فكرت طويلاً في موضوع مقالي الأسبوعي بجريدة صوت البلد ، وكالعادة قفزت إلى رأسي كل الحوادث السياسية والمشاهد المسرحية التي اعتدنا على مشاهدتها والتي لا تخرج عن انفصال المؤسسة الرئاسية عن الشارع المصري، وتقاعس الحكومة الملفت للانتباه في حل أزمات الوطن والمواطن ، واستمرار جماعة الإخوان المسلمين في مسلسلها الديموقراطي والحراك الوهمي نحو النهضة ، وتصريحات جبهة الإنقاذ التي تحتاج إلى إنقاذ سمعتها بين ائتلافات الثوار، وحركات عجيبة وغريبة تطل علينا من الشرفة فور استيقاظنا من النوم كل صباح، وهموم حزبية ستستمر بل وستتزايد طويلا. واكتشفت وأنا أتابع تلك المشاهد المسرحية التي تندرج تحت مظلة الكوميديا السوداء أن أزمة مصر الحالية تتمركز في ضعف قدراتنا في الإدارة. بل وضعف معرافنا ومعلوماتنا عن الإدارة بوجه عام وعن كيفية تطبيق مهارات الإدارة بوجه خاص لذا كانت هذه السطور وهدفها. وجاءت كلمة " إدارة " من كلمة لاتينية تعني الخدمة ، ومفادها الخدمة التي قد تعود على الفرد والمجتمع بالفائدة والمنفعة العامة ، أما كلمة إدارة في المواضعة العربية الاصطلاحية فجاءت من الأصل " أدار الشئ " أي أحاط به وجعله يدور . وهناك ثمة مواضعات تشير إلى ماهية الإدارة وكنهها ، منها ما أشار إليه فريدريك تايلور عالم المناهج التربوية الشهير بأنها هي أن تعرف بالضبط ماذا تريد ، ثم تتأكد من أن الأفراد يؤدونه بأفضل وأرخص طريقة ممكنة . في حين أن جون مي يرى أنها تمثل فن الحصول على أقصى النتائج بأقل جهد . أما كيمبول فيعرف الإدارة بأنها جميع الواجبات والوظائف والمهام ذات العلاقة بإنشاء مشروع ما وتمويله وسياساته الرئيسة وتوفير كل الأدوات اللازمة لتنفيذه ووضع الإطار التنظيمي العام له. وتعد الإدارة من أبرز الظواهر الإنسانية الواعية أي التي يقوم بها الإنسان عن قصد ودراية بما يفعله ، وهو في ممارسته لهذه الظاهرة يقوم بعمليات رئيسة مثل التخطيط والتنفيذ والمراقبة والتحكم والتوظيف والتوجيه والتنسيق وأخيراً التقويم لما قام به . ومحاولة إيجاد تعريف محدد لكلمة إدارة باتت من الأمور التي تكاد أن تكون صعبة المنال ، وهذا يرجع إلى عدة عوامل منها أن الإدارة نفسها علم تطبيقي أكثر منه نظري ، كما أنها تتضمن عدداً من العمليات الإجرائية الكثيرة والتي يصعب الفصل بينها عند التطبيق ، بجانب كون الإدارة علماً اجتماعياً وأن العنصر البشري هو أبرز ما يمثله ومن ثم فيصعب التنبؤ بسلوك الفرد وما ينبغي فعله . ولعل الأمر الذي جعل تعريف الإدارة من الأمور الصعبة هو أن الإدارة نفسها تعتمد غالباً على الموقف السائد أو الظروف الراهنة بما تتضمنه من متغيرات وتغيرات طارئة . ويفيدنا أن نشير إلى أن الإدارة في مجملها تمثل نشاطاً ذهنياً موجهاً ومخططاً لعدد من المهام والمسئوليات التي يحتاجها أي مشروع أو برنامج حتى يصل إلى تحقيق الأهداف المرجوة منه . وكما وجد تعريف الإدارة قدراً من الغموض والتعدد ، لقي تحديد عناصر الإدارة نفس القدر من تعدد المواضعة واختلاف التحديد ، ولكن باستقراء معظم أدبيات علم الإدارة يمكننا تحديد عناصرها في خمسة عناصر رئيسة بغير تفصيل هي التخطيط والتنظيم والتنسيق والحفز والرقابة . وتعد المعرفة من أبرز ملامح القرن الحادي والعشرين ، وتكاد تشكل مركزاً محورياً في أجندات الدول المتقدمة وهي تسعى لبناء نهضتها ، حيث إن الاستثمار البشري والتنمية القائمة على المعرفة حلت محل الاستثمار المادي والتنمية القائمة على الاقتصاد . هذا المعنى نفسه ما أشار إليه فرانشيسكو خافيير كاريللو في كتابه " مدن المعرفة " Knowledge Cities ، من جهة أن العالم المتقدم الآن يتسارع بصورة محمودة في استثمار الطاقات المعرفية للمواطن .