البابا تواضروس الثاني يؤكد وحدة الكنيسة خلال لقائه طلاب مدرسة مارمرقس بسيدني    جامعة المنوفية تنظّم ماراثون "رياضة ضد العنف" في ختام حملة "أنتِ بأمان"    زيادة مفاجئة في سعر الدولار الآن.. تحديث عاجل من البنوك    مدبولي يتفقد مشروع رفع كفاءة مركز تكنولوجيا دباغة الجلود بمدينة الروبيكي    المجر: معدل التضخم يتراجع إلى 3.8% في نوفمبر الماضي في أدنى مستوى له خلال عام    نادي الأسير: إسرائيل تعتقل 40 فلسطينيا في الضفة    "حماس" تحذر من تداعيات المنخفض الجوي الجديد على غزة    منتخب مصر ينتظر هدية ال 60 مليون جنيه من مواجهة الأردن    استمرار إغلاق ميناء الصيد ببرج البرلس لليوم الخامس على التوالي    محافظ القاهرة: رفع درجة الاستعداد لمواجهة الأمطار وتوزيع المعدات بمناطق تجمع المياه    محافظ المنيا: فحص أكثر من 195 ألف طالب ضمن مبادرة "100 مليون صحة" للكشف الأنيميا والسمنة والتقزم    زلزال جديد بقوة 5.3 درجات يضرب قبالة محافظة آومورى اليابانية    ميناء دمياط يستقبل 7 سفن خلال 24 ساعة    رئيس اللجنة القضائية: تسجيل عمومية الزمالك يتم بتنظيم كامل    الكرة النسائية.. شاهندا المغربي حكمًا لمباراة مسار والبنك الأهلي    الضويني يهنئ وزير الرياضة لاختياره رئيسا للجنة الحكومية الدولية للتربية البدنية باليونسكو    محافظ أسوان يؤكد إنهاء جميع التجهيزات والاستعدادات النهائية لجولة الإعادة للانتخابات البرلمانية    وزير الإسكان: 721 مليون يورو محفظة المشروعات الجارية مع بنك الاستثمار الأوروبي    ضبط 3 عناصر جنائية شديدة الخطورة لقيامهم بغسل 160 مليون جنيه من حصيلة الاتجار بالمخدرات    سحب 878 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    إحالة عاطل للجنايات لاتهامه بحيازة كمية من المواد المخدرة بالقاهرة    المركز القومي لثقافة الطفل يعلن بدء تحكيم جائزة التأليف المسرحي، وإعلان الفائزين في نهاية يناير    غدا.. بدء عرض فيلم الست بسينما الشعب في 9 محافظات بأسعار مخفضة    قطر تحتفي بالأوبرا المصرية في افتتاح مهرجان الأوبرا العربية بالدوحة    إبراهيم قاسم: لا مخالفات فى التصويت بالخارج لانتخابات النواب حتى الآن    زيلينسكي يصل روما لمناقشة خطة السلام بأوكرانيا    صيدلة بني سويف تنظم حملة توعوية حول الغذاء الصحي لطلاب المدارس    محافظ الدقهلية يتفقد مركز طب الأسرة بمحلة دمنة ويؤكد: الخدمات الطبية والعلاجية للمواطن أولوية لا تحتمل التأجيل    رشا عبد العال: «كارت تميز ضريبي» لتسهيل إجراءات تعامل شركائنا الممولين مع المصلحة    موعد مباراة برشلونة وفرانكفورت في دوري أبطال أوروبا.. والقنوات الناقلة    وزير الري يتابع الموقف التنفيذي للمشروع القومي لضبط النيل    أزمة الكلاب الضالة في مصر.. بين الأمان العام وحقوق الحيوان    إحالة عامل قتل صديقة بسبب خلافات فى المنوفية إلى المفتى    علاء عابد: خطوة فلوريدا تجاه الإخوان و"كير" انتصار دولى جديد ضد قوى التطرف    قافلة «زاد العزة» ال90 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    مراسلون بلا حدود: مقتل 67 صحفيا أثناء تأدية واجبهم هذا العام نصفهم في غزة    وفد الوكالة الكورية للتعاون الدولي في زيارة لكلية السياحة والفنادق بجامعة القناة    رحاب الجمل: محمد رمضان في "احكي يا شهرزاد" كان ملتزم وبيصلي    وزير الثقافة يلتقي نظيره الأذربيجاني لبحث آليات تعزيز التعاون بين البلدين    وزير الثقافة يلتقي نظيره الأذربيجاني لبحث التعاون بين