إن لم تخني الذاكرة فقد رأيت النسخة الأخيرة من هذا المشهد في أواسط السبعينات، وكان خليطا من تراث ثقافات عسكرية مرت بنا مرور اللئام ، الانجليز والفرنسيون والعثمانيون، وتوارثنا تلك الثقافات مجبرين ولم نستطع التخلص منها ربما حتى اليوم بدءا من المسميات وحتى الاجراءات، ومن حضر ورأى بعض من نتاج هذه الثقافات الموروثة وهو هذا الطقس العسكري المهيب ، وبالطبع هم من فوق الستين لاأظنه قد انمحى من ذاكرته أي من تفاصيله، لأنه كان يوما أشبه بيوم القيامة، إن جاز التعبير، كان الموعد يتحدد قبلها بشهور وتتوقف الاجازات ويبدأ التحضير لليوم المشهود ورغم أنه تفتيش شامل إلا إن التعبير المتداول كان ( فرش المتاع )وكان يدل على قسم من أقسام التفتيش عندما يقف جنود وضباط صف الوحدة أو القاعدة الجوية (وخدمتى كانت في سلاح الطيران )في طابور اصطفاف عسكري حاملين أسلحتهم وأمام كل منهم (متاعه) أو مهماته مرصوصة ونظيفة ومرتبة ومهندمة وكاملة غير منقوصة، والفرد حليق الذقن وشعر الرأس لايتعدى طوله السنتيمترات الثلاث في أعلى الرأس أما الأجناب فأقصى طول سنتيمتر واحد وألاظافر مقلمه ونظيفه والحذاء (البيادة)لامع والسلاح نظيف ولك أن تتخيل أن ذلك كان يحدث في أعماق الصحارى حيث في الغالب الأعم لا ماء ولا كهرباء، وإلى جانب طابور الأفراد والصف والضباط كانت تصطف المعدات الفنيه للوحدة حسب تخصصها وكذا مركباتها (الحملة)اصطفاف منتظم في منتهى الدقة ،وكل معدة أو مركبة يقف أمامها سائقها أو مشغلها وأمامه لوحه مدون عليها بياناتها ومواصفاتها وتسليحها وحمولتها. كان اليوم يبدأ من أول ضوء حيث تبدأ البروفات النهائيه لطابور العرض العسكرى على ايقاع فرقة الموسيقات العسكرية ، وما أن يطمئن الجميع على تمام اللمسات النهائية يحصل الجميع على استراحة قصيرة في انتظار وصول قائد التفتيش وغالبا مايكون برتبة لواء ويصل بطائرة هليكوبتر، وما أن يتناهى الى الأسماع صوت أزيزها حتى تبدأ مراسم اللحظة الحاسمه ، وكانت النتائج محصورة بين نتيجتين فقط التفتيش نجح أو التفتيش (سقط) ولن أنسى ماحييت أحد نتائج الواقعتين التي حضرتهما قبل الغاء هذا المرسم المهيب عندما (سقط )أحدهما بسبب اتساخ سروال داخلى ضمن مهمات لأحد الجنود ،ونزل القرار كالصاعقة على الرؤوس فسوف يعاد التفتيش ،وأذكر أنني كنت متزوجا حديثا ولم أرى زوجتى منذ أكثر من شهر وعلى انتظار شهر آخر على الأقل هذا إن سارت الأمور سيرها بلا مفاجآت . لكن قارئا من متابعينا ربما يتساءل عن السبب في مثل هذا طرح بعيد عن الأحداث الجاريه وهى كثيرة ، لكن شعور استفزاز يومي يلاحقني كلما ظهرت على الميديا هذه المشاهد لما يطلقون عليه حروب في منطقتنا ،حيث تظهر السيارة التويوتا ذات الدفع الرباعى عليها مدفع كلاشنكوف أو مايشبهه ويجرى حولها أو وراءها مجموعة أغلبهم من الملتحين مرتدي البوكسرات(وفي اليمن تنورة) والتيشرتات والشباشب ، يطلقون النيران في أي اتجاه وفي أفواههم السجائر (وفي اليمن تنتفخ الأوداج بالقات) وضاعت كل علوم الحروب التي درسناها فلا تكتيك عسكري ولا تنظيم هجوم ولا أصول دفاع ولا أنساق أولى ولا ثانيه ولا تحصينات ولا وجود لقائد، فالجميع يركضون في كل اتجاه والجميع يرفعون علامات النصر ولا نعرف لماذا أو على من ؟ هذا هو السبب ياعزيزى القارئ، اذا كنت تظن أنه لاعلاقة بما أكتب بالأحداث الجاريه ، لكنني أعتقد بأنها علاقة وطيدة فهذه الحروب الكوميدية التي أصبحت ملهاة مستمرة على شاشات الميديا تطغى على كل ما عداها ،هذه الحروب التي تدل على انهيار كل القيم المتعارف عليها ، هذه الحروب التي حطمت كل قوانين قواعد الاشتباك المنصوص عليها في كل المعاهدات الدولية ، حروب عصابات قذرة تضع قواعدها الميليشيات والمرتزقة وأصبح الأمر لايتطلب سوى عربة دفع رباعي مركب عليها رشاش وعليها ويركض خلفها بعض الرعاع المأجورين ، وانتهت إلى الأبد مواجهات المتحاربين على خطوط القتال ،هذه ياعزيزى القارئ هي الاحداث على الساحة.. وفي الحقيقة لم نكن بعيدين عنها فقط القينا الضوء على مشهدين عايشت الأول ورأيته رؤية العين وأعايش الثانى على الميديا وأرى نتائجه المبهرة خراب ودمار ومخيمات وبشر مهانون ولازال أمراء هذه الحروب يجدون التمويل الكافي لشراء عربات الدفع الرباعى والرشاشات العوزى واستئجار بعض البلطجية والمرتزقه، ثم يكافئهم المجتمع الدولي بدعوتهم للجلوس على موائد المفاوضات للتفاوض على تقطيع أوصال دولة وتشريد الشعوب التى نكبت بهم، ولا زال السيناريو لم يكتمل مشهده الأخير، وبينما أتطلع لصورتى بآخر زى عسكرى ارتديته كمحارب يظهر على الشاشة بشر أشبه بقطاع الطرق ،وأنا متأكد أنهم لايعرفون من يقاتلون وعلى ماذا يتقاتلون والطابور الوحيد المنتظم الذى يقفون فيه هو طابور صرف مقابل القتل آخر النهار. نعود إلى (فرش المتاع ) فقد تطور مسماه الى تفتيش حرب . أي اختبار مدى جاهزية الوحدات للانتقال السريع من حالة السلم إلى حالة الحرب بمجرد صدور الأوامر ،وأحيانا يكون مصحوبا بمشروع تكتيكي بالذخيرة الحية مع أسلحة مشتركة أو مناورة مع جيوش أجنبية ،هذه ذكريات عن حروب حقيقية خضتها بالشرف العسكري ،وتلك صورة عن عصابات الهمج إلى يطلقون عليها حروب وهي فعلا حروب ،حروب الشبشب والتنورة . إن لم تخني الذاكرة فقد رأيت النسخة الأخيرة من هذا المشهد في أواسط السبعينات، وكان خليطا من تراث ثقافات عسكرية مرت بنا مرور اللئام ، الانجليز والفرنسيون والعثمانيون، وتوارثنا تلك الثقافات مجبرين ولم نستطع التخلص منها ربما حتى اليوم بدءا من المسميات وحتى الاجراءات، ومن حضر ورأى بعض من نتاج هذه الثقافات الموروثة وهو هذا الطقس العسكري المهيب ، وبالطبع هم من فوق الستين لاأظنه قد انمحى من ذاكرته أي من تفاصيله، لأنه كان يوما أشبه بيوم القيامة، إن جاز التعبير، كان الموعد يتحدد قبلها بشهور وتتوقف الاجازات ويبدأ التحضير لليوم المشهود ورغم أنه تفتيش شامل إلا إن التعبير المتداول كان ( فرش المتاع )وكان يدل على قسم من أقسام التفتيش عندما يقف جنود وضباط صف الوحدة أو القاعدة الجوية (وخدمتى كانت في سلاح الطيران )في طابور اصطفاف عسكري حاملين أسلحتهم وأمام كل منهم (متاعه) أو مهماته مرصوصة ونظيفة ومرتبة ومهندمة وكاملة غير منقوصة، والفرد حليق الذقن وشعر الرأس لايتعدى طوله السنتيمترات الثلاث في أعلى الرأس أما الأجناب فأقصى طول سنتيمتر واحد وألاظافر مقلمه ونظيفه والحذاء (البيادة)لامع والسلاح نظيف ولك أن تتخيل أن ذلك كان يحدث في أعماق الصحارى حيث في الغالب الأعم لا ماء ولا كهرباء، وإلى جانب طابور الأفراد والصف والضباط كانت تصطف المعدات الفنيه للوحدة حسب تخصصها وكذا مركباتها (الحملة)اصطفاف منتظم في منتهى الدقة ،وكل معدة أو مركبة يقف أمامها سائقها أو مشغلها وأمامه لوحه مدون عليها بياناتها ومواصفاتها وتسليحها وحمولتها. كان اليوم يبدأ من أول ضوء حيث تبدأ البروفات النهائيه لطابور العرض العسكرى على ايقاع فرقة الموسيقات العسكرية ، وما أن يطمئن