الذهب يواصل الاستقرار.. استقرار سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 فى مصر.. واستمرار تراجع أسعار الدولار    يواصل التراجع.. استقرار سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 2-8-2025 مع بداية تعاملات الأسبوع بعد الهبوط العالمي    ترامب: سأفرض عقوبات إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في حرب أوكرانيا    القنوات الناقلة مباشر لمباراة العين ضد إلتشي الودية    مصر ترفع رصيدها إلى 91 ميدالية متنوعة في دورة الألعاب الأفريقية للمدارس    التحريات تكشف ملابسات العثور على جثة عم الفنانة أنغام داخل شقته بالجيزة    بيان مهم بشأن تغير حالة الطقس اليوم: استقبال أمطار وكتلة هوائية معتدلة    محمد رمضان يحيي حفلاً جديدًا في الساحل الشمالي (فيديو)    رسميًا.. سون يعلن رحيله عن توتنهام هوتسبير    رئيس الترسانة لمصراوي: لدينا مشروع صعود للدوري الممتاز خلال عامين    البرازيل تجهز ردا على فرض الرسوم الجمركية الأمريكية    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    مسئول إسرائيلي: الاتفاق الشامل في غزة غير قابل للتطبيق    فلسطين.. جيش الاحتلال يدفع بتعزيزات عسكرية نحو مدينة قلقيلية من مدخلها الشرقي    "تيسلا" مطالبة ب 242 مليون دولار كتعويض عن حادث مميت    الهضبة يوجه رسالة خاصة إلى عمرو مصطفى في حفله بالعلمين ومحمد لطفي يقتحم المسرح (فيديو)    من قلبي بغني، محمد حماقي يلهب حماس جمهور جرش في الليلة قبل الأخيرة للمهرجان (فيديو)    حروق طالت الجميع، الحالة الصحية لمصابي انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج (صور)    سعر الأرز الشعير والأبيض اليوم السبت 2-8-2025 في أسواق الشرقية    تنسيق المرحلة الثانية 2025.. قائمة الكليات المتاحة لعلمي علوم ورياضة ومؤشرات الحد الأدنى    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    انتخابات مجلس الشيوخ 2025.. هل يوم الإثنين إجازة رسمية؟    أسعار الفراخ والبيض في أسواق وبورصة الشرقية اليوم السبت 2-8-2025    جريمة تهز سيوة.. مقتل 4 أفراد من أسرة واحدة وإصابة ابنهم    3 أرقام مقلقة من وديات الزمالك قبل أسبوع من انطلاق الدوري    زلزال بقوة 5.5 درجات يضرب أفغانستان    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    تشميع محال وإحالة الواقعة للنيابة.. محافظ سوهاج يتخذ إجراءات رادعة بعد مشاجرة "حي شرق" – صور    يونس: محمد شحاتة قادر على التطور.. وأول 10 مباريات فاصلة للزمالك في الدوري    تشيع جنازة عريس لحق بعروسه بعد ساعات من وفاتها بكفر الشيخ    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    نجاح علاج انسداد الشريان الحرقفي بمستشفى شرق المدينة بالإسكندرية    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    بينهم طفل.. إصابة أسرة كاملة في انقلاب دراجة نارية بالوادي الجديد    ما هي واجبات أعضاء مجلس الشيوخ؟.. القانون يجيب    وزير الزراعة: أسعار الدواجن في انخفاض مستمر.. والأعلاف تراجعت 2000 جنيه للطن    إصابة 5 عمال في مشاجرة بسوهاج لتنافس على الزبائن    إسماعيل هنية كشف خيانة الثورة المضادة فباركوا قتله .. عام على اغتيال قائد حماس    الإخوان : وقف نزيف الحرب على غزة لن يمر عبر تل أبيب    الشباب المصري يصدر تقريره الأول حول تصويت المصريين بالخارج في انتخابات مجلس الشيوخ    كواليس من محاكمة صدام حسين.. ممثل الدفاع: طلب جورج بوش وتوني بلير لهذا السبب    عبدالمنعم سعيد: الدمار الممنهج في غزة يكشف عن نية واضحة لتغيير هوية القطاع    محمد ممدوح عن «روكي الغلابة»: «كان نفسي اشتغل مع دنيا سمير غانم من زمان» (فيديو)    تحبي تكوني «strong independent woman» ماذا تعرفي عن معناها؟ (فيديو)    حدث بالفن| كارثة بسبب حفل محمد رمضان ومطرب يلغي حفله في الساحل حدادًا على المتوفي    "ظهور نجم الأهلي".. 10 صور من احتفال زوجة عماد متعب بعيد ميلاد ابنتهما    أبرزها رفع المعاش واعتماد لائحة الإعانات.. قرارات الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المهن الطبية    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    منها «الذهاب بكثرة إلى الحمام ».. 6 علامات مبكرة تدل على سرطان البروستاتا يتم تجاهلها    وصول دفعة أطباء جديدة من عدة محافظات إلى مستشفى العريش العام    2 جنيه زيادة فى أسعار «كوكاكولا مصر».. وتجار: «بيعوضوا الخسائر»    للرزق قوانين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    هل أعمال الإنسان قدر أم من اختياره؟ أمين الفتوى يجيب    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مي زيادة.. رائدة حقوق المرأة.. أحبها الكبار ورحلت وحيدة !