البلدين    جعفر بناهي يترشح لجائزة أفضل مخرج في الجولدن جلوبز عن فيلم «كان مجرد حادث»    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 9ديسمبر2025فى محافظة المنيا    ضبط 1.5 طن سكر ناقص الوزن وغير مصحوب بفواتير بمركز ديروط فى أسيوط    عضو «حقوق الإنسان»: انتخابات مجلس النواب تتم في سهولة ويسر    رفض ليبي لتصريحات يونانية حول الحدود البحرية    فريق جراحة القلب والصدر بمستشفيات قنا الجامعية ينقذ شابا من إصابة قاتلة بصاروخ تقطيع الرخام    فوائد الامتناع عن الطعام الجاهز لمدة أسبوعين فقط    السكك الحديدية: تطبيق إجراءات السلامة الخاصة بسوء الأحوال الجوية على بعض الخطوط    الحبس عقوبة استخدام التخويف للتأثير على سلامة سير إجراءات الانتخاب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ماذا تعمل ?!    بدء تصويت الجالية المصرية فى الأردن لليوم الثانى بالدوائر ال 30 الملغاة    الخشيني: جماهير ليفربول تقف خلف محمد صلاح وتستنكر قرارات سلوت    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    الكواليس الكاملة.. ماذا قال عبد الله السعيد عن خلافه مع جون إدوارد؟    هل يجوز إعطاء المتطوعين لدى الجمعيات الخيرية وجبات غذائية من أموال الصدقات أوالزكاة؟    مراد عمار الشريعي: والدى رفض إجراء عملية لاستعادة جزء من بصره    المستشار القانونى للزمالك: لا مخالفات فى ملف أرض أكتوبر.. والتحقيقات ستكشف الحقيقة    لليوم الثالث على التوالي.. استمرار فعاليات التصفيات النهائية للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حاملو الماء: فوضى الحب للأفغاني عتيق رحيمي
نشر في صوت البلد يوم 19 - 05 - 2019

تدور رواية «حاملو الماء»، للروائي الأفغاني عتيق رحيمي حول مصير شخصيتين رئيسيتين: مصير طوم، اللاجئ الأفغاني في فرنسا، الذي يحاول قطع جذوره، ويوسف حامل المياه في كابل الذي يقع في حب زوجة أخيه. تتخذ الرواية من 11 مارس/آذار 2001 إطارها التاريخي ومرجعها الأساسي. ففي السنة نفسها كما نعلم، قتل القائد شاه مسعود وقامت جماعات طالبان الظلامية بتدمير اثنين من تماثيل بوذا في باميان. في 11 مارس سينقلب مصير الشخصيات الرئيسية وهو اليوم الذي سوف تتعرض فيه حياة شخصيتين للتأرجح. رواية «حاملو الماء» هي قبل كل شيء رواية عن الحرية والحب والمنفى. تدور أحداث هذه الرواية، كما قلنا، حول الحدث الأبرز وهو تدمير طالبان للرموز الدينية في باميان التي تشكل نقطة بارزة في تاريخ أفغانستان المعاصر. الرواية تسرد قصة بطلها لاجئ أفغاني (طوم) يغادر إلى أمستردام من أجل العمل. يغادر بدون عودة، تاركا زوجته وابنته.
في اليوم نفسه، أي 11 مارس، كان الكل ينتظر يوسف في كابول. فهو حامل الماء والكل كان بحاجة إليه في المسجد لإحضار الماء من أجل الوضوء. كان يوسف جد حذرا وكان عليه الوصول الى المسجد قبل الملا، أو يعاقب بتسعة وتسعين جلدة. كان يصعب على يوسف مغادرة القرية، حيث تعيش شيرين، زوجة أخيه التي كان مسؤولاً عنها منذ أن اختفى أخوه. وجود الشابة في حياته يزعجه. كرّس يوسف حياته كلها لحمل الماء، فقد كان إرثا ثقيلا من والده.
منفى آخر
في باريس وفي الوقت الذي يستيقظ فيه عادة، يسمع طوم صوت المطر على النوافذ، يقرر أخذ السيارة عند الفجر للذهاب إلى أمستردام، تاركًا زوجته رينا، للعثور على امرأة أخرى تدعى نوريا. طوم أفغاني منفي في فرنسا، ترك أفغانستان في سن ال20. لكنه يصد بكل قوته حنين حياته السابقة، متخليا عن لغته الأم «لكي يتنكر كمواطن فرنسي.