وأن فكرة حث المواطن على الابتكار والاكتشاف لم تعد من أفكار الترف والرفاهية ، بل هي ضرورة حتمية لمواجهة تحديات وتطورات هذا العصر . وأنه ثمة مصطلحات أصبحت أساسية في قاموس تقدم الأمم وتميزها الحضاري مثل مرافئ المعرفة ، والطبقة المبدعة ، وشركات المعرفة ، ومحركات الابتكار ، ومواطن المعرفة ، واكتساب المهارة . وفكرة التنمية القائمة على المعرفة تخطت الحيز التصميمي والتنظيمي والتخطيطي لتكون واقعاً مرئياً ملموساً ، بدليل تشييد مدن تم إنشاؤها لتضم المئات من الخبراء والمتخصصين في العلوم التكنولوجية هدفها جعل الإنسان هو رأس المال المستقبلي ، وتصب مجمل اهتمامها في جعل القرن الحادي والعشرين هو قرن المعرفة ، في الوقت الذي تبذل فيه دول أخرى لاسيما في أفريقيا جهوداً مضنية للحد من تفشي ظاهرة أمية القراءة والكتابة ، بالإضافة إلى محاربة مظاهر التلوث البيئي والانتشار المحموم للأوبئة والأمراض. ومن المواضعات التي برزت بصورة طاغية في الألفية الثالثة مواضعة إدارة المعرفة ، وهي من المفاهيم الإدارية الحديثة التي أصبحت تلقى اهتماماً بالغاً سواء من قبل الدول المنتجة للمعرفة أو عقب ما حدث ببعض البلدان العربية من ثورات سلمية كانت قوامها المعرفة وكيفية إدارتها . ويمكن القول بأن مفهوم إدارة المعرفة بدأ منذ ظهور الإدارة العلمية ، حيث تم وضع أسس ومرتكزات علمية لعملية الإدارة ؛ لكن بعد ثورة الاتصالات التي شهدها العالم في مطلع الألفية الثالثة وتوافر عدد لا بأس به من شبكات التواصل الاجتماعي أصبح ليس من الضروري إيجاد تعريف محدد لمفهوم إدارة المعرفة بقدر ما بات من الأهمية كيفية استخدامها بصورة مباشرة ، ولقد نجحت الشركات عابرة القارات في استغلال إدارة المعرفة في تسويق منتجاتها وأيضاً البلاد المتقدمة في الترويج عن مميزاتها ومواردها بصورة شيقة جاذبة للمستثمرين والسائحين. وبظهور مفهوم إدارة المعرفة بزغت ظواهر إنسانية جديدة متوافقة مع ظهورها مثل مدن المعرفة مدن تم إنشاؤها لتضم المئات من الخبراء والمتخصصين في العلوم التكنولوجية هدفها جعل الإنسان هو رأس المال المستقبلي ، وتصب مجمل اهتمامها في جعل القرن الحادي والعشرين هو قرن المعرفة ، في الوقت الذي نقرأ فيه عن اختطاف أحد الأطباء لطلب فدية مالية من أسرته ، وعن طفل تم تشويه وجهه من أجل خلافات تعود لوقت ثورة يناير ، ورغم ما نحن فيه تبدأ دول أخرى في جعل قرننا هذا هو قرن التعلم ، واستبدال التنمية المادية لتحل محلها التنمية القائمة على المعرفة.وهذه المدن المعرفية أقامها رجال وحكومات ووزراء ورجال أعمال ليسوا كائنات من كواكب أخرى ، بل هم بشر مثلنا ، ولقد شاهدت شاهدت أفلاماً كثيرة على موقع اليوتيوب you tube عن مدن عجيبة مثل راجوزا ، ومدينة معمل العقل بالدنمارك ، ومعمل أفكار مومينتم في شمال زيلاند ، ومدينة المعرفة في برشلونة ، ومدينة المعرفة في بلباو . ومن خلال ربيع الثورات العربية الذي هب على دول مثل مصر وليبيا وتونس واليمن وسوريا بزغ من جديد مفهوم إدارة المعرفة ، حيث استطاع الثوار في هذه البلدان من تحويل المعلومات والرصيد الفكري إلى قيم لعملاء الائتلافات وأعضائها ، وتحولت المعرفة حينئذ من فن وعلم إلى سيناريوهات لمواجهة الأنظمة السياسية بها ، واعتبرت إدارة المعرفة مورداً رئيساً للتنظيم والتخطيط ومن ثم التنفيذ وكان ذلك عن طريق استخدام بعض الوسائط الإليكترونية مثل البريد الإليكتروني والفيس بوك وتويتر وغير ذلك من وسائط التواصل الاجتماعي . وما شهدته بعض البلدان العربية من ثورات يجعلنا نحاول استقراء دور إدارة المعرفة في نجاح هذه الثورات ، فإدارة المعرفة عبر وسائطها أتاحت انسياب المعرفة من المعارف إلى المستخدم ، كما حفزت الإبداع والمشاركة في المعرفة ، كما أنها ركزت على تفاعلات الجماعة المدعمة أكثر من بيئة المعرفة وهيكلها في قواعد بيانات ووثائق ، كل هذا وكانت تكنولوجيا المعلومات والاتصال جزءاً رئيساً في إدارة المعرفة . وهناك عاملان رئيسان يتحكمان بصورة مباشرة في إدارة المعرفة أشار إليهما ويج وهما العوامل الخارجية External factors ، وتشير إلى العناصر البيئة التي تعمل في ظلها المنظمة أو المشروع أو الشركة والتي تؤثر في أعمالها ولا غنى للمنظمة سوى التكيف مع هذه المتغيرات والعوامل الخارجية والاستجابة لها ، وأهم هذه المتغيرات العولمة ، وزيادة حدة المنافسة . والعوامل الداخلية Internal factors وتتوفر هذه العوامل داخل المنظمة حيث تسهم في تطور إدارة المعرفة ومن أبرزها تزايد القدرات التقنية حيث أسهمت الإمكانات التقنية مثل الحاسبات والبرمجيات في تعدد مداخل إدارة المعرفة ، وكذلك فهم الوظائف المعرفية حيث يتولى ذلك الأفراد المؤهلون علمياً وعملياً الأمر الذي يزيد من فاعلية إدارة المعرفة .