نشر في صوت البلد يوم 13 - 11 - 2020

رغم أن اسمها ارتبط بأهم كتاب وأدباء الفترة الزمنية التي عايشتها إلا أنها رحلت ولم يحضر جنازتها أحد ممن كانوا يرتادون صالونها الثقافي والأدبي أو الذين تعلقوا بها.
حاصرتها الشائعات والحكايات والتجارب القاسية بعد أن أدخلت مصحة للأمراض العقلية، وأخرجت من المصحة وحاضرت في الجامعة الأمريكية بحضور القضاة الذين كانوا ينظرون قضية النزاع على الميراث بينها وبين أقاربها، وأنهت رحلتها امرأة وحيدة بعد أن كانت وما زالت أحد مشاهير عصرها، ودفنت في مقابر الموارنة في مصر القديمة إلى جانب والديها.
ولدت مي إلياس زيادة (اسمها الحقيقي ماري) في مدينة الناصرة شمال فلسطين عام 1886، والدها ماروني من أصول لبنانية، وكان معلما، أما أمها فهي نُزهة معمر، وهي أرثوذكسية تعد من أصحاب الأدب وخصوصا الشعر، وقد حظيت مي زيادة باهتمام كبير من والديها كونها الابنة الوحيدة.
انتقلت مي عام 1908 مع أسرتها للإقامة في القاهرة. ودخلت الجامعة المصرية عام 1916، ودرست الفلسفة والآداب وأتقنت اللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية، وعملت بتدريس اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وتابعت دراستها للألمانية والإسبانية والإيطالية.
تنقلت مي زيادة بين لبنان وفلسطين والقاهرة، وفتح لها التعليم والصحافة أبواب الصداقة والتعارف مع صحفيين ومفكرين وأدباء كثيرين في لبنان ومصر وبلاد المهجر.
بعد أن تخرجت من كلية الآداب في القاهرة، ولدت فكرة مي بإنشاء صالونها الأدبي الخاص، وعقده كل ثلاثاء من كل أسبوع وقد امتازت بسعة الأفق ودقة الشعور وجمال اللغة.
وكان من رواده: ولي الدين يكن، طه حسين، خليل مطران، شبلي شميل، يعقوب صروف، أنطون الجميل، أحمد لطفي السيد، عباس محمود العقاد، مصطفى صادق الرافعي، أحمد شوقي، أحمد زكي، رشيد رضا، محيي الدين رضا، مصطفى عبد الرازق، الأمير مصطفى الشهابي، أمين المعلوف، سلامة موسى، إسماعيل مظهر، محمد حسين المرصفي، إبراهيم المازني، داود بركات، زكي مبارك، عبد الرحمن شكري..
كانت تقدم شراب الورد أو القهوة في صالونها الأدبي الوحيد الذي كانت تديره امرأة وتستقبل فيه ضيوفا من الجنسين. وتميز صالونها بحرية فكرية واجتماعية وحركة ثقافية وشكل منبعا للإنتاج الأدبي، وأثرت في أدباء عصرها من الناحيتين الإنسانية والفنية، وكان حديثها يغلب عليه التسامح والود والتهذيب الرفيع.