أما في كابول، في اليوم نفسه، ليس لدى يوسف رغبة في التخلي عن سريره والابتعاد عن شيرين، زوجة أخيه، التي يحبها بلا وعي. كان يوسف حامل الماء، يجازف بإثارة غضب حركة طالبان ويعاني من الجلد، لأنه يجب أن يذهب للصلاة في المسجد بدلاً من الجري إلى مصدر الماء الذي يعرفه وحده. لكنه «منقذ العطشى»، كما يصفه صديقه الهندوسي لالا باهاري. في هذه الرواية، يستأنف عتيق رحيمي موضوعاته المفضلة: المآسي العظيمة للتاريخ الأفغاني المعاصر، قسوة الرجال، معاناة المنفى. يتناول الروائي بالتناوب أصوات أبطاله في فصول يوم واحد. يرجع اختيار هذا الزمن المحدود الى محاولة التركيز على الحقائق ووصف الإيماءات، والتزام نوعٍ من الصرامة في الكتابة الإيقاعية، حيث تبدو كل كلمة محددة ومختارة بعناية. سوف يدرك طوم ويوسف رغبات كل منهما في عالم تسود فيه الأكاذيب والخيانة والصمت. إن صحوتهما تمر بمطالب جسديهما، ولكن من حولهما ينهار العالم وتدمر الثقافة. عندما يحل الليل، يتوقف طوم أخيرًا عن البحث عن هويته وأخذ اسمه الحقيقي تميم، في حين لم يعد يخاف يوسف من مصيره بتجريده من كل شيء. لكن، في الخارج، يستمر جنون طالبان في التخريب والقتل وطمس الثقافة.
بجملة واحدة في صفحة فارغة، يبدأ عتيق رحيمي روايته: «11 مارس 2001: طالبان تدمر اثنين من تماثيل بوذا في باميان، أفغانستان». بعد ذلك، يسرد الكاتب ثلاثين فصلا تتمحور حول مصير شخصيتين في بقعتين جغرافيتين مختلفتين، لكن يجمع بينهما الماضي والعرق المشترك. لكل شخصية معاناتها الخاصة ومصير تحاول تغييره أو الانتصار عليه. يوسف وطوم يتمسكان بالحب كخيط للنجاة من كل أنواع الألم.
في الرواية بأكملها، تتقاطع أفكار طوم/ تميم مع الحياة التي يحلم بها يوسف. إذا كان هناك أي شيء يربط هذين الرجلين، فهو الرغبة العميقة في التصرف بناءً على مصيرهما، وليس معاناة المصير، وفصل المرء عن إرادة الآخرين. بالنسبة ليوسف، فهذا الأمر واضح جدا، بسبب حمله للقدح القديم المملوء بالماء، أصبح «خصيا»، كما يطلق عليه في كابول. لكنه يريد أن يحرر نفسه، تتزعزع مشاعره وأحساسيه، وتحتل شيرين كل أفكاره وجسده. يزداد خوف يوسف عند سماع «الصوت الأبدي» يصرخ في داخله قائلا : «كيف يمكنك التفكير في ذراع شيرين، ألا تخجل، إذهب بعيدًا!»
أما بالنسبة لطوم، فالأمر أكثر تعقيدًا. كان لديه خطل الذاكرة. على الرغم من أنه حاول نسيان تميم الذي كان عليه، فإنه يدرك أن كل شيء يذكره به، خاصةً عندما يترك زوجته هربا من نفسه. ينتقل من لغة إلى أخرى، من الفارسية إلى الفرنسية، من اللغة الأم إلى لغة اللجوء والمنفى. تتملكه الرغبة في قطع جذوره: «تنظر إلى الوراء فقط لتهرب بعيدا عن كل شيء تخليت عنه، حياة بأكملها عشتها في المنفى لمدة خمسة وعشرين عاما. بيتك، ضاحية باريس، زوجتك، ابنتك، ذكرياتك… بدون أي أسف، بدون حنين»، يعاتبه الراوي (الكاتب). بهذه اللغة المزعجة، لا نعرف من يخاطب الكاتب؟ هل يخاطب نفسه؟ هل يوجه عتابا لنفسه؟ ذات يوم، تخبره أخته بلغة متهكمة «إذن أنت مجرد أفغاني!» بهذه الطريقة، يقدم لنا عتيق رحيمي رواية مقدسة. رواية تأملية، حيث الشعر ليس ببعيد أبدًا عن النثر. لقد أتقن الكاتب فن التأمل في المنفى والرغبة الملحة في الحرية.
