؟ويصح المثل أن البنت تولد وبداخلها راقصة. ربما يمثل الرقص غاية كمال الجسد من ليونة وقوة وعفوية، وهو ما لا يتوافر إلا في أجساد النساء.. تلك العلاقة جعلت الرقص يتنوع بتنوع تضاريس جسد المرأة، فبينما تشتهر الأسبانيات مثلاً بالسيقان الطويلة القوية، ومن ثم تنتشر لديهن رقصة الفلامنكو، نجد الرقصة الخليجية تتميز بحركة الرأس. وفيها تمعن النساء في أرجحة شعورهن الطويلة الناعمة.. أما الرقص الشرقي الأكثر إثارة وانتشاراً، فقد اعتمد علي المنطقتين الخاليتين من العضلات في جسد المرأة، وهما الصدر والعُجُز أو المؤخرة. ومن ثم كان لا بد من تحريك هاتين المنطقتين عن طريق عضلات البطن. ولهذا عرف الرقص الشرقي في التسمية القديمة ب "هز البطن".. وظهر وانتشر في مصر لما تتميز به المرأة المصرية من امتلاء منطقة الصدر والعُجُز. و بدايات الرقص الشرق تعود - في رأي بعض الباحثين- إلي ما يزيد عن ألفي عام قبل الميلاد. وقتها كانت تسود العقائد الوثنية المتعددة في وادي النيل وبلاد الرافدين. ومن يشاهد نقوش قدماء المصريين، وكذا نقوش الآشوريين والسومريين علي جدران معابدهم، يدرك علي الفور أن نوعاً من الرقص كان يمارَس ضمن الشعائر الدينية، ولا يبتعد كثيراً عن فن الرقص الشرقي الحالي. كما وصف مؤرخو الإغريق الرقص في منطقة وادي النيل، بأنه حركات اهتزازية، تشبه حركات راقصات اليوم.. واعتمدت الراقصات علي آلات موسيقية تشبه الآلات الشرقية الحالية، مثل الدف والناي والعود. وأكثر أنواع الجدل تدور حول الرقص الشرقي. وعلي الرغم من الهجوم عليه لفترات طويلة، بسبب ما فيه من عري وإثارة،فإنه ظل موجوداً ويكتسب المزيد من مساحات الانتشار. حيث تغيرت النظرة الي الرقص الشرقي والراقصات الشرقيات، بحيث أصبح هذا الفن- علي عكس الماضي- يستحوذ علي إعجاب واحترام الكثيرين في العالم أجمع. ربما يعود ذلك لما حدث من تطور لمفهوم الجسد نفسه في بدايات القرن العشرين، وتجاوز الثنائية المعهودة بين الروح والجسد. تلك الثنائية التي كانت تمثل أكبر إشكاليات الرقص الشرقي. فكان ينظر إليه بنظرة متدنية، بوصفه تعبيراً عن كل ما هو حسي غرائزي ، إلا أن هذه النظرة هي التي رفعته الآن كأكثر أنواع الرقص تمثيلاً وحضوراً للجسد، بوصفه موضوعاً ثقافياً واجتماعياً، وليس مجرد موضوع مادي.. كما تجاوز أيضاً النزعة الميكانيكية التي تنظر الي الجسد باعتباره موضوعاً لا ذاتا. وجدير أن نذكر أنه لا يوجد في اللغة اليونانية القديمة مقابل للفظ "جسد"، فلفظ "صوما" يعني "الجثة"، في مقابل "بسوخي" والتي تعني "النفس". أي أن الجسد المتحرك هو المعبّر عن الحياة، ولا يمكن الحديث عنه بشكل مستقل عنها. وهذا الجسد ظل مغيباً حتي جاء اسبينوزا وجعل العقل والجسد شيئاً واحداً؛ نتصوره من خلال اللغة كفكر. ويمكن تصوره من خلال الجسد كامتداد. وهذا الامتداد يمثل استعداداً للفعل يميز كل جسد عن الآخر.. أما نيتشه، فهو الذي احتفي بالجسد وجعله- بما يحمله من صفات- رمزاً لإرادة الحياة وإرادة القوة. حتي أنه لا يتمني من أي رجل أو امرأة إلا أن يكون راقصاً، أو تكون راقصة.