وفي هذا الشأن يقول العقاد: "ما تتحدث به ممتع كالذي تكتبه بعد رؤية وتحضير، فقد وهبت ملكة الحديث، وهي ملكة التوجيه وإدارة الحديث بين مجلس المختلفين في الرأي والمزاج والثقافة واللغة". فيما يقول عميد الأدب العربي طه حسين:" كان صالونا ديمقراطيا مفتوحا، وقد ظللت أتردد عليه أيام الثلاثاء إلى أن سافرت إلى أوروبا لمتابعة الدراسة، وأعجبني منه اتساعه لمذاهب القَول وأشتات الكلام وفنون الأدب، وأعجبني منه أنه مكان للحديث بكل لسان، ومنتدى للكلام في كل علم".
وأما أمير الشعراء أحمد شوقي فترجم انطباعاته عن مي وصالونها بقصيدة يقول فيها:
أسائل خاطري عما سباني
أحُسْنُ الخلق أم حُسْنُ البيان
رأيت تنافس الحُسْنينِ فيها
كأنهما لمية عاشقان
ولفتت مي انتباه المبدعين في عصرها عام 1909 حين وهبها ووالدها إدريس بك راغب جريدة "المحروسة" ومطبعتها، فتولى والدها رئاسة التحرير وشرعت تنشر مقالاتها الأولى. وفي عام 1911 بدأت صلتها بجبران خليل جبران عبر المراسلة دون أن يلتقيا، وامتدت المراسلة بينهما عشرين عاما. وبدأت شهرتها الأدبية في مصر عام 1913، في مهرجان تكريم خليل مطران الذي دعا إليه سليم سركيس، يومها كلفت بإلقاء كلمة جبران ثم أتبعتها بكلمتها فنجحت في الاثنتين معا.
كما أنها نشرت مقالات وأبحاث في الصحف والمجلات المصرية، أما الكتب، فقد كان باكورة إنتاجها عام 1911 ديوان شعر كتبته باللغة الفرنسية، وأول أعمالها بالفرنسية كان بعنوان "أزاهير حلم". وفيما بعد صدر لها "باحثة البادية"، و"كلمات وإشارات"، و"المساواة"، و"ظلمات وأشعة"، و"بين الجزر والمد"، و"الصحائف"وغيرها.
وكانت توقع مقالاتها في الصحافة المصرية ومنها "المحروسة" بأسماء مستعارة من بينها: "شجية، خالد رأفت، إيزيس كوبيا، عائدة، كنار، السندبادة البحرية الأولى".
وكان أغلب رواد صالونها الأدبي طرفا في قصص حب غير مكتملة، ويرجح مؤرخو حياتها أن إعجاب الرجال بمي جاء لكونها "المرأة الاستثناء" بالقياس لأوضاع النساء في مصر والعالم العربي عند بدايات القرن العشرين.
فقد كانت امرأة شامية متحررة متعلمة تجيد عددا من اللغات، تفتح بيتها للمثقفين لتناقشهم وتحاورهم في صالونها الأسبوعي في مجتمع ذكوري، لذلك ينظر البعض إلى مي زيادة بوصفها نموذجا نسائيا رائدا لما يسمى ب"النسوية".
ورغم دورها الريادي في حركة الأدب العربي لكونها من أوائل الداعيات لكتابة "الشعر المنثور" ومنح أدب الرسائل قيمة مركزية في السرد الحديث، فإن أدوارها كلها تم اختصارها في صورة المرأة التي أحبها الأدباء والكتاب، ربما لأن هؤلاء لم يكونوا رجالا عاديين.
ومن خارج مشاهير المجتمع الأدبي تردد أن مي أحبت فقط ولي الدين يكن الذي كان شاعرا من أصول شركسية، واكتسب شهرته من كونه شخصية معارضة للسلطان العثماني وحين مات ارتدت ملابس الحداد.