هزيمة التاريخ
رواية عتيق رحيمي، رواية واقعية تعكس هزيمة التاريخ. في هذا النص، المنسوج على ثلج أوروبا وصحراء كابول، يترك المنفي الأفغاني زوجته في فرنسا، لينضم إلى آخرى في أمستردام، ويتدحرج تحت المطر أثناء الاستماع إلى ديلان يغني «كوبًا آخر من القهوة على الطريق». وفي الجهة الأخرى من العالم، يكتشف يوسف حبه العذري لزوجة شقيقه ومدى رغبته في حضنها، لكن يعيش في جحيم بسبب الدوافع المتناقضة التي تمزقه. من جانب، يقول المنفي إن الزنا «تمرد حميم ضد النظام الشمولي للتوحيد الزوجي»، الذي يحكم عليه بسرية جديدة وتفاهة مأساوية. من ناحية أخرى، إنها «جريمة خطيرة مثل التجديف» التي يمكن أن تؤدي إلى الرجم في ساحات كابول. يوجد أحيانًا بعض من الثرثرة الباطنية في هذه الرواية، لكن مُؤلف «حجر الصبر» يعرف كيف يتخلص من العديد من الأسئلة ويتجنب الإجابة عنها، وهي الطريقة الأضمن للسماح للشخصيات بالخروج عن إطار كتابه. على سبيل المثال، في الهجوم الذي وقع في 11 مارس 2001، يعلق الكاتب أن «البشر يمكنهم التكاثر، وليس الأعمال الفنية». كما يحاول الكاتب أن يمرر من خلال روايته حكمة واحدة ورسالة قوية بقوله: «الحب ليس خطيئة».
فيما يخص البنية السردية، فأحداث الرواية يتم سردها عبر ثناية المخاطب والغائب: تقريبا في كل الفصول المخصصة لقصة طوم، تُسرد الأحداث عن طريق استعمال ضمير المخاطب، لخلق نوع من القرابة المزعجة بين الشخصية والراوي، يتم سرد قصة يوسف بضمير الغائب نظرا لقربها من الحكاية. هذه البنية السردية تمكننا من ملاحظة الفرق بين الشخصيتين وتمكن الكاتب من المحافظة على نوع من الاستقرار، في ما يخص المسافة. سيلاحظ القارئ وجود مسافة قصيرة بين طوم البورجوازي الباريسي ويوسف حامل المياه الكابولي، والواقع الأوروبي المريح والرعب اليومي في أفغانستان. يعمد عتيق رحيمي إلى هذا التغيير المفاجئ في الضمائر، ليجعل من روايته نسقا واحدا يتقاطع فيه مصيران بينما تأخذ طبيعة طوم الأفغانية طريق الثقافة المتبنية.
مع التركيز على كل التفاصيل الدقيقة لتجربة الرجلين في هذا اليوم (11 مارس)، عندما انهارت التماثيل البوذية، اندفع عتيق رحيمي تدريجياً إلى عالم من الشعر الغنائي، حيث الأحلام والذكريات والأساطير، تتشابك وتردد بعضها بعضا. هذه الاعتبارات المتعلقة باللغات والأديان تهدف إلى إعادة التفكير في إشكالية الهوية. كلما جلب الكاتب شخصياته إلى مصير لا مفر منه، ذكرنا بشكل قاطع، أنه في الأيام العظيمة من التاريخ، لا تكاد تستحق قصتنا الصغيرة هذا القدر من الوقت، معللا سبب سرد أحداث راويته في مدة زمنية لا تتجاوز اليوم الواحد.
يمكن أن نستخلص من الرواية مجموعة من الملاحظات أهمها:
– العودة للماضي وجعله حاضرا مُعاشا، فالعودة إلى تدمير تماثيل بوذا في باميان بعد 18 سنة، تأكيد على أن الكاتب مستمر في خلق فضاء سردي كارثي، أو ما يُطلِق عليه نفسه بالكارثة التاريخية. فجل شخصيات عتيق رحيمي شخصيات جحيمية إذا ما استعرنا مصطلح كافكا، لكن المميز في روايات عتيق رحيمي، خاصة رواية «حاملو الماء» هو استمراره في خلق شخصيات تافهة تتحدى مصيرها بهدف التطرق إلى كبرى المواضيع الشائكة كالدين والحرية والحب والهوية. يحاول الكاتب دائما تقريب المسافة بين الماضي والحاضر والمستقبل ويجعل من كتابته فرصة للنبش في تاريخ بلاده، وإحياء كل الكوارث التاريخية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
– رواية عتيق رحيمي لم تخرج عن منطق التيه المعتمد في أغلب رواياته. فعتيق رحيمي يجعل من شخصياته أبطالا في فضاء مظلم أو ضبابي، أي فضاء تتضارب فيه الأحاسيس والواقع، لتُشكل نسقا واحدا مُستَلهما من تجارب معاشة، أو كانت لها أهمية كبيرة في تاريخ أفغانستان المعاصر. تتجلى شاعرية التيه، من خلال ترك طوم لزوجته والذهاب إلى أمستردام. فالشخصية تعرف وجهتها واختارتها بدافع الحب، لكنها تتيه في الماضي حين يواجه طوم الفرنسي المنفي نفسه (عندما يتذكر أن اسمه الحقيقي هو تميم وأن أصوله أفغانية)، في هذه اللحظة بالضبط تختلط المشاعر ويصبح التيه الحل الوحيد للهروب من الماضي ومحاولة تفادي القدر.
