صدر مؤخرا عن مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، في بيروت كتاب جديد بعنوان "الحنين إلى السماء" للباحث المصري هاني علي نسيرة، تناول فيه عملية التحول نحو الاتجاه الإسلامي في مصر خلال النصف الثاني من القرن العشرين. وذكر عدد من المثقفين أن "الحنين إلى السماء" يدرس تحولات بعض المفكرين المصريين أصحاب الأفكار العلمانية أو الليبرالية أو الماركسية نحو التيار الإسلامي، وإن كانت أصوات هؤلاء المفكرين خافتة في البداية بسبب الانتقادات العنيفة التي اتهمتهم بالتراجع أو الردة العقلانية، وذلك على الرغم من أنهم كانوا من أهم أسباب ما عرف بالصحوة الإسلامية منذ السبعينات وحتى الآن. ويرى هاني علي نسيرة، أن لهذه التحولات أسبابا معرفية ترتبط بتصور المثقف للتراث الإسلامي، كما حدث مع بروفيسور الفلسفة زكي نجيب محمود "1905 -1993" والكاتب خالد محمد خالد "1920 – 1996" غير أن هناك أسبابا ذاتية أخرى تتعلق بالمرض والتقدم في السن وصراع الوجود والموت، وافتقاد المعنى والسعي وراء الطمأنينة النفسية والروحية أو محاولة التوبة والبراءة. وهناك أسباب تاريخية وسياسية لهذا التحول، منها هزيمة يونيو 1967 التي أدت إلى تحول بعض الماركسيين والعلمانيين نحو التوجه الإسلامي، كما يذكر هاني في كتابه، والذي يقول فيه "إن ظاهرة التحولات متباينة ولا تخص المصريين فقط، وإنما تضم آخرين في العالمين العربي والإسلامي، حيث تبنى المتحولون تصورا إسلاميا شاملا للوجود والحياة والاجتماع، لا سيما بعد انهيار الأيديولوجية القومية العربية وأنظمتها الثورية الحاكمة، مما جعلهم يكتبون نقدا ذاتيا لأفكارهم السابقة". ويناقش الكتاب الذي يقع في 453 صفحة تحولات كتاب ومفكرين منهم عبد الرحمن بدوي "1917 – 2002" وعبد الوهاب المسيري "1938 – 2008" وطارق البشري، الذين تأثروا بهزيمة يونيو 1967 ثم معاهدة السلام مع إسرائيل، والتي يراها هاني بمثابة تحولات مضادة أو انقلاب على مسار سابق. ويذكر هاني في كتابه أشهر المفكرين الأجانب الذين مروا بعملية التحول الفكري، ومنهم الفيلسوف الفرنسي الراحل روجيه جارودي، والألماني مراد هوفمان، والنمساوي ليوبولد فارس، والمعروف باسم محمد أسد، والذي شارك عمر المختار في كفاحه ضد الاحتلال الإيطالي لليبيا، رغم أنه كان يهوديا وأسلم عام 1926 ثم عمل رئيسا لمعهد الدراسات الإسلامية في لاهور، وأصبح مندوبا لباكستان في الأممالمتحدة. ويصف المؤرخ التحولات الفكرية بالانقلاب الجوهري على تاريخ صاحبها، وربما تتكامل مع مسار أفكاره وتوجهاته السابقة، ولكنه يؤكد أن تفسير هذه التحولات يعتمد على قراءة السياقات الفكرية والسياسية والنفسية والاجتماعية للمتحولين. ويرى هاني أن التحولات من الاتجاهات العلمانية نحو التيار الإسلامي، تركت أثرا في نقد الحداثة الغربية، حيث استخدم المتحولون المناهج والرؤى السابقة في إثراء التحولات الجديدة، كما حدث مع سيد قطب الذي بدأ حياته شاعرا وناقدا أدبيا ثم تحول للاتجاه الإسلامي منذ عودته من بعثة لدراسة التربية وأصول المناهج في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأصدر كتبا منها "خصائص التصور الإسلامي" و "المستقبل لهذا الدين" و "معالم على الطريق". ولا يمكن إنكار تأثر المتحولين الأوائل بالنقد الماركسي للرأسمالية الغربية؛ مثل سيد قطب الذي استلهم منه أتباعه القطبيون "الحاكمية"، واعتمدوا على أفكاره في بناء الفكر الجهادي الجديد، كما يقول هاني الذي يرى أن سيد قطب تأثر في البداية بالماركسية، حين كتب كتابه الإسلامي الأول "العدالة الاجتماعية في الإسلام". ولكن سيد قطب كان قد ألف قبل هذا الكتاب كتبا أخرى مثل "مشاهد القيامة في القرآن" و "التصوير الفني في القرآن"، الذي أشاد به الروائي المصري العالمي نجيب محفوظ عقب صدوره عام 1945، في مقالة له بمجلة الرسالة كما يذكر هاني في كتابه. ويعد التوجه الإسلامي لسيد قطب أهم التحولات الفكرية نحو المرجعية الإسلامية، وأعمقها أثرا ربما في تاريخ النهضة الحديثة في مصر والعالمين العربي والإسلامي، كما يقول هاني، الذي يرى أن أفكاره كان لها أثر واضح في فكر جماعة الإخوان المسلمين وتشكيل مواقفها. ويتفق هاني مع باحثين؛ منهم الفرنسي جيل كيبيل في أن كتاب "معالم على الطريق" أهم كتابات سيد قطب، وأنه أهم ما كتب باللغة العربية في الخمسمائة عام الأخيرة، من حيث التأثير والأثر، حيث يمثل الإسلام السياسي الراديكالي الحديث خير تمثيل.