ستجرى انتخابات رئاسة الجمهورية الشهر القادم الله إذا لم تحدث حوادث ومجريات ومتغيرات جديدة في المشهد السياسي المصري ، وكل أطياف الشعب الذين مزقتهم ملل متابعة جلسات البرلمان غير الثوري ، ومحاضرات مجلس الشورى ، والجدال واللغط السياسي الخاص بلجنة تأسيس الدستور ، وأخيراً ظهور المسكوت عنه في قصص المرشحين المحتملين ، كل هؤلاء ينتظرون بفارغ الصبر إعلان رئيس جديد للبلاد والعباد أيضاً . وحقاً سيبدأ بالفعل سباق المرشحين المحتملين نحو الرئاسة ، أما ما مضى فكان مجرد دعاية كلامية وتناطح لفظي وتصريحات أشبه بإلقاء إسرائل في البحر مثلما أذاع ذلك قديماً الزعيم جمال عبد الناصر ولم يفعلها بالطبع ، وكان من الممكن أن نتهمه وقتها بالخيانة العظمى وإفساد الحياة المصرية كلها وليس السياسية لكننا لم نفعل ولن نفعل بالطبع . وهذا السباق يصاحبه هوس محموم من المؤيدين والمعارضين لكل مرشح من هؤلاء المحتملين للفوز بمقعد الرئاسة ، ومن الطبيعي أن يفوز مرشح واحد وينهزم الباقون طبقاً للعبة السياسة ، فهذه المرة الانتخابات لا تعرف أنصاف الحلول ومثالب الطعن والاعتراض على نتائجها طبقاً للمادة 28 من الإعلان الدستوري وما شابها من عوار دستوري وسياسي لم تستطع كافة الفصائل السياسية من تعديلها أو تطويعها وفقاً لإرادتها ؛ ورغم حبنا لبعض المرشحين وكراهيتنا أيضاً لآخرين لأسباب قد تتعلق بمزاجنا الشخصي أو انتماءاتنا السياسية أو لما في المرشح نفسه من مناقب أو مثالب من شأنها تجعلنا نتأرجح بين حبنا له أو عدمه . ولكن هناك خمس خطوات أو إجراءات أو إن شئت فقل خمس تهم من شأنها أن تغتال مرشحاً من هؤلاء الساعين بقوة نحو سدة الحكم في مصر ، ونحن دونما قصد قد نكون سبباً في إقصاء بعض من نرشحهم في انتخابات الرئاسة حينما نشير إليه من قريب أو بعيد بهذه الخطوات التي بالضرورة ستقضي على مستقبله السياسي. أما الخطوة الأولى ، فهي ضد الثورة ، فيكفيك أن تقول عن أحد المرشحين المحتملين بالرئاسة أنه كان يقف ضد الثورة ، أو كان بمنأى ومعزل عنها ، أو أنه لا يعتبرها ثورة بالمعنى الحقيقي ، وهذه التهم كفيله بإسقاطه من حسابات أصوات الثوار والمتظاهرين والمنتمين لثورة يناير ، وهل ذهب للميدان وقت الثورة أم لا وما دليله المادي على ذهابه كإصابته بطلق خرطوشي أو كسر يده أو إصابته بعاهة مستدامة أو أن يكون قد فقد عزيزاً لديه في جمعة الغضب مثلاً. على النقيض أيضاً فمن ينتسب إلى شرف المشاركة في ثورة يناير بالقول أو بالفعل أو بمجرد التعليق فإنه يحظى بقبول في حصد حفنة ليست بالقليلة من أصوات الشعب . والخطوة الثانية لاغتيال أي مرشح رئاسي هو إلصاق تهمة الفلول والانتماء للحزب الوطني المنحل به ، سواء كان عضواً به ، أو قيادياً بإحدى وحداته الحزبية ، أو لمجرد أنه مر عابراً عن طريق الصدفة أمام مقر الحزب الوطني ، فلقد صار اسم الحزب الوطني تهمة عادل الهرطقة في عصور الكنيسة المنصرمة ، وأصبح الانتساب الماضي للحزب بمثابة إحدى شطحات الصوفية التي كانت تنهي بصاحبها بالقتل أو بالصلب أو بالحرق أو