– يتطرق الكاتب لكل الإشكالية العالقة في ذهن الأفغان عن طريق ثيمة «الحب». هذا الموضوع حاضر في كل أعماله ويشكل الرابط القوي بين شخصياته. فكل الشخصيات مستعدة للتخلي عن كل شيء بدافع الحب، مستعدة لتجاوز القوانين والتقاليد والأعراف وتحمل العقاب من أجل من يحبون، لذلك، فالحب من المفاتيح المهمة لفهم كتابات عتيق رحيمي والعلاقات التي تجمع بين شخصياته. في رواية «حاملو الماء»، رغم اختلاف الشخصيتين وقصصهما، إلا أنها يلتقيان في موضوع الحب. فكل شخصية تضحي بما تملك في سبيل الوصول للحب: يضحي طوم بعائلته من أجل ماريا، ويعاني يوسف من أجل شيرين. يتحول الحب من موضوع عادي إلى أشبه بأسطورة، خاصة عندما يرتبط بأسماء من قبيل «يوسف» و»شيرين» التي تحمل إيحاءات رمزية وتاريخية مرتبط أساسا بالثقافة الإسلامية والفارسية. فالحب حسب رحيمي هو منفى، لذلك فتطرقه للحب في رواياته تأكيد على المنفى الذي يعيشه ويجعل شخصياته تتذوق مرارته حتى لو كانت تنتمي إلى جغرافيا أخرى.
– شخصيات عتيق رحيمي عادة ما تعكس بعضها بعضا بطريقة عكسية. فيوسف حامل الماء الذي يعيش في كابل، يعيش في حالة من الحب، لكن بسبب جهله يفتقد للكلمات للإفصاح أو التعبير عنه. أما طوم فهو شخص متعلم وعاش في مناخ ثقافي مختلف يعترف بالحب والمشاعر. تظهر قصة طوم على أنها أكثر واقعية من قصة يوسف التي تميل إلى الحكاية عبر استعمال كلمات وأوصاف بسيطة. يحس القارئ من خلال تصفحه لرواية «حاملو الماء» أنها تنقسم إلى قسمين: قسم كتب بالفرنسية ويتعلق الأمر بقصة طوم، وقسم كُتب بالفارسية ويخص قصة يوسف. فالكاتب متشبث بثقافته وهويته ودائما ما يكشف للقارئ ارتباطه المقدس باللغة الأم.
– فيما يخص العنوان «حاملو الماء»، نجده في صيغة الجمع، في حين يوجد في الرواية حامل ماء واحد وهو يوسف. لكن طوم أيضا حامل ماء ولكن بطريقة رمزية، لأن الماء يرمز للحياة. طوم يحمل في روحه حياته وحياة من يعرفهم K لذلك، فالعنوان يحمل في طياته العديد من التأويلات المرتبطة بمصير الشخصيات والواقع الذي استُلهمت منه. كما أنه يجب الإشارة إلى أن عتيق رحيمي يميل إلى استعمال لغة شعرية تتماشى مع أحداث روايته مما يزيدها عمقا وجمالية وتشكل نقطة قوة كتابتها وميزتها الأساسية.
....
- كاتب المقال باحث في الأدب الأفغاني المعاصر
تدور رواية «حاملو الماء»، للروائي الأفغاني عتيق رحيمي حول مصير شخصيتين رئيسيتين: مصير طوم، اللاجئ الأفغاني في فرنسا، الذي يحاول قطع جذوره، ويوسف حامل المياه في كابل الذي يقع في حب زوجة أخيه. تتخذ الرواية من 11 مارس/آذار 2001 إطارها التاريخي ومرجعها الأساسي. ففي السنة نفسها كما نعلم، قتل القائد شاه مسعود وقامت جماعات طالبان الظلامية بتدمير اثنين من تماثيل بوذا في باميان. في 11 مارس سينقلب مصير الشخصيات الرئيسية وهو اليوم الذي سوف تتعرض فيه حياة شخصيتين للتأرجح. رواية «حاملو الماء» هي قبل كل شيء رواية عن الحرية والحب والمنفى. تدور أحداث هذه الرواية، كما قلنا، حول الحدث الأبرز وهو تدمير طالبان للرموز الدينية في باميان التي تشكل نقطة بارزة في تاريخ أفغانستان المعاصر. الرواية تسرد قصة بطلها لاجئ أفغاني (طوم) يغادر إلى أمستردام من أجل العمل. يغادر بدون عودة، تاركا زوجته وابنته.
