يبدو ان د. عصام شرف رئيس مجلس الوزراء، قد نفذ رصيده لدي شباب الثورة ودخل في النفق الضيق، وضاعت أحلامه بعدما كان يظن انهم سنده، وانه يعتمد عليهم في تحقيق أحلامه في الوصول الي كرسي الرئاسة؛ بعدما كان يفكر وبقوة في الترشح للرئاسة؛ معتمدا علي شباب الثورة، الا ان ما حدث في جمعة القصاص جعله يعيش حالة نفسية سيئة للغاية لدرجة ان احد اصدقائه من المقربين نصحوه بالاستقالة؛ حفاظا علي تاريخه وايضا حفاظا علي علاقته بالثوار، وان ينزل معهم الي ميدان التحرير ووقتها سيكون بطلًا قوميًا وسيصل بذلك الي كرسي الرئاسة، وبالفعل اقدم شرف علي الاستقالة وقدمها الي المجلس العسكري الا انهم رفضوها ، وطالبوه بالاستمرار الي حين اخر، وهو السيناريو ذاته الذي حدث مع الفريق احمد شفيق، عندما تقدم باستقالته الي المجلس العسكري وطلبوا منه البقاء لحين تدبير البديل، وبعد فترة مع تصاعد المطالب بإقالته تم قبول الاستقالة، وتعيين د. شرف.. السيناريو قد يختلف قليلا خاصة ان شرف علي خلاف مع المجلس العسكري منذ فترة بسبب رفضهم قيامه بعمل تعديل وزاري، وايضا بسبب تصريحاته بأنه مع مطالب الدستور اولا قبل الانتخابات؛ وهو الامر الذي اثار غضب المجلس العسكري وتسبب في المزيد من المشكلات لهم. وبعد جمعة القصاص والمطالب التي تطالب بإقالة شرف، اعلن انه يعد حاليا تغييرًا وزاريًا سوف يشمل قرابة ال11 وزيرًا علي الاقل من المرجح ان يكونوا: وزير الزراعة، والصناعة، والصحة، والتعليم العالي، والداخلية، والاتصالات، والتنمية المحلية، والاسكان، والبيئة، والانتاج الحربي، والكهرباء، إضافة الي د. يحيي الجمل نائب رئيس الوزراء، وغيرهم من الوزراء من فلول الحزب الوطني. ومن المتوقع الا تتم الموافقة علي تغيير بعض الوزراء الذين يرغب شرف في تغييرهم ومنهم منصور العيسوي وزير الداخلية وسيدخل شرف في مشكلات جديدة مع المجلس العسكري.. الغريب ان شرف خلال فترة وجودة دخل في خلافات كثيرة جدا مع كل الاطياف السياسية بداية من المجلس العسكري، ثم جماعة الاخوان المسلمين بسبب موقفه من قضية "الدستور اولا ام الانتخابات؟"، وقد قطعت جماعة الاخوان المسلمين شهر العسل الممتد مع حكومة د. شرف، وعادت الى ساحة المواجهة معه، في الوقت الذي أبدى فيه المراقبون دهشتهم للتدهور المفاجئ الذي أصاب علاقة الطرفين، الا ان التفسير جاء مؤكدًا ان تصريحات شرف التي أيد فيها ضرورة التوجه بإصدار الدستور أولاً قبل إجراء الانتخابات البرلمانية هي السبب الرئيسي لانهيار هذه العلاقة على الرغم من تكتم الطرفين الاعلان عن الأسباب. وفي الوقت نفسه، قالت مصادر واسعة الاطلاع قريبة الصلة من الحكومة وجماعة الاخوان والمتابعة لتطور العلاقات بينهما منذ قيام ثورة يناير، ان حالة من الغضب قد سيطرت على د. شرف ونائبه د. يحيى الجمل، والذي يرجح كفة الدستور أولاً. وأضافت المصادر بأن شكوكًا قد ساورت الحكومة على خلفية ما تأكد من اصرار الاخوان والتيار الاسلامي بمفرده - دون باقي التيارات السياسية - على اجراء الانتخابات البرلمانية أولاً، الأمر الذي أكد تنبؤات القوى السياسية برغبة الجماعة في السيطرة على البرلمان لتمرير التشريعات التي تتوافق مع تطلعاته في المرحلة المقبلة. وكانت جماعة الاخوان قد فاجأت الشارع السياسي بحملة هجومية وصفها المراقبون بالأعنف ضد شرف منذ تولي حكومته المسئولية، وشاركها في حملة الهجوم حزب "الحرية والعدالة" المنبثق عنها بعد تصريحات شرف الأخيرة حول تأجيل الانتخابات البرلمانية. وقد أكد مقربون من رئيس الحكومة، ان الاخوان المسلمين نزلوا الي جمعة القصاص رغم انهم كانوا قد اعلنوا انهم لن ينزلوا وان السبب الرئيسي