راسلت مي زيادة أعلام عصرها من سياسيين ومفكرين وصحفيين وشعراء وكتاب، وراسلت عددا من الناشطات في الحركة النسائية في سوريا ولبنان ومصر.
طورت مي فن المراسلة مضمونا وشكلا، وأدخلت فيه، الأسئلة الوجودية، والوصف البارع لتحولات الطّبيعة، والنجوى الداخلية، ونقد الكتب، وحقوق المرأة، كان أسلوبها يقوم على حسن الانتقال إلى الفكرة الرئيسية وبراعة المحاورة، ودقة العبارة والتكثيف، والطرافة والوضوح، وجعلت من الرسالة محورا فكريا وليس مجرد عواطف ومشاعر.
الكثير من قصص الحب في حياتها، وأحبها: طه حسين، وعباس محمود العقاد، وأحمد شوقي، وشيخ الأزهر آنذاك مصطفى عبد الرازق، ومصطفى صادق الرافعي، وأنطون الجميل.. وتظل مراسلاتها مع جبران خليل جبران الأهم فقد امتدت إلى نحو 20 عاما دون أن يلتقيا، وتبادلا حبا عذريا بالكامل..
كتبت مي في رسالة تعترف فيها بحبها لجبران قائلة: "ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به. ولكني أعرف أنك محبوبي وأني أخاف الحب. إني أنتظر من الحب كثيراً فأخاف ألا يأتيني بكل ما أنتظر. أقول هذا مع علمي بأن القليل من الحب كثير. ولكن القليل في الحب لا يرضيني. الجفاف والقحط واللاشيء خير من النزر اليسير".
كان لمي دور في الدفاع عن حقوق المرأة المطالبة بالمساواة، وكانت إحدى رائدات النهضة النسائية العربية الحديثة فأكثرت من الكتابة والمحاضرات والندوات؛ للمطالبة بحقوق المرأة. ورفضت أن تعيش المرأة أشد أنواع الاستغلال، كما أنها كتبت الكثير حول حق المرأة بالتعليم.
بعد أن توفي والدها ثم والدتها، وتبعها جبران، عادت على إثر ذلك إلى لبنان عام 1938، حيث أساء أقاربها معاملتها، وأدخلت مستشفى للأمراض العقلية في بيروت، وبعد أن خرجت منه أقامت عند الأديب والمفكر اللبناني أمين الريحاني، ثم عادت إلى مصر وزارت العديد من البلدان الأوروبية للتخفيف عن نفسها واستقرت في مصر، وتوفيت في 19 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1941 في مدينة القاهرة عن عمر ناهز ال55 عاما. ولم يمش في جنازتها سوى: أحمد لطفي السيد، وخليل مطران، وأنطوان الجميل.
هل تحققت أمنية مي بعد 80 عاما على رحيلها، تقول الأديبة مي في مذكراتها: "أتمنى أن يأتي بعد موتي من ينصفني ويستخرج من كتاباتي الصغيرة ما فيها من صدق وإخلاص"!! تبدو أمنية مي أقرب إلى التوقع، بعد أن استباح كتاب باحثون عن الشهرة حياتها، ما دفع الأديبة والصحفية المصرية صافيناز كاظم إلى الهجوم على من يستبيح سيرة مي، قائلة إنه "يجب أن تتم قراءة وبحث ما دونته بنفسها". وكتبت كاظم: "لا يجوز أن تستباح سيرة الآنسة مي ويلت ويعجن فيها كل جاهل أثيم من دون فهم ومن دون بحث وقراءة في أوراقها هي شخصيا التي توفرت بعد أن جمعتها الباحثة المحترمة سلمى حفار الكزبري ونشرتها في كتابها 'مي زيادة أو مأساة النبوغ‘".

المراجع
* "مي زيادة بين أديبات العرب قديما وحديثا "، هبة الوادي هبة.
* "مي زيادة.. سيرة حياتها وأدبها وأوراق لم تنشر"، خالد محمد غازي.
* "مي زيادة في حياتها وآثارها"، وداد سكاكيني.
* "مي زيادة، ياسمينة النهضة والحرية"، خليل البيطار.
* "المرأة في الخطاب الأدبي الإعلامي والثقافي"، هيثم أحمد العزام، عبد الرحيم مراشدة.