في اليوم نفسه، أي 11 مارس، كان الكل ينتظر يوسف في كابول. فهو حامل الماء والكل كان بحاجة إليه في المسجد لإحضار الماء من أجل الوضوء. كان يوسف جد حذرا وكان عليه الوصول الى المسجد قبل الملا، أو يعاقب بتسعة وتسعين جلدة. كان يصعب على يوسف مغادرة القرية، حيث تعيش شيرين، زوجة أخيه التي كان مسؤولاً عنها منذ أن اختفى أخوه. وجود الشابة في حياته يزعجه. كرّس يوسف حياته كلها لحمل الماء، فقد كان إرثا ثقيلا من والده.
منفى آخر
في باريس وفي الوقت الذي يستيقظ فيه عادة، يسمع طوم صوت المطر على النوافذ، يقرر أخذ السيارة عند الفجر للذهاب إلى أمستردام، تاركًا زوجته رينا، للعثور على امرأة أخرى تدعى نوريا. طوم أفغاني منفي في فرنسا، ترك أفغانستان في سن ال20. لكنه يصد بكل قوته حنين حياته السابقة، متخليا عن لغته الأم «لكي يتنكر كمواطن فرنسي.
أما في كابول، في اليوم نفسه، ليس لدى يوسف رغبة في التخلي عن سريره والابتعاد عن شيرين، زوجة أخيه، التي يحبها بلا وعي. كان يوسف حامل الماء، يجازف بإثارة غضب حركة طالبان ويعاني من الجلد، لأنه يجب أن يذهب للصلاة في المسجد بدلاً من الجري إلى مصدر الماء الذي يعرفه وحده. لكنه «منقذ العطشى»، كما يصفه صديقه الهندوسي لالا باهاري. في هذه الرواية، يستأنف عتيق رحيمي موضوعاته المفضلة: المآسي العظيمة للتاريخ الأفغاني المعاصر، قسوة الرجال، معاناة المنفى. يتناول الروائي بالتناوب أصوات أبطاله في فصول يوم واحد. يرجع اختيار هذا الزمن المحدود الى محاولة التركيز على الحقائق ووصف الإيماءات، والتزام نوعٍ من الصرامة في الكتابة الإيقاعية، حيث تبدو كل كلمة محددة ومختارة بعناية. سوف يدرك طوم ويوسف رغبات كل منهما في عالم تسود فيه الأكاذيب والخيانة والصمت. إن صحوتهما تمر بمطالب جسديهما، ولكن من حولهما ينهار العالم وتدمر الثقافة. عندما يحل الليل، يتوقف طوم أخيرًا عن البحث عن هويته وأخذ اسمه الحقيقي تميم، في حين لم يعد يخاف يوسف من مصيره بتجريده من كل شيء. لكن، في الخارج، يستمر جنون طالبان في التخريب والقتل وطمس الثقافة.
بجملة واحدة في صفحة فارغة، يبدأ عتيق رحيمي روايته: «11 مارس 2001: طالبان تدمر اثنين من تماثيل بوذا في باميان، أفغانستان». بعد ذلك، يسرد الكاتب ثلاثين فصلا تتمحور حول مصير شخصيتين في بقعتين جغرافيتين مختلفتين، لكن يجمع بينهما الماضي والعرق المشترك. لكل شخصية معاناتها الخاصة ومصير تحاول تغييره أو الانتصار عليه. يوسف وطوم يتمسكان بالحب كخيط للنجاة من كل أنواع الألم.
في الرواية بأكملها، تتقاطع أفكار طوم/ تميم مع الحياة التي يحلم بها يوسف. إذا كان هناك أي شيء يربط هذين الرجلين، فهو الرغبة العميقة في التصرف بناءً على مصيرهما، وليس معاناة المصير، وفصل المرء عن إرادة الآخرين. بالنسبة ليوسف، فهذا الأمر واضح جدا، بسبب حمله للقدح القديم المملوء بالماء، أصبح «خصيا»، كما يطلق عليه في كابول. لكنه يريد أن يحرر نفسه، تتزعزع مشاعره وأحساسيه، وتحتل شيرين كل أفكاره وجسده. يزداد خوف يوسف عند سماع «الصوت الأبدي» يصرخ في داخله قائلا : «كيف يمكنك التفكير في ذراع شيرين، ألا تخجل، إذهب بعيدًا!»
