استيقظ المقدم شريف خالد يوم السبت الماضي كعادته مبكراً.. ارتدي ملابسه وخرج من منزله يقلب نظره في المارة.. كانت الوجوه مختلفة عن ذي قبل او كذلك رآها فلم يكن يتوقع ان هذا اليوم سيأتي لينال حقه الذي سلبه اياه رئيس الجمهورية طيلة عشرين عاما عمر خدمته كضابط شرطة.. كانت وجهته دار القضاء العالي صعد درجات السلم في ثبات حتي وصل الي مكتب النائب العام، وما ان قابله اعطي له مجموعة من الاوراق بدأ المستشار في تفحصها وهو يختلس النظر من آن إلي آخر الي ضابط الشرطة الذي يقف امامه، وعندما فرغ قال: هل هذا حدث في مصر؟ ثم استلم منه البلاغ الذي حمل رقم 3397 يتهم فيه الرئيس السابق حسني مبارك بالعمالة الي اسرائيل، ومطاردته بمساعدة حبيب العادلي وزير الداخلية طوال عشرين عاما واتهامه بأنه ارهابي ومجنون وتشويه سمعته وسمعة اهله واقاربه، وكل ذلك بسبب انه قال رايه بصراحة في اسرائيل. "صوت البلد" التقت المقدم شريف خالد، والذي يعمل حاليا بقوات الدفاع المدني بالعريش؛ حيث جلس يروي قصته وهو يشعر بشيء من الارتياح؛ وهو يقول: تخرجت في كلية الشرطة دون ان يوقع عليَّ جزاء واحد علي، وكانت تقارير الكلية كلها تشيد بحسن سيري وسلوكي وتمتعي باتزان نفسي وعصبي.. تلك التقارير اهلتني للعمل بقطاع العمليات الخاصة بالقاهرة وبعد ستة اشهر تم نقلي إلي العمل بمنطقة الحدود مع إسرائيل بسيناء في أول يوم عمل لي شاهدت دورية إسرائيلية، وجوه قذرة دفعتني للتساؤل: كيف اتعامل مع هؤلاء الأعداء؟ وكيف أعترف بهم وهم مغتصبون لأراض عربية؟ ثم بدأت أشاهد بعد ذلك تنكيلهم ومطاردتهم اليومية للأطفال الفلسطينيين بالرصاص الحي. كنت أشعر بالغيظ والاشمئزاز، ثم طرأت في ذهني فكرة عمل دراسة لتحليل هذا الكيان من الداخل لأنني اكتشفت وجود أمية معرفية عن هذا العدو.. وتحقيقا لمبدأ "اعرف عدوك" وللواجب العروبي بداخلي قررت البدء في تأليف هذا الكتاب، وقد اعتمدت علي مصادر اسرائلية اولها تليفزيون العدو الصهيوني نفسه؛ حيث تابعت كل برامجه وتعلمت العبرية خلال فترة وجودي بالقاهرة. ثم بدأت أقرأ كل الكتب التي طالتها يدي عن إسرائيل والتي بلغت 246 كتابا كلها تتحدث عن العصابة الصهيونية المسماة بإسرائيل، ويصل عدد صفحات كتابي الذي سميته فيما بعد "القوة الغاشمة" إلي 320 صفحة من الحجم المتوسط. وبعد انتهائي من الكتاب تقدمت إلي الوزارة لأخذ موافقتها علي النشر، فطلبوا مني تحديد دار نشر أولا وبعدها سأحصل علي موافقة الوزارة، وكان ذلك في 27/4/1993. ثم فوجئت بقرار من وزارة الداخلية في أكتوبر 1993 بمنع نشر الكتاب، وبعدها بعام تقريباً وصلني خطاب من دار الناشر "مدبولي" بموافقتها علي طبع الكتاب، فذهبت إلي الوزارة وأطلعتهم علي الخطاب، ثم فوجئت بعدها باستدعائي من جهاز التفتيش والرقابة بالداخلية للتحقيق معي.. وبعد انتهاء التحقيق معي بمبني الوزارة فوجئت بقوة من الأمن المركزي تنتظرني علي الباب وقاموا باقتيادي إلي مستشفي الشرطة، ومنها إلي مستشفي النيل للأمراض