* "الذين أحبوا مي.. وأوبريت جميلة"، كامل الشناوي.
* "غرام الكبار في صالون مي زيادة"، أنيس الدغيدي.
* "مي زيادة وعشاقها الأدباء"، أحمد الطويلي.
* "فراشة الأدب... مي زيادة"، فلم وثائقي. الجزيرة الوثائقية.
* "ابتسامات ودموع.. الحب الألماني"، فريدريك مكس مولر.
* "مي زيادة أو مأساة النبوغ"، سلمى حفار الكزبري.
رغم أن اسمها ارتبط بأهم كتاب وأدباء الفترة الزمنية التي عايشتها إلا أنها رحلت ولم يحضر جنازتها أحد ممن كانوا يرتادون صالونها الثقافي والأدبي أو الذين تعلقوا بها.
حاصرتها الشائعات والحكايات والتجارب القاسية بعد أن أدخلت مصحة للأمراض العقلية، وأخرجت من المصحة وحاضرت في الجامعة الأمريكية بحضور القضاة الذين كانوا ينظرون قضية النزاع على الميراث بينها وبين أقاربها، وأنهت رحلتها امرأة وحيدة بعد أن كانت وما زالت أحد مشاهير عصرها، ودفنت في مقابر الموارنة في مصر القديمة إلى جانب والديها.
ولدت مي إلياس زيادة (اسمها الحقيقي ماري) في مدينة الناصرة شمال فلسطين عام 1886، والدها ماروني من أصول لبنانية، وكان معلما، أما أمها فهي نُزهة معمر، وهي أرثوذكسية تعد من أصحاب الأدب وخصوصا الشعر، وقد حظيت مي زيادة باهتمام كبير من والديها كونها الابنة الوحيدة.
انتقلت مي عام 1908 مع أسرتها للإقامة في القاهرة. ودخلت الجامعة المصرية عام 1916، ودرست الفلسفة والآداب وأتقنت اللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والألمانية، وعملت بتدريس اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وتابعت دراستها للألمانية والإسبانية والإيطالية.
تنقلت مي زيادة بين لبنان وفلسطين والقاهرة، وفتح لها التعليم والصحافة أبواب الصداقة والتعارف مع صحفيين ومفكرين وأدباء كثيرين في لبنان ومصر وبلاد المهجر.
بعد أن تخرجت من كلية الآداب في القاهرة، ولدت فكرة مي بإنشاء صالونها الأدبي الخاص، وعقده كل ثلاثاء من كل أسبوع وقد امتازت بسعة الأفق ودقة الشعور وجمال اللغة.
وكان من رواده: ولي الدين يكن، طه حسين، خليل مطران، شبلي شميل، يعقوب صروف، أنطون الجميل، أحمد لطفي السيد، عباس محمود العقاد، مصطفى صادق الرافعي، أحمد شوقي، أحمد زكي، رشيد رضا، محيي الدين رضا، مصطفى عبد الرازق، الأمير مصطفى الشهابي، أمين المعلوف، سلامة موسى، إسماعيل مظهر، محمد حسين المرصفي، إبراهيم المازني، داود بركات، زكي مبارك، عبد الرحمن شكري..
كانت تقدم شراب الورد أو القهوة في صالونها الأدبي الوحيد الذي كانت تديره امرأة وتستقبل فيه ضيوفا من الجنسين. وتميز صالونها بحرية فكرية واجتماعية وحركة ثقافية وشكل منبعا للإنتاج الأدبي، وأثرت في أدباء عصرها من الناحيتين الإنسانية والفنية، وكان حديثها يغلب عليه التسامح والود والتهذيب الرفيع.
وفي هذا الشأن يقول العقاد: "ما تتحدث به ممتع كالذي تكتبه بعد رؤية وتحضير، فقد وهبت ملكة الحديث، وهي ملكة التوجيه وإدارة الحديث بين مجلس المختلفين في الرأي والمزاج والثقافة واللغة". فيما يقول عميد الأدب العربي طه حسين:" كان صالونا ديمقراطيا مفتوحا، وقد ظللت أتردد عليه أيام الثلاثاء إلى أن سافرت إلى أوروبا لمتابعة الدراسة، وأعجبني منه اتساعه لمذاهب القَول وأشتات الكلام وفنون الأدب، وأعجبني منه أنه مكان للحديث بكل لسان، ومنتدى للكلام في كل علم".