أما بالنسبة لطوم، فالأمر أكثر تعقيدًا. كان لديه خطل الذاكرة. على الرغم من أنه حاول نسيان تميم الذي كان عليه، فإنه يدرك أن كل شيء يذكره به، خاصةً عندما يترك زوجته هربا من نفسه. ينتقل من لغة إلى أخرى، من الفارسية إلى الفرنسية، من اللغة الأم إلى لغة اللجوء والمنفى. تتملكه الرغبة في قطع جذوره: «تنظر إلى الوراء فقط لتهرب بعيدا عن كل شيء تخليت عنه، حياة بأكملها عشتها في المنفى لمدة خمسة وعشرين عاما. بيتك، ضاحية باريس، زوجتك، ابنتك، ذكرياتك… بدون أي أسف، بدون حنين»، يعاتبه الراوي (الكاتب). بهذه اللغة المزعجة، لا نعرف من يخاطب الكاتب؟ هل يخاطب نفسه؟ هل يوجه عتابا لنفسه؟ ذات يوم، تخبره أخته بلغة متهكمة «إذن أنت مجرد أفغاني!» بهذه الطريقة، يقدم لنا عتيق رحيمي رواية مقدسة. رواية تأملية، حيث الشعر ليس ببعيد أبدًا عن النثر. لقد أتقن الكاتب فن التأمل في المنفى والرغبة الملحة في الحرية.
هزيمة التاريخ
رواية عتيق رحيمي، رواية واقعية تعكس هزيمة التاريخ. في هذا النص، المنسوج على ثلج أوروبا وصحراء كابول، يترك المنفي الأفغاني زوجته في فرنسا، لينضم إلى آخرى في أمستردام، ويتدحرج تحت المطر أثناء الاستماع إلى ديلان يغني «كوبًا آخر من القهوة على الطريق». وفي الجهة الأخرى من العالم، يكتشف يوسف حبه العذري لزوجة شقيقه ومدى رغبته في حضنها، لكن يعيش في جحيم بسبب الدوافع المتناقضة التي تمزقه. من جانب، يقول المنفي إن الزنا «تمرد حميم ضد النظام الشمولي للتوحيد الزوجي»، الذي يحكم عليه بسرية جديدة وتفاهة مأساوية. من ناحية أخرى، إنها «جريمة خطيرة مثل التجديف» التي يمكن أن تؤدي إلى الرجم في ساحات كابول. يوجد أحيانًا بعض من الثرثرة الباطنية في هذه الرواية، لكن مُؤلف «حجر الصبر» يعرف كيف يتخلص من العديد من الأسئلة ويتجنب الإجابة عنها، وهي الطريقة الأضمن للسماح للشخصيات بالخروج عن إطار كتابه. على سبيل المثال، في الهجوم الذي وقع في 11 مارس 2001، يعلق الكاتب أن «البشر يمكنهم التكاثر، وليس الأعمال الفنية». كما يحاول الكاتب أن يمرر من خلال روايته حكمة واحدة ورسالة قوية بقوله: «الحب ليس خطيئة».
فيما يخص البنية السردية، فأحداث الرواية يتم سردها عبر ثناية المخاطب والغائب: تقريبا في كل الفصول المخصصة لقصة طوم، تُسرد الأحداث عن طريق استعمال ضمير المخاطب، لخلق نوع من القرابة المزعجة بين الشخصية والراوي، يتم سرد قصة يوسف بضمير الغائب نظرا لقربها من الحكاية. هذه البنية السردية تمكننا من ملاحظة الفرق بين الشخصيتين وتمكن الكاتب من المحافظة على نوع من الاستقرار، في ما يخص المسافة. سيلاحظ القارئ وجود مسافة قصيرة بين طوم البورجوازي الباريسي ويوسف حامل المياه الكابولي، والواقع الأوروبي المريح والرعب اليومي في أفغانستان. يعمد عتيق رحيمي إلى هذا التغيير المفاجئ في الضمائر، ليجعل من روايته نسقا واحدا يتقاطع فيه مصيران بينما تأخذ طبيعة طوم الأفغانية طريق الثقافة المتبنية.
مع التركيز على كل التفاصيل الدقيقة لتجربة الرجلين في هذا اليوم (11 مارس)، عندما انهارت التماثيل البوذية، اندفع عتيق رحيمي تدريجياً إلى عالم من الشعر الغنائي، حيث الأحلام والذكريات والأساطير، تتشابك وتردد بعضها بعضا. هذه الاعتبارات المتعلقة باللغات والأديان تهدف إلى إعادة التفكير في إشكالية الهوية. كلما جلب الكاتب شخصياته إلى مصير لا مفر منه، ذكرنا بشكل قاطع، أنه في الأيام العظيمة من التاريخ، لا تكاد تستحق قصتنا الصغيرة هذا القدر من الوقت، معللا سبب سرد أحداث راويته في مدة زمنية لا تتجاوز اليوم الواحد.
