تكرّس العوامل النفسية السلبية هذه الأيام حالاً من الخوف والحذر والترقب لدى شريحة مهمة من المستثمرين والمضاربين الأفراد في معظم أسواق المنطقة، ما أدى إلى انخفاض قيمة التداولات بنسب كبيرة نتيجة انحسار قاعدة المتعاملين فيها، وإلى عدم الالتفات إلى الفرص الاستثمارية المتوافرة في هذه الأسواق. وأدى الإفراط في التخوف من الأخطار إلى ارتفاع حجم الودائع لدى المصارف على رغم الانخفاض الكبير في أسعار الفائدة على الودائع، سعياً من أصحاب الأموال إلى الابتعاد عن الأخطار. وثمة مبالغة في رد الفعل السلبي تجاه أي معلومات غير جوهرية أو أخبار سلبية، سواء كانت أخباراً اقتصادية أو مالية أو سياسية محلية أو إقليمية أو عالمية، ما يؤدي إلى تفاعل محدود مع أي أخبار إيجابية. وعززت سيطرة سيولة المضاربين الأفراد وضعف الاستثمار المؤسسي على حركة أسواق المنطقة، التأثير القوي للعوامل النفسية في أداء هذه الأسواق. وساهمت هذه العوامل، مثلاً، في ارتباط حركة مؤشرات أسواق المنطقة بحركة مؤشرات الأسواق المالية والعالمية، على رغم اختلاف الظروف واختلاف الأساسيات والأسباب، واهتمت الأسواق المالية المتقدمة في شكل كبير بالعوامل النفسية للمستثمرين وتأثيراتها في حركة هذه الأسواق، خصوصاً بعد الخسائر الجسيمة التي تعرضت لها بورصة وول ستريت عام 1987 نتيجة البيع العشوائي والتدافع غير المنطقي للخروج من السوق. كذلك اهتمت الدول الأوروبية بالعوامل النفسية خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008 عندما أوقفت البيع على المكشوف بعدما كانت صناديق التحوط وصناديق الاستثمار تعتمد في اتخاذ قراراتها الاستثمارية، القائمة على البيع على المكشوف ثم شراء الأسهم ذاتها عندما تنخفض أسعارها بنسب عالية لتحقيق مكاسب رأسمالية من الفرق ما بين سعر البيع وسعر الشراء، على العوامل النفسية والخوف. وبسبب عمليات البيع العشوائية غير المستندة في الكثير من الحالات إلى عوامل منطقية أو عوامل أساسية، تلجأ بعض الحكومات إلى ضخ أموال وسيولة أو إلى شراء أصول لرفع معنويات المستثمرين في الأسواق عند سيطرة حال نفسية سلبية، للمساهمة في عقلنة قرارات الاستثمار وتحسين الحال النفسية للمستثمرين. وأدى ارتفاع معنويات المضاربين والمستثمرين وسيطرة نزعة التفاؤل خلال طفرة الأسواق المالية في المنطقة بين عام 2005 والربع الأخير من عام 2008، إلى شراء عشوائي واتساع قاعدة المضاربين بنسبة كبيرة وعدم الالتفات إلى الأخطار، على رغم التحذيرات التي أطلقها عدد كبير من المتخصصين، خصوصاً عندما اتسعت الفجوة بين الأسعار السوقية والأسعار العادلة لنسبة مهمة من أسهم الشركات المدرجة، إضافة إلى ارتفاع قيمة التداولات إلى مستويات قياسية. وهذا هو عكس ما يحدث حالياً في معظم أسواق المنطقة نتيجة الحال النفسية السلبية ونزعة التشاؤم السائدة، إذ يلاحظ عدم الإقبال على الشراء على رغم انخفاض أسعار أسهم عدد كبير من الشركات عن قيمها العادلة، إذ انخفضت قيمة التداولات خلال هذه الفترة بنسبة 90 في المئة مقارنة بقيمتها خلال الطفرة وبالنسبة ذاتها انخفض عدد الصفقات اليومية المنفذة، ما يعكس أيضاً انحسار عدد المتداولين يومياً في السوق. ويرتكز التحليل الفني الذي يعتمد عليه المضاربون في اتخاذ قراراتهم الاستثمارية في صورة رئيسة على مستويات الدعم والمقاومة النفسية.