وأما أمير الشعراء أحمد شوقي فترجم انطباعاته عن مي وصالونها بقصيدة يقول فيها:
أسائل خاطري عما سباني
أحُسْنُ الخلق أم حُسْنُ البيان
رأيت تنافس الحُسْنينِ فيها
كأنهما لمية عاشقان
ولفتت مي انتباه المبدعين في عصرها عام 1909 حين وهبها ووالدها إدريس بك راغب جريدة "المحروسة" ومطبعتها، فتولى والدها رئاسة التحرير وشرعت تنشر مقالاتها الأولى. وفي عام 1911 بدأت صلتها بجبران خليل جبران عبر المراسلة دون أن يلتقيا، وامتدت المراسلة بينهما عشرين عاما. وبدأت شهرتها الأدبية في مصر عام 1913، في مهرجان تكريم خليل مطران الذي دعا إليه سليم سركيس، يومها كلفت بإلقاء كلمة جبران ثم أتبعتها بكلمتها فنجحت في الاثنتين معا.
كما أنها نشرت مقالات وأبحاث في الصحف والمجلات المصرية، أما الكتب، فقد كان باكورة إنتاجها عام 1911 ديوان شعر كتبته باللغة الفرنسية، وأول أعمالها بالفرنسية كان بعنوان "أزاهير حلم". وفيما بعد صدر لها "باحثة البادية"، و"كلمات وإشارات"، و"المساواة"، و"ظلمات وأشعة"، و"بين الجزر والمد"، و"الصحائف"وغيرها.
وكانت توقع مقالاتها في الصحافة المصرية ومنها "المحروسة" بأسماء مستعارة من بينها: "شجية، خالد رأفت، إيزيس كوبيا، عائدة، كنار، السندبادة البحرية الأولى".
وكان أغلب رواد صالونها الأدبي طرفا في قصص حب غير مكتملة، ويرجح مؤرخو حياتها أن إعجاب الرجال بمي جاء لكونها "المرأة الاستثناء" بالقياس لأوضاع النساء في مصر والعالم العربي عند بدايات القرن العشرين.
فقد كانت امرأة شامية متحررة متعلمة تجيد عددا من اللغات، تفتح بيتها للمثقفين لتناقشهم وتحاورهم في صالونها الأسبوعي في مجتمع ذكوري، لذلك ينظر البعض إلى مي زيادة بوصفها نموذجا نسائيا رائدا لما يسمى ب"النسوية".
ورغم دورها الريادي في حركة الأدب العربي لكونها من أوائل الداعيات لكتابة "الشعر المنثور" ومنح أدب الرسائل قيمة مركزية في السرد الحديث، فإن أدوارها كلها تم اختصارها في صورة المرأة التي أحبها الأدباء والكتاب، ربما لأن هؤلاء لم يكونوا رجالا عاديين.
ومن خارج مشاهير المجتمع الأدبي تردد أن مي أحبت فقط ولي الدين يكن الذي كان شاعرا من أصول شركسية، واكتسب شهرته من كونه شخصية معارضة للسلطان العثماني وحين مات ارتدت ملابس الحداد.
راسلت مي زيادة أعلام عصرها من سياسيين ومفكرين وصحفيين وشعراء وكتاب، وراسلت عددا من الناشطات في الحركة النسائية في سوريا ولبنان ومصر.
طورت مي فن المراسلة مضمونا وشكلا، وأدخلت فيه، الأسئلة الوجودية، والوصف البارع لتحولات الطّبيعة، والنجوى الداخلية، ونقد الكتب، وحقوق المرأة، كان أسلوبها يقوم على حسن الانتقال إلى الفكرة الرئيسية وبراعة المحاورة، ودقة العبارة والتكثيف، والطرافة والوضوح، وجعلت من الرسالة محورا فكريا وليس مجرد عواطف ومشاعر.