الجميع على تمام اللمسات النهائية يحصل الجميع على استراحة قصيرة في انتظار وصول قائد التفتيش وغالبا مايكون برتبة لواء ويصل بطائرة هليكوبتر، وما أن يتناهى الى الأسماع صوت أزيزها حتى تبدأ مراسم اللحظة الحاسمه ، وكانت النتائج محصورة بين نتيجتين فقط التفتيش نجح أو التفتيش (سقط) ولن أنسى ماحييت أحد نتائج الواقعتين التي حضرتهما قبل الغاء هذا المرسم المهيب عندما (سقط )أحدهما بسبب اتساخ سروال داخلى ضمن مهمات لأحد الجنود ،ونزل القرار كالصاعقة على الرؤوس فسوف يعاد التفتيش ،وأذكر أنني كنت متزوجا حديثا ولم أرى زوجتى منذ أكثر من شهر وعلى انتظار شهر آخر على الأقل هذا إن سارت الأمور سيرها بلا مفاجآت . لكن قارئا من متابعينا ربما يتساءل عن السبب في مثل هذا طرح بعيد عن الأحداث الجاريه وهى كثيرة ، لكن شعور استفزاز يومي يلاحقني كلما ظهرت على الميديا هذه المشاهد لما يطلقون عليه حروب في منطقتنا ،حيث تظهر السيارة التويوتا ذات الدفع الرباعى عليها مدفع كلاشنكوف أو مايشبهه ويجرى حولها أو وراءها مجموعة أغلبهم من الملتحين مرتدي البوكسرات(وفي اليمن تنورة) والتيشرتات والشباشب ، يطلقون النيران في أي اتجاه وفي أفواههم السجائر (وفي اليمن تنتفخ الأوداج بالقات) وضاعت كل علوم الحروب التي درسناها فلا تكتيك عسكري ولا تنظيم هجوم ولا أصول دفاع ولا أنساق أولى ولا ثانيه ولا تحصينات ولا وجود لقائد، فالجميع يركضون في كل اتجاه والجميع يرفعون علامات النصر ولا نعرف لماذا أو على من ؟ هذا هو السبب ياعزيزى القارئ، اذا كنت تظن أنه لاعلاقة بما أكتب بالأحداث الجاريه ، لكنني أعتقد بأنها علاقة وطيدة فهذه الحروب الكوميدية التي أصبحت ملهاة مستمرة على شاشات الميديا تطغى على كل ما عداها ،هذه الحروب التي تدل على انهيار كل القيم المتعارف عليها ، هذه الحروب التي حطمت كل قوانين قواعد الاشتباك المنصوص عليها في كل المعاهدات الدولية ، حروب عصابات قذرة تضع قواعدها الميليشيات والمرتزقة وأصبح الأمر لايتطلب سوى عربة دفع رباعي مركب عليها رشاش وعليها ويركض خلفها بعض الرعاع المأجورين ، وانتهت إلى الأبد مواجهات المتحاربين على خطوط القتال ،هذه ياعزيزى القارئ هي الاحداث على الساحة.. وفي الحقيقة لم نكن بعيدين عنها فقط القينا الضوء على مشهدين عايشت الأول ورأيته رؤية العين وأعايش الثانى على الميديا وأرى نتائجه المبهرة خراب ودمار ومخيمات وبشر مهانون ولازال أمراء هذه الحروب يجدون التمويل الكافي لشراء عربات الدفع الرباعى والرشاشات العوزى واستئجار بعض البلطجية والمرتزقه، ثم يكافئهم المجتمع الدولي بدعوتهم للجلوس على موائد المفاوضات للتفاوض على تقطيع أوصال دولة وتشريد الشعوب التى نكبت بهم، ولا زال السيناريو لم يكتمل مشهده الأخير، وبينما أتطلع لصورتى بآخر زى عسكرى ارتديته كمحارب يظهر على الشاشة بشر أشبه بقطاع الطرق ،وأنا متأكد أنهم لايعرفون من يقاتلون وعلى ماذا يتقاتلون والطابور الوحيد المنتظم الذى يقفون فيه هو طابور صرف مقابل القتل آخر النهار. نعود إلى (فرش المتاع ) فقد تطور مسماه الى تفتيش حرب . أي اختبار مدى جاهزية الوحدات للانتقال السريع من حالة السلم إلى حالة الحرب بمجرد صدور الأوامر ،وأحيانا يكون مصحوبا بمشروع تكتيكي بالذخيرة الحية مع أسلحة مشتركة أو مناورة مع جيوش أجنبية ،هذه ذكريات عن حروب حقيقية خضتها بالشرف العسكري ،وتلك صورة عن عصابات الهمج إلى يطلقون عليها حروب وهي فعلا حروب ،حروب الشبشب والتنورة .