا عرف نفسه ولم يعرف الجهة التابع لها أو سبب إصداره كارنيهات بقيمة عشرة جنيهات.. سألناه عن الجهة الفنية التي يتبعها أو كيفية شكره لرجال الشرطة علي تسهيل مهمة حامل الكارنيه؟! وعلي أي أساس يصير كل عابر لشارع زكريا أحمد ممثلاً بالتليفزيون أو السينما؟! وكانت الإجابة صمتًا وهروبًا إلا من مطلب واحد وهو إنشاء نقابة للريجسير والكومبارس حتي نحمي المهنة من الدخلاء ويظهر الغث من الثمين، مضيفًا أن المكاتب وحدها لا تستطيع أن تنظم العملية، فهناك أرباب سوابق ومجرمين اندسوا داخل الكومبارس، مشيرًا إلي أنهم أيضًا ضحايا لهذه العشوائية. فيما يقول محمود وجدي - ريجيسير ورث المهنة عن والده من أكثر من 35 سنة: نحن أول من أصدرنا الكارنيهات لكي نحدد العاملين معنا ونكون مسئولين عنهم أمام الجهات المختصة في وقت ساعات العمل فقط لا غير، بجانب أن مكتبي يحمل ترخيصًا من وزارة الثقافة ومعتمد أيضًا من رقابة المصنفات الفنية وهي مزايا لم تتوفر لبعض المكاتب التي تنصب علي الناس بكارنيهات مزورة وتبيع العمل للسماسرة.. وإن كنت أدون في خانة المهنة "ممثل بالتليفزيون" فهذا لأنني أتعامل فقط مع الإنتاج الحكومي فقط، ونحن ملتزمون بتنفيذ لائحة الأجور المعتمدة من "شركة صوت القاهرة" وهي كالآتي: 30 جنيهًا للرجل "بلدي" و 40 جنيهًا للبنت "بلدي" - 50 جنيهًا للرجل "بدلة" و 75 جنيهًا للبنت "كلاسيك" - 75 جنيهًا للرجل "الأسبور" و 100 جنيه للبنت "السواريه" - 75 جنيهًا للرضيع والمرافق له - بجانب وجبة طعام قيمتها "14 جنيهًا" - ويبقي لي في النهاية "10%" عمولة مخصوم منها "3 %" نسبة توريد (دفعات)، ورفض في النهاية فكرة نقابة الكومبارس، لأن المحاسيب والدخلاء سيستولون عليها. بعد بحث لأكثر من يومين، اهتدينا أخيرًا لنقابة الكومبارس.. وسألنا رئيسها الأستاذ سيد زكي، كيف يطالب الكومبارس بنقابة وهناك نقابة موجودة بالفعل؟! فقال ومكانها معروف للجميع وهي علي مرمي البصر من تجمعهم علي "قهوة بعرة" وكل المطلوب فيش وأربع صور وصورة البطاقة وجواب موجه من جهة العمل واشتراك سنوي قيمته 165 جنيهًا شاملًا العضوية والمعاش والتأمين الصحي وصندوق الزمالة.. إلا أن الناس للأسف تستسهل وتذهب إلي مكاتب مجهولة نقابيا وتكون النتيجة في النهاية كارنيهات نصب وضياع حقوق.. ويضيف أحمد رضوان أمين الصندوق: إن النقابة تابعة لوزارة القوي العاملة والإعلام وتمنح العضوية للعاملين بالصحافة وأقسام الإنتاج والإضاءة والتصوير والأكسسوار والكومبارس.. ولكي يتسق الأمر لابد من شكوي من د. أشرف زكي نقيب الممثلين توجه إلي المصنفات الفنية التي لها الحق في التفتيش علي هذه المكاتب وسير العمل بها. يقول سامي مروان عضو نقابة المهن التمثيلية إن النقابة غير معنية بهذا الموضوع، وعلي المتضرر أن يذهب للجهات المختصة.. فهذه الكارنيهات ما هي إلا وسيلة للربح والنصب ونحن كنقابة لنا أصول في العمل وشروط في منح العضوية مثل خطابات التزكية الموجهة لنا من جهات الإنتاج والمخرجين المعتمدين. نعم هذه المكاتب تابعة لنا.. هكذا قال الأستاذ محمد عليوة مدير عام التفتيش بالرقابة علي المصنفات الفنية.. ولكن من الناحية القانونية بمعني منح التراخيص والتفتيش علي دفاتر الفنانين التابعين للنقابة ومصلحة الضرائب وما شابه ذلك ولكن تصنيف الشخص فنيا إن كان مثلًا أو حتي كومبارس فذاك شأن النقابات المعنية بهذا الأمر، فإذا منحته العضوية أو حتي تصريحًا صنفته أنا كرقابة "فن تمثيل" علي هذا الأساس.. أما دوري كحماية فلابد من شكوي مدفوعة بدليل مادي كي أتحرك، وإن ثبت الاتهام يلغي الترخيص فورًا ويقبض علي أي شخص ينتحل صفة ممثل أو حتي كومبارس لأن لهؤلاء نقابة ولأولئك نقابة يجب طرق أبوابهم أولًا قبل الدخول في العمل الفني، ولن نسمح إطلاقًا بالخروج علي القانون والشرعية. الكاتب الدرامي أسامة أنور عكاشة استنكر علاقة تجمعات المقاهي بالفن والفنانين قائلاً: إن العمل الفني له أصوله وعلمه، والحلم وحده لا يكفي.