الكثير من قصص الحب في حياتها، وأحبها: طه حسين، وعباس محمود العقاد، وأحمد شوقي، وشيخ الأزهر آنذاك مصطفى عبد الرازق، ومصطفى صادق الرافعي، وأنطون الجميل.. وتظل مراسلاتها مع جبران خليل جبران الأهم فقد امتدت إلى نحو 20 عاما دون أن يلتقيا، وتبادلا حبا عذريا بالكامل..
كتبت مي في رسالة تعترف فيها بحبها لجبران قائلة: "ما معنى هذا الذي أكتبه؟ إني لا أعرف ماذا أعني به. ولكني أعرف أنك محبوبي وأني أخاف الحب. إني أنتظر من الحب كثيراً فأخاف ألا يأتيني بكل ما أنتظر. أقول هذا مع علمي بأن القليل من الحب كثير. ولكن القليل في الحب لا يرضيني. الجفاف والقحط واللاشيء خير من النزر اليسير".
كان لمي دور في الدفاع عن حقوق المرأة المطالبة بالمساواة، وكانت إحدى رائدات النهضة النسائية العربية الحديثة فأكثرت من الكتابة والمحاضرات والندوات؛ للمطالبة بحقوق المرأة. ورفضت أن تعيش المرأة أشد أنواع الاستغلال، كما أنها كتبت الكثير حول حق المرأة بالتعليم.
بعد أن توفي والدها ثم والدتها، وتبعها جبران، عادت على إثر ذلك إلى لبنان عام 1938، حيث أساء أقاربها معاملتها، وأدخلت مستشفى للأمراض العقلية في بيروت، وبعد أن خرجت منه أقامت عند الأديب والمفكر اللبناني أمين الريحاني، ثم عادت إلى مصر وزارت العديد من البلدان الأوروبية للتخفيف عن نفسها واستقرت في مصر، وتوفيت في 19 تشرين الأول/ أكتوبر عام 1941 في مدينة القاهرة عن عمر ناهز ال55 عاما. ولم يمش في جنازتها سوى: أحمد لطفي السيد، وخليل مطران، وأنطوان الجميل.
هل تحققت أمنية مي بعد 80 عاما على رحيلها، تقول الأديبة مي في مذكراتها: "أتمنى أن يأتي بعد موتي من ينصفني ويستخرج من كتاباتي الصغيرة ما فيها من صدق وإخلاص"!! تبدو أمنية مي أقرب إلى التوقع، بعد أن استباح كتاب باحثون عن الشهرة حياتها، ما دفع الأديبة والصحفية المصرية صافيناز كاظم إلى الهجوم على من يستبيح سيرة مي، قائلة إنه "يجب أن تتم قراءة وبحث ما دونته بنفسها". وكتبت كاظم: "لا يجوز أن تستباح سيرة الآنسة مي ويلت ويعجن فيها كل جاهل أثيم من دون فهم ومن دون بحث وقراءة في أوراقها هي شخصيا التي توفرت بعد أن جمعتها الباحثة المحترمة سلمى حفار الكزبري ونشرتها في كتابها 'مي زيادة أو مأساة النبوغ‘".
المراجع
* "مي زيادة بين أديبات العرب قديما وحديثا "، هبة الوادي هبة.
* "مي زيادة.. سيرة حياتها وأدبها وأوراق لم تنشر"، خالد محمد غازي.
* "مي زيادة في حياتها وآثارها"، وداد سكاكيني.
* "مي زيادة، ياسمينة النهضة والحرية"، خليل البيطار.
* "المرأة في الخطاب الأدبي الإعلامي والثقافي"، هيثم أحمد العزام، عبد الرحيم مراشدة.
* "الذين أحبوا مي.. وأوبريت جميلة"، كامل الشناوي.
* "غرام الكبار في صالون مي زيادة"، أنيس الدغيدي.
* "مي زيادة وعشاقها الأدباء"، أحمد الطويلي.
* "فراشة الأدب... مي زيادة"، فلم وثائقي. الجزيرة الوثائقية.
* "ابتسامات ودموع.. الحب الألماني"، فريدريك مكس مولر.
* "مي زيادة أو مأساة النبوغ"، سلمى حفار الكزبري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.