يمكن أن نستخلص من الرواية مجموعة من الملاحظات أهمها:
– العودة للماضي وجعله حاضرا مُعاشا، فالعودة إلى تدمير تماثيل بوذا في باميان بعد 18 سنة، تأكيد على أن الكاتب مستمر في خلق فضاء سردي كارثي، أو ما يُطلِق عليه نفسه بالكارثة التاريخية. فجل شخصيات عتيق رحيمي شخصيات جحيمية إذا ما استعرنا مصطلح كافكا، لكن المميز في روايات عتيق رحيمي، خاصة رواية «حاملو الماء» هو استمراره في خلق شخصيات تافهة تتحدى مصيرها بهدف التطرق إلى كبرى المواضيع الشائكة كالدين والحرية والحب والهوية. يحاول الكاتب دائما تقريب المسافة بين الماضي والحاضر والمستقبل ويجعل من كتابته فرصة للنبش في تاريخ بلاده، وإحياء كل الكوارث التاريخية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
– رواية عتيق رحيمي لم تخرج عن منطق التيه المعتمد في أغلب رواياته. فعتيق رحيمي يجعل من شخصياته أبطالا في فضاء مظلم أو ضبابي، أي فضاء تتضارب فيه الأحاسيس والواقع، لتُشكل نسقا واحدا مُستَلهما من تجارب معاشة، أو كانت لها أهمية كبيرة في تاريخ أفغانستان المعاصر. تتجلى شاعرية التيه، من خلال ترك طوم لزوجته والذهاب إلى أمستردام. فالشخصية تعرف وجهتها واختارتها بدافع الحب، لكنها تتيه في الماضي حين يواجه طوم الفرنسي المنفي نفسه (عندما يتذكر أن اسمه الحقيقي هو تميم وأن أصوله أفغانية)، في هذه اللحظة بالضبط تختلط المشاعر ويصبح التيه الحل الوحيد للهروب من الماضي ومحاولة تفادي القدر.
– يتطرق الكاتب لكل الإشكالية العالقة في ذهن الأفغان عن طريق ثيمة «الحب». هذا الموضوع حاضر في كل أعماله ويشكل الرابط القوي بين شخصياته. فكل الشخصيات مستعدة للتخلي عن كل شيء بدافع الحب، مستعدة لتجاوز القوانين والتقاليد والأعراف وتحمل العقاب من أجل من يحبون، لذلك، فالحب من المفاتيح المهمة لفهم كتابات عتيق رحيمي والعلاقات التي تجمع بين شخصياته. في رواية «حاملو الماء»، رغم اختلاف الشخصيتين وقصصهما، إلا أنها يلتقيان في موضوع الحب. فكل شخصية تضحي بما تملك في سبيل الوصول للحب: يضحي طوم بعائلته من أجل ماريا، ويعاني يوسف من أجل شيرين. يتحول الحب من موضوع عادي إلى أشبه بأسطورة، خاصة عندما يرتبط بأسماء من قبيل «يوسف» و»شيرين» التي تحمل إيحاءات رمزية وتاريخية مرتبط أساسا بالثقافة الإسلامية والفارسية. فالحب حسب رحيمي هو منفى، لذلك فتطرقه للحب في رواياته تأكيد على المنفى الذي يعيشه ويجعل شخصياته تتذوق مرارته حتى لو كانت تنتمي إلى جغرافيا أخرى.
– شخصيات عتيق رحيمي عادة ما تعكس بعضها بعضا بطريقة عكسية. فيوسف حامل الماء الذي يعيش في كابل، يعيش في حالة من الحب، لكن بسبب جهله يفتقد للكلمات للإفصاح أو التعبير عنه. أما طوم فهو شخص متعلم وعاش في مناخ ثقافي مختلف يعترف بالحب والمشاعر. تظهر قصة طوم على أنها أكثر واقعية من قصة يوسف التي تميل إلى الحكاية عبر استعمال كلمات وأوصاف بسيطة. يحس القارئ من خلال تصفحه لرواية «حاملو الماء» أنها تنقسم إلى قسمين: قسم كتب بالفرنسية ويتعلق الأمر بقصة طوم، وقسم كُتب بالفارسية ويخص قصة يوسف. فالكاتب متشبث بثقافته وهويته ودائما ما يكشف للقارئ ارتباطه المقدس باللغة الأم.
– فيما يخص العنوان «حاملو الماء»، نجده في صيغة الجمع، في حين يوجد في الرواية حامل ماء واحد وهو يوسف. لكن طوم أيضا حامل ماء ولكن بطريقة رمزية، لأن الماء يرمز للحياة. طوم يحمل في روحه حياته وحياة من يعرفهم K لذلك، فالعنوان يحمل في طياته العديد من التأويلات المرتبطة بمصير الشخصيات والواقع الذي استُلهمت منه. كما أنه يجب الإشارة إلى أن عتيق رحيمي يميل إلى استعمال لغة شعرية تتماشى مع أحداث روايته مما يزيدها عمقا وجمالية وتشكل نقطة قوة كتابتها وميزتها الأساسية.
....
- كاتب المقال باحث في الأدب الأفغاني المعاصر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.