بأي صورة تعذيبية أخرى . فمن الأسلم أن يهرب المرشح بعيداً عن كل ما هو حزبي وكل ما هو وطني حتى ينجو بنفسه من مغبة الاستبعاد والرفض. والخطوة الثالثة التي تسهم في اغتيال فرص مرشحك الأثير في الفوز بمقعد الرئيس هي أنك تُلصق به تهمة العمل مع النظام السابق ، وفي هذه الحالة إما أنه سيواجه الرفض الشعبي العام لترشيحه ، أو أنه سيلقى حتفه في السجن مع رموز النظام البائد بتهمة حتى ولو كانت حمل حقيبة أحد هؤلاء الرموز . فالشعب برمته يرفض مجرد الخوض في حديث يمس النظام السياسي البائد ، وهو في ذلك يرتكب خطيئة فكرية لا تغتفر ، فرغم وعي فصائل هذا الوطن بحقوقه وسعيه في إسقاط نظامه السابق إلا أنه يعاني لغطاً شديداً في التفريق بين مصطلحين رئيسيين وهما نظام الدولة والنظام السياسي . فنظام الدولة مصطلح يشملنا جميعاً بمعنى أننا جزء من هذه الدولة بكافة مؤسساتها وأجهزتها الرقابية والإدارية ، أم النظام السياسي فيعني مجموعة المحظوظين الملتفين والمنتفعين بالنظام الحاكم وهم فئة قليلة إذا ما قورنت بالمنتمين لنظام الدولة . فلو قلت أن هذا المرشح كان جزءاً من النظام السياسي البائد لقلت فرص صعوده السياسي في انتخابات الرئاسة ، وكان الله في عونه لأنه ربما يواجه سلسلة غير ممنهجة في فتح ملفات اتصاله برموز نظام مبارك طوال ثلاثة عقود مضت ، ويا لمأساته لو كان له تصريح ولو في كلمات عابرة حول شرعية التوريث وضرورة أن يحل ابن الرئيس السابق مبارك محله في قيادة الوطن ، فإن ذلك كفيل بتمزيق سمعته الشخصية والسياسية دون هوادة أو رحمة. أما الخطوة الرابعة التي من شأنها تقويض فكرة فوز أحد المرشحين واغتياله على المستوى السياسي والجماهيري ألا يكون متمتعاً بما يسمى بالكاريزما السياسية ، فالرئيس في الشعوب العربية منذ خلافة معاوية بن أبي سفيان وهو مرتبط بسمات وصفات وحركات وطقوس وإشارات لابد وأن يحظى المرشح بقدر كبير منها للتأثير على الناخبين ، كالهدوء وقت الاستماع للشكاوى والطلبات ، والحزم والصراخ والضجيج وقت المطالبة بضرورة الإصلاح ، وكذلك مهارته الفاعلة في استخدام حركات اليد ونظرات العين والقدرة على الالتفات والاهتمام بمتحدث يجلس بعيداً ،ناهيك عن استخدامه الأمثل لنبرات صوته ،وانفراده ببعض الكلمات مثل : لقد قررت وبصفة نهائية ، أو الأخوة والأخوات ، أو الأخوة المواطنون ، كل هذه الأمور وغيرها تصبح ضرورية لمواجهة شعب مؤهل لذلك . ومن لم يكن متمتعاً بمثل هذه الصفات فإنه سيجد حرجاً في الوصول إلى جماهيره. أما الخطوة الخامسة والأخيرة فلا تتعلق المرشح نفسه ، بل بالشعب ، وهي تصاعد ثقافة الاحتجاج لدينا ، فمنذ ثورة الخامس والعشرين من يناير والمصريون أصيبوا بداء التشكيك والتخوين للنفوس والنوايا تجاه المسئولين بصفة عامة ، الأمر الذي يدفع الكثيرون لالاعتصامات والاحتجاجات والإضرابات المتكررة ، وهذه الظاهرة الاحتجاجية كفيلة بأن تعيق عمل أي حكومة أو نظام سياسي أو سلطة تشريعية ، وما نشاهده منذ شهور جدير بأن نقر بفاعلية هذه الخطوة في تقويض سلطة الرئيس المرتقب .