في النزول هو الوقوف ضد في الميدان والمطالبة برحيل شرف واتهامه بأنه فشل في تنفيذ مختلف الرغبات، ومطالب الثورة، وان هذه المشكلة هي احد اهم اسباب الازمة. الطامة الكبري أن الامر لم يتوقف علي حروب شرف في الخارج مع الجماعة والمجلس الاعلي للقوات المسلحة، وإنما الامور تطورت كثيرا واصبحت هناك خلافات داخلية بينه وبين الوزراء في حكومة؛ فكانت البداية مع اللواء منصور العيسوي الذي اعلن رسميا انه يرفض رفضا باتا قرار رئيس الوزراء الخاص بإنهاء خدمة الضباط المتورطين في قتل الثوار، وانه لن ينفذه حتي لا يأخذ العاطل بالباطل، والمفروض الانتهاء الي ما بعد المحاكمة؛ وهو الامر الذي جعل شرف يفقد صوابه ويهدد بإقالة وزير الداخلية، ناهيك عن خلافاته مع د. جودة عبدالخالق وزير التضامن، بسبب أزمات السلع التموينية وارتفاع الاسعار وامور اخري وايضا خلافاته مع د. سمير رضوان، بسبب أنه كان سببا في الدخول في مشكلات عديدة بسبب تصريحاته بشأن الرواتب وزيادات الاجور والخلافات مع نائبه د. يحيي الجمل؛ لدرجة انه زكي استقالة الجمل؛ الا ان المجلس الاعلي رفض تنفيذها وخلافاته من د. حسن يونس بسبب ازمة الضبعة، وطلب يونس تأجيل العمل في المشروع بسبب الظروف الراهنة.. وهو الامر الذي تسبب في ازمة حقيقية؛ حيث كان ينوي شرف ان يخرج علي الناس؛ مؤكدا انه وراء مشروع الضبعة هذا اضافة الي امور اخري؛ ناهيك عن انه يريد التخلص من الحرس القديم من وزراء العهد البائد؛ وهو الامر الذي يتسبب في ازمات ومشكلات كثيرة جدا له؛ وهو الامر الذي ادي الي انشطار مجلس الوزراء الي فريقين، وتسبب في العديد من الازمات خاصة ان الفريقين كل واحد له مبرراته؛ وهو الامر الذي اثر بشكل سلبي علي الاداء داخل الحكومة وتضاربت القرارات وازدادت المشكلات. ومن ناحية اخري، اكدت المصادر ان حكومة شرف لن تكمل المطاف الي اقامة الانتخابات البرلمانية وان المجلس العسكري يقوم هذه الايام بتجهيز رئيس وزراء جديد؛ سوف يعلن عنه في الوقت المناسب، وان المجلس مازال يبحث عن شخصية لها قبول في الشارع حتي الانتخابات، وهذه هي المشكلة الكبري؛ لذلك ومن اجل امتصاص غضب الجميع وافق المجلس الاعلي للقوات المسلحة علي اجراء تعديل وزاري من اجل امتصاص الغضب، كما تم عقد اجتماعات مع مجموعة من الشباب والمفكرين من اجل ان يتم فض الاعتصام بعد التعديل الوزاري، الا ان عددًا كبيرًا من الائتلافات رفضوا رفضا مطلقا كل المحاولات، وطالب الجميع بضرورة اقالة شرف، ووصل الامر الي الدعوة لاقتحام مجلس الوزراء، واعلان تولي د. محمد البرادعي رئيسا للوزراء، وتشكيل حكومة من ائتلافات الثورة؛ وهو الامر الذي اثار استياء الجميع، وتم تكثيف تواجد الشرطة العسكرية، ووحدات من المدرعات امام مجلس الوزراء، من اجل منع اقتحام مبني مجلس الوزراء. الغريب أن الجميع طالبوا بضرورة إقالة د. عصام شرف، ورفضوا بيانه الخاص بإجراء تغيير وزاري وحركة محافظين رغم ان الترشيحات للوزراء الجدد ضمت كلًا من: ممدوح حمزة والمستشار زكريا عبدالعزيز وجورج اسحاق وعلاء الأسوانى، ود. مصطفى النجار، ووائل غنيم، وحمزاوى، والشاطر والعريان، وغيرهم من الاسماء الاخري؛ وهو الامر الذي يؤكد ان الوضع في غاية السوء. وعلي الجانب الاخر، اكدت مصادر مقربة من د. شرف انه يعيش حالة من الاكتئاب غير المبرر، وبدأ يشعر بالخوف بعد ان وصلته معلومات انه مستهدف؛ وهو الامر الذي جعله في غاية الحزن بعدما تأكد من صعوبة ان يتحرك بحرية كما كان يفعل من قبل. والمتابعون لخطاب شرف الاخير، يتأكدون أنه صورة بالكربون لخطاب الرئيس مبارك الاخير، وان رئيس الحكومة يستعد للرحيل خلال الايام القليلة المقبلة.