النفسية بالمعادي؛ بحجة أنني غير متزن نفسيا وغير ملتزم دينيا، نتيجة لانفصال والدي عن والدتي - هكذا قالوا للطبيب المختص بالمستشفي، وللعلم والدي لم ينفصل عن امي نهائياً وعندما احتج الطبيب أخبره العميد الذي اصطحبني بأنني قمت بالاعتداء علي قائد القطاع التابع له بالضرب، وبالفعل ادخلوني المستشفي يوم الاربعاء 8 يونيه 1994 في الواحدة صباحاً، وقضيت ليلة لم أنم فيها داخل عنبر جماعي، ثم جاءني ضابط من الأمن المركزي بملابس للإقامة وقاموا بنقلي إلي غرفة خاصة وبعد ثلاثة أيام جاءني د. ممتاز إبراهيم استشاري مستشفي الشرطة، ولم يقم بالكشف علي، بل تعاطف معي وسمح لي بالخروج من المستشفي في إجازة سرية لمدة يومين، وتكرر هذا الأمر طوال مدة ال 20 يوماً التي قضيتها بالمستشفي ولم آخذ في هذه الفترة أي نوع من الأدوية، ولم أقم بأي سلوك يحسب علي وبشهادة العاملين بالمستشفي، وعندما خرجت من المستشفي علمت بأن الطبيب المسئول رفض كتابة التقرير الطبي بحالتي كما طلبت منه الوزارة، وكتبه بما يفيد بأنني أعاني من متاعب بسيطة ويمكنني العودة إلي عملي بعد أسبوع من الخروج من المستشفي. وقد استطعت الحصول علي صورة هذا التقرير ومرفقة ببلاغي الي النائب العام . وبعد خروجي من المستشفي رجعت إلي عملي كقائد نقطة خط الحدود مع "إسرائيل" ومكثت في العمل لمدة شهر ثم نزلت في إجازة لعقد خطوبتي يوم 11 أغسطس 1994 ثم فوجئت بإحالتي إلي مجلس تأديب عسكري بالقرار رقم 68 بتاريخ 19/7/94 ثم تمت احالتي إلي الاحتياط بالقرار الوزاري رقم 833 بتاريخ 25/7/1994 وهما قراران صدرا خلال خمسة أيام فقط وتحديد ميعاد للمحاكمة العسكرية يوم أول يناير 1995 أي بعد خمسة أشهر من احالتي للتأديب العسكري. وهذه الإجراءات عطلت مسار حياتي في الخطوبة والارتباط وحرماني من الراتب الشهري فضلا عن الإساءة لسمعتي، وبعدها قمت برفع دعوي امام مجلس الدولة والتي قضت بأحقيتي في العودة الي العمل وتعويض مالي نتيجة ما لحق بي من ضرر ادبي ونفسي.. وعدت الي عملي وتم نقلي من الحدود المصرية - الاسرائيلية الي مديرية امن القليوبية لأصبح ضابط تحقيقات بقسم شرطة شبرا الخيمة، لأتعرض لنوع اخر من العقاب والاذي؛ وهو حرماني من الترقية مدة اربعة اعوام؛ حيث كان من احدث مني بدفعتين وصلوا الي رتبة نقيب، وانا مازلت ملازم اول وكان هذا الظلم سيستمر لولا انني لجأت مرة اخري الي القضاء، والذي اعاد الي حقي مرة اخري، واسترددت ترقيتي المسلوبة، وكان كلما سألت احد قيادات الوزارة: من وراء كل ما اتعرض له من أذي؟ يقولون تعليمات رئاسية.. وحتي اتأكد من ذلك قمت بنشر قصتي وقتها في كثير من الصحف سواء داخل مصر او خارجها وقد تم استدعائي بعد ذلك الي تفتيش الوزارة، بعد ان طالع الرئيس السابق حسني مبارك الصحف بتعليمات منه شخصيا، وتم تهديدي بإيذائي وإيذاء اهلي بعدها تمت محاصرتي وظيفيا حيث تم نقلي الي الترحيلات، وكنت اعمل دون سلاح وذلك بتعليمات من الوزارة رغم خطورة ما اتعرض له خلال عملي، وحتي الان لا يسمح لي باستلام سلاح، وبعدها تم نقلي الي الدفاع المادني ولم اهنأ بالعمل في محافظتي القاهرة مثل باقي زملائي؛ فقد تم نقلي بين المحافظات تنكيلًا بي رغم ما كنت أعانيه من ظروف عائلية؛ مثل: مرض والدتي المزمن، وغيرها، كما كانوا يرفضون كل الطلبات التي اتقدم بها؛ سواء لاستكمال دراستي العليا او للعلاج وغيرها من الطلبات الانسانية، علما بأنني تقدمت الي الدراسات العليا وحصدت المركز الاول علي الدفعة وعندما علمت الوزارة طلبت مني عدم استكمال الدراسات بحجة انني لم احصل علي موافقة وهذا هو السبب الرسمي او المعلن، اما السبب الذي كان يقال لي في الخفاء فهو تعليمات رئاسية. سر كل ما تعرضت له من أذي واتهام بالجنون وتشتيتي بين المحافظات وتشويه سمعتي أنا واهلي يكمن في الكتاب الذي ألفته، وهو يحمل عنوان "القوة الغاشمة" واخترت هذه الاسم لاقتناعي بأن اسرائيل قوة مدعومة من الامريكان والغرب، لكنها غاشمة ومستبدة قامت علي القهر والاستبداد وتمارس العنف يومياً ضد اشقائنا العرب في فلسطين، كما انها المسئولة عن كل الحركات الارهابية في العالم الإسلامي. وينقسم الكتاب إلي خمسة أبواب تناولت في أولها نشأة الكيان الصهيوني ودور الأممالمتحدة والولايات المتحدة في تدعيم قيام هذا الكيان، اما الباب الثاني فتناول "الكيان" من الداخل وتضمن الاقتصاد "الصهيوني" والنظام الدستوري، وكيفية اتخاذ القرار السياسي، والسكان وتكوينهم. ويضم الباب الثالث وصفاً للمؤسسة العسكرية الصهيونية وتناول الجيش وكيفية التدريب، والتسلح، والمخابرات العسكرية، ثم اسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها الصهاينة. والباب الرابع عن المواجهة العربية لإسرائيل وتحدثت فيه عن الحرب في العقيدة اليهودية ثم الاستراتيجية الحربية للصهاينة مع العرب، ثم تناولت حرب 48 وكيفية خداعنا فيها وشرحت كيف كانت هذه الحرب خدعة كبري ثم تناولت وَهْم يونيو، ونصر اكتوبر توصلت فيه إلي أن اسرائيل لم تنتصر في حرب يونيو؛ لأنها لم تحقق أهدافها الكاملة، فيما انتصرت مصر في حرب اكتوبر لأنها حققت ما كانت تبغي تحقيقه. ويحتوي الباب الخامس والأخير إشارة إلي الخطر الصهيوني علي العالم كله، وتضمن الخطة الصهيونية للسيطرة والتوسع وانتهيت إلي أن التعاون الاقتصادي هو خطة الصهاينة البديلة إذا ما عجزت عن السيطرة العسكرية لتحقيق قيام "اسرائيل الكبري" ثم تناولت دور اليهود في إفساد العالم بنشر الدعارة والجنس والفساد الاقتصادي والسياسي في العالم. أما الخطر "الصهيوني" علي الشرق الاوسط ومحاولتهم اختراق الامن القومي العربي والمصري، فكان آخر ما تناولته في الكتاب، واستشهدت للدلالة علي ذلك من التوراة نفسها. والسؤال الذي ظل يتردد علي عقلي طوال فترة العشرين عاما: لماذا تمت محاصرتي واتهامي بالجنون من اجل كتاب كهذا؟ ولماذا يمنع رئيس الجمهورية الكتاب؟ هل توددا الي اسرائيل ام عمالة لهم؟ لذلك تقدمت ببلاغي الي النائب العام للكشف عمن خانوا هذا الوطن.